الرئيسة \  واحة اللقاء  \  متى ينتهي الأبد؟

متى ينتهي الأبد؟

27.08.2014
رشا الجندي


 (سورية)
العربي الجديد
الثلاثاء 26/8/2014
انطلقت الثورة السورية في 15 آذار 2011، وبمنتهى الرُّقي عبّر الشعب السوري لأول مرّة عن أحلامه في دولة كرامة، دولة حرّة يتساوى فيها السوريون ولا يعتدي أيّ منهم على حقوق الآخر تحت أي مسمى. واليوم بعد مرور ما يناهز الثلاث سنوات، يجلس كل واحدٍ منا ليسأل كيف وصلت سورية من مظاهرات سلمية شعارها "الشعب السوري واحد" إلى أرض جهاد تلتحق بفصائلها أشكال مختلفة من أسوأ البشر، منهم جند حرب ممن يقتات على الكسب السريع في بلد الفوضى والنّهب، ومنهم المجرم الذي وجد في أرضنا مرتعاً لأمراضه النفسية بدءاً من الشعور بالقوّة إزاء ضعف المدنيين العزّل، وانتهاءً بكل ما قد يحلم به من شذوذ.
وفي حين تقف دول الخليج والأردن في مقدمة الدول المصدّرة لمنظري الجانب العقائدي لحلم الخلافة وللمجاهدين الأكثر تمسكاً بناحية الواجب الشرعي في هذه المعركة، فإنّ أفغانستان وباكستان والشيشان تعتبر من الدول المصدّرة للعناصر الجهادية المحروقة، أي إذا اعتبرنا العرب الجهاديين ضباطاً في الحملة، فإنّ هؤلاء المجاهدين هم جنودها الصغار، وكما يبدو فإنّ المغرب العربي، مثل تونس والمغرب، يصدّر العناصر ذات الطموح المادي البحت، بمعنى آخر، المرتزقة، أكثر من السعي إلى إقامة دولة إسلامية، تتمدد على طول المشرق العربي وعرضه، فليس لهؤلاء ولاء مطلق، بل يستمرون بالسرقة، ثم الانشقاق عن الفصائل التي يقاتلون تحت لوائها، ليعودوا أغنياء إلى بلادهم، ويروجوا موجة نهبٍ جديدة.
في ظلّ هذا المشهد المقلق، نقف لنبدي خوفاً كثيراً، فلسنا فقط في حرب أهلية، يقاتل فيه السوريون بعضهم بعضاً، بل إننا في حالة مقلقة قد ينقلب فيها الجنود على ضباطهم العرب، بحكم الغلبة العددية، واستمرار التوافد بشكل واسع إلى أرض "الخلافة" في العراق والشام، بحيث نخسر أرضنا، ليس لصالح أي مشروع جهادي، بل لصالح مشروع جهادي أجنبي مستعمر. والصعود المضطرد لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) التي تضم أعداداً كبيرة من القوات الأجنبية التي تزداد كلّ يوم، يحمل لنا مستقبلاً لحرب استقلال جديدة، لكن نسأل من سيقوم بهذه الحرب!
نعلم، اليوم، أنّ النظام السوري كان قد تغاضى بهدوء عن عمل "مكتب الفرقان" التابع للدولة الإسلامية الحالية بين 2006 و2009 في حمص، ثم أطلق أخطر العناصر الجهادية، بعد اندلاع الثورة، والتي كانت متروكة للتعفّن في سجون النظام السوري.
بكل واقعيّة؛ نحتاج، من جهة، وبإلحاح، إلى مصالحة وطنيةٍ تجمع كل أطراف النزاع، التي تعبت حتى الرمق الأخير من الحرب والتهجير والموت، ومن جهة أخرى، ماذا نفعل مع هذا النظام؟ لقد آذانا أيما إيذاء، ولم يترك للثورة سوى السقوط في فخّ السلاح والدّم، وفُتح الباب على مصراعيه، أمام دول الجوار لإدخال الأجانب الذين يقاتلون لتحرير سورية من الجيش الحرّ، وليس من النظام السوري!
أما النظام السوري، فقد ترك هذه التنظيمات، لعلّها تقضي على الجيش الحرّ، ومن ثمّ يُترك له تصفية الجهاد في سورية، الجهاد نفسه الذي أطلقه وشجع عليه بنفسه.
في النهاية، يعلم السوريون عُمق الورطة التي وقعت فيها الثورة، فقد تمت محاربتها من قوى إقليمية، طامعة بحصّة ما في سورية، ونظام يقف على رأس حكمه ولد مستعدّ لدفع أي ثمن مقابل عدم التفريط بإرث والده، ويتساءل السوريون "متى ينتهي هذا الأبد؟".