الرئيسة \  واحة اللقاء  \  محافظة السويداء وثِقل التاريخ

محافظة السويداء وثِقل التاريخ

10.06.2015
مرزوق الحلبي



الحياة
الثلاثاء 9/6/2015
ترنو عيون أبناء طائفة الموحدين الدروز في فلسطين إلى الشمال الشرقي حيث التوتّر عالٍ على حدود محافظة السويداء مع استمرار حشود "داعش" وفصائل تكفيرية هناك. ويزداد القلق في ضوء ما يرد من أخبار ومعلومات عن "خيانة" نظام دمشق للمحافظة وأهلها ورفض مطلب وفدين قياديين من السويداء تزويد الأهالي بالسلاح وتمكينهم في ساعة الحشر من تدبّر أمر المعتدين أو أن يقوم الجيش النظامي بالمهمة، لاسيما أنه يرابط في الجوار.
إن تحليل المعادلة السورية في هذه المرحلة يزوّد الطائفة المعروفية في فلسطين وسورية نفسها ولبنان والأردن بأسباب القلق ويزيده. وكأي أقلية، فإنها تُعمِل كل حواسها لالتقاط التفاصيل ومعرفة جهة الريح وجهة الحرب. وأمكننا أن نقول إن التخلّف الجماعي لشبان جبل العرب ومحافظة السويداء عن الالتحاق بجيش آل الأسد والذي بدأ قبل سنتين وأكثر إنما يؤكّد الوعي السياسي والوطني هناك، واقتناع طائفة الموحّدين هناك بأن النظام إلى انحسار إذ لم يكن إلى اندثار وأن عليهم الاستعداد لمرحلة ما بعد النظام والدولة.
ويُفيدنا تحليل خطاب قيادات مستقلّة في محافظة السويداء بأن في المحافظة مَن يُدرك اللحظة التاريخية ويرفض أن يكون مهدّة في أيدي النظام أو وقوداً لحربه. بل اتضح أن النظام أسرع بكثير في خيانة هذه المحافظة وأهلها من ارتدادها عنه وأنه انتقل من الضرب بها إلى المناورة بها وضدها!
النُخب في طائفة الموحدين الدروز في فلسطين التاريخية مشغولة بكل طاقاتها بالبحث عن سُبل لتقديم العون. وبالنسبة لها، كل الخيارات ممكنة حتى الالتحاق بالقوات التي تحمي السويداء الآن. إلا أن النشاط متمحور بالأساس حول الدعم المالي والإغاثة ورفع المعنويات. يتم هذا من خلال مشاورات واتصالات مع كل الجهات الضالعة في المأزق السوري ومن خلال تنظيم حملات شعبية في كل التجمعات الدرزية لجمع المساعدات. وعادة ما يترافق هذا مع خطاب وثقة بالنفس وبقدرات دروز السويداء على ردّ أي اعتداء وقهر المعتدي أياً كان - "داعش" أو غير "داعش" - على اعتبار أن جبل العرب مقلع عزة وكرامة وصمود!
طبيعي أن يحصل هذا لأقلية مُشبعة بخطاب بطولي - وطني يمتدّ من السويداء في الشرق إلى جبل لبنان في الغرب كجزء من دفاعها عن صورتها وعن وجودها. وهو طبيعي، لأقلية تستشعر أن وجودها مهدد وليس أمنها أو مصالحها فقط. فجرائم "داعش" حيث حلّت لا تُبقي مجالاً للشك أو التخمين. كما أن خطابها الديني التكفيري يُعيد التاريخ إلى الواجهة، وصراع دعوة التوحيد مع المؤسسة السنية - الحديثية كان دامياً في الذهنية العقيدية.
مشكلة الحراك بين طائفة الموحدين الدروز في فلسطين هو ارتداع قيادات محافظة السويداء عن قبول مساعدة أو عون، خاصة إذا كانت إسرائيل الدولة حاضرة! وهي الشكوى التي أسمعها من القيادات في الجليل والكرمل. "نحاول أن نضع كل مقدراتنا تحت تصرّفهم لكنهم يرفضون ذلك ولا نعرف لماذا؟". أذكّر المستغربين بحقيقة أن دروز فلسطين بقيادتهم الدينية بالأساس، وهي القيادة الأقوى في حينه، اختارت في العام 1948 بعد قيام إسرائيل، الوقوف على الحياد في الصراع الصهيوني - العربي حتى العام 1966. وحتى ذاك العام فشلت الدولة العبرية في فرض قانون التجنيد الإجباري على أبناء الطائفة وتموضَعت الرئاسة الروحية في مربع الحياد الإيجابي. وكذلك الموحدون في السويداء الذين لا تزال أوضاعهم حساسة وحرجة ولا يريدون أن يظهروا بعد أن كشفهم النظام الأسدي وتركهم لمصيرهم كمَن يتلقى مساندة من إسرائيل أو ممن يرتبطون بها. بمعنى، أنني أشير على كل مَن يريد المساندة أن يلتفت إلى هذا الحرج وإلى حساسية الموقف في السويداء الآن.
وعلى المستوى نفسه، ينبغي أن نفهم رفض القيادات في السويداء لأي مقترح قد يأتي من إسرائيل الرسمية. وكان قياديون في الحركة الصهيونية أرادوا في الثلاثينات تمرير مشروع الدولة الدرزية في شمال فلسطين كجزء من تموضع اليهود في المنطقة، وهو مشروع رفضه المعنيون في حينه. لكن هناك مَن يهتم باستحضاره الآن معتقداً وجود لحظة تاريخية لتمريره.
لا أحد يستطيع أن يأخذ من دروز فلسطينيين صِدق قلقهم على أبناء عقيدتهم وأهلهم خاصة وأن كل دروز فلسطين أتوا إما من جبل العرب وإما من جبل لبنان، ولكل عائلة هنا فروعها أو أصلها هناك، ولعائلتي الحلبية أيضاً. بمعنى أن القلق إنساني ووجودي يتجاوز السياسة في حدودها المعروفة. ونراه يوحّد في شكل غير مسبوق كل مشارب طائفة الموحدين في فلسطين وكل قياداتهم. ولا أحد بالمقابل يستطيع أن يتجاهل تعقيد الحالة في محافظة السويداء وحساسية وضع أهلها كأقلية وسط حرب ليست لها بالمُطلق بين نظام أقلوي وبين شعب ثائر أو بين جيش النظام وبين فصائل تكفيرية عنيفة في خطابها ودموية في حروبها. ومن الحكمة إيجاد نقطة التوازن بين هذه وتلك. بين الذين يريدون تقديم العون كواجب أولي لمجموعة الانتماء الوشائجية وبين المحتاجين إلى المساندة. بين سعي مكثّف شعبي مدني بالأساس للقيام بالواجب وبين قيادات مُحاصرة بواقعها وبضغط الميدان والتاريخ وبالمسؤولية عن المستقبل.
كنتُ عبّرتُ عن اعتقادي في أكثر من منبر ومناسبة من أن قوات "داعش" ستتقهقر في مفصلين، عند الأكراد في شمال سورية وعند الدروز في جنوبها، لأن حرب هاتين المجموعتين مختلفة عن حروب الآخرين ولأن للمجموعتين تاريخاً وتجارب وحروباً خرجت منها واقفة وإن تكبّدت خسائر فادحة. لكننا لسنا بحاجة إلى مزيد من البطولات من أهل السويداء المدينة والمحافظة. فقد كانوا عنواناً لها. وهم ليسوا في امتحان وطني لأنهم فازوا في مثل هذا الامتحان عندما غدر الآخرون. كما أنه من غير المُنصف أن نرى إلى قضيتهم الآن على هذا النحو الرومانسي. بل المطلوب الوصول إلى كل ضالع في المأزق السوري للضغط عليه، لتجنيب المحافظة هول الحرب ومآسيها. فمصلحة الأردن ألا يكون "داعش" على حدوده الشمالية. ومصلحة المملكة العربية السعودية أن تُضعف "داعش" في هذه المناطق القريبة من حدودها. وكانت المملكة فيما مضى حمت قيادات جبل العرب إبان الثورة السورية (في النصف الثاني من عشرينات القرن الماضي) وأمنت لها سكناً ودعماً تموينياً في منطقة النبك كجزء من دعمها للثوار وأُسرهم بعد اشتداد المعارك. وينبغي الضغط على محاور دولية وأممية لمنع وقوع الكارثة من خلال قرارات دولية أو إقليمية. وهكذا، ينبغي تحليل المعادلة بردها إلى عواملها لإيجاد طريقة تجنّب أهالي محافظة السويداء تجربة كوباني والأيزيديين كأقلية نوعية الذين طحنتهم الحرب وهم منها براء.
سيُحسن الجميع صُنعاً لو أنهم عملوا في السرّ وبتواضع كجزء من متطلبات الواقعة التي أمامنا وشروط لعبتها. وهي واقعة تستدعي الحكمة لا البطولة. وحريّ بالمحاصرين في السويداء أن يكونوا أبطالاً في السياسة كما كانوا في الحروب. وبين هذه وتلك من محاذير، هناك ضرورة بتسريع الاتصالات والتدابير على كل مستوى لتأمين الحماية لمحافظة السويداء وأهلها.