الرئيسة \  تقارير  \  مترجم: لماذا يجب على الغرب التخلي عن دعم أوكرانيا عسكريًّا؟

مترجم: لماذا يجب على الغرب التخلي عن دعم أوكرانيا عسكريًّا؟

17.03.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاربعاء 16/3/2022
نشر موقع “رسبونسيبل ستيت كرافت” مقالًا لدانيال لاريسون، محرر مساهم في موقع “Antiwar.com” المعارض للحرب وحاصل على درجة الدكتوراة في التاريخ من جامعة شيكاغو، حول المساعي المحمومة للمتشددين لإدخال الولايات المتحدة والناتو في الحرب ضد روسيا. ويرى الكاتب أنه على عكس ذلك، يجب أن تعمل واشنطن مع الحكومات الراغبة في وقف الحرب بدلًا من محاولة تقديم طائرات مقاتلة لدعم أوكرانيا أو فرض منطقة حظر طيران، لأن ذلك لن يفيد أوكرانيا كثيرًا، بل يمكن أن يزيد من نطاق الحرب واتساع مداها.
ويوضح الكاتب في بداية المقال أن إدارة بايدن رفضت اقتراحًا بولنديًّا بنقل 28 مقاتلة بولندية من طراز ميج-29 إلى أوكرانيا عن طريق تسليمها إلى قاعدة رامشتاين الجوية التابعة للقوات الجوية الأمريكية في ألمانيا. وورد أن المسؤولين الأمريكيين ومسؤولي الدول الأوروبية الحليفة صُدِموا من الإعلان البولندي المفاجئ، ورفض البنتاجون الاقتراح تمامًا في تصريحاتٍ علنية في وقت سابق من هذا الأسبوع.
وبالمثل، لم ترغب الحكومة الألمانية في أن تكون جزءا من الاقتراح، وربما كانت الحكومة البولندية تتصرف بناءً على “الضوء الأخضر” الذي أعطته إدارة بايدن للحلفاء الأوروبيين لتزويد أوكرانيا بمعدات عسكرية إضافية، بما في ذلك الطائرات المقاتلة، لكنها فشلت في تنسيق جهودها مع واشنطن وحلفاء الناتو الآخرين، وقبل أيام فقط، نفَت بولندا أي نية لتقديم الطائرات.
ويعكس الخلاف العام بين الحلفاء حول الطائرات مدى الصعوبات في التنسيق بين الحلفاء لتقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا، ويظهر أيضًا كيف تحاول إدارة بايدن إحداث توازن في دعمها لجهود أوكرانيا الحربية مع الحاجة إلى تجنُّب الضلوع المباشر من جانب الناتو في الصراع.
دعم أوكرانيا: إرسال الطائرات
ويمضي الكاتب إلى أن هذه هي المرة الثانية منذ بدء الحرب التي أثيرت فيها علانيةً فكرة نقل طائرات إلى أوكرانيا من دول حليفة في أوروبا الشرقية، ولكنها تُلغَى بعد مزيد من الدراسة. وطرحت الخطة الأولية من جانب مسؤول السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في أواخر فبراير (شباط)، لكن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي كان من المفترض أن توفر الطائرات قالت إن ذلك لم يحدث، ولا يبدو أن الحكومة البولندية مضطرة إلى التمعن في كيفية نجاح خطة النقل الخاصة بها هي الأخرى، وكان الأمر متروكًا للمسؤولين الأمريكيين لكي يشيروا إلى انعدام الجدوى العملية والقيمة المحدودة لما كانوا يحاولون فعله.
وقد يؤدي تزويد أوكرانيا بمعدات عسكرية رفيعة المستوى وممتازة إلى عناوين إخبارية جيدة، ولكن ليس من المحتمل أن يكون لها تأثير إيجابي كبير في مسار الحرب، وقد تأتي بنتائج عكسية. إن نقل هذه الطائرات ينطوي على خطر تصعيد محتمل للحرب، بينما لا يوفر ذلك لأوكرانيا سوى فوائد محدودة للغاية. وخلُص البنتاجون إلى أن نقل هذه الطائرات سيكون له “مخاطرة عالية” نسبيًّا، وأوضح المتحدث باسم البنتاجون جون كيربي: “نعتقد أن المكاسب من نقل تلك الطائرات من طراز ميج-29 منخفضة”.
ويشير الباحث إلى أن القوات الجوية الروسية كانت غائبة غيابًا ملحوظًا عن الحرب حتى الآن، لدرجة أنها أثارت تساؤلات حول مدى قدرتها حتى على إجراء عمليات معقدة في زمن الحرب. ومهما كان سبب هذا الغياب الغريب، فهذا يعني أن التهديد الرئيس للمدنيين الأوكرانيين لا يأتي من الجو، ولا تزال أوكرانيا تحتفظ بنسبة كبيرة من قواتها الجوية لأنها لم تستخدم طائراتها كثيرًا، ولن يؤدِّي إرسال مزيدٍ من الطائرات المقاتلة، التي ليست هناك حاجة ماسَّة إليها ولا يمكن استخدامها بسهولة، إلى تقديم مساعدة حقيقية للدفاع عن أوكرانيا. وعلى غرار المقترحات التي نُوقِشت كثيرًا بشأن منطقة حظر الطيران، فإن تزويد أوكرانيا بمقاتلات إضافية لا يُعد أمرًا مهمًّا إلى حد كبير في معالجة المشكلات العسكرية الرئيسة التي تواجهها القوات الأوكرانية.
حرب روسيا وأوكرانيا: التعديل قد يستغرق شهورًا
ويضيف الكاتب: لن يكون نقل هذه الطائرات مجرد مسألة نقل بسيطة إلى الأراضي الأوكرانية وتسليمها، وقبل أن تُسلَّم أي طائرات تابعة للناتو إلى عهدة أوكرانيا، سيتعين مرور هذه الطائرات بعمليات تعديل شاملة لإزالة تحديثات المعدات الخاصة بالتحالف منها والتي لا يمكن منحها لغير الأعضاء. وكما قال مسؤول أمريكي في صناعة الدفاع لصحيفة “وول ستريت جورنال”: “إذا كانت هناك خطة للقيام بذلك، فسيكون هذا على الأقل مشروعًا يستغرق عدة أشهر، وذلك مع العمل بسرعة كبيرة”.
ويبدو موقف إدارة بايدن من هذه القضية سليمًا ومن الصعب الاعتراض على حُججها، لكن ذلك لم يمنع أنصار التدخل المتشددين من التنديد بالقرار، وقال النائب آدم كينزينجر، المدافع القوي عن إقامة منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا، إن: “هذا رد مجنون تمامًا وغير معقول من البنتاجون”، وعلَّق جاري كاسباروف بأسلوب مبالغ فيه قائلًا: “يتعرض المدنيون الأوكرانيون للذبح ولا يزال الناتو يتساءل كيف يُبقي الرجل الذي يذبحهم سعيدًا”.
وكما يفعل فيما يتعلق بكل شيء، اتهم السيناتور توم كوتون بايدن بـ”الضعف”، وهاجمت ميليندا هارينج من مجلس الأطلسي الإدارة بسبب الجُبن المفترض قائلةً: “هل يمكن لشخص ما أن يُرسل بعض الشجاعة إلى 1600 شارع بنسلفانيا في واشنطن العاصمة؟” (عنوان البيت الأبيض). ووصف المسؤول السابق في إدارة ترامب مارشال بيلينجسلي القرار بأنه “ردع ذاتي”، وعلَّق السيناتور بن ساسي بشيء من التبجح الأجوف، قائلًا: “حمِّل طائرات الميج هذه واصطحبها إلى الطيارين الأوكرانيين الذين لا يزال بإمكانهم إحداث فرق”.
وعلى الرغم من كل صخبهم، لم يتمكن أيٌّ من منتقدي الإدارة المتشددين من تفسير سبب أهمية إرسال هذه الطائرات أو ما هو الاختلاف العملي الذي قد تحدثه تلك الطائرات، إنهم يفضلون أن يُنظر إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على أنهما يفعلان شيئًا جريئًا مع أنه غير مجدٍ بدلًا من تزويد أوكرانيا بمساعدة فعَّالة بطرق أكثر حكمة وغير واضحة.
وكما هو الحال مع الخيارات الأخرى الأكثر عدوانية، أصبح إرسال مزيد من الطائرات إلى أوكرانيا اختبارًا متشددًا لـ”فعل المزيد” ولا يهمهم هل يكون هذا “المزيد” حكيمًا أو مفيدًا. ويتمتع الصقور بميزة أن مطالبهم باتخاذ إجراء أحمق ستكون موضع تجاهل في الوقت الحالي، لذلك يمكنهم الاستمرار في التحريض على سياسات غير مسؤولة وغير مدروسة دون الحاجة إلى القلق بشأن عواقب وضعها موضع التنفيذ أو الاعتراف بها، ويكمن الخطر في أن التحريض المستمر على تبني السياسات المتهورة الذي شهدناه خلال الأسبوعين الماضيين سيضعف تدريجيًّا مقاومة الإدارة، ويحذِّر سبنسر أكرمان، الذي كتب عن إمكانية التصعيد، من أن “هذا النوع من انعدام مسؤولية النخبة سوف يزداد ويبحث عن منفذ”.
ما الذي يجب أن تفعله واشنطن حيال الصراع؟
ويرى الباحث أنه بدلًا من البحث عن طرقٍ جديدة وخطيرة لتصعيد الصراع، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها العمل مع كل حكومة راغبة في تأمين وقف إطلاق النار، والضغط من أجل تسوية دبلوماسية يمكن أن تنهي الحرب قبل أن تتسبب في المزيد من الدمار، وإذا كانت الحكومة الأوكرانية منفتحة على حل وسط، فهذا هو الخيار الذي يجب على الولايات المتحدة أن تشجعهم على اتباعه. وهناك دائمًا إغراء في واشنطن لضخ إمدادات لا نهائية من الأسلحة في صراع مستمر، خاصةً عندما يمكن تصويره على أنه وسيلة لإضعاف دولة منافسة أو معادية، ولكن يجب أن نتذكر أن أوكرانيا هي الدولة التي ستتضرر بشدة من استمرار هذه الحرب لفترة أطول. إن تخيل إمكانية تحول أوكرانيا إلى “أفغانستان أخرى” يعد مثل تمهيد الطريق لما قد يكون عقودًا من العنف والحرمان لشعب أوكرانيا.
ويختتم مقاله بالقول إن المقترحات التصعيدية التي يتعذر الدفاع عنها تستمر في الظهور إلى حد كبير لأن الحكومة الأوكرانية تواصل المطالبة بأشكال من الدعم العسكري من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تتجاوز قدرة الحلف على الاستعداد لتقديمه، وفي حين أنه من المفهوم أن الحكومة الأوكرانية ترغب في الحصول على كل الدعم الذي يمكنها الحصول عليه، فإن هناك بعض الخيارات التي لا معنى لها ببساطة لحلف الناتو، إذا كان الحلف سيتجنب المشاركة المباشرة في الصراع، لقد بذلت الولايات المتحدة وحلفاؤها بالفعل جهودًا كبيرة لمساعدة دفاعات أوكرانيا، ولكن هناك حدودًا للمدى الذي سيذهبون إليه ويجب أن يكون ذلك مفهومًا لجميع الأطراف المعنية.