الرئيسة \  تقارير  \  “مباركة الكرملين”.. هل تصبح علاقة إيران وروسيا أكثر قوة في عهد إبراهيم رئيسي؟

“مباركة الكرملين”.. هل تصبح علاقة إيران وروسيا أكثر قوة في عهد إبراهيم رئيسي؟

12.02.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الخميس 10/2/2022
في 19 يناير (كانون الثاني) 2022، قام الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، والذي تولى منصبه في أغسطس (آب) 2021، بزيارة العاصمة الروسية (موسكو) للقاء نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، وحظيت تلك الزيارة بتغطية واسعة النطاق في وسائل الإعلام الإيرانية، ولا يزال مضمونها يحظى باهتمام جميع الأطياف السياسية داخل الجمهورية الإسلامية.
وكانت المرة الأخيرة التي استقبل فيها الكرملين رئيسًا إيرانيًّا في عام 2017، عندما زار الرئيس السابق حسن روحاني، موسكو، لكن الكرملين فتح أبوابه أيضًا طوال السنوات الماضية لمسؤولين إيرانيين، برلمانيين وعسكريين، بما فيهم الجنرال الراحل، قائد “قوة القدس”، قاسم سليماني، الذي التقى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أكثر من مرة، لمناقشة الملف السوري.
من الجفاء إلى التفاهم.. التحوّل في العلاقات الإيرانية-الروسية
بعد نجاح الثورة الإيرانية في عام 1979، وتأسيس الجمهورية الإسلامية، كان المسؤولون الإيرانيون، لا يزالون متخوفين من روسيا، خاصة بعد أن دعم الاتحاد السوفيتي العراق في حربه ضد إيران، وهي الحرب التي استمرت لثماني سنوات.
وفي المقابل بادل المسئولون السوفيت، الإيرانيين، نفس الحذر، خاصة بعد أن أرسل مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله روح الله الخميني، في عام 1988 رسالة إلى رئيس الاتحاد السوفيتي حينها، ميخائيل جورباتشوف، يدعوه فيها إلى التراجع عن الشيوعية، وإعادة النظر في الإسلام.
ويعلق أستاذ التاريخ في جامعة طهران، داريوش رحمانيان، على هذه الرسالة، لـ”ساسة بوست”، قائلًا “كان السيد الخميني والمسؤولون الإيرانيون، في ذلك الوقت لا يثقون تمامًا في الاتحاد السوفيتي، ليس بسبب دعم العراق في حربه ضد إيران فقط، ولكن بسبب تاريخ وحروب الروس في إيران، وزادت رسالة السيد الخميني إلى جورباتشوف، من سوء العلاقة بين البلدين”.
لكن، بعد وفاة آية الله الخميني، وجدت الجمهورية الإسلامية نفسها أمام ضرورة إصلاح العلاقات مع الاتحاد السوفيتي، وبشكل أوضح كانت بحاجة إلى السلاح، فقرر علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي كان يرأس البرلمان الإيراني حينها، زيارة موسكو على رأس وفد رفيع المستوى، في 20 يونيو (حزيران) 1989، وكانت هذه أول زيارة لمسؤول إيراني كبير بعد الثورة إلى الاتحاد السوفيتي.
تحدث هاشمي رفسنجاني، الذي يعد واحدًا من ألمع رجالات الثورة الإيرانية، والذي تقلد أيضًا منصب رئيس الجمهورية الإسلامية (1989:1997)، في مذكراته، واصفًا هذه المرحلة الهامة، بقوله: “تفاجأت أنا والوفد الإيراني، بالسيد جورباتشوف، الذي أحضر ورقة بيضاء موقعة من 14 عضوًا من المكتب السياسي للجنة التنفيذية لمجلس السوفيت الأعلى لمنح إيران عقد صفقة أسلحة تقدر بحوالي 10 مليار دولار أمريكي”.
ويعلق أستاذ التاريخ، السيد داريوش رحمانيان، لـ”ساسة بوست” على ذلك قائلًا، “كانت زيارة السيد رفسنجاني إلى الاتحاد السوفيتي والحصول على صفقة أسلحة، نقطة تحول في العلاقات الإيرانية الروسية، بالرغم من تأخير تسليم الصفقة إلى حد ما”.
وطوال السنوات الماضية، وفي ظل العقوبات الغربية الصارمة المفروضة على البلاد، كان الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، دائمًا ما يحث المسئولين في الحكومة الإيرانية، على توطيد العلاقات مع كل من روسيا والصين، وزادت هذه الرغبة بعد سحب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، في مايو (آيار) 2018، لتتحول إلى إستراتيجية عرفت بـ”النظر إلى الشرق”.
لكن الإدارة الإيرانية السابقة، والرئيس السابق حسن روحاني، كانوا غير ميالين لتنفيذ إستراتيجية “النظر إلى الشرق”، التي أوصى بها، آية الله علي خامنئي، مرارًا وتكرارًا، مركزين على التفاوض مع الغرب وواشنطن، وإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، مرة أخرى.
ومع ازدياد قسوة العقوبات الاقتصادية التي أعاد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب فرضها على طهران، بدأت إدارة روحاني التي تُوصف بـ”المعتدلة”، بالنظر إلى الشرق فعليًّا عبر توسيع العلاقات التجارية مع روسيا والصين، في محاولة للخروج من الأزمات الاقتصادية التي عصفت باقتصاد الجمهورية الإسلامية.
إبراهيم رئيسي.. عهد جديد مع روسيا بوتين
في سنواته الأخيرة في السلطة تعرضت إدارة الرئيس السابق حسن روحاني لانتقادات من طرف أنصار آية الله خامنئي، وذلك لوضعها جميع بيضها في سلة الغرب، وزاد الانتقاد بعد انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، خاصة وأن المحافظين دائمًا ما يجادلون بأن روسيا هي بطاقة قوية في إستراتيجية معاداة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.
لذلك، كان من الضروري أن ينفِّذ، إبراهيم رئيسي، وهو رجل دين محافظ، وواحد من تلاميذ آية الله خامنئي، توجيهات معلمه بكل دقة، فاختار أن تكون زيارته الخارجية الثالثة لموسكو، من أجل وضع ملامح واضحة لعهد جديد مع روسيا.
وفي خطابه الذي ألقاه في الكرملين، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لـ بوتين “ليس لدينا قيود على تطوير وتوسيع العلاقات مع روسيا الصديقة، وستصبح هذه العلاقات إستراتيجية”، واجتمع الرئيس الإيراني، بنظيره الروسي لمدة ثلاث ساعات، ناقشا خلالها الكثير من القضايا الثنائية.
وفي غضون ذلك، أشاد التيار المحافظ في إيران، بالاجتماع بين رئيسي وبوتين، إذ وصفت جريدة “جوان”، المحافظة، والمقربة من الحرس الثوري الإيراني، زيارة رئيسي لموسكو بأنها “حدث للتاريخ”، واختارت صحيفة “شرق”، المحافظة أيضًا عنوان “بداية دبلوماسية الجوار”، عنوانًا رئيسيًا لرحلة إبراهيم رئيسي إلى روسيا.
يقول الصحفي الإيراني، أميد شكري لـ”ساسة بوست”، إن “العلاقات الإيرانية الروسية، منذ تولي بوتين السلطة، آخذة في التطور، خاصة وأن كلا من طهران وموسكو تشتركان في الكثير من القضايا مثل تحدي النفوذ الأمريكي، وملف الحرب في سوريا، وضمان الاستقرار في أفغانستان، لكن زيارة السيد رئيسي الأخيرة، كانت تأسيسًا لعهد جديد في العلاقة بين البلدين، خاصة مع فترة طويلة من عدم الاهتمام بجيران الشرق في عهد إدارة حسن روحاني”.
وهو ما يعد خطًّا جديدًا في السياسة الخارجية الإيرانية، إذ لم يولِ أي رئيس إيراني في السابق هذا القدر من الأهمية لروسيا، مثلما يفعل إبراهيم رئيسي حاليًّا، وفي هذا الصدد يقول أميد شكري لـ”ساسة بوست”، “لم يهتم روحاني ولا أحمدي نجاد بروسيا بالقدر الذي طالب به السيد خامنئي، وهذا ما شعر به السيد بوتين أيضًا”.
ويبرهن شكري، على المشاعر السلبية لموسكو تجاه قادة إيران، والتي ربما يكون الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني السبب بها، بحديث السفير الإيراني السابق لدى روسيا، سيد محمود رضا سجادي، عندما قال في مقابلة تلفزيونية معه، متزامنة مع زيارة إبراهيم رئيسي لموسكو، “بعد عودة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من زيارته لطهران في عام 2017 قال لمساعديه: لم نزر دولة واحدة، بل دولتين، دولة آية الله خامنئي، ودولة حسن روحاني”.
وفي حديثه لـ”ساسة بوست”، يقول محلل السياسة الخارجية الإيرانية، المقيم في طهران، والذي طلب عدم كشف هويته، إن المحافظين في إيران يرون أن روسيا والصين طوق نجاة، بعد خيبة أمل طهران في الغرب، إذ تنظر الجمهورية الإسلامية ومسئولوها المحافظون الذين يتواجدون الآن في كل المناصب، أن روسيا ليست فقط حليفًا لإيران في مواجهة الولايات المتحدة والغرب، بل إنها من الممكن أن تكون أداة فعالة في تقوية موقف إيران الدفاعي، ومورد رئيسي للأسلحة”.
لكن هذه الرغبة من طرف التيار المحافظ الإيراني، في توسيع العلاقات سواء التجارية أو الأمنية مع روسيا، قوبلت بالانتقاد والخوف، من قبل بعض الإيرانيين، الذين لم ينسوا ما فعلته روسيا القيصرية والسوفيتية في بلادهم من قبل، لذلك سعى المسؤولين المحافظين لتحسين صورة روسيا في محاولة لإقناع الجمهور الإيراني بسياسة التوجه نحو موسكو.
فقد صرح وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، في 19 يناير (كانون الثاني) 2022، قائلًا إن “زيارة السيد رئيسي إلى موسكو نقطة تحول في سياسة إيران للتطلع إلى الشرق، وروسيا بوتين مختلفة عن الاتحاد السوفيتي”.
ويقول محلل السياسة الخارجية، لـ”ساسة بوست”، “الإيرانيون لا يثقون في روسيا، فالتاريخ الطويل من العداء بين البلدين، والحروب الروسية الفارسية، في القرون الماضية والتي أدت إلى خسارة إيران مساحات واسعة من الأراضي، كلها أمور تعزز الصورة السلبية عن روسيا لدى الإيرانيين، حتى في التاريخ المعاصر، لم يكن لروسيا موقف رأى فيه الإيرانيون أنها حليفة لبلادهم”.
وتجدر الإشارة هنا، إلى أن الحروب الروسية-الفارسية، والتي أسفرت فيما بعد عن معاهدتي جولستان عام 1813، وتركمنشاي عام 1828، ونتج عنهما فصل مساحات كبيرة من الأراضي الإيرانية أو ما كان يطلق عليها “أرض المملكة الفارسية”، بما في ذلك أذربيجان، وأرمينيا، وبعض أجزاء من تركيا وجورجيا، عن إيران.
لكن، هناك من يرى أن روسيا بوتين، أثبتت أنها من الممكن أن تكون حليفًا قويًّا لإيران، إذ يقول الصحفي الإيراني، أميد شكري لـ”ساسة بوست”، “الأمور قد تغيرت عما كانت في القرون الماضية، ولم تعد روسيا ولا إيران كما كانتا في الماضي، روسيا الآن صديقة للجمهورية الإسلامية، وقد أثبتت الكثير من المواقف الصعبة التي مرت بها الجمهورية الإسلامية، هذه المسألة”.
اختبار في النفط وآخر في النووي.. هل روسيا صديقة لإيران حقًّا؟
تطورت العلاقات بين روسيا وإيران في السنوات الأخيرة بسبب تحدياتهما الخاصة، وانتهاج البلدين نفس السياسات في بعض القضايا الإقليمية مثل الحرب في سوريا ودعم الرئيس السوري، بشار الأسد، وتحدي الولايات المتحدة، مع وجود بعض الأمور التنافسية بين البلدين.
فبعد عام من انسحاب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب من الصفقة النووية الإيرانية لعام 2015، والتي تعرف أيضًا باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، زاد اهتمام الجمهورية الإسلامية بروسيا، وفي عام 2019 سافر وزير الخارجية الإيراني آنذاك، محمد جواد ظريف، عدة مرات إلى العاصمة موسكو، للحصول على الدعم الروسي في مواجهة الولايات المتحدة.
في إحدى المرات وفور وصوله إلى مطار موسكو، وقف جواد ظريف أمام الصحفيين الروس مصرحًا “لقد وقفت الحكومة الروسية إلى جانب الحكومة الإيرانية في الكثير من الأوقات الصعبة، وسنعقد دائمًا الصفقات مع الأصدقاء”.
يقول محلل السياسة الخارجية المقيم في طهران، معلقًا على هذا الأمر لـ”ساسة بوست”، “منذ ذلك الوقت الذي صرح فيه ظريف بهذا التصريح، وإلى الآن لم يجد الإيرانيون روسيا بجانبهم في الأوقات الصعبة، كما يجري التسويق لذلك داخل إيران، فعلى سبيل المثال، انسحبت الشركات الروسية على الفور من الأسواق الإيرانية فور انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، خوفًا من العقوبات الأمريكية، كما أن طهران ظلت تطلب من موسكو استيراد حوالي 500 ألف برميل نفط يوميًّا، وخفضت روسيا العدد فيما بعد”.
وتجدر الإشارة هنا، أن الجانبين الروسي والإيراني، كانا قد اتفقا على أن موسكو سوف تشتري نصف مليون برميل من النفط الإيراني يوميًّا، مقابل صادرات من السلع والبضائع، وقيل إن الروس سوف يدفعون نقدًا، نصف الكمية، والنصف الآخر سوف تشتري به إيران بضائع روسية، لكن غيرت روسيا خطتها فيما بعد، وفي عام 2017 أعلن وزير النفط الإيراني بيجان زنكنه، توقيع عقد تصدير 100 ألف برميل من النفط الإيراني، يوميًّا إلى روسيا.
يقول محلل السياسة الخارجية الإيراني لـ”ساسة بوست”، “تعمدت روسيا أيضًا تأخير مشاركتها في تطوير محطة بوشهر النووية الإيرانية لعدم إغضاب الولايات المتحدة والغرب، وأوقفت استثمارات بقيمة 10 مليار دولار في البنية التحتية للنفط والغاز في إيران، فكيف يعتقد المسؤولون الإيرانيون بأن روسيا صديقة لهم في الأوقات الصعبة؟”.
ماذا عن خارطة الطريق للعلاقات الروسية-الإيرانية لمدة 20 عامًا؟
في لقاء الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي بنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، أعلن الرئيسان أن إيران وروسيا بصدد إعداد خارطة طريق للتعاون طويل الأمد بين البلدين، وقال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، دون الخوض في تفاصيل خارطة الطريق هذه “أن بوتين ورئيسي كلفا كبار الدبلوماسيين بإعداد خارطة طريق مدتها 20 عامًا للتعاون طويل المدى بين روسيا وإيران”.
خارطة الطريق للتعاون الإستراتيجي طويل الأمد بين طهران وموسكو ليست بالمسألة الجديدة، ففى نهاية عام 2000 زار الرئيس الإيراني آنذاك، محمد خاتمي (1997:2005)، روسيا، ووقع على اتفاقية تعاون بين البلدين مدتها 10 سنوات، جرى تمديدها بعد ذلك لمدة خمس سنوات، لمرتين، بعد أن وافق عليها البرلمان الإيراني في بداية عام 2001.
وكانت أهم بنود هذه الاتفاقية بين طهران وموسكو، تعهد روسيا بعدم مهاجمة إيران، والأهم من ذلك، إذا تعرضت إيران للهجوم من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، فلن تساعد روسيا الدول المهاجمة، ولن تسمح باستخدام أراضيها لمهاجمة إيران.
يقول محمود شورى، الباحث في معهد الدراسات الإيرانية الأوراسية، في العاصمة طهران، لـ”ساسة بوست”، “كانت هذه الاتفاقية مهمة للغاية في وقتها، خاصة بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان، والمخاوف الإيرانية آنذاك من محاولة واشنطن وحلفائها لغزو إيران”.
عادت اتفاقية التعاون الإستراتيجي بين روسيا وإيران إلى الظهور مجددًا، في عام 2020، عندما أعلن وزير الخارجية الإيراني آنذاك، محمد جواد ظريف عن استعداد بلاده لتمديد اتفاقية عام 2001 مرة أخرى.
 يقول السيد شورى لـ”ساسة بوست”، “في عهد روحاني لم يجر الانتهاء من إعداد البنود الجديدة في الاتفاقية التي أعلن عنها ظريف، لكن هذه المرة، وبالرغم من أن الاتفاقية التي أعلن عنها رئيسي في زيارته لموسكو مبنية على الاتفاقية السابقة، فإنها من المحتمل أن تشمل الكثير من البنود الجديدة، خاصة المتعلقة بالتسليح”.
يقول محلل السياسة الخارجية المقيم في طهران، لـ”ساسة بوست”، “هذه الاتفاقية جرى تعليقها من الجانب الروسي، في السنوات الأخيرة، ولا أعتقد أن إعدادها مرة أخرى في عهد رئيسي سيحتوي على أي شيء جديد، كنا ننتظر أن يجري توقيعها خلال الزيارة الأخيرة، لكن على ما يبدو أن بوتين ينظر إليها على أنها إجراء بيروقراطي”.
على الجهة المقابلة، يرى الكثير من المسؤولين الإيرانيين أن توقيع هذه الاتفاقية الإستراتيجية أمر بالغ الأهمية في توطيد العلاقة بين طهران وموسكو، وأن روسيا تأخذ هذه المسالة على محمل الجد.
ويقول الصحفي الإيراني آميد شكري، والمؤيد لتوسيع العلاقات بين إيران وروسيا، لـ”ساسة بوست”، “السفير الإيراني في روسيا أعلن قبل اجتماع بوتين ورئيسي، أنه لن يجري التوقيع على الاتفاقية، لأن هناك الكثير من البنود التي ما زال يجري العمل عليها، كما أن زيارة رئيسي لموسكو، ليس هدفها توقيع الاتفاقيات والمعاهدات، وإنما تهدف إلى بدء فصل جديد في العلاقة بين موسكو وطهران، وتقريب وجهات النظر بين البلدين في الكثير من القضايا المشتركة”.
هل ستقوم روسيا ببيع الأسلحة إلى إيران؟
حسب المسؤولين الإيرانيين، فإن اتفاقية العشرين عامًا، أو ما يطلق عليها “خارطة الطريق طويلة الأمد للتعاون بين روسيا وإيران”، تشمل بنودًا خاصة ببيع الأسلحة الروسية إلى إيران، خاصة بعد رفع حظر شراء وبيع الأسلحة الذي كان مفروضًا على إيران من طرف الأمم المتحدة، في خريف عام 2020، وتجدر الإشارة هنا، إلى أن انتهاء حظر الأسلحة عن إيران هو واحد من أهم الفوائد المترتبة على الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
وبعد فترة وجيزة من رفع حظر التسلح عن إيران، تحدث الكثير من المسئولين الإيرانيين، عن اقتراب طهران من إبرام صفقات شراء سلاح متطور من روسيا، وبالتحديد شراء الطائرات المقاتلة من طراز “سوخوي 30”.
يقول محمود شورى، الباحث السياسي في مركز الدراسات الإيرانية الأوراسية في طهران، لـ”ساسة بوست”، “قبل وقت قصير من زيارة رئيسي لموسكو، تناولت بعض التقارير الإعلامية الإيرانية والروسية، أخبارًا تفيد بأن إيران ستوقع صفقة أسلحة مع روسيا بقيمة 20 مليار دولار، وستحصل على طائرات “سوخوي 35”، والنظام الدفاعي الصاروخي S400”.
طائرات “سوخوي 35” هي أكثر الطائرات تقدمًا التي تصنعها روسيا، وذكر مقال في صحيفة روسية، أن من الممكن أن تكون إيران من ضمن المشترين المحتملين لهذه الطائرات، وإذا جرى ذلك، ستكون هذه هي صفقة أسلحة كبرى في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
يعتمد أسطول السلاح الجوي الإيراني، على طائرات مقاتلة قديمة، من طراز “F14” ،”F5” ،”F4”، جرى شراؤها في عهد الشاه، وجميعها من طراز السبعينيات، يقول محلل السياسة الخارجية الإيراني لـ”ساسة بوست”، “الأسطول الجوي الحربي لإيران متهالك للغاية، وهو في أشد الحاجة للتحديث، روسيا قادرة على مساعدة إيران في هذا الأمر، لكن إذا كانت تمتلك الرغبة، كمسألة صفقة الأسلحة التي جرى تداولها قريبًا، لم يتم الحديث عنها في زيارة رئيسي لموسكو بأي شكل من الأشكال”.
لكن مسئول بارز في الحكومة الإيرانية، مفضلًا عدم الكشف عن هويته، قال لـ”ساسة بوست”: “في الماضي، كان من الممكن التشكيك في أمر هذه الصفقة، لكن الآن ومع المتغيرات الحالية بين روسيا والغرب بسبب أزمة أوكرانيا، أستطيع القول أن أمر الصفقة جاد، وأن حتى مسالة دفع الأموال مقابل طائرات “سوخوي 35”، تمت مناقشتها في زيارة السيد رئيسي لموسكو”.
وبحسب المسؤول الحكومي الإيراني، فان من المحتمل أن يجري دفع قيمة الصفقة، مقابل النفط المخفض لروسيا، أو الانتظار حتى الانتهاء من إحياء الاتفاق النووي الإيراني، والذي تدور المفاوضات الهادفة إلى إحيائه حاليًّا في العاصمة النمساوية فيينا، وتشير الدلائل إلى أن هناك انفراجة محتملة، مضيفًا: “إذا انتهت مفاوضات فيينا بنجاح، سيكون من السهل حينها الوصول إلى اتفاق حول طريقة دفع الأموال مقابل شراء الطائرات من روسيا”.
يرى محلل السياسة الخارجية الإيراني، الذي فضل التحدث لـ”ساسة بوست”، دون الإشارة إلى هويته، أن ليس من السهل أن تقوم روسيا ببيع أسلحة متطورة لإيران، حتى في قمة أزمتها مع الغرب بسبب حربها المحتملة مع أوكرانيا.
ويقول: “دائمًا ما تقف روسيا على مسافة بعيدة من إيران، فبالرغم من أنها تمتلك حق الفيتو (النقض)، في مجلس الأمن الدولي، فإنها لم تستخدمه لمعارضة الكثير من القرارات ضد إيران، كما أنها لجأت إلى التأخير المتعمد لتسليم طهران نظام الدفاع الصاروخي S300، بالإضافة إلى الصمت الروسي بخصوص الضربات الجوية الإسرائيلية، والتي تستهدف المواقع الإيرانية في سوريا، أرى أنه لا يجب الوثوق في موسكو، وأن هذه الثقة التي يتحدث عنها المسئولون الإيرانيون، ستنقلب ضدهم في أي وقت من الأوقات”.
الاتفاق النووي.. ما مصلحة روسيا؟
في أبريل (نيسان) من عام 2021، جرى تسريب تسجيل صوتي، لوزير الخارجية الإيراني آنذاك، محمد جواد ظريف، ضمن برنامج التاريخ الشفوي لحكومة حسن روحاني، انتقد خلاله ظريف الدور الروسي السلبي، في المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، والتي أدت إلى إبرام الاتفاق النووي لعام 2015، ووصف جواد ظريف حينها، روسيا بالمعطلة للمفاوضات، وأكد عدم رغبتها الحقيقية في استكمال المفاوضات بين إيران والغرب.
مصنع للمياه الثقيلة في إيران            
واستعاد الإيرانيون الحديث المسرب، لجواد ظريف، مع تنامي الدور الروسي في المفاوضات النووية الهادفة لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، والتي تجري الآن في العاصمة النمساوية، فيينا، خاصة بعد الظهور البارز للمفاوض الروسي، وممثل روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، ميخائيل أوليانوف.
يقول الناشط السياسي الإصلاحي، علي رضا حافظ، لـ”ساسة بوست”، “تنامى دور السيد أوليانوف في محادثات فيينا، لدرجة أننا نسينا وجود باقري كني، وباقي الفريق الإيراني المفاوض”، على باقري كني، يشعل منصب نائب وزير الخارجية الإيراني، ورئيس الفريق المفاوض الإيراني في فيينا، حاليًّا.
يقول محلل السياسة الخارجية الإيراني، لـ”ساسة بوست”، “المفاوض الروسي، أوليانوف، استغل فرصة عدم السماح للمفاوضين الإيرانيين بالتحدث المباشر مع نظرائهم الأمريكيين، واختطف الأنظار، كأنه يتحدث باسم الأمة الإيرانية في هذه المفاوضات”.
وأضاف: “لكن قطاعًا كبيرًا من الإيرانيين يعلم أن روسيا لا تريد لإيران إحياء الاتفاق النووي الذي سينهي عداوتها مع الغرب، والطبيعى أن العداء بين طهران وواشنطن يصب في مصلحة روسيا، وفي الماضي، اتخذت واشنطن من طهران حاجزًا ضد الاتحاد السوفيتي، والآن روسيا تنظر إلى إيران وكأنها مجرد بطاقة في مواجهة الولايات المتحدة”.
لكن على الجهة المقابلة، كان هناك آراء مختلفة عن الدور الروسي في مفاوضات فيينا، يقول المسئول الحكومي الإيراني، لـ”ساسة بوست”، “هناك سوء فهم لروسيا بين الإيرانيين، البعض ما زال يرى روسيا القيصرية أو السوفيتية، ولكن الآن روسيا مختلفة تمامًا عن الماضي، ونعلم أنها تعمل بجد لكسب ثقة طهران”.
تحت السقف الأمريكي.. العلاقات الاقتصادية بين طهران وموسكو
إلى جانب صفقات الأسلحة، والتعاون في إحياء الاتفاق النووي، كانت دائمًا العلاقات الاقتصادية بين طهران وموسكو إشكالية، فلم تكن روسيا في أي يوم من الأيام، ذات رغبة جادة في الدخول في الاقتصاد الإيراني، محاولة دائمًا تجنب انتهاك العقوبات الأمريكية والدولية المفروضة على الجمهورية الإسلامية.
لكن، ومن خلال زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي لموسكو، تحدث المسؤولون الإيرانيون عن زيادة في التعاون الاقتصادي بين البلدين، ورغبة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين لتعزيز هذا الأمر.
وأشار بوتين في لقائه مع رئيسي، إلى كيفية نمو التجارة الروسية الإيرانية، بنسبة 6% في عام 2020، بالرغم من وباء فيروس كورونا، وكيف أنها قفزت إلى نسبة 38% في عام 2021، كما تحدث بوتين عن إقامة منطقة تجارية حرة بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بزعامة روسيا.
يقول المسئول البارز في الحكومة الإيرانية، لـ”ساسة بوست”، “خلال هذه الزيارة جرت مناقشة خط الائتمان الروسي لإيران بقيمة خمسة مليار دولار، وزيادة حجم التجارة الثنائية من ثلاثة إلى خمسة مليار دولار، بالاضافة إلى توريد النفط الإيراني للأسواق العالمية من خلال الشركات الروسية”.
جدير بالذكر، أن خط الائتمان المالي بقيمة 5 مليار دولار، وتوريد النفط الإيراني من خلال الشركات الروسية، جميعها أمور جرت مناقشتها خلال عهد الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، ولكن تم تعليقها من قبل الجانب الروسي، لكن وبحسب المسئول الحكومي الإيراني، الذي تحدث لـ”ساسة بوست”، فإن بعد زيارة رئيسي لموسكو، سيتم حل جميع الأمور المؤجلة بين البلدين.
زيارة موسكو فرصة لتلميع صورة إبراهيم رئيسي
خلال زيارة إبراهيم رئيسي لموسكو ولقائه بالزعيم الروسي فلاديمير بوتين، لفت انتباه الجميع داخل إيران، صورتين، الأولى الطاولة الطويلة للغاية التي جلس عليها الرئيسان، فقد انتقد البعض طول المسافة بين رئيسي وبوتين، فيما رأى المؤيدين لروسيا في إيران، إن الأمر كان لضرورة الالتزام بإجراءات فيروس كورونا.
يقول الصحفي الإيراني، آميد شكري، لـ”ساسة بوست”، “أرى أن مسألة الجلوس على هذه الطاولة والمسافة بين رئيسي وبوتين طبيعي للغاية، نحن في زمن فيروس كورونا، وإجراءات التباعد الاجتماعي ضرورية، خاصة وأن كلا البلدين يعانيان من زيادة في نسب الإصابات بالمتحور الجديد، ويجب أن يكون الزعماء قدوة لشعوبهم”.
أثيرت مسألة المسافة الطويلة بين رئيسي وبوتين مرة ثانية، عندما زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون موسكو، وفي لقائه ببوتين جرى الجلوس على نفس الطاولة الطويلة، يقول الناشط الإصلاحي على رضا حافظ، لـ”ساسة بوست”، “فى لقاءات سابقة مع زعماء آخرين ببوتين، وفي أثناء جائحة كورونا، جلس بوتين وضيوفه على مقربة، لكن مع ماكرون الذي يتعمد بوتين إحراجه، جلس معه على نفس الطاولة التي جلس عليها رئيسي، ألسنا أصدقاء نحن وروسيا؟”.
الصورة الأخرى التي أثارت الجدل في زيارة إبراهيم رئيسي لروسيا، هي صورته وهو يؤدي فريضة الصلاة، انتشرت في وسائل الإعلام المقربة من الحكومة، أن رئيسي قطع حديثه مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ليؤدي صلاته، ووصفته بأنه دليل على قوة وسلطة الرئيس الإيراني الجديد.
لدرجة أن أحد أئمة صلاة الجمعة في مدينة كرج الإيرانية، علق أيضًا على الصور قائلًا “اقترح على رئيس أن يؤدي صلاته في البيت الأبيض لاحقًا”، كما ردد بعض أنصار الرئيس الإيراني، حديثًا من قبيل، أن بصلاة رئيسي قد تمت مباركة الكرملين لمدة 20 عامًا.
يقول محلل السياسة الخارجية الإيراني معلقًا على هذه المسالة، لـ”ساسة بوست”، “ماذا كان يريد أن يثبت رئيسي بأداء الصلاة في الكرملين؟ هل هناك أحد لا يعلم أن السيد رئيسي لا يؤدي فريضة الصلاة؟ هل كان هذا أمرًا هامًا؟ أم أنها من ضمن الدعاية للرئيس المحافظ”.
زيارة إبراهيم رئيسي إلى موسكو، والصخب الذي صاحبها إلى الآن، تذكرنا بالزيارة الشهيرة لآية الله علي خامنئي، عندما كان يتولى منصب رئيس الجمهورية، إلى كوريا الشمالية، عام 1989، في نفس العام الذي أصبح فيه الزعيم الأعلى للبلاد، حينها نقل أحمد الخميني، نجل آية الله الخميني لوسائل الإعلام الإيرانية، حديثًا عن والده، وهو يمدح آية الله خامنئي أثناء لقائه بزعيم كوريا الشمالية، فقال “قال الإمام (الخميني)، انظر إلى صلابة وقوة خامنئي، إنه يستحق القيادة وتناسبه”.