الرئيسة \  تقارير  \  مترجم: بالأرقام.. كيف نفهم خريطة التسلُّح في الشرق الأوسط الآن؟

مترجم: بالأرقام.. كيف نفهم خريطة التسلُّح في الشرق الأوسط الآن؟

13.02.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
السبت 12/2/2022                             
يستغل أبرز مصدِّرو الأسلحة العداءات الإقليمية والنزعات الطائفية لتنفيذ أجنداتهم المالية والجيوستراتيجية، حسبما خلُص كلٌ من مارك فينو، رئيس قسم انتشار الأسلحة في مركز جنيف للسياسات الأمنية، وشروتي بونيا، باحثة في الأمن الإستراتيجي وانتشار الأسلحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك في تقريرهما المنشور في مجلة “ريسبونسبل ستيت كرافت” التابعة لمعهد كوينسي لفن الحكم الرشيد.
في مستهل تقريرهما، يصف الكاتبان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأنها ساحة للصراعات المحتدمة ونواة متنامية لتراكم الأسلحة وتكديسها، وشهد سباق التسلح الإقليمي نموًّا ملحوظًا، خاصةً منذ اندلاع الثورة السورية والحرب الأهلية الليبية في عام 2011، إذ تتنافس الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا والصين وغيرها من الدول فيما يتعلق بعقد صفقات الأسلحة التي تُقدَّر قيمتها بمليارات الدولارات مع دول هذه المنطقة.
وتظهر بيانات “معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (SIPRI)” أنه في الوقت الذي شهدت فيه تجارة الأسلحة استقرارًا على الصعيد العالمي خلال الفترة من عام 2016، وحتى 2020، تزايدت تجارة الأسلحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 25%، وبالمقارنة مع الخمس سنوات الماضية، يُلاحظ زيادة حصة المنطقة في سوق الأسلحة من 26% إلى 33%، بينما انخفضت حصة جميع دول المناطق الأخرى.
النزاعات الإقليمية حافز لسباق التسلح
يُوضح التقرير أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحصل حاليًا على أكثر من 47% من صادرات الأسلحة العالمية الأمريكية، وتُمثل المملكة العربية السعودية وحدها 24%  من إجمالي شحنات الأسلحة الأمريكية، ومنذ عام 2011، شهدت المنطقة نموًّا سريعًا في واردات الأسلحة بقيادة السعودية (السبت 12/2/202261%) ومصر (السبت 12/2/2022136%) وقطر (السبت 12/2/2022361%). وخلال الفترة من عام 2016 وحتى 2020، كان هناك أربع دول من بين أكبر عشر دول مستوردة للأسلحة في العالم تقع في منطقة الشرق الأوسط (وهم السعودية ومصر وقطر والإمارات)، مع تصدر السعودية المرتبة الأولى في استيراد الأسلحة عالميًّا (11% من الواردات العالمية).
ولا تخلو قائمة أي من المُصدِّرين الرئيسين من دولة أو دولتين من المنطقة ضمن أكبر ثلاثة عملاء لها: وتصدر الولايات المتحدة الأسلحة للسعودية، وتُصدر فرنسا لمصر وقطر، بينما تُصدر المملكة المتحدة للسعودية وسلطنة عُمان، وتصدر ألمانيا للجزائر ومصر، أما روسيا والصين فيُصدِّران السلاح للجزائر.
وبالتناسب مع تضخم عقود صفقات الأسلحة في الشرق الأوسط، توجد زيادة سريعة في الإنفاق العسكري، وأفاد البنك الدولي، أن متوسط ​​الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط بلغ من حصة الناتج المحلي الإجمالي حوالي 4,9%، أو ما يُعادل ضعف المتوسط ​​العالمي الذي يبلغ 2,4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وتظهر بيانات “معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام” أن سبع دول من بين العشرة الأوائل من حيث الإنفاق العسكري بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي تقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأن ست دول من بين الدول العشر الأولى من حيث الإنفاق العسكري لنصيب الفرد الواحد تقع في الشرق الأوسط.
ويلفت التقرير إلى أن النزاعات الإقليمية تُعد دافعًا مهمًّا لتكديس الأسلحة، والتي زادت إلى حد التفاقم بسبب التدخلات الأجنبية بدرجات مختلفة، ويعد العداء الدائم بين إسرائيل وبعض الدول العربية وإيران أكثر العداوات وضوحًا، وفي أعقاب الحروب المستمرة في اليمن وسوريا ولبنان، اقتحمت دول الخليج الغنية سباق التسلح الإقليمي، وكان برنامج إيران النووي المثير للجدل والحروب بالوكالة في الدول المجاورة للخليج عاملًا حاسمًا إضافيًّا للتَهديدات المتصورة، التي تحض على شراء الأسلحة وتكديسها في المنطقة.
وفي هذا الإطار، أدَّت السياسة الخارجية الأمريكية دورًا حاسمًا دومًا؛ إذ أيَّدت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في الآونة الأخيرة، سياسة بيع الأسلحة “الدفاعية” فحسب إلى السعودية في ضوء تورط الرياض في الحرب في اليمن؛ ومع ذلك، أقرَّت وزارة الخارجية الأمريكية صفقة أسلحة ضخمة تشمل 280 صاروخًا جو-جو متوسطة المدى ومتقدمة تُقدر قيمتها بـ650 مليون دولار.
وألمح التقرير إلى أن إيران تعد العدو المشترك للعديد من دول العالم العربي،  وأجرت الإمارات، وهي حليف آخر للولايات المتحدة، محادثات بشأن استكمال صفقة تُقدر قيمتها بـ23 مليار دولار لاستيراد طائرات مقاتلة أمريكية الصنع من طراز إف-35 وطائرات من دون طيار ومعدات أخرى، لكن هذه المحادثات توقفت في الوقت الراهن، وعلى غرار السعودية، تعد الإمارات غارقة في الحرب في اليمن، أحد أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
وتتنافس الولايات المتحدة بقوة مع روسيا لتأمين صفقات أسلحة إقليمية، وضاعفت روسيا من إمداداتها من الأسلحة إلى عملائها الرئيسيين (الجزائر ومصر والعراق)، لكن موسكو تسعى إلى اقتناص الفرصة لتقليص احتكار الولايات المتحدة شبه الدائم لسوق الأسلحة داخل الخليج العربي، وبالفعل تتطلع دول مثل السعودية والإمارات إلى استبدال الأسلحة الأمريكية بسبب الانتقادات المتعلقة بحرب اليمن ومعايير مراقبة الصادرات الأمريكية الأكثر تقييدًا، لا سيما في التكنولوجيا والصواريخ ذات الاستخدام المزدوج؛ ومع ذلك، فإن علاقة روسيا الخاصة بإيران وإمكانية بيع أسلحة روسية جديدة لطهران، ومنها مقاتلات سو-35 التي لا يُمكن بيعها للجزائر ومصر، قد تكون سببًا في عرقلة طموحات روسيا.
أضاف التقرير أنه على الرغم من كونهما متنافسين في هذا المضمار، فإن روسيا والصين أكثر استعدادًا لتجاهل استخدامات منظومات الأسلحة التي تبيعها، وكانت الصين من بين أكبر ثلاث دول مُصدِّرة للطائرات المسلحة من دون طيار في العالم (بالإضافة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل) وأدرجت دول الخليج بوصفهم عملاء في السنوات الأخيرة بالإضافة إلى العراق ومصر.
كما تسهم بعض الدول الواقعة في شمال أفريقيا، مثل ليبيا والجزائر والمغرب، بصورة مطردة في سباق التسلح، إذ تتسلح الأخيرتان ضد بعضهما البعض، وتشير تقديرات “معهد ستوكهولم” إلى زيادة واردات الجزائر من الأسلحة بنسبة 64%، مقارنة بحجم وارداتها من الأسلحة في الفترة من 2011 وحتى 2015، بينما تمثل الجزائر والمغرب 70% من إجمالي الواردات الأفريقية من الأسلحة الكبيرة في الفترة من عام 2016 وحتى عام 2020.
وأفاد التقرير أن الميليشيات المحلية والجماعات المتمردة تمكنت أيضًا من تأمين جزء كبير من إمدادات الأسلحة التي كانت تُنتج أو تُصدَّر في الأساس بصورة قانونية، وتشكل ظاهرة التسريب المتعمد أو غير المتعمد للأسلحة ضربةً قاسيةً للجهود الدولية للحد من انتشار الأسلحة مثل معاهدة تجارة الأسلحة، ونظرًا لعدم استقرار النزاعات، استُخدمت بعض الأسلحة المُصدرة رسميًّا من أحد المزودين الرئيسين ضد قوات هذه الدولة أو حلفائها بعد أن وقعت في أيدي مجموعة مسلحة، كما حدث عندما  استولى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق على الأسلحة الأمريكية.
يُنوِّه التقرير إلى أنه في الوقت الذي لا تزال فيه بعض الدول العربية تستورد الأسلحة والذخيرة من كبار الشركات المصنعة، لا يزال لدى القوى الإقليمية أيضًا طموحات لتطوير صناعاتها العسكرية، وتُعد إسرائيل ومصر مثالين رئيسين على ذلك، إذ أصبحت إسرائيل مصدِّرًا رئيسًا للأسلحة المتميزة بأحدث التقنيات والمباعة لليابان والهند، بالإضافة إلى دول الخليج العربي التي أبرمت اتفاقيات أبراهام لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وتُغذِّي الحروب الإقليمية، التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سباق التسلح في الصراع العالمي للهيمنة، وهذه الظاهرة تُعزِّزها وفرة الموارد، مثل النفط والغاز والمعادن، بالإضافة إلى الاختلافات الجيوسياسية المحورية.
وفي ختام تقريرهما، يخلُص الكاتبان إلى أن المسؤولية تتحملها مناصفةً كلٌّ من القوى العظمى، التي استغلت هذه الأوضاع لإنجاز تنافساتها، وخير مثال على ذلك عجز مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن الاضطلاع بولايته بشأن تلك النزاعات، بالاشتراك مع الدول الإقليمية التي يُحركها الاعتقاد بأن مزيد من التسلح، سيوفر لها الأمن على الرغم من المؤشرات التي تُظهر أن الدول الأكثر تسليحًا في المنطقة فشلت في كسب الحرب وإحلال بيئة آمنة مستقرة