الرئيسة \  تقارير  \  مترجم: هل يعود شبح الحرب الأهلية في البوسنة؟

مترجم: هل يعود شبح الحرب الأهلية في البوسنة؟

15.12.2021
ساسة بوست


ساسة بوست
الثلاثاء 14/12/2021
في مقالٍ نشره موقع مركز “مجلس العلاقات الخارجية” للأبحاث، سلَّط تشارلز كوبشان، أحد كبار الباحثين في المجلس وأستاذ الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون، الضوء على المخاوف المثارة بشأن حل اتحاد البوسنة بسبب الخطاب الانفصالي الذي يصدر بصورة متزايدة عن كبار قادة صرب البوسنة، موضحًا أن هذا الخطاب يُعد جزءًا من موجة قومية تنتشر عبر منطقة البلقان، ويُهدد بعودة الصراعات العِرقية فيها.
ما هو وضع البوسنة في الوقت الراهن؟
استهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى أنه في وسط التفكك الدموي الذي عَمَّ يوغوسلافيا نجحت اتفاقية دايتون في إحلال السلام في البوسنة عام 1995، لكن الاتفاقية وضعت أيضًا إطارًا لكيان سياسي غير عملي: دولة واحدة تتكون من جمهورية صربسكا، التي يهيمن عليها الصرب (المسيحيون الأرثوذكس)، واتحاد البوسنة والهرسك، التي يقطنها البوشناق (المسلمون) والكروات (الكاثوليك) بصورة أساسية، ويتكون مجلس الرئاسة الثلاثية للبوسنة من ثلاثة أشخاص يكون أحدهم ممثلًا عن الصرب والثاني عن البوسنيين، بينما يُمثل العضو الثالث الكرواتيين. وكانت اتفاقيات دايتون قد أسهمت في إنشاء مؤسسات للحكم استمرت فيها السياسات والمحسوبية في العمل بصفة أساسية على أسس طائفية وعِرقية.
وأشار الكاتب إلى أن ميلوراد دوديك، زعيم جمهورية صرب البوسنة، وعضو في مجلس رئاسة البوسنة والهرسك، كثَّف وتيرة حديثه في الآونة الأخيرة عن الانسحاب من المؤسسات العسكرية، والاستخباراتية، والقضائية، ومؤسسات تحصيل الضريبة في البوسنة؛ وهو مما يُهدد بالانفصال بصورة فعَّالة. ولم يكن دوديك اللاعب الوحيد في البلقان الذي لجأ إلى اللعب بورقة القومية مؤخرًا؛ إذ ضاعفت صربيا من إنفاقها الدفاعي، وعرض قوتها العسكرية من خلال التدريبات المنتظمة والاستعراض العلني لقوتها النارية، في ظل دعوات يطلقها ألكسندر فولين، وزير داخلية صربيا، لـ”توحيد الصرب أينما كانوا”.
ويوضح الكاتب أن صربيا تواصل رفض الاعتراف باستقلال كوسوفو، الدولة ذات الغالبية الألبانية والمسلمة التي أعلنت استقلالها عن صربيا في عام 2008 بعد تدخل قوات منظمة “حلف شمال الأطلسي (الناتو)” عام 1999 لوضع حد للصراعات العِرقية.
وأصبحت العلاقات بين بلجراد وبريشتينا في مسار تراجعي. والأكثر من ذلك تعرقل بلغاريا استئناف محادثات انضمام مقدونيا الشمالية إلى الاتحاد الأوروبي تحت زعم أن العاصمة المقدونية سكوبيه تستولي على التراث البلغاري وعدم الاعتراف بالعلاقات اللغوية والثقافية والتاريخية بين البلدين.
ما السبب وراء تصاعد المشاعر ذات النزعة القومية في المنطقة؟
يلفت المقال إلى أن هناك عدة عوامل أسهمت في تصاعد حدة هذه المواقف ذات النزعة القومية. وكانت منطقة البلقان قد تعرضت لضربات شديدة بسبب جائحة كوفيد-19؛ مما أسفر عن تراجع اقتصادي حاد وانتكاسة سياسية، ويلجأ السياسيون، الذين يتطلعون إلى تعزيز ثرواتهم، بصفة منتظمة إلى قرع طبول النعرات القومية في هذه المنطقة التي لم تزل حافلة بالتوترات الطائفية والعِرقية.
وصعَّدت روسيا من تدخلها الدبلوماسي، وتواصلت مع إخوانها في الدين من السلافيين والأرثوذكس لاستغلال الانقسامات السياسية العميقة وتفاقمها، وكلما زادت المشكلات التي يمكن أن تثيرها موسكو في البلقان، زادت قدرتها على إبطاء اندماج المنطقة في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
وفي الوقت نفسه يشعر قادة البلقان والناخبون بالإحباط مما يرون أنه عدم اهتمام من الغرب بشؤونهم. وكان الاتحاد الأوروبي بطيئًا في تقاسم اللقاحات المضادة لكوفيد-19 مع الدول المجاورة التي لم تنضم بعد إلى كتلة الاتحاد الأوروبي، وتعثرت سياسة الاتحاد الأوروبي للتوسع. وفي أعقاب قمة الاتحاد الأوروبي وغرب البلقان التي انعقدت في أكتوبر (تشرين الأول)، أصدر زعماء ألبانيا ومقدونيا الشمالية وصربيا بيانًا مشتركًا، يشتكون فيه من أن “سياسة الاتحاد الأوروبي للتمدد والتوسع لم تزل نشطة من الناحية النظرية، لكن من الناحية العملية هناك تزايد في خيبة الأمل بين مواطني المنطقة مع رؤى الاتحاد الأوروبي للسياسات.
وبالإضافة إلى ذلك تحملت المنطقة تكاليفَ جسيمة بسبب التباطؤ في منظور الاتحاد الأوروبي”. ووضعت الولايات المتحدة المنطقة في مأزق مع تركيز اهتمامها الدبلوماسي والعسكري على الشرق الأوسط والمحيط الهندي والمحيط الهادئ. وفي الوقت نفسه وسَّعت الصين من دائرة نفوذها الاقتصادي والسياسي في البلقان؛ مما زاد من إضعاف التوجه الأطلسي للمنطقة.
ما احتمال اندلاع موجة جديدة من العنف العِرقي أو الطائفي؟
يُجيب الكاتب موضحًا أن البلقان ليست على وشك اندلاع جولة أخرى من الحروب القائمة على العِرقيات. وكانت المنطقة قد أحرزت كثيرًا من التقدم الهادئ منذ التفكك الدموي الذي شهده الاتحاد اليوغوسلافي (البوسنة والهرسك، كرواتيا، الجبل الأسود، مقدونيا الشمالية، صربيا، سلوفينيا) في تسعينات القرن الماضي. وأصبحت كرواتيا وسلوفينيا أعضاءً في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
وفي عام 2019 تمكنت مقدونيا الشمالية أخيرًا من تسوية منازعاتها مع اليونان، وانضمت منذ ذلك الحين إلى حلف شمال الأطلسي، سيرًا على خطا الدول المجاورة مثل ألبانيا، وبلغاريا، والجبل الأسود. وصحيح أن صربيا وكوسوفو ما زالتا على خلاف، لكنهما أبرما اتفاقًا في العام الماضي، بوساطة من الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب، لتطبيع علاقاتهما الاقتصادية، والتي كانت تشهد تقطعًا وتذبذبًا بين الحين والآخر، لكن الاتفاقية كانت بمثابة خطوة إلى الأمام.
غير أن ما شهدته المنطقة مؤخرًا من زيادة في مناورات النعرات القومية سيتسبب في عرقلة هذا الزخم الموجود من أن يمضي قدمًا. وتعد الإيماءات الانفصالية الصادرة عن دوديك بالغة الخطورة، ويمكن أن تؤدي خطوات جمهورية صرب البوسنة الانفصالية إلى اندلاع أعمال عنف جديدة لإراقة الدماء التي ستنتشر حتى تصل إلى ما هو أبعد من البوسنة، في حين أن آخر ما تحتاجه المنطقة هو اندلاع جولة جديدة من الصراعات العِرقية. كما سيكون لإخماد حرائق جديدة في البلقان أفاقًا عصيبة على حلفاء الناتو، لا سيما أن أوروبا والولايات المتحدة منشغلون تمامًا بروسيا والصين ولا يتطلعون إلى تحمل التزامات عسكرية جديدة في أطراف أوروبا.
كيف تتعامل أمريكا والاتحاد الأوروبي في هذا الشأن؟
يُشدد كاتب المقال على ضرورة تعاون الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لبذل جهود دبلوماسية هائلة في البلقان. ويبدو أن إدارة بايدن الأمريكية تسير في الاتجاه الصحيح عن طريق تعيينها فريقًا من الدبلوماسيين المخضرمين من الطراز الأول للتعامل مع المنطقة. أما جمهورية صرب البوسنة، فقد تكون معاقبة دوديك وعزله ودائرته المقربة غير كافية. وتجاوز الكيان السياسي الذي شكَّلته اتفاقيات دايتون تاريخ انتهاء صلاحيته، وصحيح أن هذا الكيان السياسي وضع حدًّا للحرب الأهلية البوسنية، لكنه جمَّد أيضًا الانقسامات الطائفية في مكانها.
ويختتم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن الوقت قد حان لكي تُوجِّه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي البوسنة صوب إبرام اتفاقية دستورية يجري التوصل إليها نوعًا ما عن طريق مفاوضات تهدف إلى إنشاء كيانات سياسية في البلاد يُمكنها الصمود أمام التوترات العِرقية ذات النزعة القومية، التي يجب أن تتركها المنطقة وراءها نهائيًّا، والتغلب عليها في نهاية المطاف. كما يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يعطوا الأولوية القصوى لتطبيع العلاقات بين صربيا وكوسوفو.
وتستعد منطقة شبه جزيرة البلقان بأسرها للانضمام عاجلًا أو آجلًا إلى مؤسسات منظمة حلف شمال الأطلسي. وبالنظر إلى نزعة المنطقة للصراعات العِرقية سيكون انضمام المنطقة عاجلًا أفضل بكثير من أن يكون آجلًا. ومع الطفرة الأخيرة في احترافية الألاعيب القومية، تُعد اللحظة الراهنة مناسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لكي يعطوا دفعة أخيرة لإنجاز هذه المهمة.