الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مجتمع القوة وسلسلة الأوامر

مجتمع القوة وسلسلة الأوامر

05.06.2014
د. خالص جلبي



الاتحاد
الاربعاء 4/6/2014
في تعبير لطيف للمفكر الجزائري مالك بن نبي يقول إنه حين تبزغ شمس الفكرة يختفي ليل الصنم. بكلمة أخرى هناك محور للحركة في نوعين من المجتمعات؛ مجتمع الفكرة والإيمان والعقلانية، مقابل المجتمع الوثني القائم على الأوامر والطاعة المطلقة واللاعقلانية. بكلمة محددة مجتمع التوحيد ومجتمع الوثنية. مجتمع القناعة والإيمان المحور الأساسي لقيمه هو الفكرة، فلا يتحول الفرد فيه إلى عصا تضرب أو بندقية تطلق أو بوق ينفخ. وهنا نقف أمام مسألة "سلسلة الأوامر". ونموذج ذلك هو الطيار الذي يلقي بالبراميل المتفجرة على رؤوس الناس في حلب. إنه إنسان البندقية الذي تنازل عن آدميته.
كان النازيون يقدمون إلى المحاكم بعد سقوط الرايخ الثالث، وكان جوابهم على السؤال "كيف فعلتم ما فعلتم؟"، إنها الأوامر التي لا نملك لها دفعاً ولا رداً!
وفي الحرب العالمية الأولى حاول الجنود الألمان والإنجليز التصالح في الخنادق، بعد أن أنشدوا ترنيمة أعياد الميلاد من الخنادق المتقابلة؛ فهرع الجنرالات يطفئون هذه الروح بكل سبيل ممكن.
واليوم، الألمان والفرنسيون والإنجليز، إخوان في الاتحاد الأوربي، ودّعوا الحرب والقتل ويغنون سويةً ويعبرون المانش من تحت البحر. أما بشار الأسد فيقتل ويفجر بآلة من بشر، وآلية من "سلسلة الأوامر"؛ وهو يعطي الأمر لجنرال مشترك معه في جرائمه، وهذا يعطي الأمر لمن هو أقل رتبة ممن تحولوا إلى عصي وبنادق؛ كي يكملوا السلسلة الجهنمية؛ فيتم التنفيذ بيد أقلهم شأناً من العساكر كي يمارسوا القتل المباشر بالرصاص والخناجر!
"أتيين دي لابواسييه" شرح هذه السلسلة الجهنمية في كتابه "العبودية المختارة"، قبل أكثر من أربعة قرون. ونفس الفكرة شرحها "روجيه جاروديه" حول تحويل إرادة مجموعة من البشر (العساكر المسلوبين) بضغطها في إرادة الضابط، والتي تنضغط في إرادة الكولونيل، لتتحول مجموع إرادات الجنرالات في النهاية إلى إرادة الطاغية.
والآن، مَن المذنب؟ مَن المسئول عن الجريمة؟ هل هو بشار؟ أم كبار ضباطه ووزراء داخليته وأمنه؟ أم صغار الضباط والجنود ممن يتولون الإمساك بآلة القتل مباشرة؟
أذكر أني حين كنت معتقلاً في "كراكون الشيخ حسن"، وهو معتقل قديم مازال يحتفظ باسمه؛ رأيت الناس هناك وهم يعرّون من ثيابهم في الصباح الباكر ويرشون بالماء البارد، ثم يُجبَرون على الركض مثل الكلاب المسعورة.
كان المحقق الجهنمي (يوسف طحطوح)، يطيب له تعذيب الضحايا مع نسمات السحر حيث يتوب المؤمنون ويتهجدون. كان تهجد هذا المجرم التلذذ بتعذيب الضحايا، وكان فناناً في الوصول إلى المعلومات، ولو بإخراج الأرانب من القبعات السوداء، وتحويل أي بريء إلى شيطان مريد. بعد أن خرجت من قبورهم جلس بجانبي رجل مخابرات، عظيم الجثة، كبير الشاربين، وقال لي بحذر وامتحان: "شو رأيك في مهنتنا أستاذ"؟ قلت له: لقد شهد الله فيكم؟ قال: وما شهادته فينا؟ قلت: يقول الله في محكم التنزيل: "إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين"، وأنت من جنود فرعون. قال لي وفي حلقه غصة: وماذا تريدني أن أعمل؟ قلت له اعمل حمالا في سوق الخضار؛ فذلك أشرف لك وأنظف، كي تلقى الله بقلب سليم. يقول الله عن فرعون: "يَقْدُم قومَه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود. وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين".