الرئيسة \  تقارير  \  مترجم: تُموِّل إيران وتُسلِّح السعودية.. سياسة الصين الجديدة في الشرق الأوسط

مترجم: تُموِّل إيران وتُسلِّح السعودية.. سياسة الصين الجديدة في الشرق الأوسط

08.02.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاثنين 7/2/2022
كانت سياسات الصين في الشرق الأوسط في السابق تتسم بالحذر، لكنها تغيرت الآن تمامًا.
هذا ما خلُصت إليه أنشال فوهرا، محللة شؤون الشرق الأوسط، في تحليلها المنشور في مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، الذي أوضحت فيه أن الصين تُغري الدول العربية بنهجها الإنمائي مقابل حصولها على بعض الامتيازات الدبلوماسية وتوقيع الاتفاقيات التجارية.
في مستهل التحليل، تُشير الكاتبة إلى أن الصين استضافت الشهر الماضي عددًا من وزراء خارجية دول الخليج العربي لتحديد سبل الارتقاء بالعلاقات وتعميق التعاون الأمني، وبعد بضعة أيام، وصل وزير الخارجية الإيراني إلى العاصمة الصينية بكين؛ لبحث اتفاقية أمنية واستثمارية تُقدر قيمتها بـ400 مليار دولار للتخفيف من آثار العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني، وأكدَّ تقرير آخر أن بكين تساعد السعودية لتطوير مجموعة جديدة من الصواريخ الباليستية، التي تُجهِّزها الرياض على الأُرجَّح للتصدي لأسطول الصواريخ الإيراني.
مسافة متساوية من الأطراف الفاعلة
توضح الكاتبة أن الصين قدَّمت تلك السلسلة من الزيارات على أنها نموذجًا لسياستها التي تتَّسم بالوقوف على مسافة متساوية من الجهات الفاعلة الإقليمية المعنية؛ إلا أنها تُعد أيضًا دليلًا على مدى تغير السياسات الصينية تجاه الشرق الأوسط في عهد الرئيس الصيني شي جين بينج، وكانت بكين في السابق تتوخى الحذر من التورُّط في المنطقة التي وصفها عالم صيني يومًا ما بأنها “متقلبة وخطيرة ومقبرة لدفن الإمبراطوريات”.
لكن في عام 2014، تعهَّد الرئيس الصيني جين بينج بمضاعفة حجم التجارة مع المنطقة بحلول عام 2023، وأصبحت الصين أكبر مستورد للنفط الخام، تحصل على نصفه تقريبًا من الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أنها برزت على مدار السنوات القليلة الماضية بوصفها أكبر شريك تجاري للمنطقة.
وعملت الصين ببطء، ولكن باستمرار على توسيع نطاق انتشارها الأمني على الرغم من إصرارها على الظهور بصفتها شريكًا إنمائيًّا في المنطقة التي تعاني من الأزمات، وفي منتصف يناير (كانون الثاني)، أطلقت بكين العنان لقوتها الناعمة عندما أعلنت عن بناء آلاف المدارس ومراكز الرعاية الصحية والمنازل التي دُمِّرت في صراعات العراق المتعاقبة، وأفاد مسؤولون عراقيون أن العراق بحاجة إلى ما مجموعه 8 آلاف مدرسة “لسد فجوة قطاع التعليم”، وقررت الصين بناء الجزء الأكبر من هذه المدارس، 7 آلاف مدرسة، للمساعدة في تعليم ملايين الأطفال؛ كما أنها ستُشيد حوالي 90 ألف منزل في مدينة الصدر، معقل مقتدى الصدر؛ أقوى زعيم سياسي ورجل دين في العراق، وتنفذ مشروعات لتحسين شبكات الصرف الصحي في العاصمة العراقية بغداد وتبني مطارًا في مدينة الناصرية العراقية، وتنشئ الآلاف من عيادات الرعاية الصحية في جميع أنحاء البلاد، وكل ذلك في مقابل الحصول على النفط العراقي.
وتُؤكد الكاتبة قائلة إن الصين بالتأكيد بحاجة إلى النفط لأسواقها المتنامية وعدد سكانها الضخم، ومن البديهي أن تؤمِّن طرق الإمداد البحرية التي تخشى من أن تُغلقها عدوتها، الولايات المتحدة، إذا قررت ذلك، ومن المعلوم جيدًا كذلك أن بكين ترغب في توسيع نطاق مصالحها التجارية في الشرق الأوسط من خلال مبادرة الحزام والطريق، وهو المشروع المحبب لشي بينج، والذي من المزمع أن يجعل الصين العامل المحرك للعولمة في المستقبل؛ ونظرًا لأن منطقة الشرق الأوسط تقع على مفترق طرق بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، فإنها تعد منطقة حيوية وبالغة الأهمية لأهداف الصين في التوسع الاقتصادي؛ لكن هذه الأهداف، التي تبدو ظاهريًّا بريئة ومُوجَّهة لأغراض الأعمال التجارية، هي جزء من إستراتيجية أكبر.
الهدف الرئيس: الصين قوة عظمى
واستدركت الكاتبة قائلةً: بيد أن الهدف النهائي – بحسب الرئيس الصيني- هو التأكيد على ظهور الصين في مكانها الصحيح بصفتها قوة عظمى على الصعيد العالمي، وتعتزم الصين قلب هيمنة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتحويلها إلى منطقة تقع تحت تأثير بكين، ليس لتأمين احتياجاتها من الطاقة أو تنمية أعمالها فحسب، ولكن أيضًا للإعلان عن أيديولوجيتها السياسية، وفي ظاهر الأمر، تقول بكين إنها تنطلق بالمنطقة على طريق الانتعاش الاقتصادي، وتُشيد البنية التحتية مقابل الحصول على النفط والغاز؛ لكن الصين في واقع الأمر، وسَّعت من نطاق تواصلها الدبلوماسي وسارت قدمًا نحو مشروع أخبث، وهو دعم الديكتاتوريين والسلطويين الإقليميين لمنحهم المصداقية، ومن ثمَّ السعي للحصول على الشرعية لأنظمة الحزب الواحد الحاكمة تلك، بحسب الكاتبة.
وتلفت الكاتبة إلى أن الصين تريد أن تُظهر للشعب الصيني أن أيديولوجيتها السياسية كانت أفضل طوال الوقت، وأنها تسعى لنيل التقدير على المستوى العالمي من خلال إثبات أن فكرها، المتمثل في تقديم النمو الاقتصادي على الديمقراطية، أو بالأحرى يأتي على حساب الديمقراطية، هو السبيل إلى وقف الصراعات حتى في المنطقة الأكثر تقلبًا وإلى تحسين مناحي الحياة.
وفي هذا الصدد، يقول سون ديجانج، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بجامعة فودان الصينية:”الصين عرضت السلام الإنمائي مقابل المفهوم الغربي للسلام الديمقراطي في الشرق الأوسط”. مضيفًا: “تعتقد بكين أن المجتمع الدولي يجب أن يُركِّز على تقديم المساعدة الاقتصادية، التي تحتاج المنطقة إليها بشدة بدلًا من تصديره ديمقراطية غير مناسبة”.
لكن في صميم هذه السياسات يكمن اعتقاد الرئيس الصيني أن بلاده، وليست الولايات المتحدة، ينبغي أن تكون القوة العظمى في العالم، ويُعد التحدي الصيني العنيد لموقف الولايات المتحدة إحدى الإستراتيجيات الرامية في المقام الأول إلى كسب قلوب الصينيين وعقولهم، وهم الذين يردد الحزب الشيوعي الصيني مرارًا وتكرارًا على مسامعهم أن صعودهم في التسلسل الهرمي العالمي يُبطئه الغرب الإمبريالي.
استخدام النهج الإنمائي لجذب دول الشرق الأوسط
تستشهد الكاتبة بما أوضحه شاوجين تشاي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الشارقة، لمجلة “فورين بوليسي” أن الصين على ثقة بأن نهجها الإنمائي هو الأفضل على الصعيد الشعبي من دبلوماسية الغرب المتمثلة في “نشر القيم وتعزيز السلام الديمقراطي” في الشرق الأوسط، وقال تشاي: “استنادًا إلى الفلسفة السياسية الصينية وعقلية النخب الحاكمة، لا يمكن تحقيق السلام والحضارة والحكم الرشيد إلا من خلال التنمية والازدهار الاقتصادي”.
وتشير الكاتبة إلى أن السياسات الأمريكية الفاشلة في الشرق الأوسط، وعقود من الحرب وسفك الدماء، بالإضافة إلى انسحاب الرئيس الأمريكي جو بايدن من المنطقة مؤخرًا، جعلت سردية الصين جذابة للعديد من العرب، ويبدو أن الملوك والديكتاتوريين ورجال الدين لا يبالون بالانتهاكات التي يتعرض لها مسلمو الإيغور في إقليم شينجيانج بالصين، بل إنهم دعموا ما يُسمى بجهود الصين الرامية إلى مكافحة التطرف في معسكرات احتجاز الإيغور أو “إعادة تأهيليهم”، وعلى الرغم من أن الشعب العربي قد لا يكون على دراية تامة بتفاصيل التعاون الدبلوماسي بين حكامهم والقيادة الصينية، فإن هؤلاء الذين عانوا منهم من ويلات الحروب والحرمان من الاحتياجات الأساسية لوقتٍ طويلٍ جدًّا، لديهم الاستعداد لتقبل الأفكار السياسية الصينية إذا كان بمقدورها تحقيق الرفاهية الاقتصادية.
وفي السياق ذاته، أعرب جوناثان فولتون، أستاذ العلوم السياسية المساعد في جامعة زايد في الإمارات، والذي يركز في أبحاثه على علاقة الصين بالشرق الأوسط، قائلًا: “أعتقد أن هناك كثيرين يظنون أن منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تُغازلان الصين ليس إلا، وأنهما ستدركان في نهاية المطاف أن الغرب هو شريكهما الطبيعي، لكن هذا الافتراض يبدو خطأً من وجهة نظري؛ إذ تبدو الولايات المتحدة بلا دفة وتائهة في الشرق الأوسط، وكلمة أوروبا ليست موحدة بشأن السياسة الخارجية، بينما نجد أن الصين لديها كثير من العروض الجذابة لتقدمها، ومنها تركيزها على الاقتصاد والتنمية بدلًا من السياسة”.
خلاف بشأن نوايا الصين في الشرق الأوسط
ألمحت الكاتبة إلى أن هناك انقسامًا بين المحللين حول نوايا الصين بشأن السقف الذي تريد الوصول له في القطاع الأمني، وهل تريد الصين أن تبيع التكنولوجيا الخطرة فحسب؟ أم تريد أن تحل محل الولايات المتحدة في نهاية المطاف بوصفها ضامنًا للأمن؟ يجيب جوليان بارنزدايسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قائلًا: “التعاملات الأمنية الشاملة للصين لا تزال ضئيلة مقارنةً بالعلاقات العسكرية الأمريكية؛ لكن هذا قد يتغير”؛ موضحًا أن “الصين قد تُستدرَج لأداء دور إقليمي أكبر لضمان مصالحها الأساسية، وقد يشمل ذلك، على الأرجح، دور تعزيز الأمن؛ لكن يبدو أن بكين لا تزال تتوخى الحذر بشأن خوض غمار ذلك الدور بعمقٍ شديدٍ”.
في حين رأى محللون آخرون أن دور الصين الحالي لا يزال محدودًا، ومن شأنه ألا يُؤدي إلى زعزعة الاستقرار إلى حدٍ كبيرٍ، وفي موقع في محافظة الدوادمي السعودية، أظهرت صور الأقمار الصناعية حفرة إحراق للتخلص من بقايا الوقود الصلب من إنتاج الصواريخ الباليستية، وكانت وكالات الاستخبارات الأمريكية على يقين من أن السعودية تطور منظومة صواريخ بمساعدة صينية نشطة، وعلى الرغم من أن مدى هذه الصواريخ وحمولتها غير واضحين حتى الآن، تُعد الصواريخ الباليستية وسيلة مفضلة لحمل أسلحة نووية، وصرَّح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أنه إذا نجحت إيران في تطوير قنبلة نووية، فستحذو الرياض حذوها قريبًا، ويتناسب تطوير الصواريخ الباليستية مع تلك الخطة تمامًا.
وتستدرك الكاتبة قائلةً: ومع ذلك، لا تزال إيران والسعودية شريكين إستراتيجيين شاملين للصين، ويمكن للصين أن تؤثر في كليهما لتمنع تحولهما إلى دولٍ نووية، لكنها، بدلًا من ذلك، تختار تغذية شهيتهما وتبرير مساعدتها العسكرية لهما على أنه أمر جيد يسفر فقط عن تحقيق التوازن بين القوى في المنطقة، لكن الصين في حقيقة الأمر تعمل بفاعلية على تصاعد سباق التسلح في منطقة متقلبة ومضطربة بالفعل وتجني ثمار هذا التنافس، كما أن توسيع البرنامج الصاروخي السعودي سيجعل من الصعب على الولايات المتحدة تقييد برنامج إيران الصاروخي، ويمنح طهران ذريعة لإبقاء برنامجها النووي خارج طاولة المفاوضات في المستقبل.
إلى متى ستظل الصين على الحياد في الشرق الأوسط؟
ويؤكد جيفري لويس، خبير الأسلحة والأستاذ في معهد ميدلبري للدراسات الدولية في مونتيري، لمجلة “فورين بوليسي” أنه كشف لأول مرة عن مشروع صاروخ الدوادمي في عام 2019 مع زملائه في “واشنطن بوست” موضحًا أنه “على الصعيد الإقليمي، يُعد انتشار الصواريخ ذات التسليح التقليدي جزءًا من سباق تسلح إقليمي يُمكن أن يكون مُزعزِعًا بشدة للاستقرار، حتى إنه قد يُؤدي إلى إشعال فتيل صراع بين الولايات المتحدة وإيران؛ أما على الصعيد العالمي، فإنه يبدو واضحًا أن الآليات القائمة التي تهدف إلى إعاقة انتشار الصواريخ الباليستية، مثل نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ، قد فشلت تمامًا”.
وتختم الكاتبة تحليلها بالقول إن الصين تُنسِّق بصورة متزايدة مع الحكام المستبدين في منطقة الشرق الأوسط، وتوفر لهم الدعم الدبلوماسي الكامل مقابل اتفاقيات الطاقة والتجارة، بالإضافة إلى التنازلات الدبلوماسية بشأن عددٍ من القضايا، مثل انتهاكات حقوق الإنسان ضد الإيغور في إقليم شينجيانج ونزاعات بحر الصين الجنوبي، وتسعى الصين كذلك إلى تحقيق التكامل الاقتصادي بينها وبين دول المنطقة؛ حتى لا تتمكن العقوبات الأمريكية من وقف إمدادات النفط إليها، بينما تَدِين الجهات الفاعلة الخاضعة للعقوبات بالفضل لبكين، وتعتمد الصين في الوقت الحالي على القوة العسكرية الروسية؛ للنأي بنفسها عن التدخل العسكري في الصراعات الأمنية في المنطقة، لكن الصين لا يمكنها البقاء على الحياد إلى الأبد فيما يتعلق بالنزاعات الإقليمية إذا أرادت أن تُصبح رائدةً على الصعيد العالمي.