الرئيسة \  تقارير  \  مترجم: هل ما زال الحل الدبلوماسي متاحًا في الأزمة الأوكرانية؟

مترجم: هل ما زال الحل الدبلوماسي متاحًا في الأزمة الأوكرانية؟

26.02.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الخميس 24/2/2022
كان من المقرر عقد محادثات بين أنتوني بلينكين، وزير الخارجية الأمريكي، ونظيره الروسي، سيرجي لافروف، في نهاية الأسبوع الجاري، بيد أن بلينكن أعلن أمس إلغاء اللقاء على خلفية اعتراف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، باستقلال دونيتسك ولوغانسك، واعتبارهما جمهوريتين، فما هي فرص الحلول الدبلوماسية التي ضيعتها الإدارة الأمريكية بإلغاء هذا اللقاء؟
وفي مقاله المنشور في مجلة “ريسبونسبل ستيت كرافت” التابعة لمعهد كوينسي لفن الحكم الرشيد، يُقدِّم أناتول ليفين، الباحث البارز في شؤون روسيا وأوروبا، عددًا من مقترحات المسارات الدبلوماسية التي يرى أنه من الضروري أن يسلكها البلدان لتجنب التصعيد العسكري.
المسار الدبلوماسي لا يزال متاحًا
يستهل الكاتب مقاله بالقول إن المسار الدبلوماسي للخروج من هذه الأزمة كان لا يزال ممكنًا، باتفاق أنتوني بلينكين، وزير الخارجية الأمريكي، ونظيره الروسي سيرجي لافروف، على الاجتماع لعقد مزيد من المحادثات هذا الأسبوع، وذلك قبل إعلان بلينكن إلغاء اللقاء، وفي حالة غزو روسيا لأوكرانيا بالفعل قبل عقد مثل هذا الاجتماع، فسيتعين استمرار المفاوضات بين الغرب وروسيا على أسس جديدة، والزمن وحده هو الذي يقرر هل سيكون هذا أكثر نفعًا للغرب أم لروسيا.
بيد أن استمرار المفاوضات هو ما يريده جميع الأطراف، لأجل شيء واحد أعلنته الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بمنتهى الوضوح، وهو عدم نشوب حرب بين الغرب وروسيا. وسيبقى الدبلوماسيون الغربيون موجودين في العاصمة الروسية موسكو وسيبقى الدبلوماسيون الروس موجودين في العاصمة الأمريكية واشنطن وغيرها من العواصم الأوروبية. ولم يكن إجلاء الدبلوماسيين والعسكريين من أوكرانيا إلا لتأكيد تصريحات الغرب بأنهم لن يُدافعوا عن هذه الدولة، ومن نافلة القول أيضًا إنه لم يكن لدى أي من صقور الغرب المتشددين الداعين إلى “دعم” أوكرانيا أي نية واضحة للمخاطرة بحياتهم للدفاع عن هذه الدولة.
ويبرر الكاتب قائلًا إنه في حالة احتلال روسيا لمزيد من الأراضي الأوكرانية، فإن روسيا ستستخدم هذا الغزو للضغط على الغرب لتقديم تنازلات، وسيستخدم الغرب العقوبات الاقتصادية باطراد للضغط على روسيا لتقديم تنازلات. ومع ذلك، سيكون هدف الجانبين هو التوصل إلى اتفاق سياسي في نهاية المطاف، وعلى الرغم من كل التُرَّهات على كلا الجانبين، بحسب تعبير الكاتب، ونَشْر حلف الناتو الرمزي لقواته على حدود روسيا، يبدو أن روسيا والغرب ليس لديهما أي نية لتصعيد النزاع بينهما ومحاربة بعضهم بعضًا.
هدف الولايات المتحدة الأساسي من المحادثات
يستدرك كاتب المقال قائلًا: أما إذا قرر بلينكن عقد اجتماعه مع لافروف قبل غزو روسيا لأوكرانيا، وظلت أي اشتباكات عسكرية مقتصرة على إقليم دونباس، فستبدو كل هذه التحذيرات الغربية بشأن إمكانية شن غزو روسي “وشيك” سخيفة نوعًا ما، وسيتجلى بوضوح أن موسكو لا تزال منفتحة على المقترحات الدبلوماسية لحل هذه الأزمة (وإن كانت بطبيعة الحال مستعدة تمامًا لاستخدام التهديدات العسكرية لمحاولة الحصول على تنازلات غربية أو تحقيق بعض المرونة لدى الغرب).
ومن ناحية أخرى، أعلنت موسكو بوضوح أنها ليست مستعدة لتقبُّل أي عملية تفاوضية تمضي بخطى متثاقلة إلى ما لا نهاية دون تحقيق أي نتيجة، كما كان الحال مثلًا مع عملية دونباس للسلام على مدى السنوات السبع الماضية، ومع “الحوار” الزائف بين حلف الناتو وروسيا. وسيظل الغزو الروسي احتمالًا حقيقيًّا ما لم تتحقق تسوية مع روسيا. وكل أصحاب العقول الحصيفة الرزينة متفقون على أن اندلاع حرب واسعة النطاق في أوكرانيا، مع احتمال حدوث أزمة اقتصادية عالمية، ستكون كارثة للأوكرانيين وستكون تداعياتها سيئة جدًّا على أوروبا والولايات المتحدة والعالم بأسره.
ويشير المقال إلى أن الخبراء الإستراتيجيين الأمريكيين المستنيرين اتفقوا أيضًا على أن اعتماد روسيا الكامل على الصين سيؤثر تأثيرًا سيئًا جدًّا في مصالح الولايات المتحدة. ولذلك، ينبغي أن يكون الهدف الأساسي لسياسات الولايات المتحدة ونهج بلينكين المتَّبع تجاه لافروف خلال اجتماعهما المفترض هو تجنب الغزو الروسي لأوكرانيا دون التضحية بالمصالح والمبادئ الغربية الأساسية.
5 مقترحات أمريكية لحل الأزمة
يؤكد الكاتب ضرورة أن يكون هدف بلينكين وفريق التفاوض الأمريكي خلال أي لقاء قد يعقد مع لافروف هو تجنب اندلاع حرب من خلال الاتفاق على انسحاب القوات الروسية المنتشرة بالقرب من حدود أوكرانيا منذ بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ويُعزز ذلك إصدار الحكومة الروسية بيانًا عامًّا يُفيد سحب تهديدها بالرد “العسكري” على التحركات الغربية. ويجب أن تكون مقترحات الجانب الأمريكي على النحو التالي:
أولًا: إعلان تعليق عضوية أوكرانيا في حلف الناتو لمدة 20 عامًا، مما يتيح الوقت لعقد المفاوضات بشأن إنشاء بنية أمنية جديدة لأوروبا بأسرها، والتي تشمل روسيا، ولا يعد هذا تضحية من الغرب، فحتى أكثر المؤيدين المتحمسين لعضوية أوكرانيا في الناتو لم يعتقد أن هذا أمر ممكن خلال العقدين المقبلين: إن عدم الاستعداد الواضح من جانب الناتو وعدم قدرته على الدفاع عن أوكرانيا يعني أن انضمام أوكرانيا إليه لن يكون ممكنًا أبدًا في حقيقة الأمر.
ثانيًا: التزام الولايات المتحدة بالتصديق على معاهدة القوات المسلحة التقليدية (المعدَّلة) في أوروبا في مقابل التزام روسيا بالعودة إلى شروط تلك المعاهدة. وكان السبب وراء رفض دول حلف الناتو التصديق على المعاهدة هو الوجود المستمر للقوات الروسية في المناطق الانفصالية في جورجيا ومولدوفا. ومع ذلك، فإن هذا الوجود للقوات الروسية لا يُهدد الناتو أو يؤثر فيه بأي شكل من الأشكال، ولهذا السبب، ينبغي التعامل مع هذا الوجود العسكري الروسي بصورة منفصلة على أنه جزء من المفاوضات بشأن حل هذه النزاعات.
يُشدد الكاتب على ضرورة أن يستمر الغرب أيضًا في التغاضي عن وجود قوات حفظ السلام الروسية في إقليم ناجورنو كاراباخ، لأن قوات حفظ السلام تلك تحمي الأرمنيين الذين لديهم رأي مهم في السياسة الداخلية لفرنسا وأمريكا. وفي إطار عودتها إلى معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، تسحب الولايات المتحدة قواتها التي كانت تتمركز في أوروبا الشرقية منذ تسعينيات القرن الماضي، وتسحب روسيا قواتها التي كانت تتمركز على حدود أوكرانيا، بالإضافة إلى سحب القوات الجديدة المتمركزة في منطقة كالينينجراد منذ تسعينيات القرن المنصرم أيضًا.
ويتطرق الكاتب إلى المقترح الثالث، قائلًا: وبِناءً على العرض الذي قدمته إدارة بايدن بالفعل لمناقشة وضع الصواريخ في أوروبا، ينبغي للولايات المتحدة أن تقترح العودة إلى معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى، مع تعزيز الضوابط الرقابية والضمانات لكلا الجانبين، إذا كانت روسيا ستفعل الشيء نفسه، ويجدر التنويه إلى أن انهيار هذه الاتفاقية بدأته الولايات المتحدة بعد انسحابها من معاهدة الصواريخ المضادة للباليستية، وهو الانسحاب الذي عارضه حينئذ عدد من الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو.
أما المقترح الرابع: فيتعين على الولايات المتحدة أن تظهر مدى التزامها الحقيقي والصادق لحل نزاع دونباس على أساس اتفاقية مينسك الثانية، التي جرى التوقيع عليها في عام 2015، وسيتطلب هذا الأمر بيانًا واضحًا بأن الخطوة الأولى في تنفيذ هذه الاتفاقية يجب أن تكون تعديلًا دستوريًّا يقرِّه البرلمان الأوكراني لضمان الحكم الذاتي الكامل والدائم لمنطقة دونباس داخل أوكرانيا؛ ومع ذلك، ستكون هذه الخطوة مقترنة بطبيعة الحال بشرط أن هذا التعديل لن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد تصديق مراقبي الأمم المتحدة على تسريح مليشيات دونباس، وانسحاب “المتطوعين” الروس، وأن تتولى قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة المسؤولية النهائية عن الأمن في المنطقة.
وحتى الآن، وفي الوقت الذي يظهر فيه الولاء الأمريكي المصطنع للاتفاقية، وافقت الولايات المتحدة على الشروط الأوكرانية التي تجعلها مستحيلة في الواقع، وتتغاضى عن تصريحات الوزراء الأوكرانيين التي توضح أن كييف ليس لديها أي نية مطلقًا في الالتزام بشروطها. ويبدو أن الحكم الذاتي لمنطقة دونباس داخل أوكرانيا هو الحل السلمي الوحيد الممكن لهذا الصراع، ومن دونه، ستبقى دونباس سببًا مزمنًا للحرب في المستقبل.
عملية أممية جديدة لحل النزاعات الإقليمية في أوروبا
يُنوِّه الكاتب إلى أن المقترح الخامس والأخير هو ضرورة أن تعلن الولايات المتحدة التزامها تجاه الأمم المتحدة بوصفه أساسًا لاتفاق أشمل بشأن الأمن الأوروبي. ومنذ نهاية الحرب الباردة، قلَّلت التصرفات الأمريكية الأحادية بصورة خطيرة من قيمة المؤسسة الوحيدة التي تحتفظ بدرجة من الشرعية العالمية الحقيقية، والتي تُمثَّل فيها الدول الغربية الرئيسة وروسيا والصين على قدم المساواة.
وينبغي لبلينكين أن يقترح على لافروف بدء عملية جديدة للأمم المتحدة تهدف إلى حل جميع النزاعات الإقليمية الراهنة في أوروبا والتي طال أمدها دون التوصُّل إلى حل (ومن بينها النزاعات القائمة في منطقة البلقان) على أساس معايير موحدة للديمقراطية المحلية.
ويضيف الكاتب أنه سيتعين على روسيا، نتيجةً لهذه العملية الأممية، في نهاية المطاف الاعتراف باستقلال كوسوفو، وسينبغي للغرب الاعتراف باستقلال منطقة أبخازيا وجمهورية أوسيتيا الجنوبية، بالإضافة إلى ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ومع ذلك، يمكن حل أزمة دونباس وجمهورية بريدنيستروفيا المولدوفية على أساس الحكم الذاتي داخل أوكرانيا ومولدوفا، وإذا فعل الجانبان ذلك، فلن يضحي أي منهما بأي شيء جوهري، إذ يُعد احتلال صربيا لكوسوفو من جديد غير ممكن، كما أنه لا يُمكن أن تستعيد أوكرانيا وجورجيا أراضيهما المفقودة من روسيا.
ويختم الكاتب مقاله بتأكيد أنه من دون شك، سيقول بعض الناس إن أي مقترح يتماشى مع هذه الخطوط يُعد “أمرًا مستحيلًا من الناحية السياسية” لإدارة بايدن، ومجددًا، مُذكِّرًا بأن اتفاق الولايات المتحدة مع الصين كان “مستحيلًا” من وجهة نظر أمريكية في ستينيات القرن الماضي، حتى تبين أنه ممكن بعد كل شيء بسبب مبادرة شجاعة قدمها الرئيس الأمريكي السابق، ريتشارد نيكسون، ووزير الخارجية الأمريكي، هنري كيسنجر. ومن الواضح أن مهمة رجال الدولة المسؤولين هي جعل ما هو ضروري ممكنًا، ويجب أن تكون الأزمات الدولية الكبيرة هي الحافز لمثل هذه الحنكة السياسية، وإذا لم يكن الآن، فمتى؟