الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما مصلحة روسيا...في تفتيت سوريا؟

ما مصلحة روسيا...في تفتيت سوريا؟

19.09.2013
خيرالله خيرالله
المستقبل


المستقبل
الاربعاء 18/9/2013
لا معنى لايّ اتفاق أميركي- روسي اذا لم يذهب الى أبعد من السلاح الكيمياوي السوري. وما توصّل اليه وزيرا الخارجية جون كيري وسيرغي لافروف في جنيف يشير الى أن الجانب الروسي لا يزال يناور محاولاً الهاء الاميركيين بالقشور. ماذا ينفع الكلام عن السلاح الكيمياوي وكيفية التخلص منه ما دام هناك نظام يصرّ على قتل شعبه ويرفض الاعتراف بأنّ هناك ثورة شعبية حقيقية لا يمكن الا أن تنتصر على نظام قتل الى الآن ما يزيد على مئة وعشرين ألف سوري...في أقلّ تقدير.
يُفترض بمن لديه ادنى شكّ في أنّ الجانب الروسي يناور قراءة المقال الذي كتبه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في "نيويورك تايمز" قبل ايام. من يقرأ المقال لا يستطيع الا أن يتساءل لماذا هذا الاصرار لدى الرئيس الروسي على تمكين النظام السوري من قتل مزيد من السوريين؟
لا يوفّر المقال تفسيراً لذلك، لكنّه يعطي في المقابل فكرة عن الهدف الروسي المتمثّل في تفتيت سوريا وضمان زيادة نفوذ قوى التطرف. هذه القوى، التي يشكو منها بوتين، هي المستفيد الاوّل من عدم وضع حدّ للازمة السورية التي في اساسها ثورة شعبية على نظام فئوي ظالم لا يمتلك أي شرعية من أي نوع كان. لا حاجة الى تكرارهذا النظام نتاج انقلاب عسكري في الثامن من مارس 1963 أتى بحزب البعث الى السلطة. مع الوقت أبعد الضباط، ومعظمهم من الاقليات ومن الريف السنّي، البعث المدني عن السلطة وما لبث أن تولى الضباط العلويون المواقع الحساسة.
مهّد ذلك لانفراد حافظ الاسد بالسلطة في 1970 ثم بتوريثه نجله بشّار في السنة 2000. وقد دخل النظام بعد التوريث مرحلة جديدة يمكن اختصارها باستيلاء عائلة علويّة على البلد بمساعدة المحيطين بها...
هذه هي باختصار قصة النظام السوري الذي كان مدعوماً من الاتحاد السوفياتي، السعيد الذكر، الذي أخذ العرب من كارثة الى أخرى كان أبرزها هزيمة 1967. لا يزال الشرق الاوسط يعاني الى اليوم هذه الهزيمة.
لماذا يرفض فلاديمير بوتين التعلّم من أخطاء الماضي التي أدت الى خروج الاتحاد السوفياتي من كل المنطقة العربية تقريباً بعدما دعم الانظمة الديكتاتورية ووفّر لها الغطاء اللازم للاستغناء عن الشرعية الشعبية؟ ربّما كان ذلك عائداً الى تكوين الرئيس الروسي الحالي. فبوتين يعتبر نفسه وريثاً للقياصرة الروس وللامناء العامين للحزب الشيوعي السوفياتي. كان الامناء العامون أقرب الى قياصرة من أي شيء آخر، ولكن من دون أن يكون لديهم الذوق المرهف الذي تمتع به بعض القياصرة الحقيقيين.
لا شكّ أن مقال بوتين كان في غاية الذكاء. كانت كلّ كلمة فيه في محلها. حتى التوقيت كان مدروساً اذ صدر في ذكرى "غزوة نيويورك وواشنطن" أي احداث الحادي عشر من ايلول- سبتمبر 2001. اراد الرئيس الروسي بكلّ بساطة الربط بين الثورة السورية وارهاب "القاعدة". هل الرئيس باراك أوباما بهذه السذاجة كي تنطلي عليه مثل هذه الألاعيب؟ الاكيد أن الرئيس الاميركي المعروف بتردده اكثر ذكاء مما يعتقد كثيرون، لكن الاكيد أيضاً أنّ أميركيين كثر يمكن أن يتأثروا، الى حدّ كبير، بالحملة الدعائية التي يحاول الرئيس الروسي القيام بها لمصلحة نظام لا مستقبل له. كلّ ما يستطيع هذا النظام عمله هو قتل مزيد من السوريين واطالة عذابات شعبه والقضاء على أي أمل في استعادة الكيان السوري لحمته.
استخدم بوتين عناصر عدة للتهويل على الادارة الاميركية والاميركيين. من بين هذه العناصر التهديد بأن الهجوم على سوريا يمكن أن يؤدي الى نهاية الامم المتحدة على غرار ما انتهت اليه عصبة الامم التي تأسست بعد الحرب العالمية الاولى وأنهارت خلال الحرب العالمية الثانية. والامم المتحدة هي الهيئة الدولية التي حلّت مكان عصبة الامم والتي يعتقد بوتين أن هجوماً أميركياً على سوريا يمكن أن يقضي عليها.
لجأ بوتين الى كلّ نوع من الاقاويل من أجل دعم النظام السوري الذي هو كناية عن عائلة حاكمة بواسطة أجهزة أمنية، جعلت من سوريا مستعمرة ايرانية. برّأ الرئيس السوري بشّار الاسد من ضرب شعبه بالسلاح الكيمياوي، علماً أن مجرّد اعلان بشّار التخلي عنه يؤكّد أنه استخدمه. وصف الثوار السوريين بـ"الارهابيين" واتهمهم بالإعداد لهجوم بالسلاح الكيمياوي على اسرائيل. لم يترك نقطة يمكن أن تثير عطف الاميركيين على النظام السوري إلا وأثارها، بما في ذلك الخوف على الاستقرار في المنطقة. قدّم الوعود بالمساعدة في التعاطي مع ايران في ملفها النووي وفي ايجاد تسوية بين اسرائيل والفلسطينيين. وحرص أيضا على تذكير الاميركيين بفشلهم في افغانستان والعراق وليبيا. تطرّق في آخر المقال الى ما سمّاه "الاستثناء" الاميركي مشدداً انه لا يحق لاميركا ما لا يحق لغيرها...وذلك من منطلق ديني. ضرب على وتر حساس لدى المواطن الاميركي العادي باشارته الى أن "الله خلقنا متساوين" و"لم يفرّق بين بلد غنيّ وآخر فقير".
فعل كلّ ذلك من أجل تفادي ضربة أميركية للنظام السوري. فعل كلّ ذلك لأنّه يعرف أن النظام السوري لا يستطيع تحمّل ضربة قوية توجهها له الولايات المتحدة. كلّ ما فعله في الواقع، يتمثّل في كشف النظام السوري من جهة وكشف طبيعة السياسة الروسية من جهة أخرى. لا هدف لهذه السياسة سوى اطالة الحرب الدائرة في سوريا والحاق أكبر كمية من الدمار بهذا البلد العربي المهمّ. هذا الامر بات أكثر من واضح.
ما ليس واضحاً كيف يمكن لدولة مثل روسيا الاستفادة من عذابات الشعب السوري ومن تفتيت سوريا؟ انه لغز بوتين المصرّ على اضفاء شرعية على نظام لم تكن له يوماً أي شرعية من أي نوع كان. انه نظام يظنّ أن التظاهر بالتخلص من الكيمياوي سيحلّ له مشاكله، نظام لا يعرف رئيسه أنّه مرفوض من شعبه أولاً وأخيراً وأنه لو لم يكن الامر كذلك لما لجأ الى هذا السلاح لقتل الاطفال والنساء...من أجل البقاء في دمشق!