الرئيسة \  واحة اللقاء  \  محاذير التدخل في سوريا

محاذير التدخل في سوريا

15.09.2013
ويليام فاف



الاتحاد
السبت 14 /9/2013
على رغم أن الحكمة المدرسية القديمة تنهى عن الدخول في معركة ليست نهايتها معروفة مسبقاً، يبدو أن أوباما لم يسمع بهذه الحكمة أيام دراسته الأولى في إندونيسيا، ولذا فربما يعود الكونجرس ليذكره بها ويعفيه من تبعات الدخول في مغامرة عسكرية أخرى بعد أن يحسم موقفه بشأن ضرب سوريا في التصويت، وإن كان التصويت قد أجل عقب ظهور المبادرة الروسية وانخراط الأطراف المعنية في عملية دبلوماسية معقدة مع موسكو. وهذا التأجيل لا يعني مع ذلك أن شبح الحرب قد تراجع، بل إنه ما زال مخيماً على الجميع، ولاسيما فرنسا التي قد تجد نفسها وحيدة في المطالبة بالتدخل العسكري في حال رفض الكونجرس التصريح بذلك، وربما تسعى من أجل هذه الحرب إلى تشكيل تحالفها الخاص! فآخر ما كان يتوقعه فرانسوا أولاند هو أن يتردد الرئيس الأميركي في الذهاب للحرب ويبدي كل هذا القدر من العجز وانعدام الفعالية، وهو يذكرنا بتحذير مارجريت ثاتشر في التسعينيات لبوش الأب عندما تردد هو الآخر في ضرب العراق وتحرير الكويت. ولابد أن الرئيس الفرنسي صُدم عندما اكتشف قبل أسابيع أن مجلس العموم البريطاني ليس أكثر من مجموعة من المتخاذلين لا يهمهم دعم كاميرون، في ضرب سوريا لتذهب محاولاته المستميتة في إقناعهم أدراج الرياح. وربما تزداد صدمة الفرنسيين أيضاً عندما يرفض الكونجرس هو الآخر إعطاء التصريح لأوباما بشن حربه على سوريا ليجد أولاند نفسه في موقف محرج.
والحقيقة أن مشهد الانقسام الحاد في الجسم الغربي والمناورات المكشوفة للتراجع عن الخيار العسكري وتغليب المسار الدبلوماسي بدأت يكتسي طابعاً مُسلياً، ليس فقط في باريس ولندن، بل أيضاً داخل واشنطن نفسها سواء في البيت الأبيض، أو الكونجرس، أو حتى البنتاجون. واللافت أنها المرة الأولى التي يقدم فيها كبار الضباط الأميركيين على الإدلاء بآراء حول العمليات العسكرية ونتائجها المحتملة. فقد أبدى رئيس هيئة الأركان، الجنرال مارتن ديمبسي، في تصريحات علنية شكوكاً واضحة بشأن فوائد الضربة العسكرية وتداعياتها على المنطقة، على رغم أن دور العسكريين هو تنفيذ التعليمات السياسية والتقيد بأوامر القيادة المنتخبة دون الدخول في تعليقات قد يستشف منها بعد سياسي. كما أن هناك خبراء داخل البنتاجون ومختصين في تاريخ السياسة الخارجية الأميركية يشيرون إلى أن الجيش لا يقوم عادة بعمليات عسكرية محدودة وموجهة لأهداف ضيقة، وهو ما كان أوباما قد شدد عليه في خطابه المتلفز خلال الأسبوع الماضي عندما قال إنه يريد من الضربة ردع الأسد ومنعه من التفكير في استخدام السلاح الكيماوي مرة أخرى.
ومن ناحية أخرى هناك أطراف أميركية أيضاً تدافع عن تدخل أقوى ليس فقط لتحذير الأسد، بل لضرب قدراته العسكرية على نحو واضح وبيّن وتغيير موازين القوى على أرض المعركة لصالح المعارضة. وهذا ما أشارت إليه افتتاحية «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية بقولها إن ما تحتاج إليه سوريا ليس مجرد ضربة تحذيرية «بل سلسلة من الصواريخ التي تستهدف مواقع حساسة تبعث برسالة واضحة إلى المنطقة بأن الولايات المتحدة جادة في كلامها».
ويبدو أن الموقف في واشنطن ما زال متأرجحاً بين الضربة القاصمة والأخرى الخفيفة، حيث خرج عضوا مجلس الشيوخ، جون ماكين ولندسي جراهام من اجتماعهما مع أوباما يوم الاثنين الماضي بتصريح قالا فيه إن «الضربة المتوقعة ستقوض القدرات العسكرية للنظام السوري». وأضاف جراهام أنه خرج من اللقاء «بشعور أفضل»، ما يعني أن العملية العسكرية لن تكون محدودة، بل ربما تتوسع لتشمل تكبيد النظام خسائر فادحة. ولكن بالطبع هناك سؤال متعلق بالرد السوري، إذ بصرف النظر عن الانقسام الغربي والأميركي، تبرز التداعيات المحتملة للحرب، فقد صرح الأسد في حديثه لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية قائلًا «إن الشرق الأوسط هو بمثابة برميل بارود والفتيل يقصر مع مرور الوقت، وليس علينا الحديث فقط عن الرد السوري، بل ماذا سيحدث بعد الضربة الأولى، حيث سيفقد الجميع السيطرة على الوضع عندما ينفجر برميل البارود، وسيعم التطرف والفوضى، كما ستتزايد احتمالات الحرب الإقليمية». وعندما سأل الصحفي الأسد عما إذا كانت سوريا ستهاجم إسرائيل أجاب الرئيس «بالطبع أنت لا تتوقع أن أخبرك بطبيعة الرد السوري».
والحقيقة أن الأمر حالياً منوط بالولايات المتحدة وما ستقوم به، فحسب والي نصر، رئيس كلية جون هوبكينز للدراسات الدولية المتقدمة، في مقاله المنشور بصحيفة «نيويورك تايمز» تكمن مصلحة أميركا الاستراتيجية في «توجبه ضربة قاتلة» للأسد، وتنطلق مباشرة بعدها «لاتخاذ إجراءات تمنع تحول سوريا إلى ملاذ للقاعدة». ولكن المشكلة مع هذا الاقتراح أن الإجراءات التي يتحدث عنها الخبير لن تكون أقل من احتلال كامل لسوريا مع نشر القوات على الأرض مثلما جرى في العراق وأفغانستان.
وفي تعليق آخر قال «روس داوثات» بصحيفة «نيويورك تايمز» إن على أميركا استخدام قوتها العسكرية لإقامة «نظام عالمي متعدد الأطراف ومستقر ومرتكز على القانون»، وهو ما يعني أن أميركا قادرة على فرض القانون والديمقراطية من خلال التدخل العسكري حتى عندما يتعلق الأمر ببلدان بعيدة لها تجارب تاريخية مختلفة. والحال أن مثل هذا التفكير أثبت إفلاسه في أكثر من مناسبة، ليبقى الأمل معقوداً على الكونجرس لنسف دعوات التدخل العسكري وتوفير المزيد من الألم والمعاناة على السوريين.
كاتب ومحلل سياسي أميركي