الرئيسة \  تقارير  \  مترجم: لماذا يجب على الغرب وأمريكا التخلي عن فكرة إزاحة بوتين عن السلطة؟

مترجم: لماذا يجب على الغرب وأمريكا التخلي عن فكرة إزاحة بوتين عن السلطة؟

30.05.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاحد 29-5-2022
إلى الذين لن يكفيهم مجرد إخراج روسيا من أوكرانيا: يجب أن يفهموا أن إزاحة بوتين قد تأتي بنتائج عكسية للغاية. هذا ما يستعرضه أناتول ليفن وتيد سنايدر في تحليل نشرته مجلة “ريسبونسبل ستيت كرافت” التابعة لمعهد كوينسي لفن الحكم الرشيد.
يبدأ الكاتبان التحليل بالإشارة إلى أن الرئيس جو بايدن دعا بوضوح إلى تغيير النظام في روسيا في 26 مارس (آذار) 2022، قائلًا: “لا يمكن لهذا الرجل [بوتين] أن يظل في السلطة”. وفي حين حاول موظفو بايدن التراجع عن تصريحه، يبدو من شبه المؤكد أن هذا التصريح يعكس وجهة نظر واسعة النطاق في إدارة بايدن والمؤسسات الأمريكية والبريطانية والكندية عمومًا.
مخاطر التغيير القسري
ويُنوِّه كاتبا التحليل إلى أن وجهة نظر من هذا القبيل يمكن تفهمها جيدًا بالنظر إلى مساوئ غزو بوتين لأوكرانيا، ولكن جعل تلك النظرة هدف السياسة الغربية تجاه روسيا يُعدُّ أمرًا مختلفًا تمامًا، وذلك لأن هناك شرطين أساسيين لاستبدال بوتين؛ يتمثل الأول في ضرورة أن تكون تلك المسألة روسية خالصة، وليست مدفوعة من أمريكا.
لأنه بخلاف ذلك، سيكون النظام التالي في روسيا مثقلًا دومًا بتصور الخيانة والهزيمة على غرار ما حدث مع ميلاد جمهورية فايمار (هي الجمهورية التي نشأت في ألمانيا في الفترة من 1919 إلى 1933 نتيجة الحرب العالمية الأولى وخسارة ألمانيا الحرب وانتهت بسيطرة الحزب النازي الألماني عليها فكانت نهاية عمرها القصير). ثانيًا، يجب أن تكون عملية التغيير منضبطة وليست ثورية، لأن الثورة ستجلب على الأرجح في الظروف الحالية في روسيا حكومة يمينية فاشية أكثر من حكومة ليبرالية.
ويستدرك الكاتبان: في المقام الأول، إذا اعتقد بوتين ودائرته المقربة أن نية الغرب هي إطاحتهم مهما فعلوا، فإن كل الحوافز من جانبهم للتوصل إلى تسوية سلمية في أوكرانيا ستختفي. وفي أسوأ السيناريوهات، قد يلجأون إلى استخدام الأسلحة النووية لإنقاذ (النظام).
وفي رأي الشعب الروسي، وحتى عديد ممن أصبحوا يكرهون النظام بسبب فساده وإجرامه الذين يشعرون بقلق عميق إزاء نقاط الضعف الأساسية للدولة الروسية، فإن تغيير النظام القسري وغير المنضبط يمكن أن يؤدي إلى إضعاف كارثي للدولة نفسها، الأمر الذي قد يؤدي إلى فترة أخرى من الفوضى والانهيار الاقتصادي.
وقد يكون ذلك بالفعل أمل (المتشددين) الغربيين، ولكن إذا كان الأمر كذلك، فيجب عليهم التفكير مليًّا في تأثير هذا الانهيار في الأمن في أوراسيا. وعلى أي حال، من المرجح أن يؤدي الخوف من انهيار الدولة الذي تحركه أمريكا إلى تعزيز، وليس تقليص، دعم النظام بين الروس. ولا ينبغي لنا أن ننسى أنه في الغالبية العظمى من الحالات التي استخدمت فيها واشنطن العقوبات الاقتصادية في محاولة لإحداث تغيير في النظام، مثل كوبا وفنزويلا والعراق وإيران وكوريا الشمالية، فشلت هذه الإستراتيجية.
بديل بوتين قد يكون أسوأ
ويضيف الكاتبان أن (المتشددين) الغربيين الذين يريدون إضعاف روسيا أو تدميرها يبدو أنهم لا يولون اهتمامًا حقيقيًّا بنوعية نظام ما بعد بوتين، ناهيك عن رفاهية الشعبين الروسي أو الأوكراني. وفي نظرهم، يكفي أن تصبح روسيا دولة مشلولة. وأضحى المراقبون الآخرون (الليبراليون الروس والغربيون) يعتقدون أن بوتين شرير للغاية إلى الحد الذي يجعل من الشخص الذي يحل محله أفضل مهما يكن. ولو كان هذا صحيحًا، وهو ليس كذلك، لكان أمرًا جيدًا.
لكن مع الأسف، إذا كان هناك من درس نتعلمه من التاريخ الأوروبي والروسي في القرن الماضي، فهو أنه مهما بلغت الأمور من سوء، يمكن أن تزداد سوءًا دائمًا. وكما هو الحال مع بوتين، فهو ليس بأي حال من الأحوال أسوأ زعيم قد تُخرجه لنا روسيا، خاصة في ظروف التطرف القومي الشرس المتزايد الناتج من الحرب في أوكرانيا. ومن الممكن تمامًا في ضوء المزاج الحالي في روسيا أن تُسفر انتخابات شعبية عن خليفة لبوتين يكون أكثر عدوانية على نحو متهور.
التعلم من التاريخ
وفي هذا السياق، وحسب ما يتابع الكاتبان، يجب على المحللين الأمريكيين أيضًا فحص تاريخ الانقلابات المدعومة من أمريكا بعناية في أجزاء مختلفة من العالم، والعواقب غير المتوقعة والمروعة التي نتجت غالبًا منه، وهو تاريخ انتقده بشدة الكاتب ستيفن كينزر. وفي تحليلها الدقيق للانقلابات المدعومة من الولايات المتحدة، “تغيير النظام السري”، تقول ليندسي أورورك إن أحد المعيارين الضروريين لواشنطن لدعم تغيير النظام هو القدرة على “تحديد بديل سياسي محلي معقول للنظام المستهدف”. وإذا كنت ستزيل قائدًا بسبب الاختلافات السياسية غير القابلة للحل، فيجب أن يكون هناك وعد من قائد جديد “يشارك تفضيلاتك السياسية”.
ويضيف الكاتبان أنه في حالة روسيا، لا يوجد مثل هذا الوعد المذكور. في المقام الأول، يطالب (المتشددون) الغربيون الذين يدافعون عن تغيير النظام أيضًا بما يرقى إلى الاستسلام الروسي الكامل في أوكرانيا: التخلي ليس فقط عن الأراضي الجديدة التي احتلتها روسيا في هذه الحرب، ولكن أيضًا عن جمهوريات دونباس الانفصالية التي دعمتها روسيا منذ عام 2014، والأهم من ذلك كله، شبه جزيرة القرم، التي نقلتها القيادة السوفيتية من روسيا إلى أوكرانيا في عام 1954. وأعادت روسيا ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، وتحتوي الآن على قاعدة سيفاستوبول البحرية الروسية الرئيسة وتعدها الغالبية العظمى من الروس الآن أرضًا وطنية روسية.
ويرى كاتبا التحليل أنه لا يمكن لأي حكومة روسية الموافقة على تسليم شبه جزيرة القرم دون هزيمة عسكرية كاملة. وحتى زعيم المعارضة أليكسي نافالني تحدث فقط عن إمكانية إجراء استفتاء جديد هناك لتأكيد رغبة السكان في الانضمام إلى روسيا. وأي حكومة تتخلى عن شبه جزيرة القرم ستعيش بعد ذلك بوصفها نظام هزيمة واستسلام. ومن غير المرجح أن تستمر حكومة من هذا القبيل لفترة طويلة.
وهؤلاء المعلقون الغربيون (والليبراليون الروس) الذين يؤمنون بإمكانية وجود خليفة لبوتين مؤيد للغرب يرتكبون، من بعض النواحي، الخطأ ذاته الذي يرتكبه أولئك الذين يطالبون روسيا بأن تصبح “دولة قومية طبيعية”، ذلك أنهم يتجاهلون قوة القومية التي تهيمن على الكتلة السوفيتية السابقة.
لقد كان التوسع الشرقي لحلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي منذ نهاية الحرب الباردة، وإعادة بناء الدول الذي استتبعه، مدعومًا إلى حد كبير بالقوميات العرقية المحلية، التي أصبحت في بعض الحالات (بولندا والمجر)، مع تأمين الحماية الغربية، معادية بشدة للثقافة الديمقراطية الليبرالية الغربية المعاصرة.
ووفقًا للكاتبين: على النقيض من ذلك، ورثت روسيا، في عهد يلتسين وبوتين، قومية الدولة في الاتحاد السوفيتي (وحتى الإمبراطورية الروسية التي سبقتها). وكان لهذا آثار سيئة وجيدة. على الجانب السيئ، كان ذلك يعني أن روسيا ورثت الطابع الإمبراطوري لتلك الدول وطموحاتها. ومن ناحية أخرى، كان يعني أن الدولة داخل روسيا، على عكس المجر أو بولندا أو دول البلطيق، لم تصبح بعد قومية عرقية ضيقة، وهو ما كان جيدًا بالفعل للأقليات العرقية والدينية في روسيا.
نظرة تعددية وميل للغرب
ويمضي التحليل قائلًا: في مقال نُشر في عام 2012، كتب بوتين نفسه عن روسيا بوصفها دولة متعددة الأعراق والأديان بالفطرة (وإن كان ذلك مع كون اللغة والثقافة الروسية عنصرًا مركزيًّا)، وحذر من أن الشوفينية العرقية الروسية ستدمر الاتحاد الروسي. وتماشيًا مع هذا الاعتقاد، كان نظام بوتين ونخبه الاقتصادية العليا متعددي الأعراق تمامًا، واحتُرمت التقاليد الثقافية للجمهوريات الروسية المتمتعة بالحكم الذاتي. وليس هناك ما يضمن أن هذا سيظل هو الحال في عهد خليفة بوتين.
ويضيف الكاتبان: فيما يتعلق بالعلاقات مع الغرب، من الواضح أن بوتين قد تحول الآن إلى موقف عدائي للغاية. ومع ذلك، لم يكن الأمر كذلك في السابق، ذلك أن بوتين ولفترة طويلة سعى في كثير من الأحيان إلى تصوير روسيا على أنها نوع من “الغرب الثالث” (إلى جانب الغربين الآخرين أمريكا وأوروبا)، متميزة ثقافيًّا وسياسيًّا، ولكنها جزء من العالم الغربي.
والأهم من ذلك، سعى بوتين إلى مناشدة فرنسا وألمانيا ضد أمريكا، وهو أمر دفعه من وجهة نظر (المتشددين) داخل النظام الروسي (الذين يُطلق عليهم الآن على نطاق واسع “حزب الحرب”) إلى التصرف في عام 2014 بضبط النفس العسكري تجاه أوكرانيا ضبطًا أكبر بكثير مما كان يجب عليه فعله. واليوم، يقال إن هؤلاء الأشخاص أنفسهم يدعون إلى تصعيد مرعب للحرب في أوكرانيا. وإذا حلوا محل بوتين فلن يكون هذا أفضل لأي شخص.
ويُشدِّد الكاتبان في ختام التحليل على ضرورة أن يتذكر المدافعون الأمريكيون عن تغيير النظام النتائج التي لا يمكن التنبؤ بها، والرهيبة أحيانًا، لتغيير النظام المستوحى من الولايات المتحدة في أماكن أخرى من العالم، وكذلك سجل أمريكا المروع للغاية في محاولة إدارة الشؤون الداخلية الروسية في التسعينيات، ذلك أن هذا الجهد ساهم في إنتاج نظام بوتين، وقد يؤدي تكراره إلى شيء أسوأ.