الرئيسة \  تقارير  \  ما مصير القمح الروسي إلى سوريا في ظل الحرب؟

ما مصير القمح الروسي إلى سوريا في ظل الحرب؟

09.03.2022
مصطفى رستم


اندبندنت عربية
الثلاثاء 8/3/2022
لن تنجو سوريا التي تعيش ويلات الصراع الداخلي من شبح الحرب الأوكرانية وتأثير ارتداداتها داخلياً، حالها كحال دول العالم قاطبة، التي تراقب بقلق التطورات الاقتصادية وأسعار الغاز والبترول والسهم الآخذ صعوداً في البورصات ومراكز المال العالمية منذ اندلاع المعارك الدائرة قبل أسبوع، لكن بالمقابل تسري مخاوف في الشارع السوري عن تهديدات تصل إلى لقمة العيش وانعدام الأمن الغذائي في أغلب التقديرات خلال الفترة المقبلة.
صب الزيت على النار            
تتسع دائرة المخاوف أعقاب هزات باتت تطال اقتصاد السوريين المتأزم أصلاً منذ عقد من الزمن، فالحرب الروسية الأخيرة ومنذ إعلانها، رفعت أسعار المنتجات الغذائية، وسط تحذيرات أممية من "تفاقم حالة التجويع التي تصل لـ12.4 مليون سوري، وفق برنامج الأغذية العالمية بزيادة 5.4 مليون على عام 2019، ويزداد الأمر سوءاً مع استمرار مواسم الجفاف وشح المياه".
وأصابت الدهشة السوريين من انعدام مواد كالزيت من الأسواق مع غلاء سعره، ويعزو مراقبون الأمر إلى "احتكار التجار المواد الأساسية"، في المقابل أسرعت المؤسسة السورية للتجارة، التي تشرف منذ عامين على توزيع المواد الغذائية المدعومة للسوريين إلى التدخل وتوفير المادة، ولفت مدير عام المؤسسة، زياد هزاع إلى "تأمين كميات إسعافية إلى حين تستقر حالة الأسواق".
ويرتفع سعر الطحين إلى جانب الزيت بشكل جنوني، وسط قلق من ضآلة مخزون القمح بعدما شهدت سوريا موسم جفاف غير مسبوق لم يحدث منذ سبعة عقود، علاوة على خروج أراضي الجزيرة السورية في الشمال الشرقي عن سيطرة الدولة، وأرغمت دمشق باستمرارها على استيراد كميات كبيرة من القمح الروسي، الذي يعد الأول عالمياً من حيث التصدير، إذ يتجاوز 37 مليون طن تليها أميركا وكندا بـ26.1 مليون طن وأوكرانيا في المركز الرابع 18.1 مليون طن.
سفن القمح والرغيف
في غضون ذلك، تنتظر الحكومة التي خفضت إنفاقها في 25 فبراير (شباط) الماضي، مع اندلاع الحرب الأوكرانية، إلى ما سيفضي إليه تنفيذ اتفاقها مع الحلفاء الروس، لا سيما وصول شحنات القمح المتفق عليها، وسط تطمينات أطلقها وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عمرو سالم، لافتاً إلى "وفرة في مخازن القمح والدقيق". وقال "ما زلنا نستقبل سفناً من القمح بأعداد جيدة، مع وجود جدول بالتوريدات مستمر حتى نهاية العام".
في المقابل، أشار الباحث الاقتصادي، رضوان مبيض إلى أن "سوء إدارة يبدو جلياً في ضبط الأسواق، فعلى الرغم من أن مخزون القمح يكفي لأكثر من شهرين أخذت الأسعار بالارتفاع بشكل غير منضبط، بخاصة مع اقتراب حلول شهر رمضان، وحاجة البلاد إلى استيراد بين 150 و200 ألف طن".
وأضاف، "تجلب سوريا قمحها من روسيا والدول الحليف لها كبيلاروس وشبه جزيرة القرم، ولكنها كانت قبل الحرب مكتفية، وكان يتجاوز إنتاجها وقتذاك ما يزيد على 2.5 طن من القمح قبل عام 2010 واكتفت ذاتياً منذ 1995 وبدأت فعلياً بالتصدير مع حلول 1996 مع قدرتها على تطوير نوعيات من البذور التي تمتلك خاصيات أكثر وفرة وتزيد من الغلال الموسمية".
وتابع، "في حين أبرمت سوريا اتفاقيات مع شبه جزيرة القرم التي تسعى إلى أن تمثل بوابة نحو المتوسط إلى جانب روسيا لتوريد 1.5 مليون طن على خلفية زيارة وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر الخليل، أعلن انخفاضاً في حجم القمح المزروع من مليونين إلى 400 ألف طن سنوياً، الأمر الذي يحدو إلى شراء ما يقارب مليون ونصف المليون طن من القمح لتغطية حاجة السوق المحلية وسط أزمة في رغيف خبز مدعوم من الحكومة".
لعنة الحرب
وإزاء الترحيب الروسي ومعه شبه جزيرة القرم بإرسال التوريدات اللازمة من القمح، توقع الباحث الاقتصادي "حدوث تطورات قد تخل بالالتزامات المعقودة، وأمام موسكو مواجهة عدة سيناريوهات الأول إغلاق مضيق البوسفور الذي يصل البحر الأسود بالبحر المتوسط، أو قد تبقي على مخازنها الاستراتيجية وتجميدها، وعدم تصدير الكميات المخزنة كونها تعيش حالة حرب قد تطول".
ورأى "أنه مع تلك التوقعات السوداوية للمشهد خارجياً لا بد من إيجاد بدائل، وإلا ستكون سوريا على شفا مجاعة، فالمستودعات التي تؤمن الغذاء بوقته للناس ستنفد مع مرور الوقت، فيما يبقى الرهان على وفاء الجانب الروسي بتعهداته".
من جهة اخرى، أعلن الممثل الدائم للقرم لدى الرئاسة الروسية جورجي مرادوف، خلال لقاء مع الوفد السوري في يناير (كانون الثاني) المقبل، أن "بإمكانهم التجارة مع سوريا عبر القرم من دون التعرض لمخاطر العقوبات".
وفي الوقت الذي كان يراهن المسؤولون الروس على القرم كواجهة للتبادل التجاري وتسيير رحلات طيران وربط الموانئ بين البلدين، سعت موسكو لأن تصبح موانئ القرم البوابات الجنوبية الرئيسة لروسيا، لكنها وبعد الحرب الأوكرانية أخذت العقوبات تتراكم على شخصيات روسية من قبل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وباتت الشركات بموسكو عرضة للحظر، وهذا ما سيقوض بالتالي التبادلات التجارية مع دمشق في المستقبل القريب حسب ما يتوقعه مراقبون.
وتعيش سوريا حالة من الحرب والفوضى، وحصار الدول الغربية عليها مع عقوبات اقتصادية، أبرزها قانون قيصر، وانخفاض مستوى المعيشة، وتراجع دخل الفرد الذي يقارب 30 دولاراً في الشهر، وانخفاض في العملة السورية والقدرة الشرائية، وزيادة التضخم.
 ويواجه مزارعو القمح من جانبهم مصاعب وعوائق عديدة أبرزها عدم تمكنهم من الزراعة لقلة الأمطار، وعدم توفر المواد المشغلة كالمازوت لآلاتهم لري الأراضي المزروعة، مما أسفر عن خروج الكثير من المساحات المروية خارج الخدمة، علاوة على عدم عودة نسبة كبيرة من الفلاحين إلى أراضيهم المهجورة واستثمارها، مما أفقد جزءاً كبيراً من الكميات التي يمكن أن تسد الحاجة إلى حين أن تضع الحرب أوزارها بين موسكو وكييف، كونهما يمثلان خزاني القمح عالمياً.