الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما سرّ التصعيد الاعلامي للأسد؟

ما سرّ التصعيد الاعلامي للأسد؟

08.10.2013
رأي القدس
رأي القدس


القدس العربي
الاثنين 7/10/2013
بعد تهديده تركيا بدفع ‘ثمن غال’ لدعمها المعارضة السورية يأتي لقاء الرئيس السوري بشار الأسد المنشور بصحيفة ‘دير شبيغل الألمانية’ لينفي إمكان الوصول لحل للصراع الجاري في سورية عبر المفاوضات، لأن المعارضة السورية حسب تعريفه ليست معارضة ‘لأن لديها أسلحة’!
هجمة التصعيد السياسي التي يقوم بها الرئيس السوري مدروسة جيداً فقد انطلقت بداية من تركيّا، البلد الذي كان أول من فتح أبوابه أمام المعارضة السورية، لاعباً على اوتار الخلافات السياسية في تركيا ومزوّداً الأعداء السياسيين لحزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان بورقة جديدة للتحريض ضدهما.
ثم اتجه الأسد بعدها الى ألمانيا، الخاصرة الطريّة في الموقف الاوروبي تجاه نظامه، التي لعبت، منذ انطلاق الثورة السورية، دوراً غير مباشر لإعاقة التحركات البريطانية والفرنسية الأكثر حزماً وشدّة في التعامل مع النظام، وبذلك يقدّم الأسد للأطراف المختلفة مع سياسات بريطانيا وفرنسا الخارجية أيضاً مناسبة اعلامية جديدة لاعادة تكرير واستهلاك الوصفات الاعلامية المفضلة التي يلعب عليها النظام السوري، من ادعائه المشين بحماية الأقليات (وهو المفترض ان يحمي شعبه كله)، الى المفاضلة بينه وبين تنظيم ‘القاعدة’، وصولاً الى دفاعه الركيك عن عدم مسؤولية نظامه عن الهجوم بالسلاح الكيماوي في غوطة دمشق بدعوى ‘أن لا أحد يستطيع ان يقطع بأنه تم استخدام صواريخ’.
السرّ وراء هذه الهجمة الدبلوماسية والاعلامية هو:
اولا، انحسار الضربة الأمريكية ضد الآلة العسكرية للنظام، بعد المناورات الدبلوماسية الأمريكية الروسية والتي أدت في النهاية الى صدور القرار الأممي 2118.
ثانيا، تحوّل النظام السوري من مجرم حرب مهدّد بالعقاب الى شريك للمجتمع الدولي بصفقة تسليم الكيماوي السوري بالتقسيط المريح، بحيث تحوّل أسبوع كيري لتسليم الأسلحة الكيميائية الى 10 أشهر طويلة، تنتهي مع منتصف العام المقبل بالتزامن مع موعد انتخابات الرئاسة السورية.
ثالثاً، الأجواء التي أشاعها غزل الرئيسين الأمريكي والايراني خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك بتوجّه نحو صفقة تضمن لإيران دورها الاقليمي في المنطقة مقابل منع تصنيعها قنبلة نووية، وهو ما أثّر أيضاً في وزن ومصداقية حلفاء أمريكا العرب الداعمين للمعارضة السورية.
رابعا، اشتداد قوة التنظيمات الاسلامية الجهادية وخصوصاً تنظيم ‘الدولة الاسلامية في العراق والشام’ الذي بدأ بخوض معارك ضد ألوية الجيش السوري الحرّ، كما هدّد تركيا بالقيام بهجمات ضدّها، وهو الأمر الذي أعطى زخماً كبيراً لدعاية النظام الخارجية، وفتّ في عضد الجيش السوري الحر والمعارضة السورية عموماً.
خامساً، تراجع تأثير المعارضة السياسية السورية المجتمعة تحت راية ‘الائتلاف السوري’ على تشكيلات الداخل العسكرية بعد انفضاض عدد من الألوية والتشكيلات العسكرية المعارضة المسلحة عنه واعتباره لا يمثّلها.
اعتبر بشار الأسد أن تنسيق ‘المجتمع الدولي’ معه (حتى لو كان الثمن استسلامه التام في موضوع عتاده الكيميائي) نوعاً من الاعتراف به وبدوره، بل افترض، على الأغلب، أن ما جرى من تدمير لبلده وابادة لشعبه إنجازاً عبقرياً له.
يشبه ما قام به الأسد عمل خيميائيي القرون الوسطى الذين اجتهدوا لتحويل المعادن الخسيسة الى ذهب فالرئيس السوري أنجز المعادلة الخيميائية المستحيلة: قم بابادة شعبك بالسلاح الكيماوي فتتحوّل فجأة الى شريك دولي وبطل اعلاميّ.
بهذا التصور الجديد لاعادة تأهيله دوليا ظهر الأسد على تلفاز تركيّ مهدداً البلد الذي يستضيفه، واسترخى مجدداً في صورة العبقريّ الذي يعيد تعريف الأشياء في العالم في صحيفة ‘دير شبيغل’.
تعريف الأسد للمعارضة يتناسى عامداً كل المعارضات المسلحة في العالم، من الثورة السورية التي أنجزت الاستقلال الأول، والمعارضة الفيتنامية، والمعارضة الجزائرية ، والمعارضة الامريكية اثناء حرب الاستقلال عن بريطانيا، والمقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني، والمقاومة الفلسطينية المسلحة لاسرائيل، وأخيرا لا آخراً، يتناسى مقاومة حزب الله المسلحة التي يتغنى النظام بالتحالف معها.
في عالم تتحول فيه الابادة الجماعية للبشر الى بطولة ويتحوّل وارث للسلطة بقوة المخابرات فيلسوفا سياسيا جديدا يتلاعب بالمعاني السياسية والاخلاقية التي كدّ مئات الملايين من البشر ليؤسسوها، يحقّ لبشار الأسد ان يفعل ويقول ما يشاء.