الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما يحدث في سورية من منظور مختلف

ما يحدث في سورية من منظور مختلف

08.07.2013
فراس قصاص

القدس العربي
الاثنين 8/7/2013
يعتبر الكثيرون من المعنيين و المراقبين للشأن السوري، خصوصا من الداعمين لنظام بشار الأسد، أن ما يحدث في سورية لا يمت للثورة الحقيقية بصلة، وأن لا ربيع ثوري يمكن الحديث عنه أبدا في سياق النظر إلى الحدث السوري . في حين يذهب البعض الآخر ممن يدعم الحراك الشعبي السوري، وعينه على الواقع الأليم الذي يضج بالدم ويتخلله عنف تكفيري وارتداد ماضوي، إلى القول بان الثورة السورية قد سرقت من أصحابها الحقيقيين وحرفت عن مسارها الذي أرادوه لها حتى باتت صدى للعبث والخراب ولا شيء آخر .
القراءة المتأنية لتلك الاعتبارات تؤشر إلى الدلالة النمطية التي تفيدها مفردة الثورة في اللغة العربية، أو على الأقل كما تستخدم ويجري تلقيها عند الكثير من الفاعلين الاجتماعيين والمشتغلين في الحقل السياسي العربي، حيث يبدو مفهوم الثورة منزوعا عن دلالاته الاجتماعية المعقدة والتاريخية، وممسوخا على شكل مفردة شعرية بيضاء مسطحة بدون تاريخ، إذ وخلافا لما هو سائد في المنظور العربي وما تتغنى به بعض الادبيات السياسية العربية عن مفهوم الثورة الناصع، يبدو ما يحدث في سورية، رغم كل الذي يظهر وكأنه إخفاق مركب متعدد المستويات، ثورة مكتملة الأركان، بالمعنى المعياري،التاريخي والفلسفي للكلمة . فسورية الاجتماع السياسي تمر في منعطف تاريخي جذري، يبدأ سياسيا لكن لا يلبث أن يترجم و لو بعد سنوات طويلة، قيميا ومعرفيا( ابستميا)، ولو قارن أولئك الذين يقاربون مفهوم الثورة بصورة رومانسية منخلعة عن إطارها المفاهيمي، حيثيات الحدث الثوري السوري، مع ما اعتملت به الساحة الفرنسية من عنف واقتتالات دموية وصراعات ثورية بينية في زمن الثورة الفرنسية بين عام 1789 وحتى استيلاء نابليون على الحكم وتحويل الجمهورية الأولى إلى إمبراطورية، ولو علموا كم تطلب رسوخ مبادئ هذه الثورة في فرنسا من الوقت وكم كانت الارتدادات كثيرة ومتعددة، لما ترددوا في إعادة النظر بأحكامهم واعتباراتهم التي قرروها بخصوص ما يجري في سورية، فالصورة الأسطورية التي تظهر ظفر الثورة الفرنسية السلس وسيادة مبادئها الحاسم منذ اشتعالها،تبدو ساذجة وغير تاريخية بالنظر إلى مسار التاريخ الذي سلكته حيثيات تلك المرحلة وتعرجاته المعقدة، حيث لم تتحقق إرادة الشعب الفرنسي ولم تستقر بدلا عن استبداد لويس السادس العشر كشرعية يتأسس عليها الوضع الجديد، بل عاشت فرنسا استبداد القناصل ثم الاستبداد الإمبراطوري لسنوات طويلة، بعد مرورها في عصر من الإرهاب طويل ودموي،اقتتل فيه الثوار والتهمت فيه الثورة أبناءها وقادتها.
وإذا كان مفهوم الثورة السورية هو التعيين الاصطلاحي الأنسب، من المنظور التاريخي والفلسفي، لحيثيات الحدث السوري بشمول أبعاده وعمق تأثيراته واستراتيجية إجاباته، فإن هذه الثورة تبدو أكثر شبها من ثورات الربيع العربي بثورة الفرنسيين الأهم في تاريخ البشرية، ليس بصخبها والعنف والدمار والاقتتال التائه الذي طغى على أحداثها والارتدادات المتوقعة بسببها، وليس بسبب احتمال ظهور أشكال أخرى من الاستبداد في سورية،والحاجة إلى وقت طويل حتى تستقر بنتائجها وتحقق رهاناتها، بل بكونها أيضا محركا وقاطرة رائدة للتاريخ في المنطقة العربية والإسلامية. لقد أشعلت ثورة السوريين على نظامهم المستبد،جدلية الصراع في المنطقة، صراع الذات العربية/ الإسلامية على ذاتها، واستطاعت أن تقوم بوظيفة المرآة التي تظهر صورة إنسان المنطقة على حقيقتها دون تزيين أو حجاب. الثورة السورية التي كشفت عن أزمات الوجود السوري والعربي والإسلامي العميقة،وأظهرت إلى أي حد متهافتة هي البنى الاجتماعية والأسس السوسيولوجية للدولة الحديثة في المنطقة، عينت بدقة الإحداثيات التاريخية الحقيقية التي يعيشها الإنسان في هذه البقعة من العالم، وشكلت منطقة لتحويل التناقضات الكامنة في بنية الوجود السياسي والاجتماعي السائد إلى طاقة وحراك إنساني مدو وصعب، فأصبحت بمثابة الصاعق المفجر لحركة التاريخ في عموم منطقة الشرق الأوسط،تلك الحركة التي من المنتظر أن تقوض عالما كاملا من القيم القروسطية، لمصلحة آخر جديد و لو بعد مخاض عسير و صعب، تسوده قيم الاعتراف بالآخر والتسامح بالمعنى الفلسفي للكلمة وحتمية اللجوء إلى القواعد الديمقراطية في إدارة الحياة الاجتماعية .