الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مجلس الأمن الدولي والكابوس السوري

مجلس الأمن الدولي والكابوس السوري

02.10.2013
سالم سالمين النعيمي



الاتحاد
الثلاثاء 1/10/2013
هل هناك حل قريب للأزمة السورية الراهنة وفق معادلة السياسة الدولية ومعطيات النظام الدولي الجديد بحيث يشعر الجميع أنهم حصلوا على ما يريدونه ولو كان من خلال اختيار الخيار الأقل سوءاً؟ وذلك بعد أن أصبحت كواليس الجمعية العامة للأمم المتحدة مسرحاً للكوميديا السياسية الساخرة ودخول دول بالأمس كانت تعد صغيرة بالمعايير الدولية إلى نوادي الكبار بفضل التحالفات العابرة للقارات؟ حيث لم تعد عقوبات الأمم المتحدة مؤثرة أو رادعة كما كانت سابقاً بعد انقسام العالم لنوادي نخبة متعددة كل منها يعد تحالفه "أمماً متحدة" خاصة به؟ فنشاهد الأبرياء يقتلون بالأسلحة الكيميائية المحرمة دولياً وتشرد الملايين وتدمر المدن والقرى وتزهق أكثر من مئة ألف روح ولا يحرك ساكن، وكأن ما يحدث في سوريا هو درس بالمجان لمعنى كلمة سياسة وعلاقات دولية في ظل قواعد اللعبة السياسية الجديدة لدبلوماسية لوبي التحالفات بين الدول الكبرى المتصارعة على الساحة الدولية، ومدى أهمية تحقيق مصالحها القومية أولاً وأخيراً فوق كل اعتبار إنساني أو قانوني، فهم أكثر من يتحدث عن حقوق الإنسان وينادي بها، وفي الوقت نفسه أبعد ما يكون من أن يتمسك بهذه الحقوق أو يطبق ولو جزء يسير من مبادئها وفق منهجية ووسائل انتقائية بحتة.
وعند الحديث عن المشهد في سوريا، نرى أن الموقف يعتبر واحداً من أكثر الصراعات تعقيداً ومأساويةً في القرن الحادي والعشرين ويزداد سوءاً يوماً بعد يوم، فسوريا خسرت جيلاً كاملاً تعرض بعضه للإبادة، والجزء الآخر للعنف والترويع، مما جعله يشعر دائماً أنه مستهدف من جميع أطراف الصراع المحيطة به.
وكما هو الحال دائماً الأبرياء هم أول من يدفعون الثمن والخاسر الأوحد بين هذه النزاعات والصراعات، والتساؤل المستمر كيف لهذا الجيل أن يبني سوريا المستقبل ويؤمن بهوية ومبادئ سوريا الوطن الأم، بعد كل ما شاهده وعاشه من واقع مرير نسف كل المعتقدات التي كان يسلم بها مسبقاً.
وبالرغم من أن مجلس الأمن الدولي تبنى قراراً ملزماً وهو الأول له بشأن ما يجري بسوريا والذي يأمر فيه بشار بتفكيك وتدمير أسلحته الكيماوية كافة، وذلك في مهلة أقل من سنة وتحذير بشار بفرض عقوبات مشددة على حكومته إذا انتهك القرار، إلا أن ذلك القرار جاء متأخراً بعد أن (خربت مالطا) وتم تحريك تلك الترسانة من الأسلحة المدمرة في مخابئ متحركة غير معروفة وفي أماكن جبلية معدة مسبقاً ومؤمنة بأحكام تحت قيادة أجهزة أمن - كسرى العصر الحديث - وأتباعه من ولاة الأمصار مثل بشار ومن على شاكلته، فنظام بشار يكتسح الأرض عسكرياً ويستمر في القتل والتشريد والأمم المتحدة قلقة حيال استخدام الأسلحة الكيماوية لقتل المدنيين، فهل هذا يعني أن حياة الإنسان تعتبر خسارة كبيرة وجريمة قتل فقط إذا قتل بالأسلحة الكيماوية؟ وإذا افترضنا أن الأمم المتحدة أشرفت على عملية تفكيك وتدمير ترسانة سوريا من الأسلحة الكيميائية، ستكون تلك المهمة الأصعب ولا أحد يحسدهم عليها.
وينبغي أن نتذكر هنا أن الأمر استغرق مع "الجيش الجمهوري الإيرلندي" عقدا من الزمن لتدمير أسلحته، وهو الذي لم يكن يملك ربع ما يملكه نظام بشار. ولو قام النظام الدولي بتسريع إجراءات بناء العملية السياسية في ما يخص النظام الدستوري الجديد في سوريا، وتنفيذ ترتيبات عملية تقاسم السلطة، الذي أصبح خياراً سياسياً قابلاً للتطبيق. ومن الممكن أن تشمل الحكومة السورية في المستقبل عناصر من نظام الأسد، ومن المؤكد أن يتم رفض هذه الفكرة من قبل الفصائل المتحاربة في سوريا، فأي منها لا يرغب في تقاسم السلطة.
ولو قرأنا على أرض الواقع سنرى غياب ما يكفي من الدعم المحلي والدولي للترتيبات وإعادة إنشاء ترتيبات تقاسم السلطة في ظل تناحر التيارات والفصائل والأقليات وجماعات الضغط والقوى المختلفة المحلية والإقليمية والدولية على الساحة السورية وغياب البنية التحتية السياسية والقانونية والشعبية المناسبة لدعم الإجراءات.
ففكرة تنفيذ تقاسم السلطة محفوفة بالمصاعب وسيتم صرف النظر عن هذه الفكرة من قبل "المجلس الوطني السوري"، والتلاعب بها من قبل نظام الأسد، فإضفاء الطابع المؤسسي على الواقع السوري الحالي- وفي ظل الانقسامات العميقة- سيؤدي حتماً إلى كارثة ستبقى تداعياتها لفترة طويلة، وستترك سوريا في الفوضى ذاتها التي تركت فيها العراق مؤخراً أو لبنان في نهاية حربها الأهلية، ولا تزال نارها مشتعلة تحت الرماد ليومنا هذا.
والحديث عن أي شكل من أشكال التدخل العسكري في سوريا سيكون ضرورياً ومثالياً في نهاية المطاف. لكن يجب أن يكون على شكل تدخل من قوات حفظ السلام الدولية للأمم المتحدة المدعومة من روسيا والصين في مجلس الأمن الدولي وبقية القوى الكبرى في المنطقة لإحداث التوازن المطلوب، لأن نظام الأسد لا يزال يعتقد أنه قادر على الفوز عن طريق سحق الثوار والميليشيات والتنظيمات المذهبية المسلحة في دمشق وحماة وحمص وحلب، وصولاً إلى لبنان عن طريق معقل العلويين في اللاذقية، وفق استراتيجية المخطط الأكبر لإيران. والسؤال الأهم ما الذي سيحدث بعد ذلك، وماذا سيسفر عن انهيار نظام بشار، ومن سيسد، وكيف ستسد فجوة فوضى الفراغ السياسي والطائفي، التي قد تنتج أثر ذلك السيناريو؟
ودولياً الصراع على سوريا، ليس فقط حولها وحسب، بل يتركز كذلك حول إسقاط القوة الإيرانية في الشرق الأوسط والقدرات النووية الإيرانية ومدى تأثيرها مستقبلاً.
وأرى أن مرحلة ما بعد الأسد الانتقالية، تقدم للمتطرفين فرصة ذهبية للاستيلاء على السلطة في نهاية المطاف وإعطاء أمراء الحرب وزعماء الميليشيات والشبكات الإجرامية مصلحة في استمرار العنف سينتج عنه إسقاط للجنسية السورية والتمهيد لتأسيس دويلات متناثرة في بقعة جغرافية صغيرة مُتاخمة لدول عديدة ستشعل حروباً أهلية أخرى في دول الجوار، ويأزم الموقف السياسي في العراق ولبنان بصورة أكبر مما هي عليه الآن، ويكرس رغبة إيران بتأسيس دولة شيعية عربية في المنطقة ويُأصل الصراع السُني الشيعي، ويعزل منطقة الخليج ويهمش مصالحها بعد ضرب العمق المصري، وإشعال الثورة في السودان وتساقط أحجار الدول العربية المؤثرة في لعبة الدومينو السياسية لتوجيه ضربة غير مباشرة للعالم السُني وزعاماته التاريخية.
فمتى ستتعلم الولايات المتحدة التدخل من درس الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت خمسة عشر عاماً، وما تركته من دمار، ويكفي أن تعلم الولايات المتحدة أن اللاجئين السوريين يمثلون 10 في المئة من سكان الأردن في الوقت الحاضر.
وليتصور الأميركان ما الذي قد يحدث لدول الجوار في ظل توجيه ضربة للنظام السوري، دون دعم دولي موحد، وتكاثف الجهود للتعامل الأممي الفاعل مع الحالة السورية عن طريق ضربة عسكرية جراحية باستخدام صواريخ كروز، أو غارات جوية مكثفة بعيداً عن تدخل القوات الأرضية ليس كافياً لإنهاء الأزمة، فالضربات لا تغير التوازن العام للقوة داخل سوريا. وهي دعوة مفتوحة، للانتقام من قبل النظام السوري وإيران والجهات والجماعات الفاعلة من غير الدول، فهل سيكون الهجوم الصاروخي الأميركي إذا حدث رمزياً؟ ولن يستمر لأكثر من ثلاثة أيام أو أسبوع كحد أقصى، إذا خالف النظام السوري قرار الأمم المتحدة.
وفي المقابل إنْ عدم التحرك ضد سوريا يعطي نظام الأسد ضوءاً أخضر للاستمرار في عمليات القتل والتشريد، وسيكون بمثابة إعلان أن الولايات المتحدة، هي نمر من ورق، وذلك كله يصب في مصلحة السياسات الرئيسية في روسيا تجاه الوضع، والمتمثل في حظر الجهود الأميركية لتشكيل المنطقة، وهي لا تثق بنوايا الولايات المتحدة وتشاطرها الصين الشعور نفسه حيال أميركا، ناهيك عن مصالحها الاقتصادية والتجارية وتأمين طريق حرير الطاقة بجانب المصالح الغربية والتركية المتنوعة. وإيران التي ترى أن الأحداث في سوريا جزء من معركة أيديولوجية أوسع من ذلك بكثير وتحت غطاء التصريحات المعتدلة والدبلوماسية والمفاوضات المطولة تعمل أجهزة الطرد المركزية من دون توقف لتخصيب اليورانيوم.
ومن مصلحة إيران استمرار الصراع في سوريا والشرق الأوسط بصورة عامة، وتأجيج هذا الصراع، بل حتى خلق أزمات جانبية للوصول لقنبلتها النووية المنشودة والصراع الإنجلوساكسوني والفارسي الشيعي على المنطقة، وبين الصفقة والصفعة أين سيكون العرب؟