الرئيسة \  واحة اللقاء  \  متاهة سوريا بعد ما جرى في العراق

متاهة سوريا بعد ما جرى في العراق

30.06.2014
ياسر الزعاترة



الدستور
الاحد 29/6/2014
ما من شك أن التطورات في العراق قد فاجأت دمشق، تماما كما فاجأت طهران، وحلفاءها في بغداد، فمن يدير المعركة في العراق هو من يديرها في سوريا، أعني الجنرال قاسم سليماني الذي يضطر إلى تدخل أكبر في العراق الآن.
خسائرالنظام السوري مما يجري في العراق كبيرة، فالمالكي كان الحليف الأكبر بعد إيران، إذ كان يقدم المال والنفط والمقاتلين، وهو الآن لم يعد بوسعه أن يقدم شيئا من ذلك، كما أن استنزاف إيران سيكون أكبر، وسيكون عليها أن توزع العبء بين الحليفين أو التابعين بتعبير أدق، بعد أن كان أحدهما يساعد الآخر عمليا.
لشهور خلت لم يكن طيران  النظام يقصف مدينة الرقة، معقل الدولة الإسلامية في العراق والشام؛ ليس لأن التنظيم متآمر معه أو عميل له كما يذهب البعض، بل لأن استمرار التنظيم في صراعه مع القوى الأخرى في الساحة السورية كان يخدمه من جهة، ولأن نموذج الرقة كان يخدم رؤيته حول فضح نهج “التكفيريين” من جهة أخرى، فضلا عن أن وجود التنظيم وبرنامجه واسع النطاق سيعني دفع القوى الغربية إلى قبول مهمته (أعني  النظام) كسد في مواجهة الإرهاب في المنطقة، ومن وراء تلك القوى بطبيعة الحال الكيان الصيهوني، المحرك الأكبر لسياسات الغرب فيما خصّ الثورة السورية على وجه التحديد.
ما يجري في العراق عمّق انفجار الهويات العرقية والطائفية من جهة، وهذا يعني أن سوريا لن تكون استثناءً في المنطقة، ولن تكون الوحيدة التي تحكم فيها طائفة لا تزيد نسبتها عن 10 في المئة من مجموع السكان، وإلا لكان بوسع حزب الله أن يحلم بحكم لبنان بقوة السلاح مثلا، بخاصة أن نسبة الشيعة من مجموع السكان تتعدى الربع.
ما جرى في العراق في ضوء ذلك كله سيعود بأشد الضرر على نظام دمشق، وسيجعل أحلامه باستمرار السيطرة على سوريا ضربا من الاحلام، حتى لو تمكن من الصمود لأعوام أخرى تكون كافية لاستنزاف إيران وعودتها إلى الرشد وتجرِّعها كأس السم بقبول تسوية إقليمية تشمل مختلف الملفات العالقة في المنطقة مع العرب وتركيا.
وكما أن المالكي سيدفع الثمن في العراق، ولن يكون جزءا من أية تسوية مقبلة مهما طالت الحرب، فإن نظام دمشق سيكون كذلك، بل إن المشهد سيكون أسوأ بكثير هنا، ففي العراق لن يتمكن أحد من تهميش الشيعة كطائفة تشكل نصف سكان البلد تقريبا (على خلاف بشأن النسبة)، هذا إذا لم تذهب الأوضاع نحو التقسيم، لكن الأمر في سوريا مختلف، فالطائفة نسبتها محدودة كما أشير من قبل، وحتى لو أضيفت إليها الأقليات الأخرى ضمن ما يعرف بتحالف الأقليات، فإن الغالبية الساحقة ستبقى للسنّة دون شك. أما التقسيم هنا في سوريا، فاحتماله أصعب من العراق وسيحتاج إلى تطهير عرقي ومذهبي واسع النطاق.
على الأرض لم يعد ثمة تقدم يذكر للنظام في المعارك الدائرة، بل ربما كان تقدم الثوار أكبر، وها إن الاشتباكات تعود إلى محيط دمشق من جديد، كما أن حزب الله لن يتمكن من تقديم أكثر مما يقدم حاليا، في حين لا تبدو الأخبار القادمة من لبنان مريحة أيضا، فالسنّة فيه يتأثرون بأجواء المنطقة، والتفجيرات تعاود فعلها في بيروت، وضجر الشيعة من تدخل الحزب وتداعياته تتعالى بمرور الوقت.
والخلاصة أن جميع حلفاء النظام في ورطة حقيقية، وهو في ورطة تبعا لهم، والأجواء العامة في المنطقة؛ وإن ركزت على قصة “مطاردة الإرهاب”، فإنها تدرك أن مطاردة كهذه لن تنجح من دون سحب مبرراته، ولا شك أن ما أطلق مارده من القمقم إنما يتمثل في الملف السوري قبل أي شيء آخر، ولذلك فإن أية تسوية مهما كانت لن تعيد الوضع في سوريا إلى ما كان عليه بحال من الأحوال.
 نظام دمشق في أسوأ أحواله دون شك، وأية مكابرة يبديها بين حين وآخر من خلال الإعلام الإيراني لن تخفي حقيقة قلقه، ولو عاد الزمن إلى الخلف لربما كان تعامله مع الثورة مختلفا، وكذلك حال إيران التي أعماها غرور القوة وورطها في هذا النزيف البائس، والذي سيعيدها مهما طال إلى حجمها الطبيعي، ومعها حلفاؤها.