الرئيسة \  مشاركات  \  مجلس الأمن .. وإشكالية الفيتو

مجلس الأمن .. وإشكالية الفيتو

16.05.2013
د. محمد أحمد الزعبي


1.
لانهدف من كتابة هذه المقالة إلى التوقف عند البعد التاريخي لنشوء وتطور هيئة الأمم المتحدة ، والذي يعود إلى مطلع القرن الماضي ، كنتيجة من نتائج الحرب العالمية الأولى ، والذي يمكن العودة إليه من خلال الموقع الإلكتروني الخاص بهذه الهيئة الأممية وهو : ( www.un.org ) ، وإنما هدفنا هو إلقاء الضوء على الإشكالية السياسية والأخلاقية التي ترتبت على إعادة هيكلة هيئة ألأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ، وإعطاء الدول الكبرى الخمس التي انتصرت في الحرب من جهة خمسة مقاعد ثابتة ودائمة في مجلس الأمن ،(المكون من 15 عضواً: خمسة دائمون وعشرة تتناوب بقية دول العالم عليها بموجب ترتيبات معينة) ، ومن جهة أخرى ، إعطاء كل من هذه الدول الخمس حق الفيتو أي حق الاعتراض على أي قرار يمكن أن تتخذه الأكثرية العددية في المجلس ، واعتباره بالتالي كأن لم يكن ،
2.
ترتكز إشكالية الفيتو في مجلس الأمن ، منذ عام 1945 ( التحول من عصبة الأمم إلى الأمم المتحدة ) وحتى اليوم ، على ثلاثة أثاف هي :
1) انتصار الحلفاء وعلى رأسهم الدول الكبرى على دول المحور في الحرب العالمية الثانية ،
2) وجود الاتحاد الاتحاد السوفياتي ( ستالين ) كعنصر فعّال بين دول الحلفاء المنتصرة ،
3) استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للقنبلة الذرية ، لأول مرة في التاريخ ، في تدمير هوريشيما
 وناغازاكي اليابانيتين ، وقتل أكثر من ربع مليون إنسان فيهما ،لإجبار اليابان على الإستسلام .
إن هذا عنى ويعني واقعياً ، أن منظمة الأمم المتحدة ، قد تم تفصيلها ، وتعديل مقاساتها لاحقاً ،على مقاس تلك الدول المنتصرة في الحرب ، والتي كان من بينها دولتان اشتراكيتان (الاتحاد السوفييتي / ولاحقاً الصين الشعبية) ، وثلاثة رأسمالية (الولايات المتحدة الأمريكية ، وإنجلترا ، وفرنسا ) ، أي أنها ولدت وهي تحمل جرثومة التناقض التي سرعان ماأخذت طريقها إلى مجلس الأمن ،وتموضعت في إطار مابات معروفاً بـ " حق النقض/ الفيتو".
3.
لقد لعب وجود الإتحاد السوفييتي بين دول الفيتو الخمس دوراً إيجابياً ، تمثل في دعمه لحقوق المستضعفين في العالم الثالث من الدول والشعوب والجماعات ، وليس بعيداً عن ذاكرتنا الدورالإيجابي الذي لعبه ( بالتفاهم والتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك) لوضع حد للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ( حرب السويس ) ، وإجبار كل من إنكلترا وفرنسا وإسرائيل على الإنسحاب من قناة السويس دونما قيد أو شرط . إن إشارتنا هذه للدور الإيجابي لأحد أعضاء " حق الفيتو " ، لايمنع من إعادة التأكيد على أن الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ، وقنبلتها الذرية ، وتطورها التكنولوجي العالي ، ولاسيما في المجال النووي العسكري ، هو من وقف ويقف وراء إعطائها لنفسها / أخذها " حق الفيتو" على قرارات مجلس الأمن ، اي على كل مايتعلق بحاضر ومستقبل العالم غير النووي .
4.
لقد زاد سقوط الإتحاد السوفياتي في مطلع تسعينات القرن الماضي ، وظهور النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، طين هذه الإشكالية بلّة . ذلك ان روسيا الإتحادية ، ذات التوجه الرأسمالي ، حلت أوتوماتيكياً محل الاتحاد السوفياتي ، الأمر الذي سمح لها أن " تلعب على الحبلين " ، حبل الرأسمالية وحبل الإشتراكية ، وأن توظف القدرات العسكرية الهائلة التي ورثتها عن الاتحاد السوفياتي في هذه اللعبة المزدوجة ، مستفيدة من الأزمة الاقتصادية التي مرت وتمر بها كل من أمريكا وأوروبا منذ بضع سنوات ، وايضاً من هزيمة أمريكا وإنجلترا أمام المقاومة العراقية ، وإجبارهما على الانسحاب من العراق بعد بضع سنوات من غزوها واحتلالها عام 2003 بالتعاون مع حليفتهما الصفوية في طهران .
لقد ترتب على بروز "إشكالية الفيتو" في مجلس الأمن ــ ولاسيما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ــ التعطيل الفعلي لهذا المجلس ، ولحق الفيتو للدول الخمس الكبرى ( النووية) دائمة العضوية فيه ، وبالتالي الخروج عليه وعلى حق الفيتو فيه ، في عدد من الحالات التي يعرفها الجميع ( حرب الصرب ، غزو العراق ، الثورة الليبية ) . بل إن حق الفيتو بات ألعوبة بيد الجانب القوى من بين هذه الدول الخمس ، بحيث يتم تفعيله أو تجاوزه ، أو التحايل عليه ، أو تجاهله ، في ضوء المصالح السياسية والاقتصادية لهذا الجانب المعني .
ويعلم القاصي والداني أنه إذا كانت روسيا ، قد استخدمت وتستخدم اليوم حق الفيتو ، ضد الشعب السوري ، ولصالح بشار الأسد ، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ، قد استخدمت هذا "الحق" بدورها ضد حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة ، ولصالح إسرائيل عشرات المرات منذ قيام دولة الكيان الصهيوني عام 1948 وحتى اليوم .
5.
إن ماتفعله روسيا منذ أكثر من عامين في مجلس الأمن ، فيما يخص الحالة السورية ،من حيث الحيلولة دون اتخاذ أي قرار ضد نظام بشار الأسد ، بالرغم من كل أعماله الإجرامية والهمجية المعروفة ، لايعود بنظرنا إلى أن الدول الخمس الكبرى ، قد عادت إلى احترام قواعد اللعبة الدولية ، التي تنطوي عليها مواثيق وأنظمة الأمم المتحدة ، والتي من بينها مسألة " حق الفيتو " ، وإنما إلى اتفاق هذه الدول ( ربما باستثناء الصين ) ، ومعها عدد من الدول الإقليمية ، على حماية إسرائيل ، مما يمكن أن تأتي به الممارسة الديموقراطية في سورية ، من نظام سياسي جديد ، يمكن أن يقوم بخرق قواعد اللعبة التي قامت وتقوم عليها العلاقة الاستراتيجية بين مثلث : عائلة الأسد ، دول الفيتو ، إسرائيل،منذ أربعة عقود ، وبالذا ت منذ اتفاق حافظ الأسد ـ كسنجر عام 1974 ، والذي ماتزال بنوده السرية مجهولة حتى يومنا هذا . إن سلوك النظام السوري ( عائلة الأسد ) طيلة تلك العقود الأربعة إنما يشير بصورة واضحة لالبس فيها ولا غموض ، إلى أن اعتماد النظام على مقولة " قل يساراً وسر يميناً " ، إنما هي ورقة التوت التي يحاول أن يستر بها عورته السياسية ، ولاسيما البلاغ العسكري رقم 66 الخاص بإعلان سقوط مدينة القنيطرة قبل أن تسقط ( أنظر ، محمد الزعبي ، خواطر شاهد عيان ، الخاطرة الثالثة ، في : الحوار المتمدن 22.8.11 ، مركز الشرق العربي ، القدس العربي 23.8.11 ) وصمته المطبق والمستمر منذ أربعة عقود على احتلال اسرائيل لهضبة الجولان في حرب حزيران 1967 ، وأخيراً وليس آخراً موقفه الطائفي والوحشي من ثورة 18 آذار 2011 السورية ، الذي تفوق به على وحشية كل من : نيرون في القرن الأول الميلادي ، وجنكيز خان وحفيده هولاكو في القرن 13 ، و مؤسسي الكيان الصهيوني قبل وبعد عام 1948 . إن محاولة عائلة الأسد إخفاء هذا السلوك المشبوه ، عن الناس ، بالكلام المعسول ، لاتعدو بنظرنا أن تزيد على محاولة من يعتقد انه يمكن أن يحجب نور الشمس عن الأرض بغربال .
إن رحيل بشار الأسد وشبيحته عن المشهد السوري ( قبل فوات الأوان ) ، هو ما يمكن أن يحفظ لدول الفيتو الخمس عامة ولروسيا والصين خاصة ماء وجوههم ، ليس فقط أما م آلاف الأطفال السوريين الذين تم ويتم ذبحهم كل يوم ، أمام سمع وبصر هذه الدول العظمى و" الديموقراطية !" ، وإنما أيضاً أمام شعوبهم التي تقف بالتأكيد إلى جانب الطفل السوري الضحية ، وليس إلى جانب من يذبحه بالسكين حتى ولو كان هذا السكين علمانيّاً .