الرئيسة \  تقارير  \  مترجم: كيف رجَّحت “الدرونز” كفة الحرب لصالح طالبان؟

مترجم: كيف رجَّحت “الدرونز” كفة الحرب لصالح طالبان؟

09.11.2021
ساسة بوست


فريق العمل
ساسة بوست                                
الاثنين 8-11-2021
نشرت مجلة “نيو لاينز” الأمريكية تقريرًا أعدَّه الصحافي الأفغاني فضل من الله قزيزاي سلَّط فيه الضوء لأول مرة على الدور الذي أدَّته وحدة “الدرونز” أو الطائرات المسيَّرة في إزالة العقبات من طريق حركة طالبان وتمكينها من تحقيق النصر في الحرب ضد قوات الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة.
فريق اغتيالات باستخدام “الدرونز”
يستهل الكاتب تقريره بلفت الانتباه إلى ما فعلته حركة طالبان عندما بدأت الولايات المتحدة الانسحاب النهائي لقواتها من أفغانستان في الربيع الماضي؛ إذ بدأت وحدة الطائرات من دون طيار (المسيَّرة) التابعة للحركة، وهو فريق مكون من 12 مهندسًا تحوَّل إلى فريق اغتيالات، في التحرك لتنفيذ عدد من العمليات المهمة، لا سيما في هذه المنطقة التي ستؤدي فيه الوحدة أهم مهمة حتى الآن، وقد كُلِّفت بإطلاق النار على أحد الأهداف الحاسمة في المراحل الأخيرة من الحرب.
ويوضح التقرير أن هذا الهدف كان مسؤولًا على الصعيد الإقليمي في شمال أفغانستان ويُدعى بيرام قول، وعلى غرار عديد من النخبة الحاكمة المخلوعة حاليًا في البلاد، كانت شخصية بيرام قول خادعة تجمع بين الكاريزمية والفساد، وكان من المجاهدين المخضرمين ضد السوفيت في ثمانينيات القرن الماضي. وكان أيضًا أحد أمراء الحرب من الإثنية الأوزبكية وانضم إلى صفوف عديد من الفصائل الأفغانية المناهضة لطالبان، ومنها الجمعية الإسلامية بقيادة أحمد شاه مسعود.
وبعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان، أصبح بيرام عضوًا في البرلمان، وقاد المليشيات المحلية المتهمة بارتكاب سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان، ومنها الاختطاف والقتل. لكن الأمر الذي كان يهم طالبان هو قبضته الخانقة على ولاية تخار الأفغانية المتاخمة للحدود مع طاجيكستان، وهي منطقة كان يصعب على طالبان عادةً التأثير فيها. وكان بيرام من أواخر قطع الدومينو التي كان من الضروري التخلص منها إذا رغب المتمردون في الزحف نحو العاصمة الأفغانية كابول. لذلك، كانت الضرورة هي الدافع وراء اغتياله وليس الانتقام.
إحباط معنويات الخصم!               
يُشير التقرير إلى أن بيرام كان في صباح 2 مايو (أيار) يلتقي بالقرويين في قرية رستاق في تخار، برفقة حاشيته من حراسه الشخصيين. وكانت هناك طائرة مسيَّرة تابعة لطالبان تحوم من فوقه وصوَّرته باستخدام كاميرا متصلة بالإنترنت عبر إشارة بالقمر الصناعي. وتمركز قائد فرقة الاغتيال في مكان قريب لم يُكشَف عنه ليتحكم في الطائرة المسيَّرة ويراقب الفيديو باستخدام كمبيوتر محمول (لاب توب).
وكان قائد فرقة الاغتيال يعلم أن رصد الطائرة المسيَّرة غير ممكن، بعد طلاء هيكلها الخارجي وأجنحتها باللون الأزرق لتتناغم مع لون السماء، كما جرى تثبيت قذائف هاون على مسند أسلحة محلي الصنع. وعلى الرغم من أن الطائرة المسيَّرة كلَّفت طالبان عشرات الآلاف من الدولارات لشرائها، فإنها كانت آمنة أكثر من الطرازات الأخرى الأرخص ثمنًا والمتوفرة بسهولة.
ومع ذلك، كان على المنفِّذ الأساسي للاغتيال أن يُحافظ على رباطة جأشه والتركيز جيدًا في مهمته، وصحيحٌ أن هذا الهجوم لم يكن الأول ولن يكون الأخير، ولكن كان من الضروري أن يُنفَّذ بدقة لأسباب تكتيكية ونفسية، وذلك لأن قتل بيرام سيُقرب طالبان خطوة من اجتياح الشمال في غضون أسابيع.
أما الفشل في عملية اغتياله، فكانت ربما تدفع بيرام إلى تحفيز قوات الأمن المحلية على إعادة توحيد صفوفها، مما يعرقل تقدم طالبان ويضع فريق “الدرونز” في مأزق. لكن تقريبًا في الساعة 11 صباحًا، تلَا قائد الوحدة بعض الأدعية وأدخل رمز الإطلاق في جهاز الكمبيوتر. وبعد ثوانٍ انتهت المهمة ومات بيرام قبل أن يُدرك أنه يتعرض لهجوم، وأن طالبان يمكن أن تكسب الحرب الآن.
ويسرد كاتب التقرير أنه بعد وقت قصير من المهمة، وقبل سقوط أي مدينة أفغانية في أيدي طالبان، تحدث إليه أحد أفراد وحدة الطائرات المسيَّرة شريطة عدم الكشف عن هويته بشأن مهمة الاغتيال، قائلًا: “نحن من العوامل الأساسية التي أحبطت معنويات العدو ودفعته إلى الفرار”. إن الصور التي ظهرت في التغطية الإعلامية الغربية في الأسابيع الأخيرة لأفراد من طالبان يسيطرون على المخزونات الهائلة من المعدات العسكرية الأمريكية والأفغانية المهجورة لا تروي قصة هزيمة أمريكا الحقيقية.
لقد كانت تكتيكات المتمردين التقليدية والأسلحة غير التقليدية سببًا في تحقيق النصر في هذه الحرب. ويظهر الدور الذي أدَّته وحدة “الدرونز” كيف تمكَّنت طالبان من تحييد التفوق التكنولوجي والعسكري للولايات المتحدة. وفي الأيام الماضية، كانت وحدة الطائرات المسيَّرة منشغلة في مهمة أخرى، ونفَّذت عمليات استطلاع في ولاية بنجشير مكَّنت القوات البرية لطالبان من دحر فلول التحالف الشمالي الذي يُهيمن عليه الطاجاكستانيون المختبئون هناك.
متى بدأ استخدام “الدرونز” الطائرات المسيَّرة عالميًّا؟
يُنوه التقرير إلى أنه من التطورات الملائمة للحرب أن تصبح الطائرات المسيَّرة في نهاية المطاف أحد أقوى أسلحة المتمردين. وعلى الرغم من استخدام الطائرات المسيَّرة لأغراض المراقبة منذ مدة طويلة، فإن الطائرات المسلَّحة من دون طيار لم تُشغَّل حتى أواخر التسعينيات.
وفي العقدين الماضيين، أصبحت التكنولوجيا ترادف ما يسمى بالحرب العالمية على “الإرهاب”، واستخدمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قبل 11 سبتمبر (أيلول) طائرات مسيَّرة لتعقب تحركات أسامة بن لادن إبَّان حكم طالبان آنذاك. وخلال غزو أفغانستان في عام 2001، نفَّذت الولايات المتحدة أولى غاراتها بطائرات مسيَّرة داخل أفغانستان. وفيما بعد، بدأت في استخدام الطائرات المسيَّرة عبر الحدود في باكستان، واستهدفت مخابئ المتمردين في مناطق أخرى بعيدة عن متناول القوات الأمريكية.
وأفاد مركز الصحافة الاستقصائية، ومقره بريطانيا، بأن الولايات المتحدة نفَّذت في عهد إدارة بوش ما لا يقل عن 51 غارة بطائرات مسيَّرة تابعة لوكالة المخابرات المركزية في باكستان. وتضاعف هذا الرقم جدًّا مع تولي باراك أوباما زمام السلطة. ومن أوائل عام 2009 إلى أوائل عام 2017، يُقدِّر المركز أن أكثر من 370 غارة بطائرات مسيَّرة شُنَّت على المناطق الحدودية مع باكستان. وأسفرت هذه الغارات عن القضاء على قيادة طالبان الباكستانية وقتلت عديدًا من المسلحين، على الرغم من أنها قتلت المئات من المدنيين أيضًا.
من أين جاءت فكرة إنشاء الوحدة؟
يلفت التقرير إلى أن عديدًا من الدول، التي تراقب هذه التطورات، لاحظت إمكانات “الدرونز” وبدأت في تطوير قدراتها الخاصة. لكن سرعان ما بدأت تكنولوجيا الطائرات المسيَّرة تعرف طريقها إلى أيدي المتمردين والمليشيات في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وفي عام 2006، استخدم حزب الله طائرات مسلحة من دون طيار ضد إسرائيل، وإن كان ذلك بكفاءة محدودة. وبعد ذلك، استخدمت جماعة الحوثي اليمنية الطائرات المسيَّرة للهجوم على مصافي النفط في السعودية في عام 2019. لكن استخدام تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش) للطائرات المسيَّرة هو من أسَرَ مخيلة طالبان، بعدما شاهد الأمير المستقبلي لوحدة الطائرات المسيَّرة التابعة لطالبان بعض لقطات بثها تنظيم داعش لهجمات باستخدام طائرات مسيَّرة.
ويضيف التقرير أنه في الوقت الذي كانت فيه العمليات العسكرية الأمريكية على وشك الانتهاء، أدركت قيادة طالبان أن الاستمرار في شن هجمات انتحارية ضد القوات الأفغانية ينطوي على مخاطر إثارة غضب السكان، وكانت هناك حاجة إلى إيجاد وسيلة أكثر دقة للقتل، لا سيما في شمال البلاد، حيث لم يحظَ المتمردون بكثير من التأييد. وتراءى للشخص الذي سيتولى قيادة الوحدة أن الطائرات المسيَّرة حلًّا مثاليًّا.
وبعد طرح الفكرة على كبار عملاء الاستخبارات، بدأ في تشكيل فريق وحدته. ويتكون الفريق من 11 رجلًا يجسدون هيكله. وأغلبهم ينحدرون مثله من ولاية وردك جنوب غربي كابول، وقد حصلوا على تعليم جيد وعمل عدد منهم في المنظمات الغربية غير الحكومية قبل الانضمام إلى فريق الطائرات المسيَّرة. وأخبرني أحد أعضاء الوحدة: “نحن لا نعمل من أجل المال، نحن نعمل من أجل ديننا وعقيدتنا”.
وعندما أنشأت طالبان وحدة الطائرات المسيَّرة في عام 2019 تقريبًا، كان نطاق عملها واضحًا. بينما كانت لدى أقسام أخرى من طالبان الحرية في استخدام الطائرات المدنية الأساسية من دون طيار للمراقبة، وكان يُسمح في بعض الأحيان لشبكة حقاني بتنفيذ هجوم بطائرات مسيَّرة في جنوب البلاد وشرقها باستخدام المعدات التي حصلت عليها، بينما حازت وحدة الطائرات المسيَّرة لتنفيذ عمليات الاغتيالات وحدها على موافقة تشغيلية رسمية من قيادة طالبان.
وكانت وظيفتها ملاحقة المسؤولين الحكوميين الأفغان في الشمال واغتيالهم. وبذلك، كان يتعين عليها تقديم التقارير إلى كبار أعضاء الاستخبارات في طالبان فحسب. ولم يحصل أي شخص آخر في طالبان على معلومات مفصلة بشأن عمليات الوحدة، بمن فيهم حكام الظل وبعض القادة العسكريين الرفيعي المستوى. ويقع المقر الرئيس للوحدة في ولاية قندوز الشمالية.
كيف حصلت طالبان على الطائرات المسيَّرة “الدرونز”؟
يُؤكد التقرير أن أعضاء وحدة الطائرات المسيَّرة لم يذكروا أنهم تلقوا أي مساعدة في إمدادات الأسلحة من باكستان أو إيران. بل زعموا أنهم استغلوا شركة أفغانية وهمية خاصة تستورد الكيماويات الزراعية والمعدات الزراعية من الصين. وطلبت الوحدة من الشركة البحث عن طائرات مسيَّرة آمنة وخفيفة لكنها قوية بالقدر الكافي لتحمل الظروف الجوية السيئة والطيران على ارتفاعات عالية نسبيًّا. وعندما حددت الشركة نوع الطائرة المسيَّرة المناسبة، دفعت طالبان نحو 60 ألف دولار لشرائها في الصين وهُرِّبت أجزاؤها إلى أفغانستان عبر باكستان.
وبعد ذلك، بدأ مهندسو الوحدة في العمل على تعديل الطائرة المسيَّرة، وتخلصوا من الخزانات والخراطيم الكيماوية الخاصة بحمل الأسمدة والمبيدات وركبوا بدلًا منها حامل صواريخ بلاستيكي قادر على حمل أربع قذائف هاون يُمكن إطلاقها عبر آلية زنبركية تعمل بالكمبيوتر. وأعاد أفراد الوحدة طلاء الطائرات المسيَّرة وقذائف الهاون باللون الأزرق. وعملوا أيضًا على أن يجري التحكم في الطائرة المسيَّرة أثناء التحليق باستخدام مجموعة من أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية المتصلة بالإنترنت عبر محطة قمر صناعي.
ويمضي التقرير موضحًا أنه بعد تنفيذ عدة هجمات تجريبية على نقاط تفتيش تابعة لقوات الأمن الأفغانية، نُفِّذت أول عملية كبيرة لطالبان بطائرة مسيَّرة جديدة في مدينة قندوز الشمالية في 1 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، وقُتل على الأقل أربعة من الحراس الشخصيين لحاكم الإقليم. وأُلغِيت عملية أخرى في قندز -بحسب أحد أعضاء الوحدة- كانت ستنفَّذ ضد القوات الأمريكية بعدما رصد أفراد الخدمة الأمريكية الطائرة المسيَّرة ونقلوا شكوى إلى المكتب السياسي لطالبان في قطر، مشيرًا إلى أنها ستنتهك شروط اتفاقية الانسحاب على مستوى البلاد التي أبرمتها إدارة ترامب مع طالبان في فبراير (شباط) 2020. وفي الشهر ذاته، قال رئيس المديرية الوطنية للأمن في أفغانستان للبرلمان في كابول إنه يريد وقف استيراد الطائرات المسيَّرة ذات الكاميرات المتوفرة تجاريًّا، لكن كان الأوان قد فات.
ضياع فرصة فريدة!
وأوضح الكاتب أن الوحدة كثَّفت عملياتها مع اقتراب طالبان من تحقيق النصر. ولم يستغرق الأمر سوى بعض الوقت بعد إدراج اسم بيرام قول إلى قائمة اغتيالات الوحدة حتى لقي حتفه. وأفادت وسائل إعلام محلية بأن غارة بطائرة مسيَّرة كانت على اتصال بهاتف بيرام المحمول، مما يضمن دقة استهدافه.
ومع ذلك، لم يكن الجميع في وحدة الطائرات المسيَّرة سعداء بنتائج العملية. وبعد تنفيذ العملية بقليل، علمت الوحدة أن أشرف غني، الرئيس الأفغاني آنذاك، كان من المقرر أن يزور ولاية تخار في أوائل مايو، لكنه ألغى رحلته بسبب المخاوف الأمنية بعد اغتيال بيرام. وندم بعض أعضاء الوحدة على ضياع فرصة اغتيال الرئيس الأفغاني. قال عضو منهم إن: “نظام استهداف الطائرة المسيَّرة دقيق جدًّا. وإذا كانت قبَّعتك بها أربع نجوم وكان المشغِّل يستهدف واحدة بعينها من تلك النجوم، فإن بإمكانه قنصها”.
بيد أن أعضاء الوحدة لم يمعنوا التفكير في الفرصة الضائعة، وشرعوا في تحويل انتباههم إلى شخصية سياسية أكثر نفوذًا في شمال أفغانستان، وهو عطا محمد نور، أحد المجاهدين المخضرمين من الطاجاكستانيين ضد السوفيت، وشغل عطا منصب حاكم مقاطعة بلخ والحاكم الفعلي لمدينة مزار شريف خلال الاحتلال الأمريكي أفغانستان.
وكان أنصاره ينظرون إليه على أنه معارض شرس لطالبان، لكن الرجل الذي يسميه الأفغان الأستاذ عطا، كان معروفًا على الصعيد المحلي بأنه يؤجج التوترات العِرقية ويقمع أي شخص يتحدى سلطته. وقد استخدم سلطته في جمع ثروة هائلة، وأنشأ شبكات المحسوبية المربحة المرتبطة بتجارة أفغانستان عبر الحدود مع وسط آسيا. وعلى الرغم من أنه لم يكن حاكمًا آنذاك، فإن نفوذه المستمر يعني أن طالبان لا يمكنها أن تأمل في السيطرة على الشمال إذا ظل شخصية رئيسة مثله على الساحة السياسية.
وفي يوم 1 يوليو (تموز)، كان عطا يستضيف اجتماعًا مع أمراء حرب وسياسيين آخرين في منزله في مزار شريف عندما أطلقت طائرة مسيَّرة تابعة لطالبان إحدى قذائف الهاون على الفناء الخارجي لمنزله، لكن عطا نجا من دون أن يُصاب بأذى، وأُصيب عدد من الأشخاص وتضررت عدة سيارات.
ويختتم الكاتب تقريره بالإشارة إلى أنه بعد العملية، توقع أعضاء وحدة الطائرات المسيَّرة أن الأستاذ عطا لن يحاول بعد الآن مقاومة تقدم القوات البرية لطالبان. ويبدو أن عطا كان مصابًا بالذعر، فبعد ستة أسابيع، وفي يوم 14 أغسطس (آب) عندما سيطرت طالبان على مزار شريف وسقطت كابول في 15 أغسطس، لم يُرَ عطا أو الرئيس أشرف غني في أي مكان في البلاد.