الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما زالت روسيا تستخدم سوريا

ما زالت روسيا تستخدم سوريا

16.09.2015
خيرالله خيرالله



المستقبل
الثلاثاء 15/9/2015
هناك نيّة واضحة معلنة لدى موسكو في تأكيد أنّها ترسل اسلحة و»مساعدات انسانية» إلى النظام السوري، فضلا عن مقاتلين، رغبة منها في اظهار أنهّا تلعب دورا رئيسيا، إلى جانب ايران طبعا، في ضمان بقاء النظام السوري.
هناك رغبة روسية قديمة في المحافظة على النظام الذي يجلس على رأسه حاليا بشّار الأسد الذي لا يختلف عاقلان على أنّه صار أقرب إلى رهينة لدى ايران من أيّ شيء آخر... أقلّه منذ التخلص في العام 2012 من ما كان يسمّى «خليّة الأزمة» في تفجير استهدف عمليا اللواء آصف شوكت، صهر بشّار الذي كان نائبا لوزير لدفاع وقتذاك.
كان لا بدّ من ازاحة آصف شوكت، قبل ثلاث سنوات من الآن، لسبب في غاية البساطة. يتلخّص هذا السبب في أنّه كان بديلا لبشّار من داخل النظام نفسه. هذا البديل كان مقبولا عربيا ودوليا، خصوصا من الأميركيين والأوروبيين، على رأسهم فرنسا التي كانت تعتبر صهر رئيس النظام السوري «صديقا كبيرا لفرنسا».
ولكن يظل السؤال الكبير الآن: ماذا تريد روسيا؟ هل يعني الإبقاء على النظام بقاء بشّار الأسد أم لا، أو على الأصحّ هل يمكن الإبقاء على بشّار الأسد؟ هل يمكن الإكتفاء بأن يبقى النظام تحت اشراف الضباط العلويين في الجيش، ومعظمهم من خريجي المعاهد العسكرية الروسية وذلك كي يصبح في الإمكان القول أن شيئا لم يتغيّر في سوريا، أقلّه من وجهة نظر الكرملين؟.
هناك موقف روسي محيّر إلى حدّ كبير. يدل هذا الموقف على عجز موسكو عن فهم سوريا... أو عن رغبة في قيام وضع معيّن فيها يجعل ارضها ساحة لحروب مستمرّة إلى ما لا نهاية. وهذا يعني في مثل هذه الحال أن روسيا تعرف تماما ماذا تريد من سوريا. وهذا يفسّر الجهود التي بذلتها شركات روسية في السنوات القليلة الماضية لشراء الحقوق عن التنقيب عن الغاز التي حصلت عليها غير شركة اوروبية في الأراضي السورية.
اضافة إلى ذلك، تسعى موسكو إلى بقاء اسلاميين شيشان وطاجيك واوزبيك وتركمان في سوريا يقاتلون فيها ولكن من دون تحقيق انتصار على النظام. يخدم غرق هؤلاء في المستنقع السوري المصالح الروسية في ظلّ مخاوف موسكو من التطرف والإرهاب في الجمهوريات الإسلامية القريبة منها.
تريد روسيا القول ان سوريا التي عرفناها انتهت. ربّما تريد تأكيد أنّ اراضي سوريا لن تستخدم لتمرير الغاز الخليجي إلى اوروبا من جهة وأنّها ستكون مقبرة للإسلاميين المتطرفين من جهة أخرى. الثابت أنّها تريد، عبر وجودها في سوريا، تأكيد أنّها ما زالت لاعبا في الشرق الأوسط بغض النظر عن المصير المحسوم لبشّار.
في كلّ الأحوال، يتبيّن من تاريخ العلاقة بين سوريا وروسيا أنّ موسكو تستطيع استخدام النظام السوري والأراضي السورية لتخريب المنطقة وليس لأيّ غرض آخر. لم يقدم الكرملين يوما، منذ خمسينات القرن الماضي، على لعب أي دور ذي طبيعة ايجابية في الشرق انطلاقا من سوريا. على العكس من ذلك، عملت روسيا، وقبلها الإتحاد السوفياتي، كلّ ما يمكن عمله كي تحلّ كلّ انواع المصائب بالشرق الأوسط. بدا اضعاف العرب، عموما، جزءا لا يتجزّأ من استراتيجية الكرملين في المنطقة، إن في ظل الإتحاد السوفياتي أو ظلّ روسيا الإتحادية.
تكفي العودة إلى الدور السوفياتي في مجال توريط جمال عبد الناصر في حرب 1967، انطلاقا من سوريا، للتأكد من مدى السلبية التي طغت على كلّ ما قامت به موسكو في المنطقة. وقتذاك، زايد النظام السوري على عبد الناصر من أجل جرّه إلى التصعيد مع اسرائيل فوقع في الفخّ، أي في حرب ما زال الشرق الأوسط يعاني إلى اليوم من نتائجها إلى اليوم. جلست موسكو تتفرّج، علما أنّها كانت تعرف تماما ما الذي ستفعله اسرائيل. كان همّها محصورا في ارتماء العرب أكثر في احضانها بعد احتلال اسرائيل لأرضهم وحاجتهم إلى السلاح.
لم يتغيّر شيء في موسكو. ما زال المطلوب استخدام سوريا. في الماضي، كان اضعاف العرب عبر سوريا، يعني تعزيز الوجود السوفياتي ثمّ الروسي في المنطقة. هناك الآن مخطط روسي واضح يصبّ في اعادة تأهيل النظام السوري بحجة أنّه شريك في الحرب على الإرهاب التي يرمز اليها تنظيم «داعش». كيف يمكن اعادة تأهيل نظام كان منذ البداية شريكا في خلق «داعش»؟.
ما نشهده اليوم شراكة ايرانية  روسية في احتلال جزء من سوريا. هل استمرار الإحتلال امر طبيعي؟. الجواب لا والف لا. سيدفع السوريون غاليا ثمن ما يتعرّض له بلدهم، خصوصا في ظلّ ادارة اميركية لا تبالي بالتورط الروسي والإيراني في سوريا. على العكس من ذلك، يبدو أنّها تشجّع عليه. ما الفارق اذا ذهب ضحية الحرب المستمرّة منذ آذار 2011 والتي يشنها النظام على شعبه مليون سوري واكثر.
ليس ما يشير إلى اهتمام اميركي من أيّ نوع ببقاء سوريا موحّدة . يبدو الهمّ الأميركي الوحيد في بقاء سوريا مستنقعا للروسي والإيراني اللذين لا يستطيعان استيعاب أنّ لا مجال لإقامة أي دويلة في سوريا خارج سيطرة الأكثرية السنّية التي ستبقى اكثرية، مهما بلغ حجم الهجرة إلى اوروبا ودول الجوار.