الرئيسة \  مشاركات  \  ما لا يقال عن المشروع الإيراني في المنطقة

ما لا يقال عن المشروع الإيراني في المنطقة

02.05.2015
د. سعيد الحاج





إيران دولة إقليمية قوية وكبيرة، ولديها مشروح طموح للتمدد وبسط النفوذ في الإقليم، لكنها - للأسف - جنحت مؤخراً إلى محاولة تحقيق مشروعها على حساب سيادة بعض الدول ودماء شعوبها، من سوريا إلى العراق إلى اليمن. الاعترافات الإيرانية المتتالية بالتواجد ميدانياً في سوريا والعراق، والتصريحات المتعددة حول عدد العواصم العربية التي باتت تتبع "للولي الفقيه" لا تدع مجالاً للشك حول النوايا الإيرانية الساعية للهيمنة وبناء امبراطورية متسعة الأرجاء واسعة النفوذ. كل هذا نعرفه ونعايشه وتردده على مسامعنا وسائل الإعلام المختلفة يومياً، لكنه ليس كل ما يتعلق بالمشروع الإيراني، إذ ثمة بعض المسكوت عنه، الذي لا يقوله الكثير من السياسيين والإعلاميين، بخصوص المشروع الإيراني.
 
فمثلاً، لا يقال لنا أن السياسة تكره الفراغ أكثر من الفيزياء، سيما في النظم الدولية والإقليمية، وأن أحد أهم أسباب تمدد المشروع الإيراني (والتركي) هو غياب المشروع العربي، كما أن أحد أهم أسباب تغول إيران وتمددها مؤخراً - في فترة ما بعد الربيع العربي - هو حالة الفوضى وغياب الرؤية والانقضاض على الثورات وقواها الحية في عدد من الدول العربية، من قبل الدول التي يفترض أنها تواجه هذا المشروع اليوم بالمناسبة.
 
كما لا يقال لنا أن المشروع الإيراني ليس مشروعاً شيعياً بالمعنى الدقيق، ولا حتى مشروعاً فارسياً بالمعنى الحرفي. بل هو مشروع سياسي بارز المعالم، يتوسل إلى تحقيق أهدافه عبر تجييش مواطنيه وتابعيه في عدد من الدول العربية عبر الشعارات الدينية/الطائفية، مستغلاً في ذلك البسطاء ومستثمراً قوة "أذرعه العسكرية". ذلك أن الأقليات تسيطر عليها "سيكولوجيا الخوف" حتى وإن قويت وتمكنت، ولذلك يجب أن لا نغفل أن إيران هي أكثر المستفيدين من "مذهبة" الصراع معها على أساس طائفي. من ناحية أخرى فالنظر في أسماء وأصول قيادات إيران الحالية يظهر لنا أن نسبة "الفرس" منهم قليلة، بينما معظمهم ينحدرون من أصل "طوراني".
 
إن مشكلتنا مع إيران ليس أنها شيعية ولا أنها فارسية، بل كل مشكلتنا معها أنها تدعم الظلم والدكتاتوريات والقتل في عدد من الدول المجاورة خدمة لمصالحها، ولذلك فصراعنا ليس وجودياً ولا صفرياً معها، بل هو صراع سياسي (بالمعنى الشامل للسياسة). فلا نريد "تسنينها" ولا "تعريبها"، بل نريد لها أن تعود للمنطقة وفق منطق التوازنات والاحترام المتبادل. هذا قد يعني، أننا قد نكون في المستقبل (البعيد غالباً) جيران وأصدقاء وربما حلفاء مع هذه الدولة أو تلك في المنطقة إذا ما تغيرت قيادتها أو استراتيجيتها أو سياساتها، وهذا بالتأكيد لن يحصل تلقائياً بل يحتاج إلى خطة مواجِهة واستراتيجية موازنة وعمل سليم ودؤوب منا.
 
كما أن إجرام إيران بحق الشعبين السوري والعراقي لا يجب أن يبعدنا عن الموضوعية والعقلانية والمغالاة في التقييم. إن الطاقة النووية السلمية حق لكل الدول، كما إن أي سلاح نووي إيراني مستقبلي - كما كتبتُ أكثر من مرة - ليس بالضرورة تهديداً مباشراً ولا قريباً للدول العربية (فضلاً عن أن كثيراً من التقديرات الدولية تستبعد تطوير إيران لسلاح نووي)، بل هو سلاح ردع قد يكون موازناً لدولة الاحتلال الصهيوني (ولو من باب المنافسة الإقليمية) التي تملك السلاح النووي الوحيد في المنطقة.
 
أخيراً، ما لا تقوله لنا وسائل الإعلام أن الكثير الكثير من الدول والتيارات والشخصيات التي ترفع اليوم لواء السُنـّة والعرب في وجه إيران هم خصوم إيران يوم لم تكن بعد قد أسفرت عن وجه طائفي بغيض، تنفيذاً لتعليمات خارجية أو من باب الغيرة والمنافسة الإقليمية، وقد بدأ هذا العداء منذ الثورة ثم الحرب الإيرانية - العراقية. كما كانت ضد حزب الله يوم كان مقاومة خالصة بلا وجه طائفي، وهي بالمناسبة ضد المقاومة الفلسطينية التي ابتعدت عن المحور الإيراني. وبالتالي، فالأمر لا يتعلق تماماً بالحقوق والمثل العليا بقدر ما يتعلق بالسياسات والتنافسات والمشاريع الإقليمية والمصالح الذاتية.
 
إن أول وأفضل ما يمكن أن يحجّم إيراني ويوقف مشروعها التوسعي على حساب دمائنا هو وجود مشروع عربي قائم على أسس سليمة، لا يعادي تطلعات الشعوب ولا يحارب قواها الحية ولا يدعم جلاديها ولا يخضع لأعدائها، بل يساند عناصر القوة فيها (على رأسها المقاومة)، وفق رؤية استراتيجية بعيدة المدى منفتحة العقل سليمة التخطيط. بينما لا يجب إغفال خطورة التركيز على الخطر الإيراني وكأنه الخطر الوحيد في المنطقة، وكأنَّ لا مشروع أمريكياً - صهيونياً يهدد هذه الأمة ويقوم على التناقض معها. إن إجرام إيران لا ينبغي أن ينسينا الإجرام الصهيوني، كما لا يجب أن تكون مواجهتنا للظلم الإيراني خدمة للمشروع الصهيوني، عن قصد أو عن غير قصد، فمن نظر بعين واحدة كان أبعد عن الرؤية المتوازنة السليمة. 
 
إنني - وأنا أكتب هذه السطور - أدرك أن هذا الكلام ليس "موضة" هذه الأيام في ظل الإجرام والصلف الإيرانيين وفي مناخ التحشيد الطائفي والمذهبي في المنطقة، لكنه الكلام الذي لا يُقال لكنه يجب أن يُذكر ويُتذكر، حتى نسير قدر الإمكان نحو الصورة الأشمل والأصوب للمشهد والحقيقة والمستقبل.