الرئيسة \  تقارير  \  مترجم: ما الذي يمكن أن يتعلمه الجيش الصيني من حرب روسيا وأوكرانيا؟

مترجم: ما الذي يمكن أن يتعلمه الجيش الصيني من حرب روسيا وأوكرانيا؟

09.04.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الخميس 7/4/2022
بدايةً من مفاهيم ساحة المعركة إلى اعتبارات الجغرافيا السياسية، من المؤكد أن بكين تراقب الحرب في أوكرانيا بكثيرٍ من الاهتمام وقليلٍ من الاستياء، وهذا ما أكَّده موقع “ديفينس وان” في تقريره الذي أعدَّه توماس كوربيت، باحثٌ في العلاقات الخارجية الصينية والاقتصاد الدولي، وما زيو، الباحث في القدرات الصاروخية، وبيتر سنجر، عالم السياسة الأمريكي.
استهل الباحثون تقريرهم بالقول إن عملية عاصفة الصحراء كانت نقطة تحوُّلٍ في التاريخ العسكري الصيني الحديث، بعدما شاهد المخططون العسكريون والجيش الصيني القوات الأمريكية وقوات التحالف تشن حملة بسيطة ضد رابع أكبر جيش في العالم – آنذاك – (العراق)، المُزوَّد بعدة أنظمة يمتلكها جيش التحرير الشعبي، وأصبح جليًّا أن الصين المتفوقة من الناحية الكمية والمفتقرة نوعيًّا إلى حشود المشاة لن تصمد أمام مزيجٍ من الأسلحة الحديثة، ومنها منظومة “القيادة والتحكم والاتصالات وأجهزة الكمبيوتر والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع”، والعمليات المشتركة التي نُفِّذت في العراق؛ ونتيجةً لذلك ترسَّخت مفاهيم عسكرية جديدة لدى الصين وضرورة إجراء إصلاحات شاقة دامت لأكثر من عقدين، والتي تمخضت عن تكوين جيش التحرير الشعبي الحديث “المعلوماتي” الأكثر قدرة حاليًا.
الجيش الصيني: مشكلات يجب تفاديها
يُوضِّح التقرير أن الصين حاليًا تراقب الروس في أوكرانيا لأن أداءهم أخفق في مجالاتٍ عديدةٍ، مثل الفشل في تحديد أهداف رئيسة أو زعمهم أنهم فقدوا التفوق الجوي بسبب نفاد الوقود والإمدادات وربما انهيار المعنويات، واستخلاص الدروس التي ستشكل مستقبل بكين بالتأكيد، ويبدو أن تجربة روسيا أكَّدت عديدًا من الافتراضات الأخيرة للصين وراء استثماراتها، مثل جدوى الأنظمة الجوية الذاتية التشغيل في الصراعات الحامية الوطيس، إلى جانب الحاجة إلى إجراء إصلاحات لجيش التحرير الشعبي في عام 2015، والتي استهدفت إصلاح عددٍ من المشكلات التي تسبَّبت في الفشل الروسي الذي يُقِر به جيش التحرير الشعبي.
ويرصد التقرير بعضًا من المشكلات التي أسهمت في وقوع كوارثٍ حقيقيةٍ لروسيا في حرب أوكرانيا، ومن أهمها الافتقار إلى عمليات أسلحةٍ مشتركةٍ أو مشتركةٍ فعَّالةٍ، والتي تعد ضرورية لأي قوة قتالية حديثة فعَّالة، ولا يمكن وصف مستوى التنسيق الروسي الضعيف بين مختلف وحداته وفروعه إلا بأنه يفتقر إلى الكفاءة؛ فعلى سبيل المثال، فشلت روسيا مرارًا وتكرارًا في تقديم دعمٍ جوي فعَّال لقواتها البرية.
ولطالما كان يُعاني جيش التحرير الشعبي من مشكلاتٍ خطيرة – بحسب الكاتب – مرتبطة بالعمليات المشتركة، ولم يحقق جيش التحرير الشعبي نجاحًا ملحوظًا في تطوير قوة مشتركة حقيقية حتى أُجريت سلسلة من الإصلاحات الشاملة في عام 2015؛ والتي حلَّت محل المنظومة السابقة الذي كان يسيطر عليها الجيش بسلسلةٍ من أوامر القيادة الميدانية، ولذلك، يُدرك جيش التحرير الشعبي عيوبه ويتخذ خطوات لإصلاحها، ولكن من المحتمل أن يظل بعيدًا عن القدرة على إجراء عمليات مشتركة فعَّالة ومُحكَمة.
وانتشرت الجهود المبذولة لإجراء تدريبات مشتركة، لكن معظم قادة جيش التحرير الشعبي لا يزالون عديمي الخبرة نسبيًّا في العمليات المشتركة، وحتى الضباط الجدد لا يتلقون عادةً تدريبًا مشتركًا دون مستوى الأفرع العسكرية، وبقي أن نرى إلى أي مدى “ستستمر” هذه الإصلاحات، وكان أحد أسباب عدم محاولة جيش التحرير الشعبي إجراء هذه الإصلاحات حتى عام 2015 هو الاعتراضات المؤسسية القوية من الجيش، الذي يرغب قادته في الاحتفاظ بوضعهم المُسيطِر.
الحرب المعلوماتية
يُشير التقرير إلى أن الصين ترى أن حرب أوكرانيا تعزيز لأهمية عمليات الأسلحة المشتركة، مع توضيح أن هذه العمليات شاقة جدًّا من الناحية العملية، وقد تؤدي السقطات الروسية إلى جعل جيش التحرير الشعبي يتأنى بشأن مدى جاهزيته الفعلية لجميع العناصر المشتركة التي قد يحتاجها في الاستيلاء الناجح على تايوان، ومنها التنسيق المُحكَم بين القوات البحرية والجوية والبرية، وهناك معضلة أخرى – يطرحها الكاتب – أسهمت في تفاقم المشكلات العسكرية لروسيا وهي تدني كفاءة قواتها المجنَّدة، وعلى الرغم من مقاطع الفيديو التي تظهر تجنيدًا ذكوريًّا مفرطًا وأثارت حماس بعض السياسيين الغربيين، عانت روسيا لكي تجذب عددًا كافيًا من المجندين المتطوعين للنأي بنفسها عن نظام التجنيد الإجباري الحالي لمدة 12 شهرًا.
ويرى الكاتب أنه على الرغم من بعض النجاحات الحديثة في تجنيد قوة تطوعية عالية الجودة وأكثر تدريبًا، فشل جيش التحرير الشعبي أيضًا في النأي بنفسه عن التجنيد الإجباري، ويضم التجنيد الإجباري في الصين حاليًا حوالي 660 ألف مجندٍ لمدة عامين، يفتقر عديدٌ منهم إلى التعليم الثانوي الجزئي ليتلاءموا مع رتبهم، وفي حين أن هذا لا يُبشر بالخير فيما يتعلق بقدرة الجيش الصيني على تنفيذ عمليات عسكرية معقدة، فإن جيش التحرير الشعبي يتميز بجوانب أخرى على نظرائه الروس مثل مجال التحفيز، ولا ينقص المجندين الروس التدريب الجيد فحسب، بل إنهم يعانون أيضًا من تدني معنوياتهم، ولم يعرف كثيرٌ من أفراد قوات الغزو سبب ذهابهم إلى أوكرانيا، أو أنهم ذاهبون إلى أوكرانيا أصلًا؛ وعلى عكس ذلك، يركز جيش التحرير الشعبي بشدة على توعية الأفراد سياسيًّا، وتدرَّب المجندون الصينيون منذ نعومة أظافرهم على الإيمان بضرورة “تحرير” تايوان؛ لكن جيش التحرير الشعبي لا يزال يراقب بقلقٍ بعض أوجه الشبه مع القوات الروسية، ومن المرجح أن يضاعف حملته لاستقطاب مزيدٍ من المجندين المتطوعين، ويفضل أن يكونوا على كفاءة عالية.
ويلفت التقرير إلى أن روسيا سمحت أيضًا لخصمها بالسيطرة على البيئة المعلوماتية، ونتيجةً لمجموعة من الافتراضات المبالِغَة في التفاؤل بشأن الضعف السياسي للخصم والاعتماد اللوجستي على شبكات الاتصالات الخاصة بالهدف، لم تطلق روسيا مطلقًا العنان لجهودها التي كانت تخشى منذ أمدٍ طويلٍ للقضاء على شبكات الاتصالات الأوكرانية، واعتقد الخبراء الإستراتيجيون التابعون لبوتين بالخطأ أن رسائله الخاصة والتقدم العسكري السريع، سوف ينتشر عبر هذه الشبكات ويساعد في انهيار الدولة الأوكرانية، كما تبين أن عديدًا من الوحدات الروسية بحاجة إلى الوصول إلى الشبكات المدنية الأوكرانية لتنفيذ عملياتها الخاصة.
وبدلًا من ذلك، قلب نظام زيلينسكي الطاولة على روسيا، وتمكن من الفوز – بحسب الكاتب – في حرب المعلومات داخل أوكرانيا والغرب، وتمكَّن بذلك من تغيير مجرى الحرب الكبرى، وأسفرت رسائل الحكومة الأوكرانية الماهرة، واستنفار السكان المدنيين عن خلق إحساسٍ جديدٍ بالوحدة الوطنية، فضلًا عن حشد المساعدات العسكرية الأساسية والعقوبات الاقتصادية التاريخية من شبكةٍ موسَّعةٍ من الحلفاء الدوليين، وأدَّى استخدام روسيا للشبكات المدنية إلى أن أصبحت وحداتها عرضةً للاستهداف الجغرافي، وبسَّط جيش التحرير الشعبي إجراءات التنسيق بين جهوده في الحرب السيبرانية والحرب الإلكترونية والفضاء وحرب المعلومات من خلال تأسيسه الأخير لقوة الدعم الإستراتيجي، مما يوحي بأنه يدرك مدى أهمية السيطرة على المعلومات، ومن المتوقَّع أن يضاعف جهوده في الحرب السيبرانية/المعلوماتية والاتصالات المشفرة، لضمان عدم تعرض عملياتها للأخطاء نفسها.
حرب روسيا وأوكرانيا: الخدمات اللوجستية
ويرى الكاتب أن هناك مشكلاتٍ أخرى مستمرة وخطيرة تعاني منها روسيا، وتتعلق بالخدمات اللوجستية الضعيفة، وأصبح مشهد المركبات المعطَّلة أو المتروكة أمرًا شائعًا مع نفاد الوقود والإمدادات الحيوية الأخرى للقوات الروسية، ويُحسب لجيش التحرير الشعبي كذلك قيامه بإصلاح نظامه اللوجستي وتحديثه بسرعة ضمن مجموعة واسعة من الإصلاحات التي أُجرِيت في 2015، وركَّز جيش التحرير الشعبي على منظماته اللوجستية وأنشأ قوة الدعم اللوجستي المشتركة، وتركز تدريب هذه القوة على التعاون مع الفروع الأخرى لجيش التحرير الشعبي، وفي عام 2018، أطلقت قوة الدعم اللوجستي المشتركة أول تدريب رئيس، أُطلق عليه “مهمة الدعم اللوجستي المشتركة 2018”، والتي تضمنت طائرات طبية مسيَّرة، ومستودعات للتزود بالوقود أنزلتها طائرات مروحية، وتنفيذ عمليات في التضاريس الوعرة والنائية.
وفي الوقت الذي يبدو فيه أن عديدًا من مشكلات الجيش الروسي لوجستية بطبيعتها، فإن جوهر المشكلة يكمن في الفساد بحسب ما يرى الكاتب؛ إذ أفادت تقارير بأن الضباط العسكريين الروس باعوا قبل الغزو إمداداتهم من الوقود والغذاء، وأن هذه الممارسات الفاسدة قد تكون مسؤولة عن توقف طابور الدبابات الروسية خارج العاصمة الأوكرانية كييف، وفي هذا الإطار، يوجد كثير من الأمور التي يخشاها جيش التحرير الشعبي، فقد عاث الفساد في جيش التحرير الشعبي لعقودٍ، إذ صرَّح بعض ضباط جيش التحرير الشعبي في عام 2015 أن الفساد قد يُقوِّض قدرة الجيش الصيني على شن الحرب، وقيل إن أكثر من 13 ألف ضابط، ومنهم أكثر من مئة جنرال، في جيش التحرير الشعبي عوقبوا بسبب الفساد منذ تولى شي جين بينج السلطة.
وعلى الرغم من إعادة تنظيم صفوف جيش التحرير الشعبي والملاحقة القضائية الواسعة لقضايا الفساد، لا يزال الفساد يمثل مشكلةً رئيسةً، وبسبب الاتهامات الموجهة لعددٍ من المسؤولين عن حملة مكافحة الفساد، فإن هذا الأمر لا يبشر بالخير لفعالية جهود الصين على المدى الطويل، ويُقدم الغزو الروسي المتأزم لأوكرانيا مثالًا صارخًا حقيقيًّا للصين ولجيش التحرير الشعبي بشأن تأثير الفساد في الفعالية العسكرية، وسيؤدي بلا شك إلى مضاعفة جهودهم لمكافحة الفساد، ومع ذلك، نظرًا لنظامها الاستبدادي المماثل والتركيز على الترقي الوظيفي من خلال المحسوبية، فقد يتغلغل الفساد المنهجي في النظام.
معضلة الاستبداد
ينوه الكاتب إلى المسألة الإستراتيجية المتمثلة في رد فعل بكين على العقوبات الدولية التي ضربت الروبل والاقتصاد الروسيين، وقد تفاجأت موسكو من الانتقام الاقتصادي السريع والخطير من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى، وكانت النتيجة الأكثر توقعًا هي الانسحاب السريع لحوالي 500 شركة عالمية، لحماية علاماتها التجارية الخاصة، وستكون الجهود الطويلة المدى التي تستهدف العوامل الأساسية في صناعة الدفاع الروسية عائقًا لسنوات، وبينما ستستفيد الصين من اعتماد روسيا المتزايد على سلعها وخدماتها، يُمكن توقُّع أن تعيد بكين تحضير إستراتيجيتها الجغرافية الاقتصادية لتقليل تعرضها لسيناريو مماثلٍ، وعلى سبيل المثال، يرجَّح أن تضاعف الصين جهودها لتعزيز نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك، وهو بديل لنظام سويفت المصرفي الدولي بين شركائها الإستراتيجيين ومُتلقي المساعدات الأجنبية.
وعلى نحوٍ مماثلٍ، يبدو أن إستراتيجية الصين الاقتصادية “التداول المزدوج” الحديثة تهدف إلى مواجهة فك الارتباط عن شركاء الصين التجاريين، بعدما انتبهت بكين بالتأكيد إلى مدى سهولة خروج الشركات من موسكو، وإذا كانت الصين معرضة لخطر العقوبات الدولية وانسحاب الشركات، فستكون الدول والشركات التي تتعامل معها أيضًا عرضةً لذلك بسبب اعتمادها على ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ولذلك، يرجَّح أن تبذل الحكومة الأمريكية جهودًا لجعل أي عقوبات أو انسحاب شركاتٍ من الصين احتمالًا مؤلمًا قدر الإمكان.
وفي كل الأحوال، يتعين على صناع السياسة في واشنطن إدراك أن العقوبات التي تُستخدم حاليًا ضد روسيا قد لا تكون فعَّالة في المرة القادمة، وذلك ليس لأن الصين لديها اقتصاد مختلف فحسب، ولكن لأنها تستقي الدروس أيضًا من الصراع الحالي وتستعد له.
ويخلص التقرير إلى أن الصين كانت تراقب الحرب الدائرة في أوكرانيا بقدرٍ كبيرٍ من الاستياء والإحباط، وأفادت تقارير أن القادة الصينيين فُوجئوا وانزعجوا من الأداء العسكري المُحبِط لشركائهم الروس، والمقاومة الأوكرانية، وحجم تضامن المجتمع الدولي. وتسبب صمود أوكرانيا، دولة أصغر بكثيرٍ، أمام روسيا الأكبر في انزعاج أعضاء الحزب الشيوعي الصيني ومسؤولي جيش التحرير الشعبي وإثارة قلقهم.
ويجدر الإشارة إلى أن المحاولات المبكرة التي لجأت إليها وسائل الإعلام الحكومية الصينية للاستفادة من غزو أوكرانيا، موضحةً كيف ستتخلى الولايات المتحدة عن تايوان، لكن هذه الحملة الإعلامية توقفت بعد الأيام الأولى من الحرب، عندما أصبح واضحًا أن الولايات المتحدة لم تتخلَّ عن أوكرانيا؛ وبخلاف العوامل النفسية، تقدم حرب أوكرانيا أيضًا مخططَ مقاومةٍ ناجحةٍ عبر حرب غير متكافئة تشبه إلى حدٍّ بعيدٍ مفهومَ الدفاع الشامل المقترح في تايوان.
وبينما تواصل الصين مراقبة حرب أوكرانيا واستخلاص الدروس المفيدة، فإن هناك مسألة موازية مزعجة قد لا تستطيع الصين تجنبها بسبب طبيعة نظامها الاستبدادي؛ إن الفترة التي سبقت غزو أوكرانيا كانت مليئة بحسابات إستراتيجية عديدة خطأ من جانب بوتين، وذلك على الأقل جزئيًّا بسبب إحاطة نفسه بالرجال المؤيدين دائمًا الذين يتشبثون حتمًا بالقادة الاستبداديين، والمتحمسين لإرضاء السلطة، وتجلى هذا بوضوح في رد فعل رئيس الاستخبارات الروسي غير المريح عندما تعرض لضغوطٍ علنيةٍ للاتفاق مع بوتين في الأيام التي سبقت الحرب، وكذلك في قرارات إقالة عدد من المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين واعتقالهم بعدما ساءت مجريات الحرب.
ويختم الباحثون تقريرهم بالتأكيد على أن القادة الاستبداديين يواجهون مشكلات منهجية في الحصول على معلومات استخباراتية موثوقة، ومع استمرار الصين في الانزلاق بعيدًا عن نظام الإجماع داخل الحزب نحو الدوران في فلك الشخص الواحد والذي لا يُرحَّب فيه بالآراء المخالفة، فإن الرئيس الصيني سيواجه المشكلة نفسها، وليس واضحًا بعد: هل يتعلم هذا الدرس من بوتين أم يُكرر حساباته الخطأ نفسها في المستقبل مع الدول المجاورة للصين.