الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما بين دايتون وجنيف ومخاطر الحل السياسي في سوريا

ما بين دايتون وجنيف ومخاطر الحل السياسي في سوريا

15.02.2014
فاضل الحمصي


سوريا
القدس العربي
الخميس 13/2/2014
‘إنهاك جميع الأطراف وصولاً إلى فرض التسويات’ كان هذا وما زال منطق الدول الكبرى في التعامل مع الأزمات في مختلف بلدان العالم، مع التحكم بجميع الخيوط أثناء إدارة تلك الأزمات، وصولاً إلى اللحظة المناسبة لفرض التسويات. فلا مجال للمفاوضين لتحصيل المكاسب عبر التفاوض إلا ضمن خطوط حمراء، لا يمكن تجاوزها، تحفظ مصالح تلك الدول.
إن المتتبع لأحداث الثورة السورية يلاحظ تشابهاً في طريقة تعاطي الدول الكبرى في الثورة السورية مع طريقة تعاطيهم خلال حرب البوسنة في تسعينيات القرن الماضي، فلم تتدخل الدول الكبرى لإنهاء الحرب إلا بعد أن حققت ما تصبو إليه من دماء ودمار وإنهاك لجميع الأطراف من خلال إدارتها للحرب، ثم تدخلت لفرض تسويات تراعي مصالحها ومشاريعها دون الأخذ بعين الاعتبار مصير شعوب المنطقة، وفرضت اتفاقية لم تستطع الصمود طويلاً حتى تفككت دول البلقان وظهرت دويلات جديدة نتيجة التسويات المفروضة.
في البوسنة، وبعد أربع سنوات من الحرب الطاحنة، تم توقيع اتفاق لإنهاء الحرب هناك، وقد عرف باتفاق دايتون. خلال المفاوضات استخدمت الدول الكبرى أسلوبها المعتاد في فرض شروطها، أسلوب الترغيب والترهيب، فمن يقبل له من المميزات الكثير، وسيكون شريكاً سياسياً في المستقبل، ومن يرفض تفتح عليه أبواب جهنم، وصولاً إلى إسقاطه وإخراجه من اللعبة السياسة. حرص المؤتمر حينها على إطلاق عبارات فضفاضة يُختلف على تفسيرها، وتفسر حسب رغبة الدول الكبرى وطبعاً لطبيعة الظروف الناشئة، وهو ما فعلوه في سوريا في بيان جنيف1، حيث أطلقت عبارات فضفاضة عن تشكيل جسم انتقالي دون الإشارة إلى شكله وماهيته ومصير رأس النظام، وهو ما سيحاول جنيف2 تكراره لأهداف وغايات أخرى تخدم مصالح الدول الراعية للاتفاق في المستقبل.
أخطر ما فعله مؤتمر دايتون كان تجريد المسلمين من أي ميزة توفر لهم الاستفادة من كونهم أغلبية، وجعلهم في مستوى واحد مع الصرب والكروات، وطرفاً ضمن ثلاثة أطراف متساوية في الحقوق والواجبات، رغم أن التوزيع العرقي كان يعطي 50 للمسلمين و 33 للصرب و 17للكروات. يخشى أن يتكرر ذلك الأمر في سوريا، حيث يتم التركيز على موضوع حماية الأقليات والاحتفاظ بحقوقها مع تناسي حقوق الأكثرية، ووصفة كهذه فيما لو طبقت كفيلة بإثارة الخلافات والنعرات من وقت لآخر، وليست وصفة ناجحة لأي مجتمع حضاري بأي حال من الأحوال.
لقد أدى تنفيذ اتفاق دايتون إلى إنهاء سنوات من القتال الدامي والحرب والدمار، لكن نتائجه اللاحقة كانت كفيلة بتقسيم المنطقة وظهور دول جديدة. فقد حرص الاتفاق على وحدة الأراضي البوسنية شكلياً مع الاحتفاظ بسراييفو كعاصمة موحدة، لكنه عملياً قسم البوسنة على أساس عرقي يتحكم الاتحاد الفيدرالي في وسطها بينما تخضع أطرافها لسيطرة الصرب، كما حدد الرئاسة بمجلس رئاسي تتبدل رئاسته دورياً على أساس عرقي. وقد عمل الصرب على الهيمنة على مؤسسات الدولة المركزية وإقامة مؤسسات موازية لها خاصة بهم، وكانت حجة الصرب دائماً هي خوفهم من هيمنة المسلمين عليهم!! مخاوف لم يكن لها أساس أدت إلى الانفصال والتقسيم فيما بعد.
في دايتون اتفق الكبار، وما على الشعب إلا السمع والطاعة! لا صوت لهم ولا رأي، ولا كلام فوق كلام الكبار!! هذا ما كان عليه حال شعب البوسنة بعد ذلك الاتفاق.
إن المسار الذي أدى بمنطقة البلقان إلى التقسيم والتفتت قد يتكرر في سوريا إذا ما ظل سلوك الدول الكبرى مصراً على استنساخ ذلك السيناريو وتطبيقه في سوريا، والشعب السوري وحده من يستطيع إيقاف مثل هذه المخططات التي تستهدف على ما يبدو إعادة ترسيم حدود سايكس بيكو وتقسيم المنطقة من جديد.