الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما يقترحه العالم على السوريين

ما يقترحه العالم على السوريين

04.11.2013
يوسف بزي



المستقبل
السبت 3/11/2013
السائر في شارع الحمرا، ببيروت، سيلتقي بفائض استثنائي من الشحاذين الطارئين، والمشردين، والمطروحين على الارصفة والزوايا والحواف الصغيرة والمداخل المهجورة. سيصادف أطفالاً شبه حفاة، ونساء بائسات، وشباناً هائمين، ورجالاً تغلفهم المهانة، وتستولي على وجوههم نظرات التعاسة والمرارة.
هؤلاء بمعظمهم من السوريين الهاربين من جحيم الحرب التي يشنها جيش نظامهم على مدنهم وضواحيهم وقراهم. هؤلاء بمعظمهم كانوا فقراء أصلاً، وتم سلبهم القليل الذي كان لديهم من وقار فقرهم وستر عيشهم، وتحولوا إلى كائنات عارية من كل شروط الكرامة، أو حتى شروط البقاء على قيد الحياة.
هؤلاء المذلولون والمهانون، ليسوا مئات من الشحاذين في شارع واحد. إنهم مئات الآلاف والملايين المحشورين في مخيمات صحراوية محروسة كمعتقلات خرافية. إنهم مئات الآلاف المرميين على أطراف المدن والأرياف والمعابر الحدودية والمجاهل البرية. إنهم الذين يبحرون إلى شواطئ الموت وقوارب الغرق وكمائن المهربين وحرس الحدود وسماسرة التأشيرات المزورة. إنهم الغجر الجدد، ضحايا عنصريات الجميع و"فوبيا" الجميع.
لكنهم أصلاً هم الملايين المهجّرين والمقيمين الذين لم يخرجوا بعد من بلادهم، محاصرين بالنار والصواريخ والبراميل المتفجرة. إنهم آلاف المخنوقين بالسارين، ومئات الآلاف الذين تطحن أشد الساديات توحشًا أجسامهم وأرواحهم في زنزانات النظام. أنهم أولاً مئات آلاف الجرحى المنسيين والموتى اليوميين.
كل ما يحدث في السياسة اليوم، ليس سعياً لوقف القتل والتدمير والتهجير، ليس انتباهاً لكل الجرائم التي حوّلت القسم الأعظم من السكان إلى ضحايا، وليس اعتباراً لحق الشعوب بتقرير مصيرها. فلو كانت السياسة كذلك، لعملت على كفّ يد المسبب بكل هذه الأهوال، وردع الذي يشن الغارات ويقذف الصواريخ ويفلت عصابات الذبح وقطعان الشبيحة على القرى والمدن والدساكر. لقد تم عمداً بالتدريج نسيان مبدأ "حماية الشعب السوري"، وهو المبدأ الوحيد الذي يمنح الشرعية لأي تدخل خارجي في الشأن السوري، لكنه المبدأ الذي يحتم واجبات كبيرة على المجتمع الدولي، الذي يبدو أنه تملص منها بمزيج من ديبلوماسية الخبث والنفاق وأخلاق السفالة.
من أجل ذلك، وتهرباً من المسؤوليات التي تفرضها شرعة الأمم المتحدة وشروط السلم الدولي، تسير السياسة الآن وفق صيغة "القبول بالأمر الواقع" أي التعايش مع بقاء نظام الأسد، طالما أنه ما عاد يشكل تهديداً خارجياً، بعد نزع أنيابه الكيماوية وحلول الضعف فيه، من دون اي اعتبار لمصير السوريين البائس والمرعب، هم الذين بات يستحيل عليهم الرضوخ للنظام مجدداً. ويبلغ النفاق الدولي ذروته حين يتذرع بخروج الأحداث عن السيطرة وبروز الجماعات المتشددة (داعش، وجبهة النصرة) علماً أن ظهور تلك التنظيمات الإرهابية، يفترض من أجل محاربتها، أن يقدم العالم للشعب السوري فرصة أن تكون له حكومة تنقذه من ظلاميات الإرهاب والإنتحار، أن تعطيه أملاً بالحياة والحرية والكرامة. أي أن هذه الذريعة بالذات تفترض حتماً حقيقة أن هذا النظام فاشل وساقط، وأن انقاذ سوريا منه ومن الجماعات الإرهابية معاً لا يكون إلا بإرادة دولية تنحاز إلى الشعب السوري، الذي عبَّر آلاف المرات عن تطلعاته بالدولة الواحدة الديموقراطية والتعددية، المتصالحة مع جوارها ومع العالم.
كل الجهود الدولية، تحت عنوان "مؤتمر جنيف2"، تقوم على إقناع الشعب السوري بأنه هو الذي يتحمل مسؤولية ما حلّ به من مآس وويلات، وبأن ثورته كانت "حركة طائشة" لم تحسب جيداً العواقب، ولذا عليه أن يتحمل نتائج طيشه ومغامرته.
فكرة "جنيف2" تُسقط مبدأ حماية الشعب السوري، بل وكل حقوقه وتطلعاته، فتجعل "الحق" مقسوماً بالتساوي بينه وبين العصابة التي تحكمه عنوة بالحديد والنار. وعدا عن هذه القسمة الباطلة، وبغياب مبدأ المحاسبة والمعاقبة، لن يتحمل النظام السوري مسؤولية أي جريمة حدثت، فيما يتم إقناع الشعب السوري بأنه هو المذنب وهو الذي تهوّر وهو الذي "فرض" الحرب، التي "اضطر" إليها النظام دفاعاً عن النفس!
ما يقترحه "جنيف2" والسياسات الدولية، يماثل سيناريو افتراضي، قوامه لا حرج على الذئب من افتراس النعجة، ولا ذنب للنازيين في إبادة ستة ملايين يهودي، طالما أن هؤلاء كانوا "يهوداً" أصلاً.
هذا العالم، يقترح على السوريين، أن يكونوا غجر العالم ويهوده الجدد، المهانين المعذبين، المشردين، المضطهدين.