الرئيسة \  واحة اللقاء  \  متى يحين الوقت لضرب الإرهاب في مصادره؟

متى يحين الوقت لضرب الإرهاب في مصادره؟

31.05.2017
عبدالوهاب بدرخان


الاتحاد
الثلاثاء 30/5/2017
يطرح توقيت العمليات الإرهابية أحياناً أسئلة كهذه: هل هناك علاقة بين قتل الأقباط في المنيا و"تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي"؟ وهل من علاقة بين عملية التفجير في مانشستر وذلك "التحالف"؟ بالطبع لا يحتاج تنظيم "داعش" أو ما يماثله من عصابات القتل إلى مناسبة فهو يمارس جرائمه من دون سبب ولا مبرّر، أما الجهات التي تحركه فتحتاج إلى مقتلة لإيصال "رسالة" إلى من يهمّه الأمر، فحواها أن "هذا هو ردّنا على التحالفات التي تستهدفنا". ومع أن الرسالة تحمل توقيع "داعش"، إلا أن علاقته بها وبالعمليّات المنفّذة قد تكون في إطار تبادل الخدمات بينه وبين مَن يقدّم إليه تسهيلات، وخصوصاً أنه أصبح عنواناً صالحاً للاستعمال في الأعمال القذرة والمثيرة في آن.
لا تبرئة للتنظيم، فهو الفاعل، وهو الذي ابتكر أساليب للأدلجة والتجنيد والتواصل مع عناصره لإبلاغهم الأوامر وتسليمهم أدوات القتل. ومن الواضح أن لديه شبكات لرصد الأماكن المرشحة للاختراق كقاعة "مانشستر آرينا" أو لتنفيذ هجمات سهلة كما في المنيا. الصدمة في الأولى جاءت من الابتعاد عن العاصمة لندن حيث شدّدت المراقبة بعد عمليات الدهس والطعن، وجاءت أيضاً من استهداف حشد شبابي في حفلة موسيقية، وبعدما اعترفت الشرطة بأنها تعرف الفاعل الليبي ما لبثت أن أضافت إقراراً آخر بأنه كان تحت الرقابة ثم رفعت عنه لأنه لم يُصنَّف بدرجة عالية من الخطر، ولابدّ أن التنظيم كلّف سلمان عبيدي بالعملية بعدما تيقّن بأنه بات قادراً على التحرّك. ولكن فتح ملفّه أعاد المحقّقين إلى المجموعة التي كان يقاربها ليجدوا أن ثمة شبكة وراء "الذئب المنفرد"، وهذا بدوره قاد إلى تسليط الأضواء إلى الشبكات المشتبهة كافة، وفي انتظار ضبطها أصبحت كل المناسبات العامة الترفيهية والرياضية أهدافاً محتملة ينبغي إبعاد الخطر عنها.
وفي المنيا فاجأ المهاجمون الملثّمون الحافلة في مكان مقفر وبعيد عن أي وجود أمني. فرزوا الركاب الأقباط عن المسلمين، وقتلوا وذبحوا ونهبوا ثم تواروا. الصدمة الجديدة ذكّرت بالصدمة التي أحدثتها واقعة الذبح المصوّرة لواحد وعشرين قبطياً على الساحل الليبي (يناير 2015)، وكان الرد المصري الفوري متشابهاً بقصف مواقع معروفة للإرهابيين في درنة الليبية ومحيطها، ولكنه هذه المرّة أشد وقد يتواصل، فالظروف تغيّرت سواء لأن الخطر عمّ أوروبا وصار هناك تفهّم أدولي أكبر لضرورة ضرب الإرهاب في معاقله، أو لأن الإدارة الأميركية الحالية تختلف عن سابقتها التي كانت تختلق ذرائع أو حواجز تساعد الإرهاب ومَن يدعمه، أو أخيراً لأن ما بعد قمة الرياض العربية- الإسلامية- الأميركية كرّس تصميماً على مواجهة واسعة لهذا الوباء. وبالنسبة إلى الأمنيين المعنيين فإن مجزرة المنيا وضعتهم أمام تحدٍّ جديد كانوا يتوقّعونه منذ تكاثر التقارير عن ازدياد وتيرة اختراق الحدود الليبية- المصرية وتسلل مئات العناصر إلى الداخل، وعلى رغم أن العمليات كافة تلفت الأنظار إلا أن تقصّد المسيحيين الأقباط يرمي إلى مخاطبة العالم الغربي حتى لو لم يبلغ إشعال فتنة طائفية كهدف داخلي.
ومنذ ظهور "داعش" كان هناك يقين بأن لديه أجندة تظهره كأنه "مستقلّ" ولديه مشروعه ولكن أيضاً بأن هناك من يحرّكه، وتقاذفت الدول اتهامات بعضٌ منها صحيح ثم ضاقت الشبهات أخيراً وصار مؤكّداً تداخل الأجندات الإيرانية مع أجندات تيار في جماعة "الإخوان المسلمين" لاسيما المصريين. ولا تجهل الأجهزة أن فلول "القاعدة" تُدار من ملاذ قادتها في إيران وبمعرفة الإيرانيين، وهذا ما يفسّر المهادنة في سوريا بين "جبهة النصرة" والميليشيات التابعة لإيران، وهي مهادنة تحوّلت أخيراً إلى تواصل وتنسيق بين "النصرة" و"حزب الله" في مناطق عدة. وثمة مهادنة أخرى تترسّخ بين إيران وتركيا، والبعض يعزوها إلى الرابط الخميني/ الخامنئي- الإخواني، إلا أنها لم تظهر بعد في تموضعات فصائل مرتبطة بـ"إخوان" سوريا. ولكن هذا الخط يبدو محسوماً في تمازج الإرهاب القاعدي- الداعشي الذي يستهدف مصر من جوارها الليبي. أما لماذا تتمنّع الولايات المتحدة ودولٌ كبرى أخرى عن توجيه اتهام صريح إلى إيران فمردّه إلى الحجة الكلاسيكية المعروفة منذ التفجيرات ضد الأميركيين في الخُبر وغيرها في السعودية ولبنان، وهي أن تحديد الدولة المسؤولة يستوجب مهاجمتها ومعاقبتها. وهذا المنطق لا يزال سارياً على رغم أن الظروف تغيّرت، وهناك الآن تحالف دولي ضد الإرهاب يضرب الأدوات ولا يقلق المصدر الذي بنى استراتيجية متكاملة لاستخدام الإرهاب في كل مكان.