الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما بعد .. بعد القصير

ما بعد .. بعد القصير

06.06.2013
سمير الحجاوي

الشرق
الخميس 6-6-2013
بعد أسابيع من القصف المستمر والقذائف التي تساقطت كالمطر وبعد عام كامل من الحصار وبعد دخول مليشيات حزب اللات وتحالف الشيطان على خط المواجهات إلى جانب الجيش العلوي والحرس الثوري الإيراني والمليشيات العراقية الشيعية، وبعد فرض حصار مشدد من 3 أطواق، وبعد أن قطعت عصابات حزب اللات المياه عن مدينة القصير ومنعوا عنها الغذاء والدواء والكهرباء، وبعد إمطارها بالنار والبارود والبراميل المتفجرة والقنابل العنقودية والحرارية والانشطارية والفراغية، وبعد ثلاثة أسابيع استبسل فيها 500 مجاهد وثائر دفاعا عن الثورة السورية والشعب السوري، تمكنت عصابات الأسد الإرهابية ومليشيات حزب الله الإجرامية ومعهم السفاحون الشيعة العراقيون والإيرانيون من الاستيلاء على المدينة.
بعيدا عن عنف الانفعالات العاطفية والشحنات المرة التي توجع القلب والصدر والوجدان، يمكن القول إن معركة القصير فتحت الباب أمام مرحلة جديدة في العالم العربي أبرز محطاتها الدخول في عصر الفرز الشامل، فالتحالف "الشيعي- العلوي" المكون من إيران والعراق ولبنان وسوريا، أصبح حقيقة واقعة، وهو تحالف معاد للأمة ودينها، فمعركة القصير كشفت عن مدى الحقد الديني لدى الشيعة على المسلمين، فتهديدات عناصر حزب اللات "بحرق دين ثوار القصير" كشف المستور، وأسقط أوراق التوت عن عورة "المقاومة والممانعة"، وكشف طبيعة هذا الحلف الذي يضع "الشيعة في مواجهة الأمة"، ويثبت أن الأقلية الشيعية العلوية أصبحت في مواجهة الأكثرية المسلمة.
الفرز الثاني: أثبتت إيران وروسيا أنهم "أصدقاء حقيقيون" لنظام بشار الأسد، فسرعان ما رمموا قدراته المالية والعسكرية التي أنهكها الثوار، وأمدوه بكل من يحتاجه من السلاح والرجال والمال من أجل تعديل الكفة بعد أن وصل الثوار إلى العاصمة دمشق، وهذا أمر يحسب لإيران وروسيا ومعهما نوري المالكي وحزب اللات، فقد قدموا ما يجب أن يقدمه الحلفاء لنظام بشار الأسد.
في الجهة المقابلة خذل العالم كله الثورة السورية، وتآمروا عليها، فأمريكا وفرت غطاء من الألاعيب السياسية والدبلوماسية لإنهاك الثوار السوريين وإضاعة الوقت، وبعد عامين من الثورة عادت واشنطن إلى المربع "الروسي" بضرورة انتهاء "الأزمة عبر حل سياسي" لا يرفض الأسد ونظامه بشكل قطعي، وذهبت تحذيرات الخطوط الحمراء أدراج الرياح، فقد زعم الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن "استخدام أسلحة كيمائية" خط احمر، واستخدم نظام الأسد الإرهابي الأسلحة الكيماوية وأثبتت الأمم المتحدة ذلك، فما كان من أوباما إلا أن طالب "بمزيد من الأدلة"، وهذا ما يجعلنا نطلق على أوباما "أبو خط أحمر"، وإلى جانب أمريكا طبعا بريطانيا وفرنسا.
يمكن اعتبار معركة القصير حالة نموذجية في العلوم السياسية الحديثة حيث تتواطأ كل الأطراف للقضاء على الثورة، ففي الوقت الذي تشغل فيه أمريكا وبريطانيا وفرنسا "مفرمة كلامية" من الاستنكارات والتهديدات الزائفة، توفر روسيا جسرا جويا من السلاح لنظام الأسد، وتوفر إيران مباشرة وعبر أدواتها في لبنان والعراق مددا من الرجال الذين يقاتلون في الميدان دون أن يفعل الغرب شيئا، لماذا؟ لأن الغرب لا يريد للثورة السورية أن تنتصر ولا يريد لنظام الأسد أن يهزم، لأنه طبق إستراتيجية "التآكل الداخلي" للحيلولة دون "كسر التوازن" خاصة من قبل الثوار، مما سمح لروسيا وإيران وحزب الله والأسد على كسب الجولة في القصير.
البعد الآخر الذي كشفته معركة القصير هو العجز العربي الشامل، فالدول العربية الكبرى مشغولة بأمراضها وقادتها الذين لا يغادرون المستشفيات، ومصر مشغولة بنيلها الذي تلعب فيه أثيوبيا، وبالتالي لا يوجد قوة عربية إقليمية تستطيع أن تؤثر في المشهد، وهذا الأمر ينطبق على تركيا التي تتحرك ببراغماتية بهدف عدم وصول النيران إلى أراضيها، دون أن يكون لديها إستراتيجية واضحة وعملية للوقوف في وجه إيران التي هنأت نظام الأسد بانتصاره على "التكفيريين" في القصير
وفي المشهد الأعم يتحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتن عن حتمية "فشل أي تدخل عسكري في سوريا" ويكتفي وزير الخارجية الأمريكي جون كيري "بإبداء الأسف" ويستمر بالبحث عن "ثوار معتدلين" في سوريا بدل "الثوار المتطرفين غير المضمونين"، ويدعو الطرفين إلى "مؤتمر جنيف 2" لوضع حد للعنف فقط لا غير.
كما كشفت معركة القصير بؤس المعارضة السورية "الصوتية".."معارضة الفنادق" الذين يتقاتلون على الكراسي والمناصب الوهمية في الوقت الذي يغتال فيه نظام الأسد الإرهابي القصير وسوريا، ويحاصر المدن والقرى ويقتل ويذبح ويحرق ويرتكب المجازر على مرأى من العالم كله، وكل هذا لم يحرك ساكنا في هذه المعارضة السخيفة التي لا يحتاجها الشعب السوري.
على أية حال انسحب الثوار من القصير بعد أن دمرها نظام الأسد، كما دمر بابا عمرو الحمصي الذي صمد 28 يوما، لكن الثوار عادوا واستعادوا بابا عمرو وسيستعيدون القصير بإذن الله، فخسارة جولة لا يعني خسارة المعركة، فالحرب سجال، لكن معركة القصير الإستراتيجية وتدخل حزب اللات فيها إلى جانب الحلف الشيطاني تضع الجميع أمام حقيقة مفادها أن الشعب السوري يحتاج إلى أصدقاء حقيقيين يدعمونه بالمال والسلاح والرجال، وأن يكف أصدقاء الثورة السورية عن الصراخ والكلام، فالحلف الشيطاني الممتد من الضاحية الجنوبية وحتى قم الإيرانية وموسكو يحتاج إلى ردود عملية على الأرض، فالثورة السورية تحتاج إلى الدعم والمساندة والمدد، فالثورات تحتاج إلى ما هو أكثر من العاطفة والدعاء، تحتاج إلى عدم الارتهان لأحد، فالثورات المرتهنة لا تنتصر أبدا، بل تكون مجرد أداة في يد من يمولها، وإذا انتظر العرب والسوريون الغرب فإن هذا يعني الهزيمة المنكرة.
لقد هزمت طالبان الأفغانية المحاصرة حلفا دوليا من 40 دولة على رأسه أمريكا وقاتلت 200 ألف جندي ودفعتهم إلى الإفلاس لأنها لم تكن مرتهنة للخارج.
نعم.. كسب تحالف الشيطان جولة في القصير، وبلور تحالفا دينيا-علمانيا ارتكب مجازر وشرد السوريين وهجرهم وقتل 120 ألف سوري وجرح نصف مليون واعتقل 200 ألف شخص وهجر 5.5 مليون سوري من ديارهم ودمر سوريا كلها، وإذا كان الإرهابي بشار الأسد ومعه مجرمو حزب اللات والحرس الثوري الإيراني وشيعة العراق اعتقدوا أنهم انتصروا على 500 مجاهد في القصير، فبئس الانتصار هذا، فكل هذه الجيوش حاربت فئة قليلة من الثوار، أما وقد انفتح الوضع الآن وانفضح فستذهب الأمور إلى ما هو ابعد من القصير بكثير.. ستذهب إلى الحرب الشاملة التي تتداعى لها الأمة العربية والإسلامية كلها، ولن تستطيع أي قوة على الأرض أن توقفها، وإذا احتاج حزب اللات والعلويون وحلف الشيطان كل هذا المدد من اجل الاستيلاء على مدينة صغيرة لا يزيد عن سكانها عن 40 ألف نسمة، فإن المعارك المقبلة تحتاج إلى مليون مقاتل .. لقد فتحت القصير الباب إلى واحدة من أكبر المعارك في تاريخ العرب والإسلام .. معركة بين العرب والمسلمين مع شياطين حلف الشر، وهي معركة ستنتهي بانتصار الإسلام وجنده.