الرئيسة \  تقارير  \  مترجم: حققت توسعات كبرى.. 5 إمبراطوريات حكمت الهند قبل دخول الإسلام

مترجم: حققت توسعات كبرى.. 5 إمبراطوريات حكمت الهند قبل دخول الإسلام

30.12.2021
ساسة بوست


ساسة بوست
الاربعاء 29/12/2021
في تقريرها الذي نشرته مجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأمريكية، رصد الكاتب والمحرر أخيليش بيلالاماري، محلل العلاقات الدولية، أقوى خمس إمبرَاطوريات حكمت الهند سابقًا. وأوضح كيف أن هذه الممالك الكبرى تُظهِر حجم الإنجازات التي استطاعت الحضارات القديمة تحقيقها. ومن المؤسف أن هذه الإمبراطوريات غير معروفة على نحو جيد في جميع أنحاء العالم.
يستهل الكاتب تقريره بالقول إن منطقة جنوب آسيا تبدو عالَمًا في حد ذاتها، وتُعرف أيضًا باسم شبه القارة الهندية، وكانت جغرافيتها ومناخها الاستثنائيان سببًا دائمًا في تكوين مجموعات متميزة من السجلات التاريخية والثقافات. وتحتوي جنوب آسيا حاليًا على صحاري، وظروف تشبه الحالة القطبية، وغابات مطيرة، وسهول، وتلال، وغابات معتدلة، وهو ما يجعلها صورة مصغرة للعالم بأسره.
ولهذا السبب لا ينبغي أن نندهش – بحسب ما يشير الكاتب – من تاريخها الزاخر، في ظل قدرة الإمبراطوريات والدول والمدن المستقلة على التعايش مع بعضها في هذه المنطقة أغلب الأحيان.
ويشبه الوضع السياسي لجنوب آسيا تاريخيًّا الأوضاع في أوروبا أكثر مما يشبه الصين: إذ كانت الفكرة المتكررة في تاريخ جنوب آسيا هي صعوبة تأسيس الإمبراطوريات، التي تمتد عبر شبه القارة بأكملها، والحفاظ عليها مع وجود دول إقليمية أصغر هي القاعدة التي تقوم عليها الإمبراطوريات. ونظرًا لأن الإمبراطوريات وُلدت لكي تموت من أجل ظهور إمبراطوريات أخرى جديدة، والتي تسقط بعد ذلك، ولا تنتهي هذه الدورة أبدًا.
ويرصد الكاتب أكبر خمس إمبراطوريات شهدتها منطقة جنوب آسيا. ونظرًا لأن الإمبراطوريات المغولية والبريطانية تعرفها الشعوب الغربية معرفة تامة؛ فقد قرر الكاتب عدم ذكرها، والتركيز على إمبراطوريات ما قبل أوروبا وما قبل الإسلام في جنوب آسيا.
الإمبراطورية الأولى الكبرى: الماورية
يُوضح الكاتب أن الإمبراطورية الماورية (من 320 إلى 185 قبل الميلاد) كانت أول إمبراطورية هندية كبرى في التاريخ، وكانت بالتأكيد أكبر إمبراطورية أنشأتها سلالة هندية. وبرزت الإمبراطورية نتيجة لتوحيد الدولة في شمال الهند؛ مما أدَّى إلى سيطرة دولة واحدة، وهي ماجدا، أو ولاية بيهار حاليًا التي تطل على سهل الجانج. وفي أعقاب غزو الإسكندر الأكبر لشمال غرب الهند، استولى جاندارجوبتا موريا على ماجدا، وأنشأ الإمبراطورية الماورية.
وفي بداية الأمر كانت الإمبراطورية ناجحة نجاحًا باهرًا، سواء داخليًّا، أو على صعيد السياسة الخارجية. وكان تشاناكيا، وزير الملك جاندارجوبتا، قد وضع العديد من سياساتها، وكتب كتابًا يدعو إلى دولة قوية، ومركزية، وسلطوية، تحت مسمى “آرثاشاسترا”. وبعد توقيعها معاهدة مع جنرالات الإسكندر الأكبر تمكَّنت الإمبراطورية من الحصول على أراض في أفغانستان وإيران.
ومع قدوم عهد حكم حفيد الملك جاندارجوبتا، كانت الإمبراطورية تضم معظم جنوب آسيا باستثناء المناطق الجنوبية منها. وعُرِف عن هذا الحفيد، الذي يُدعى أشوكا، أنه كانت يعتنق البوذية بسبب شعوره بالندم بعد استيلائه المروِّع على مدينة ولاية كالينجا (أوريسا حاليًا) في حوالي عام 260 قبل الميلاد. وهذا ما أدَّى إلى الارتقاء بهذه الديانة الجديدة.
ويشير الكاتب إلى أن الإمبراطورية الماورية انهارت بعد وقت قصير من موت أشوكا في عام 232 قبل الميلاد. ويرى بعض المؤرخين أن صعود البوذية كان مسؤولًا عن هذا الانهيار؛ لأن البوذية لا يمكنها أن تتوافق مع إدارة دولة مثل الهندوسية. ومع ذلك فإن تفكك الإمبراطورية يكشف عن المشكلات التي تواجهها الدول للحفاظ على إمبراطوريتها في منطقة تتسم بالتنوع مثل جنوب آسيا. وعلى الرغم من كتاب تشاناكيا، فقد اعتمدت الإمبراطورية على المؤسسات بدرجة أقل من اعتمادها على الحكام الأقوياء، وهو ما أدَّى إلى انهيارها وزيادة الحكم المحلي.
الإمبراطورية الكوشانية.. صعود نفوذ البوذية
تأسست الإمبراطورية الكوشانية (من 135 قبل الميلاد حتى 375 ميلادية) على أيدي قبائل يوزهي العظيمة في منطقة باختريا في شمال أفغانستان، بعدما هاجروا إلى هناك قادمين من إقليم شينجيانج بسبب حملات سلالة هان الحاكمة. وبمجرد وصولهم إلى هناك، أطاحوا بالمملكة الإغريقية البخترية، وتوسَّعوا فوق جبال هندو كوش إلى الهند وباكستان اليوم. وفي الوقت الذي كانت فيه إمبراطوريتهم في أوجِّها، سيطروا على معظم وادي الجانج و(قوس) التي تمتد عبر أفغانستان ووسط آسيا إلى شينجيانج. وفي عصرهم أنشئت طرق التجارة بين الهند، والصين، وبلاد فارس، وروما.
وتحت تأثير الحكام الكوشان، الذين نقلوا عواصمهم إلى بيشاور (في باكستان) وماثورا (في الهند)، أصبح النفوذ الهندي، وخاصة البوذية، السائد عبر آسيا الوسطى. ووصل هذا التوجه إلى ذروته في عهد الإمبراطور كانيشكا (حكم من 127 ميلادية إلى 151 ميلادية) الذي أنشأ المجلس البوذي الرابع، وهو تحويل البوذية إلى دين دولة في المقام الأول، ووسَّع كانيشكا نطاق إمبراطوريته أيضًا أكثر في وسط الهند.
بيد أن الإمبراطورية انقسمت في نهاية المطاف إلى عدة إمارات وحلت إمبراطورية جوبتا الهندوسية الصاعدة محلها في شمال الهند بينما أصبحت أراضيها الأفغانية رافدًا للإمبراطورية الساسانية الفارسية.
العصر الذهبي: إمبراطورية جوبتا
يلفت الكاتب إلى أن إمبراطورية جوبتا (من 320 ميلادية إلى 550 ميلادية) كانت إمبراطورية عظيمة، ولكن سجلها التاريخي كان يحتوي على كثير من الإيجابيات والسلبيات كذلك. وعلى غرار الإمبراطورية الماورية المذكورة آنفًَا، كان مقر إمبراطورية جوبتا في منطقة ماجدا، واستولت على كثير من مناطق جنوب آسيا، على الرغم من أن أراضيها على عكس تلك الإمبراطورية كانت مقتصرة فقط على ما يُعرف اليوم بشمال الهند. وخلال حكم إمبراطورية جوبتا تمتعت الهند بأعلى حضارتها الكلاسيكية، وعصرها الذهبي، عندما أنتجت كثيرًا من آدابها وعلومها المشهورة. واستمرت لامركزية السلطة للحكام المحليين.
وبعد مرور زمن من مرحلة التوسُّع الأولية، استقرت الإمبراطورية وأبلت بلاءً حسنًا في التصدي للغزاة (مثل قبائل الهون) طيلة قرنين من الزمان. وتوسَّعت هذه الحضارة الهندية إلى جزء كبير من البنغال خلال هذا العصر، والتي كانت في السابق منطقة مستنقعات غير مأهولة بالسكان كثيرًا. وكانت الإنجازات الرئيسة لإمبراطورية جوبتا خلال السِّلم إنجازات فنية وثقافية. وخلال هذه الفترة استُخدم “الصفر” لأول مرة واختُرع الشطرنج، وشُرح العديد من النظريات الفلكية والرياضية الأخرى لأول مرة.
وانهارت إمبراطورية جوبتا بسبب استمرار الغزو، وخلافات الحكام المحليين وتشرذمِهم. وانتقلت السلطة في هذه المرحلة على نحو متزايد إلى الحكام الإقليميين خارج وادي الجانج.
إمبراطورية براتيهارا.. نبوغ عسكري غير مسبوق
يُنوِّه الكاتب إلى أن إمبراطورية براتيهارا (650 ميلادية – 1036 ميلادية)، والمعروفة أيضًا باسم جورجارا براتيهارا ليست معروفة كثيرًا في الغرب، ولا يعرفها في الهند على نحو جيد إلا قليل. ومع ذلك فإنها أحد أكثر الدول ذات الأهمية في تاريخ جنوب آسيا، وقد تجاوزت مساحتها وعمرها العديد من الإمبراطوريات الأخرى المدرجة في هذه القائمة. وانطلقت الإمبراطورية بين القبائل العسكرية في غرب الهند بعد تفكك إمبراطورية جوبتا. وشهدت هذه الفترة صعود قبائل راجبوت في صحاري أجزاء من جوجارات وراجستان، الذين لعبوا دورًا مهمًا في التاريخ الهندي اللاحق.
وكانت قبائل راجبوت (طبقة من المحاربين والحكام) الذين كرَّسوا أنفسهم للحرب والبراعة العسكرية وإقامة تحصينات لم تكن موجودة من قبل في الهند؛ ومن هذا المنطلق، كانوا يشبهون الفرسان الإقطاعيين الذين ظهروا في أوروبا في الوقت نفسه تقريبًا. وكانت راجبوت مستقلة تمامًا وتحتفظ دائمًا بإقطاعاتها بصورة مستقل بينما تتحالف أيضًا مع المغول والبريطانيين في أوقات مختلفة.
ويُوضح الكاتب أنه بعد مدة وجيزة من صعود إمبراطورية براتيهارا، هزموا القوات العربية في معركة راجستان (738 ميلادية)، وأوقفوا الفتوحات الإسلامية في الهند لثلاثة قرون. وفي وقت لاحق أنشأوا عاصمة لهم في مدينة كانوج، بالقرب من دلهي، وتوسَّعوا في وسط الهند. وفي كل من غرب الهند ووسطها، أنشأوا عددًا هائلًا من التحصينات؛ مما جعل من غزو هذه المناطق أمرًا صعبًا. والأهم من ذلك بدت الهندوسية في هذه المرحلة أكثر قوة؛ وهو ما وفَّر الأساس الأيديولوجي للمقاومة اللاحقة لدخول لإسلام بطريقة لم تكن ممكنة مع البوذية.
وعلى غرار معظم الإمبراطوريات الهندية انقسمت إمبراطورية براتيهارا في نهاية المطاف إلى ولايات متعددة، واستولى السلطان محمود الغزنوي من أفغانستان على كانوج في أوائل القرن الحادي عشر، وسرعان ما تبددت إمبراطورية براتيهارا.
إمبراطورية تشولا: ريادة البحر
وينتقل الكاتب للحديث عن الإمبراطورية الخامسة، موضحًا أنه بينما كان معظم إمبراطوريات الهند تتكون في الأساس من قوات برية، فإن إمبراطورية تشولا تتفرد في أنها كانت إمبراطورية بحرية. وأشار المؤرخ جون كي إلى أن “فكرة أن البحر يمكن أن يكون ذا تأثير سياسي وسلعة إستراتيجية بحد ذاتها تُهيمن عليها دولة وليس المنافسة التجارية، كانت مفهومًا جديدًا نسبيًّا للهنود”.
وكان مقر إمبراطورية تشولا في ولاية تاميل نادو والتي بدأت بوصفها مجرد دولة صغيرة في القرن الثاني قبل الميلاد. ومع ذلك، انطلقت إمبراطوريتها في القرن العاشر بعد الميلاد، عندما سيطروا على كل جنوب الهند.
ونظرًا لأسباب جغرافية وطبوغرافية، كان إخراج قوة عسكرية من جنوب آسيا أمرًا صعبًا دائمًا؛ مما أدَّى إلى أن دول جنوب آسيا لم تحاول غزو الأراضي الموجودة خارج هذه المنطقة إلا نادرًا. ومع ذلك فإن موقع جنوب آسيا على البحر هو استثناء لهذه القاعدة، ويمكن لقوة بحرية كبيرة استخدام المنطقة بوصفها قاعدة للسيطرة على المحيط الهندي.
وأدركت سلالة تشولا الحاكمة ذلك، كما عَرِف البريطانيون ذلك لاحقًا. واشتُهرت إمبراطورية تشولا ببعثاتِها البحرية التي منحتها السيطرة على جزر المالديف، وسريلانكا، والأرخبيل الماليزي، والإندونيسي بحلول عام 1025 ميلادية، وكانت أجزاء كبيرة من شمال الهند وجنوب شرق آسيا بمثابة روافد لها. وبعد تعرض الإمبراطورية لفترة من التراجع، أُطِيحت سلالة تشولا الحاكمة من الإمبراطورية عام 1279 ميلادية.
التطورات اللاحقة             
يختتم الكاتب تقريره بالقول إنه بعدما هزم السلطان معز الدين محمد الغوري التحالف الهندوسي عام 1192 ميلادية، بدأ الحكم الإسلامي على جزء كبير من شمال الهند. كانت هناك إمبراطوريتان مسلمتان على الأقل تستحقان أن يطلق عليهما “قوى عُظمى” خلال هذه الحقبة: سلطنة دلهي (1206 ميلادية – 1526 ميلادية) وإمبراطورية المغول (1526 ميلادية – 1858 ميلادية). وهناك إمبراطوريات أخرى بارزة خلال هذه الحقبة مثل إمبراطورية فيجاياناجارا جنوبي الهند (1336 ميلادية – 1646 ميلادية) وإمبراطورية الماراثا في معظم أنحاء جنوب آسيا (1674 ميلادية – 1818 ميلادية). وبعد عام 1757 ميلادية، سيطر الراج البريطاني على جنوب آسيا بعد هزيمة الحكام المحليين، المغول وسلالة الماراثا، وطائفة السيخ، وحكموا المنطقة حتى عام 1947 ميلادية.