الرئيسة \  تقارير  \  مترجم: أمريكا ترى أن بوتين يقامر بمستقبله.. وبمستقبل روسيا

مترجم: أمريكا ترى أن بوتين يقامر بمستقبله.. وبمستقبل روسيا

24.02.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاربعاء 23/2/2022
ناقش سكوت جيلباش، أستاذ العلوم السياسية في كلية هاريس للسياسة العامة بجامعة شيكاغو، وزاوتيان لو، أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، مساعي بوتين لغزو أوكرانيا، وما يعني ذلك لروسيا، مؤكدَيْن أن بوتين يضع مستقبله السياسي، ومستقبل روسيا أيضًا، على المحك.
وفي مطلع تحليلهما، الذي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، تساءل الكاتبان: هل قرر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، شن حرب “كارثية” بالفعل ضد أوكرانيا، حسبما أعلن الرئيس بايدن الجمعة الماضية؟
وأوضح الكاتبان أن تقارير إعلامية ركَّزت خلال الأسابيع الماضية على التأثير المحتمل لتلك الحرب في حكومة أوكرانيا وشعبها. وحذَّر المحللون من عواقب وخيمة مروِّعة، إذ سيسقط آلاف الضحايا، وستحدث أزمة لاجئين ضخمة، وستُنصَّب حكومة صورية في العاصمة الأوكرانية كييف.
تداعيات الغزو على روسيا نفسها
واستدرك الكاتبان متسائلَيْن: لكن ماذا يعني غزو أوكرانيا بالنسبة إلى روسيا نفسها؟ تؤثر الحرب لا محالة على السياسة الداخلية – وتشير أبحاث الكاتبين إلى أن الحرب في أوكرانيا يمكن أن تغيِّر طبيعة النظام الاستبدادي في روسيا.
يقول الكاتبان إنهما في ورقة عمل صدرت مؤخرًا، أمعنا النظر في العلاقة بين الأدوات المختلفة التي تساعد على بقاء الأنظمة الاستبدادية، إذ يهدف المستبدون إلى تجنُّب القمع إن أمكن، وهو أمر مكلِّف وقد لا يؤتي ثماره، ومع ذلك، قد تحرم الوسائل البديلة للاحتفاظ بالسيطرة – التلاعب بالرأي العام عن طريق حظر المعلومات الخارجية – القادة المستبدين أنفسهم من المعلومات التي يحتاجون إليها للبقاء في الحكم.
ويظهر البحث أن المستبدين يحسِمون هذه المقايضة من خلال إحداث توازن بين استخدام التلاعب بالمعلومات والقمع، إذ تأتي الرقابة على المعلومات أولًا، ولكن إذا فشل هذا النهج، فإنه القمع لا محالة. ويعتمد تنفيذ ذلك على المشاعر العامة، فعندما يميل المواطنون إلى معارضة سياسة الحكومة، فإن الرقابة لا تجدي نفعًا كبيرًا، ويرتفع احتمال اللجوء إلى القمع.
الروس يظهرون دعمًا ضعيفًا لحربٍ طويلة مع أوكرانيا
يتساءل الكاتبان: إذن ماذا يعني هذا لنظام بوتين، وما رد الفعل من جانب الروس على حربٍ يخوضها بوتين في أوكرانيا؟ من وجهة نظر الكرملين، النتيجة الأكثر تفاؤلًا هي أن الحرب ستكون سريعة وحاسمة، مما يدفع المواطنين الروس إلى الانضواء تحت اللواء الروسي، كما كان الحال بعد استيلاء بوتين على شبه جزيرة القرم في عام 2014، وفي هذا السيناريو، سترتفع أسهم بوتين مرةً أخرى، بعد أن عانت من ضغوط لسنوات بسبب الركود الاقتصادي والاستجابة غير الفعَّالة لجائحة كورونا.
وتحقُّق مثل هذا السيناريو ليس مستحيلًا، لكنه غير مرجَّح، ولن يكون غزو أوكرانيا في عام 2022 كالضربة الخاطفة التي سدَّدها بوتين ضد شبه جزيرة القرم في عام 2014، أو حتى كالصراع الطاحن الذي أعقب ذلك في منطقة دونباس، ومن غير المحتمل أن تستطيع أوكرانيا صدَّ هجوم روسي واسع النطاق، لكنها يمكن أن تتسبب في خسائر كبيرة في صفوف المهاجمين. وبمساعدة الغرب، سيظل المتمردون الأوكرانيون يُرسلون الجنود الروس إلى ديارهم في أكياس الجثث، مما يجعل امتداد أمد الصراع أمرًا محتملًا.
ولم يفعل بوتين كثيرًا لتهيئة الشعب الروسي لمثل هذه الخسائر. ويقال إن الروس ليس لديهم رغبة كبيرة في خوض حرب ضد أوكرانيا، بينما سيكون هذا الصراع أكبر صراع عسكري روسي منذ الحرب الباردة. وتشير استطلاعات الرأي إلى تراجع دعم الصراع في شرق أوكرانيا الذي سيدخل عامه التاسع قريبًا، حيث يدعم أقل من 10% من المواطنين الروس الصراع المفتوح مع القوات الأوكرانية.
بوتين سيفرض رقابة على المعلومات الخارجية إذا طال أمد الحرب
ويوضح الكاتبان أنه كي لا يفقد بوتين الدعم الشعبي، لا شك أن خبراء المراوغة في الكرملين سيشكلون رواية تبرر الحرب – على غرار أن القوات الروسية توفر الحماية لأقلية عِرقية روسية معرضة لخطر الإبادة الجماعية، وهذه القصة على سبيل المثال تشبه إلى حد كبير قصة تبرير التدخل الروسي في جورجيا نيابةً عن أوسيتيا الجنوبية في عام 2008. ومع ذلك، من غير المرجَّح أن تنجح مثل هذه الدعاية دون رقابة غير مسبوقة على المعلومات الخارجية. لذلك، من غير المرجَّح أن تنجو وسائل الإعلام الروسية المستقلة القليلة المتبقية من صراعٍ طويل الأمد.
وبالطبع ستكون هناك أصوات أخرى تحاول نقل الأخبار إلى الشعب الروسي، لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولمنع ذلك، ربما تحظر الحكومة موقع “يوتيوب” وأي قنوات أخرى يمكن أن تستخدمها هذه الأصوات لنقل وجهات نظرها إلى الشعب الروسي، ومع ذلك، سيتعرض أولئك الذين ينشرون أخبار الضحايا الروس للانتقام، كما حدث خلال الأيام الأولى لحرب دونباس.
إذا لم تنجح الرقابة.. فالقمع هو الحل
واستدرك الكاتبان قائلَيْن: لكن حتى هذه الإجراءات الصارمة قد تفشل، إذ إن المعلومات حول الخسائر الروسية والمقاومة الأوكرانية ستتدفق وتستمر في الظهور، وحينها سيلجأ بوتين إلى الملاذ الأخير للديكتاتور: القمع السافر. وبعد أن فشل في الحفاظ على الدعم الشعبي للحرب ومع تعرض رئاسته للخطر، سيفرض بوتين مزيدًا من القيود للتشبث بالسلطة، مثلما فعل جاره ألكسندر لوكاشينكو في بيلاروسيا. فما النتيجة النهائية إذن؟ قد نرى روسيا أكثر استبدادية بكثير مما كانت عليه في أي وقت في حقبة ما بعد الاتحاد السوفيتي.
ولا شك أن قوات الأمن الروسية ستقمع أي احتجاجات في الشوارع ضد الحرب في أوكرانيا، وستعتقل الروس الذين يجهرون بمعارضة النظام. وسيكون الناشطون الموجودون بالفعل في السجن – وخاصة أليكسي نافالني – أكثر عرضة للتعذيب والموت. وقد تجد أحزاب المعارضة الروسية – التي سمح الكرملين حتى الآن بتكوينها، وهو الذي يديرها بل هو الذي أنشأها للحفاظ على شكل المنافسة السياسية – أنها صارت بلا فائدة. وسيزداد جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB) قوة ونفوذًا، وهو الآن أقوى بالفعل من أي مؤسسة روسية ما عدا مؤسسة الرئاسة نفسها.
وبعد أن يخوض بوتين في هذا الطريق، سيكون من الصعب عليه التراجع عنه، وسيكون أي أمل في نظام أكثر انفتاحًا معلقًا بالضرورة على إزاحة بوتين من السلطة، أو موته الطبيعي في منصبه.
بوتين يقامر بمستقبله وبمستقبل روسيا
يرجح الكاتبان أن بوتين يراهن على السيناريو الأول المتفائل – بمعنى أن يؤدي النصر الروسي السريع إلى زيادة الدعم الشعبي، وبدلًا من ذلك، قد يراهن على قدرته على التلاعب بالرأي العام حتى في مواجهة الخسائر الكبيرة في المعارك، وأخيرًا، ربما يراهن على أن القمع سينجح بأقل تكلفة. ومصير النظام السياسي الروسي يعتمد على أيٍّ من هذه الرهانات سيكون صحيحًا.
إن غزوًا ​​روسيًّا آخر سيكون مروعًا لأوكرانيا، وقد يكون مروعًا أيضًا لروسيا، التي قد يعاني مواطنوها من فقدان أي حريات سياسية وحريات مدنية متبقية بعد عقدين من حكم بوتين، وستمتد مخاطر الأزمة الحالية إلى ما وراء حدود أوكرانيا – فالذين يعملون على تجنُّب الصراع يبذلون قصارى جهدهم من أجل مستقبل أوكرانيا ومن أجل مستقبل روسيا كذلك.