الرئيسة \  واحة اللقاء  \  متى سيقف المعارضون "العلويون" مع أبناء طائفتهم؟

متى سيقف المعارضون "العلويون" مع أبناء طائفتهم؟

11.05.2015
عارف حمزة



المستقبل
الاحد 10-5-2015
تأتي الأخبار النفسيّة السيّئة من الساحل السوري، حيث الخزّان البشريّ "للطائفة العلويّة"، ومن الأحياء الموالية في حمص ودمشق وأرياف إدلب وحلب وحماة، حيث يتواجد أبناء تلك الطائفة في "كانتونات" تبدو أكثر "عنصريّة"، من حيث "النقاء"، من مناطق الساحل التي استقبلت لاجئين من مختلف الطوائف. تلك الأخبار التي كانت في العادة تسبق نعوش الجنود وميليشيات الدفاع الوطنيّ وتتكثّف أكثر مع تشييع تلك النعوش.
في حادثة تفجير مستشفى جسر الشغور، الذي تحصّن فيه عشرات من جنود النظام السوري، ولم يكن كلّهم من أبناء الطائفة العلويّة، بدا أن الرعب يسكن بيوت وأحياء وقرى ومدن تلك الطائفة؛ في أنّ مصيراً دمويّاً يسير نحوهم، وسيصل إليهم لا محالة مهما طال الزمن.
لم يستسلم جنود النظام في مشفى جسر الشغور، بعد انسحاب كلّ قوّات النظام من هناك، خوفاً من الذلّ التلفزيوني لهم ولعائلاتهم كأسرى لم يُقاتلوا حتى آخر رصاصة، ولفكرتهم الشخصيّة بأنّه سيتمّ تصفيتهم جسديّاً عل يد المقاتلين في الطرف الآخر. ويبدو أنّ "جيش الفتح" لم يكن ينتظر منهم الاستسلام؛ بل أراد توجيه رسالة عنيفة ليس للنظام السوري وحده، بل لكل أبناء الطائفة العلويّة بصغارها وكبارها وبنسائها قبل رجالها وشبابها الذين ماتوا بعشرات الآلاف منذ بداية الثورة السوريّة في آذار من عام 2011. هذه الرسالة التي صاغت "الشائعات" التي تواترت بطريقة متسارعة لدرجة جعلت دولة مثل لبنان تتأهّب لاستقبال دفعات ضخمة من العائلات، التي لم تأت إليه لحدّ كتابة هذه السطور.
الشائعات تمثّلت أيضاً بأخبار تتحدّث عن أنّ عائلات الضباط والجنود المتواجدة في دمشق باتت تمرّ على الحواجز المحيطة بالعاصمة في شاحنات عسكريّة تنقل الأثاث وأفراد تلك العائلات متّجهة، في موجة نزوح اختياريّة أو استباقيّة، نحو محافظة طرطوس الساحليّة.
هذه الشائعات جعلت مواقع التواصل الاجتماعيّ تضجّ بما بات يُعرف بـ "تطمينات" لأبناء الطائفة العلويّة، ولكن ليس لتطمينها؛ بل للاستهزاء بالتطمينات نفسها، وبنشر بيانات الوعيد والمحاسبة، وبأنّ "العدالة العمياء" آتية. وبالتأكيد فإن استخدامهم لمصطلح "العدالة العمياء" ليس من باب الحياد القضائي بالنسبة لمراتب وخصوصيّة "المتّهمين"؛ بقدر ما استخدموها بأنّها ستشمل كلّ المتهمين بإراقة الدم السوري منذ أكثر من أربع سنوات.
ولأنّ النظام الديكتاتوريّ نجح في تحويل الثورة السوريّة، لدى الرأي العام الخارجيّ على الأقل، إلى حرب أهليّة بين الأكثريّة "السنّية الإرهابيّة" والأقليّات الأخرى، ومنها الأقليّة العلويّة، فإنّ استخدام مصطلح العدالة العمياء بدا كأنه سيطال فقط أبناء تلك الطائفة "الحاكمة" منذ عشرات السنين. ليس هذا فحسب؛ بل بدا أنّه سيطال حتى أطفالهم!
ليس الأمر بحاجة إلى براهين في أنّ الطائفة العلويّة هي التي كانت تحكم البلد في سنوات الاستبداد والفساد المتراكمة. وسيكون من السهل القول بأنّ شركاءهم من الطوائف الأخرى لم يكونوا سوى مظهر تجميلي للمنظومة السياسيّة المنهارة، منذ عشرات السنين، في سوريّا. وبأنّ أولئك الشركاء يمكن استبعادهم وتبديلهم في كلّ وقت. ولكن أيضاً من الصحّة القول بأنّ الحاكمين لسوريا كانوا مجموعة من المتشابهين في صفات الإجرام واللصوصيّة والفساد واللا وطنيّة في النهاية؛ وهذا بالضبط ما يجعلها متفانية في حرق البلد من أجل شخص واحد هو بشار الأسد
لم يعد من المنطقيّ القول بأنّ هناك عشرات الشركاء فقط لهذا النظام. بل لم يعد من المنطقيّ تعداد أسماء وزراء وضباط ومحافظين ومدراء عامين وجلادي سجون وقضاة وسائقي حافلات عامة... الخ ولن يكون المفتي أحمد بدر حسّون، الذي جاهر بقتل كل سكان المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضين للنظام، سوى الوجه الناعم في السلم، والحقيقيّ في الحرب التي يشنها وليّ نعمتهم، أو رئيس عصابتهم.
هؤلاء الحاكمون لم يكونوا سورييّن في يوم ما. ولم تكن تجمعهم سوى طائفة واحدة يمكن إطلاق أيّ من الأسماء البشعة عليهم؛ كطائفة القتلة، الإرهابييّن، المجرمين... وقاموا بتربية أجيال سوف لن يكون عاراً بالنسبة لهم قتل الأبرياء والتنكيل بجثثهم وحرق البلد والسجود لشخص من أجل تقبيل "بوطه" العسكريّ. ولن يعنيهم التفكير ببلد اسمه سوريا مثلاً.
من جهة أخرى لن يكون الأمر بحاجة لبراهين أيضاً في وجود معارضين من الطائفة العلويّة، سواء في المعارضة "الرسميّة" (إذا جاز التعبير)، أو في الحياة العامة بشكل عام. فهناك الكثيرون منهم ممن تمّ استبعادهم من الوظائف العامة، وحتى من المنتخبات الرياضيّة والمنابر الثقافيّة والإعلاميّة، وتمّ زج الكثير منهم في السجون أيضاً، أو وضعهم تحت المراقبة والإقامة الجبريّة، لأنّه لا أمل مستقبليّ فيهم في أن "يحرقوا البلد من أجل الأسد".
كثير من هؤلاء أخلصوا للثورة منذ انطلاقتها وحتى الآن. لدرجة أنّ كثيراً منهم أيضاً "أساؤوا" لأبناء طائفتهم في طريقهم بفضح النظام والوقوف إلى جانب الشعب الذي أراد التخلّص من الاستبداد. قد تبدو جملة "أساؤوا" ثقيلة جداً على أولئك المعارضين من الطائفة العلويّة. ولكن خرج الأمر عن مصطلح جلد الذات، في أن الطائفة الحاكمة والمتحكّمة، في مصير وأقدار وثروات البلد وأبنائه، هي طائفتهم وأبناء طائفتهم، إلى جلد الآخر أو الآخرين، أي غيرهم من أبناء الطائفة نفسها.
عند اندلاع الشائعات، في حادثة التطمينات والسخرية منها، ارتفعت أصوات المعارضين من الطائفة العلويّة أيضاً في السخرية من المصير الذي قد يكون دموياً في حق أبناء طائفتهم، وبالتالي في حق جزء من أبناء شعبهم، بغضّ النظر عن كثير من أبناء الطوائف الأخرى، السنّية منها خصوصاً، الذين أظهروا جهوزيّة كاملة في رفع سيف العدالة العمياء وفق نهجهم الوحشيّ.
هناك صديقة علويّة حصلت أخيراً على كمية جيّدة من مادة "الزرنيخ" لها ولطفليها الصغيرين كي تتصرّف بحكمة الأمّ "قبل أن نصل نحن السّنة إلى بيتهم الذي في الحيّ الموالي للنظام". وهناك أصدقاء علويّون، في اللاذقية وحمص وطرطوس، ترتجف حبالهم الصوتيّة بمجرّد أن نسألهم عن أحوالهم هذه الأيام. ويظلون يسألوننا عن الآتي في الأيام المقبلة وكأننا أمراء الحرب الذين نملك تلك القرارات الغامضة لحدّ الآن. كما أنّ هناك عشرات الحالات التي تمّ فيها شتم "العلوييّن" ونعتهم بالقتلة من قبل ناشطي إغاثة أمام ناشطي إغاثة من الطائفة العلويّة، ليتفاجأ الشاتمون بأنّ أصدقاءهم من تلك الطائفة.
ليس من المبرّر إشاعة الفرح بسبب مقتل عشرات الأطفال في التفجيرين الشهيرين أمام مدارس حي عكرمة، الموالي للنظام، في حمص، لمجرّد أن أولئك الأطفال كانوا يرددون أناشيد تمجّد قائد الوطن، وبأنّهم سيكبرون ويتطوّعون لقتل الآخرين كما يتم تربية "أبناء الشهداء" في مدارسهم الحربيّة والطائفيّة. هذه وحشيّة أيضاً شئنا تعريف ذلك أم أبينا.
من السهل على هذا النظام أن يتخلّى عن أشخاص وعائلات، وحتى عن مدن وعن شعب، من أجل أن يبقى. والشواهد على ذلك كثيرة حتى قبل اندلاع الثورة السوريّة. وحتى الموالين للنظام لا يستبعدون أن يقوم النظام باستخدام الأسلحة الكيميائيّة لضرب المناطق الموالية له كي يقول للعالم بأنّ "الإرهابييّن" يريدون إبادة العلوييّن، كما فعل النظام في المناطق الأخرى.
هذه المخاوف، من أبناء الطائفة العلويّة، هي مخاوف جدّية ولا يمكن السخرية منها بأيّ حال. وهي تستدعي وقوف المعارضين من الطائفة نفسها، على الأقل، مع أبناء طائفتهم في هذا الوقت بالذات، ليس لأنّ النظام قد يتخلّى عنهم في هذا الوقت. وليس لأنّ المعارضة لا تملك جيشاً يستطيع حماية الأبرياء لحين وصول جحافل العدالة العمياء، بل لأنّ الحق يقول ذلك على الأقل.