الرئيسة \  تقارير  \  مترجم: هل يستطيع الشرق الأوسط تجنُّب كارثة المناخ القادمة؟

مترجم: هل يستطيع الشرق الأوسط تجنُّب كارثة المناخ القادمة؟

07.06.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاثنين 6-6-2022
نشرت مجلة ناشيونال إنتريست الأمريكية مقالًا لآدم لامون، المحرر التنفيذي للمجلة والباحث في دراسات الشرق الأوسط في مركز المصلحة الوطنية، حول مستقبل الشرق الأوسط في خضم أزمة المناخ المقبلة، وما يتوقعه من حدوث ارتفاع في مستوى البحر قد يؤدي إلى غرق ليس مدينة الإسكندرية وحدها، بل مساحات كبيرة من الدلتا في مصر، ومعاناة دول المنطقة من الجفاف الشديد الذي قد يدفع السكان إلى الهجرة منها.
ويستهل لامون مقاله بالتأكيد على أن الشرق الأوسط يعاني من مشكلة مناخية حادة. ووفقًا لتقرير حديث لصندوق النقد الدولي ارتفع متوسط ​​درجة الحرارة في المنطقة بمقدار 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت) منذ عام 1990، وهو أكثر من ضعف المتوسط ​​العالمي.
ويضيف الكاتب: علاوةً على ذلك تمثل البلدان هناك وفي آسيا الوسطى ما يقرب من نصف الدول الخمسين الأكثر عرضة “لظواهر الحرارة الشديدة” (فترات ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة). ومن المتوقع حدوث زيادات أخرى في درجات الحرارة، مع ما يترتب على ذلك من عواقب اقتصادية وبيئية واجتماعية ضارة بالمنطقة.
على سبيل المثال في عام 2019 دقَّت الأمم المتحدة ناقوس الخطر بشأن حقبة قادمة من “الفصل العنصري المناخي”، حيث تهدد درجات الحرارة القصوى وموجات الحر المطولة بـ”ضياع الخمسين عامًا الماضية من التنمية والصحة العالمية والحد من الفقر في العالم”، وتؤدي إلى إفقار الملايين. وسيكون هذا الواقع الجديد ذا أهمية خاصة لمنطقة الشرق الأوسط، التي تكافح بالفعل لمعالجة نقص الكهرباء، وعدم المساواة الاقتصادية، والأضرار البشرية التي زادت منها موجات الحر الطويلة مع درجات حرارة قياسية.
ومن المحتمل أن يكون لهذه الآلام تأثير اقتصادي واضح، حسبما أفاد صندوق النقد الدولي: “حتى في سيناريو الانبعاثات المعتدلة (مسارات التركيز التمثيلية 4.5) الذي يُحِد من الاحترار العالمي إلى 2-3 (درجات مئوية) بحلول عام 2100، والتكاليف المرتبطة بالوفيات (تكلفة الوفيات والتكيفات في المجتمع).. يمكن أن يصل هذا التأثير الاقتصادي إلى متوسط ​​1.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي سنويًّا خلال المدة من عام 2040 إلى عام 2059.
وسيكون الوضع أكثر كآبة بالنظر إلى أشد دول المنطقة حرارة – مثل البحرين، وجيبوتي، وموريتانيا، وقطر، والإمارات العربية المتحدة. يقول صندوق النقد الدولي إن هذه الدول يمكن أن تشهد “انخفاضًا فوريًّا في النمو الاقتصادي للفرد بحوالي نقطتين مئويتين” لكل “زيادة في درجة الحرارة بمقدار درجة واحدة مئوية”.
المناخ وارتفاع درجات الحرارة
ويمضي الكاتب إلى أن الأمر لا يتوقف عند حد ارتفاع درجات الحرارة فحسب، ولكن أيضًا انخفاض معدلات هطول الأمطار هو الذي يفاقم التحديات التي تواجه المنطقة. وفي الواقع يؤدي انخفاض معدلات هطول الأمطار السنوية إلى تفاقم أزمة المياه في الشرق الأوسط، والتي تُعد واحدة من أسوأ أزمات المياه في العالم بسبب المناخ الجاف في المنطقة، وبسبب سنوات من سوء إدارة الحكومات لمواردها المائية، ودعم الزراعة، وتربية الحيوانات كثيفة الاستهلاك للمياه.
كما سيمثل التكيف مع حالة الطوارئ المناخية المقبلة عبئًا ثقيلًا على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي منطقة تستخدم في المتوسط​​ أكثر من أربعة أضعاف مواردها من المياه العذبة المتاحة، وهي موطن لـ12 دولة من أصل 17 دولة هي الأكثر معاناةً من الإجهاد المائي في العالم.
وفي واقع الأمر نجد أن بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا معرضة لأكثر من مشكلة هطول الأمطار: في المتوسط تتلقى هذه البلدان أكثر من نصف إجمالي مواردها المائية المتجددة (أي الأنهار) من مصادر خارج حدودها. إن تحذير صندوق النقد الدولي من أن هذه التبعية الخارجية “يزيد من مخاطر النزاعات الإقليمية بشأن المياه وتدفقات اللاجئين” ليس أمرًا نظريًّا.
ويضيف الكاتب: في الواقع لقد رأينا بالفعل مصر تهدد بعمل عسكري لوقف مشروعات الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا لمنعها من الحد من إمدادات المياه في اتجاه مجرى النيل – والذي يوفر 97٪ من موارد المياه المتجددة في مصر. وبالمثل أدَّت الخلافات حول “السياسة المائية” إلى زيادة خطر نشوب صراعات بين دول مثل إسرائيل، وفلسطين، وإيران، وأفغانستان، وسوريا، والعراق، وتركيا، والهند، وباكستان.
كما جرى تسليح المياه والبنية التحتية المرتبطة بها، واستهدافها في الحرب الأهلية السورية، وحرب العراق، والحرب في اليمن من جانب القوى الفاعلة من الدول أو غير الدول على حد سواء. وعلاوةً على ذلك يمكن أن يؤدي تزايد احتمالية حدوث الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة، إلى اندلاع انتفاضات عنيفة، وعمليات انتقامية.
ويستدل الكاتب بمثال على ما سبق ذكره: رأينا في حالات الجفاف غير المسبوقة التي أدَّت إلى الأحداث الزلزالية مثل الربيع العربي عام 2010، والحرب الأهلية السورية عام 2011، والاحتجاجات التي عصفت بإيران عام 2021. وفي حين أن المياه ليست دائمًا السبب الرئيس لعدم الاستقرار والحرب، إلا أنها أصبحت على نحو متزايد جزءًا من المنافسة والصراع في هذه المنطقة الجافة.
الأطفال ومناطق الإجهاد المائي
ويوضح الكاتب أنه عند تحليل هذه الاتجاهات إلى جانب نمو سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (الذي من المتوقع أن يتضاعف بحلول عام 2050)، يصبح من الصعب المبالغة في تقدير مدى خطورة الموقف. واليوم أكثر من 60٪ من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يحصلون على القليل من المياه الصالحة للشرب، أو لا يحصلون عليها على الإطلاق.
ووفقًا لتقرير عام 2020 الصادر عن صندوق الطوارئ الدولي للأطفال التابع للأمم المتحدة، يعاني ما يقرب من تسعة من كل 10 أطفال من عواقب صحية وغذائية؛ لأنهم يعيشون في مناطق “إجهاد مائي مرتفع أو مرتفع للغاية”.
ونتيجةً لذلك في سيناريو العمل كالمعتاد من المرجَّح أن نرى هذه الاتجاهات تدفع المهاجرين الاقتصاديين، والمناخيين، واللاجئين للفرار من المنطقة؛ مما يقوض استقرار المنطقة وآفاقها الاقتصادية على نحو أكبر. وسيصبح هذا أكثر وضوحًا في أعقاب الكوارث المناخية الأكثر تكرارًا وشدة، مثل الفيضانات والجفاف.
ويضيف الكاتب: وفقًا لصندوق النقد الدولي كل عام منذ عام 2000 قتلت الكوارث المناخية أكثر من 2600 شخص، وأثَّرت على 7 ملايين آخرين، وكَّلفت 2 مليار دولار من الأضرار المباشرة – مما قلَّل النمو الاقتصادي الإقليمي بنسبة 1-2٪ للفرد – في الشرق شرق ووسط آسيا. وسيؤدي ارتفاع درجات الحرارة، وعدم انتظام هطول الأمطار، وارتفاع مستوى سطح البحر، إلى تفاقم هذه الكوارث، وتكرار حدوثها بمرور الوقت. وتشير التوقعات إلى أن مساحات شاسعة من مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المأهولة حاليًا قد تكون غير صالحة للسكنى قبل نهاية القرن.
الخطر على الإسكندرية والدلتا
ويختار الكاتب مدينة مصرية ليضرب بها المثل؛ حيث تقدم مدينة الإسكندرية الساحلية في مصر رؤية واقعية لمستقبل المنطقة. إنها المدينة التي يسكنها 5 ملايين نسمة، وتضم 40٪ من الطاقة الصناعية المصرية، والإسكندرية محاطة بالبحر الأبيض المتوسط ​​من ثلاث جهات. وكما ذكرت وكالة أسوشييتد برس عام 2019 تهدد مياه المد الأحياء الفقيرة في المدينة، وتؤدي إلى تآكل شواطئها المليئة بالسياح.
وأفاد المسؤولون المصريون أن مستوى سطح البحر يرتفع حاليًا بمقدار 3.2 ملم سنويًّا، وهو أسرع بنسبة 52٪ مما كان عليه قبل عام 2012، وأسرع بنسبة 77٪ عما كان عليه منذ عام 1993. وقد حذَّرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة من أن البحار العالمية قد ترتفع بمقدار واحد إلى ثلاثة أقدام بحلول عام 2100. وإذا تحققت أسوأ هذه التوقعات، فلن تغمر مياه البحر الإسكندرية وحدها، كما كتب جيفري كيمب وآخرون عام 2018، يمكن أن تصبح أكثر من 60٪ من دلتا نهر النيل، حيث يعيش حوالي ربع المصريين، مجدبة بسبب تغطية المياه المالحة لها.
وسيكون 20٪ أخرى من الدلتا مغمورة بالكامل. وتشير تقارير رويترز إلى أن الفيضانات في دلتا النيل، والتي تُعرف بأنها سلة الخبز في البلاد، يمكن أن تقلل إنتاج الأرز والقمح بنسبة 11 و15٪ على الترتيب بحلول عام 2050. ولا يوجد كثير مما تستطيع الحكومة المصرية فعله باستثناء القيام بخطط التخفيف المكلِّفة التي تسعى إلى إقامة حواجز مادية لمنع ارتفاع مستوى البحار.
ويشير الكاتب إلى أنه في حين أن تحديات مصر الخاصة فريدة من نوعها، إلا أن الظروف التي يجب أن تتعامل معها القاهرة والحلول التي يجب أن تتبناها ليست كذلك. ومن المؤكد أن الحكومات الإقليمية والمجتمع الدولي على حد سواء يجب أن يستثمروا بقوة في إستراتيجيات التخفيف والتكيف لتجنيب الملايين من الناس في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذين يعيشون في المناطق الساحلية المنخفضة، أسوأ آثار تغير المناخ.
ويضيف الكاتب: تدرك القاهرة ذلك وفي عام 2020، أصبحت مصر أول دولة في الشرق الأوسط تصدر سندات خضراء سيادية لتحفيز الاستثمار في مشروعات مستدامة بيئيًّا (والتي توسَّعت فيها بعد أن تجاوز الاكتتاب في السند سبعة أضعاف ثمنه). ويمكن للمبادرات الحكومية المماثلة التي تحفز الاستثمارات المستدامة بيئيًّا أن تكون بمثابة نموذج وإشارة للدول الأخرى والممولين من القطاع الخاص على حد سواء. وعلاوةً على ذلك فإنه يشير إلى أنه في حين أن تكاليف إصلاحات التخفيف والتكيف ستكون مرتفعة، يمكن تسويق هذا التحول باعتباره فرصة اقتصادية للمنطقة. وقد يكون هذا هو أفضل طريق للمضي قدمًا، لأن تكلفة التقاعس عن العمل ستكون بلا حدود، بحسب ما يختم الكاتب.