الرئيسة \  تقارير  \  مترجم: هل تؤتي العقوبات الغربية على روسيا ثمارها فعلًا؟

مترجم: هل تؤتي العقوبات الغربية على روسيا ثمارها فعلًا؟

14.04.2022
ساسة بوست


عبدالرحمن النجار
ساسة بوست
الثلاثاء 13/4/2022
تساءل كيفن تي دوجان في مقال نشره موقع مجلة “نيويورك” عن مدى تأثير العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة التي فرضتها الدول الغربية على روسيا في أعقاب غزوها لأوكرانيا على الاقتصاد الروسي.
وأوضح دوجان أنه بعد ستة أسابيع من قيام الولايات المتحدة ودول مجموعة السبع باستخدام النظام المالي العالمي سلاحًا لفرض أقسى عقوبات على روسيا، أصبحت الأمور واضحة؛ لقد استعاد الروبل قيمته التي كان عليها قبل الحرب مقابل الدولار يوم الخميس الماضي، مما يكشف أن ضوابط رأس المال التي وضعها البنك المركزي للبلاد كانت ناجحةً، ومع استمرار ارتفاع العملة يوم الجمعة، فاجأ البنك المركزي الروسي العالم بخفض أسعار الفائدة 3 نقاط مئوية إلى 17%، ومع أنها لا تزال مرتفعة، لكنها إشارة إلى أن الموقف الدفاعي للبلاد كان شرسًا للغاية.
لا تزال الدول الأوروبية تشتري الطاقة من الشركات العملاقة التي تديرها الدولة مثل جازبروم، مما يغمر روسيا بعملات اليورو والدولار التي يمكن استخدامها بعد ذلك من قبل أكثر من 200 بنك غير خاضع للعقوبات.
وبحسب الروايات المتناقلة، يبدو أن الضغط متفشيًا، ويصعب تركيزه، إذ ينقل دوجان عن أحد سكان موسكو الذي أخبره عبر تيليجرام أن متاجر البقالة مليئة بالطعام ومعظمها أغلى بنسبة تتراوح بين 5 – 10%؛ وتبلغ أسعار الديزل 53.59 روبل للتر، أو ما يعادل 2.70 دولار للجالون تقريبًا؛ وهذا أرخص من أي مكان في الولايات المتحدة، بحسب التقرير.
كما أن تجار التجزئة للسلع الفاخرة في حي تريتياكوفسكي درايف – المقابل الروسي لحي روديو درايف في كاليفورنيا – لا يزالون يبيعون الملابس وحقائب اليد بأسعار زهيدة لبعض عملائهم المرموقين، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى مباركة الحكومة للسوق الرمادية (السوق الموازية) في السلع الفاخرة.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد وصف العقوبات بأنها “إعلان حرب”؛ وربما تكون كذلك، لكنها كانت أيضًا أداةً دعائية للكرملين أثناء تصعيده لحربه في أوكرانيا.
أداة موسكو للصمود في وجه العقوبات
يذكرنا دوجان بأن روسيا كانت مستعدة لذلك؛ بوصفها أحد أكبر الاقتصادات في العالم – بإجمالي ناتج محلي يبلغ حوالي 1.8 تريليون دولار – استفاد بوتين من أهم ثروات البلاد، احتياطيات النفط والغاز الطبيعي، بحيث أصبحت دول مثل ألمانيا تعتمد عليها بشدة؛ لكن الأمر لا يقتصر على أن بقية العالم قد وقع في موقفٍ حرجٍ، وفقًا للاقتصادي بجامعة كولومبيا، آدم توز، فقد صيغت الميزانية الروسية قبل الغزو لتحقيق التوازن إذا انخفض سعر النفط إلى 44 دولارًا للبرميل، مما يعني أنه كان قادرًا على جني الكثير من الأموال.
ومنذ عام 2014، عندما واجه بوتين العقوبات الغربية لضم شبه جزيرة القرم، جرى إنتاج المزيد من السلع الروسية محليًّا، وتمت إعادة هيكلة الديون لتسديدها بالعملة المحلية، وفي الفترة التي سبقت الحرب، غادرت روسيا بنفسها فعليًّا من النظام العالمي، بينما تعاونت أكثر مع جيرانها الذين كانوا يمنحونها المال، وبالنظر إلى حجم الدولة وقوتها، فقد جعلت من الصعب على العالم عكس مسارها.
يؤكد دوجان أن العقوبات لها تأثير كبير على الاقتصاد الروسي، إذ تقول إلينا ريباكوفا، نائبة كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي ومقره واشنطن: “سنرى على الأرجح أشد أزمة شهدتها روسيا في التاريخ الحديث”؛ تم حظر البنك المركزي في البلاد من الوصول إلى حساباته الخارجية، مما أدى إلى نقص بمئات المليارات من الدولارات واليورو، كما فُصلت أكبر البنوك الروسية عن نظام سويفت، مما يحد من قدرة الدولة على أداء الوظائف المالية الأساسية؛ ووفقًا لوكالة موديز، غادرت أكثر من 400 شركة عالمية روسيا – بما في ذلك “ماكدونالدز” و”ستاربكس” وحتى “جولدمان ساكس” – مما أدَّى إلى تسريح جماعي للعمال الذي من شأنه أن يضعف الدخل.
تشير ريباكوفا إلى أن العديد من الروس يحاولون مغادرة البلاد، وأن هجرة العقول إلى بلدان أخرى في أوروبا وجنوب شرق آسيا قد يكون له تأثير على المدى الطويل؛ وبالطبع، هناك مطاردة عالمية لكل يخت وشقة فاخرة مملوكة لطبقة الأوليجارشيين الروس، بالإضافة إلى مجموعةٍ أخرى من عمليات حظر التجارة والسفر.
إلى أي حدٍّ تضرر الاقتصاد الروسي؟
لكن الانطباع بأن العقوبات عزلت اقتصاد بوتين عن الأسواق العالمية ليس صحيحًا؛ كما يستدرك دوجان، يقول آدم سميث، الشريك في جيبسون دن الذي ساعد، بصفته مستشارًا كبيرًا سابقًا في وزارة الخزانة الأمريكية، في صياغة عقوبات ضد روسيا في عام 2014: “لم يتم استبعاد روسيا من النظام المالي”، في حين أن الكثير من الدول الاستهلاكية في العالم قد اتحدت معًا ضد روسيا، فإن العديد من أكبر الاقتصادات في العالم – بما في ذلك الصين والهند والبرازيل وإندونيسيا والسعودية – كانت أقل عدوانية، سواءً بالتعاون مع موسكو أو برفض الانضمام إلى العقوبات.
مع وجود أكثر من 250 مصرفًا في روسيا، لم تتم معاقبة الغالبية العظمى منها؛ لذلك، وبحسب الكاتب، هناك بالتأكيد طريقة للانخراط في التجارة الدولية دون استخدام البنوك الكبرى ونظام سويفت، وهذا ما سيفعله الروس، وفقًا لسميث، ويضيف دوجان أنه إذا أردنا أن نرى كيف يقوض الغرب عقوباته بنفسه، فليس علينا النظر إلى أبعد من مبيعات النفط والغاز الروسية، إذ ستتم هذه الصفقات، التي تم التفاوض عليها قبل الحرب، بالدولار واليورو؛ وبينما حاول بوتين في السابق إقناع الدول غير الصديقة بدفع ثمن الطاقة بالروبل، لم يحدث هذا بالفعل.
تشير ريباكوفا إلى أن جميع تلك البنوك غير الخاضعة للعقوبات لا يزال بإمكانها الاحتفاظ بالعملات الأجنبية؛ وهي تعمل بشكلٍ فعالٍ بوصفها مصدرًا بديلًا للدولار واليورو التي حُظر على البنك المركزي الروسي الوصول إليها؛ وتقول: “لقد كانت العقوبات ضربةً قاسيةً لفكرة روسيا المحصنة”. يضيف الكاتب أنه بالنسبة للروس، سيكون من المهم لأغراض الاستقرار المالي تكديس الاحتياطيات الأجنبية.
يشير دوجان في ختام تحليله إلى أنه مع تكيف روسيا مع العقوبات، صعدت الولايات المتحدة عقوباتها المالية، وعزلت أكبر البنوك في البلاد واستهدفت ابنتي بوتين، ومع ذلك، لم يكن لهذا تأثير اقتصادي واسع على سير عمل الدولة؛ يقول سميث: “ إن من يديرون الاقتصاد الروسي هم اقتصاديون محنكون، فهؤلاء ليسوا ضباطًا، إنهم يعرفون ما يفعلونه”، من المتوقع أن تضر العقوبات المختلفة التي لم تطبق بشكلٍ كاملٍ بعد، مثل ضوابط التصدير على أشباه الموصلات ومعدات الكمبيوتر الأخرى، بالاقتصاد الروسي لكن في المستقبل، ويضيف سميث: “بعض العقوبات ليست مصممة فعلًا لإحداث ضررٍ جسيمٍ على الفور، لكنها ستفعل قريبًا”.