الرئيسة \  واحة اللقاء  \  محاولة في فهم طبيعة الصراع الدائر في العالم العربي

محاولة في فهم طبيعة الصراع الدائر في العالم العربي

05.07.2014
د. يوسف نور عوض



القدس العربي
الخميس 3/7/2014
ليست هناك حالة من الفوضى في أي مكان من العالم تعدل ماهو حادث في العالم العربي، فإذا نظرنا إلى العراق- على سبيل المثال – أدركنا صعوبة الوصول إليه والتعامل معه بسبب الحروب والقتال المستمر، وأخيرا ظرت فيه "داعش"
لتقول أنها اسست فيه أول دول إسلامية، ومنه ستواصل نشاطها في مناطق أخرى من العالم العربي، كذلك إذا نظرنا إلى سوريا وجدنا الصراع يأخذ طابعا طائفيا أساسه العلويون والسنة، وهو صراع فاجأ الكثيرين لأن سوريا ظلت على مدى أكثر من خمسة عقود ترفع شعارات القومية العربية ولم تفصح عن أجندتها السرية، إلا أخيرا وهي أجندة حافلة بالدماء، إذ لا يوجد نظام حكم أوسع شعبه قتلا ودمارا مثل النظام السوري.
وإذا نظرنا إلى مصر وجدنا هذا البلد الذي عرف بهدوئه لم يعد يختلف عن غيره من بلاد العالم العربي التي تسود فيها النزاعات والقلاقل، ذلك أن الذي يسيطر على نظام الحكم في مصر في الوقت الحاضر نظام انقلاب عسكري أطاح رئيسا منتخبا، زاعما أن انتخاب الرئيس تم في ظروف غير طبيعية، وأن المحافظة على نظامه تعني التمكين لحزب الإخوان المسلمين، غير أن النظام بدأ يفصح عن وجهه أخيرا عندما قال الرئيس "عبد الفتاح السيسي" في الثلاثين من شهر تموز/يوليو بأنه يحتفل بمرور عام على ثورة الثلاثين من هذا الشهر بمعنى أن النظام لم يعد حركة تصحيحية كما يدعي، بل هو نظام ثورة لا يختلف عن غيره من النظم العسكرية التي سيطرت على المنطقة ردحا طويلا من الزمن.
وتتكررهذه الصورة في كثير من البلاد العربية الأخرى حيث تعلو الصراعات المذهبية والطائفية والعرقية على كل الاعتبارات، كما هو الشأن في اليمن ولبنان وليبيا وغيرتلك من بلاد العالم العربي.
والسؤال المهم هو لماذا ما زال العالم العربي يعيش هذه الحالة الواسعة من الفوضى السياسية وفشل هذا العالم حتى الآن في وضع رجله على الطريق الصحيح لينهي صراعاته من أجل أن يبدأ في تكوين نظم الدولة الصحيحة؟ والإجابة على هذا السؤال تستوجب تحليلا عميقا للواقع السياسي في العالم العربي والعوامل التي أثرت في هذا الواقع.
وكما هو معروف يحتل العالم العربي موقعا استراتيجيا في خريطة العالم، إذ هو يقع في منتصف هذا العالم ويجاور بحرين مهمين، هما البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر اللذين ترتبط الحركة فيهما باستراتيجيات دولية مهمة.
وتنظر معظم دول العالم إلى العالم العربي على أنه يلعب دورا كبيرا في السياسة الدولية بسبب توافر موارده الطبيعية والاقتصادية وبسبب كونه مهد الاسلام الذي هو أحد أكبر ثلاث ديانات عرفها العالم ويدين بها أناس يرتبطون عاطفيا ووجدانيا بمهد الإسلام.
لكن نظرة العالم الخارجي إلى العالم العربي ليست هي كل ما يتعلق بالواقع العربي، ذلك أن هذا العالم عاش ظروفا سياسية واجتماعية أثرت كثيرا على تكوينه وتوجهاته السياسية، وكما هو معروف فعلى الرغم من أن العالم العربي ظل يعيش على نظم الخلافة ردحا طويلا من الزمن فإن المرحلتين اللتين أثرتا فيه بشكل واضح هما مرحلتا الحكم العثماني والحكم الاستعماري، وأهم الآثار التي تركتها المرحلتان هي اعتقاد الحركات الوطنية أن كل ما تحتاج إليه هو الوصول إلى السلطة، دون أن يكون هناك تصور صحيح لنظم الدولة التي تقوم عليها السلطة، وفي ظل هذه الضبابية وعدم الوضوح ظهرت مرحلة الانقلابات العسكرية التي حدثت في مصر وسوريا وليبيا واليمن وغيرها، وكانت تلك الانقلابات العسكرية مقبولة في أول أمرها لأنها جاءت في مرحلة الحرب الباردة وظل القائمون عليها يمنون الشعوب بالتحول الاقتصادي والاجتماعي وفقا للمفهومات اليسارية السائدة، وكانت القضية الفلسطينية التي انحازت لها معظم نظم الحكم في العالم العربي سببا في التفاف الجماهير حول تلك النظم، ولكن الآمال تبخرت واتضح أن نظم الحكم العسكري لا تعدو أن تكون سلطات منظمة تخبىء من الأجندة أكثر مما تعلن، وبدلا من أن تحقق الحرية للشعوب عملت معظم هذه الدول على إقامة نظم تعسفية تعتمد على سلطة المخابرات وتكميم الأفواه بكل الوسائل القمعية الممكنة.
وكان ذلك سببا في ظهور ثورات الربيع العربي التي انطلقت لتغير هذا الواقع، ولكن العقبة التي واجهتها ثورات الربيع العربي هي الغياب الكامل لأي تصور لنظم الدولة الحديثة، وبالتالي طفت على السطح المكونات الأساسية في العالم العربي، وهي المكونات العرقية والطائفية كما هو الشأن في العراق وسوريا وغيرهما من المناطق.
والسؤال المهم هو هل يريد العالم العربي أن يعيش تحت مفاهيم الصراع والتناحر أم هو يريد أن يعيش في ظل نظم الدولة الحديثة ؟ وإذا كان الخيار هو الثاني فيجب أن يتفهم الجميع أن الوصول إلى السلطة ليس هو الهدف الذي يسعى إليه الجميع، ذلك أن الوصول إلى السلطة قد تتبعه صراعات خبيئة تأخذ طابعا عرقيا وطائفيا وعقديا ومذهبيا، وبالتالي تتحول السلطة من كونها وسيلة إلى خدمة المؤسسة إلى كونها وسيلة لتقويض المؤسسة.
وفي ضوء ما ذكرناه نقول إن ما يجب أن يتطلع إليها العالم العربي هو إقامة نظام الدولة وليس نظام السلطة لأنه في ظل نظام الدولة تختفي الصراعات، أما في ظل نظام السلطة فإن الصراعات تصبح جزءا من مكونات الدولة، وقد لحظنا في الآونة الأخيرة كيف فشلت نظم السلطة في العالم العربي في إجراء الحوارات الوطنية، ذلك أن الحوار بين السلطة ومكونات المجتمع الأخرى يجب أن تقف على أرضية متساوية، ولكن إذا كانت السلطة تريد من سائر العناصر ان تلتف حولها من خلال عملية الحوار فإن ذلك لن يحقق هدفا، ذلك أن الأحزاب والتجمعات الأخرى لها أهدافها وهي ليست على استعداد للتضحية بهذه الأهداف لمجرد المشاركة في عملية حوار لا تفضي إلى شيء.
ومؤدى قولنا هو أن العالم العربي بحاجة لأن يخرج سريعا من هذا الواقع حتى تختفي الصدامات، ذلك أنه مع اختفاء نظام الدولة الحقيقي فإن الصراع يظل قائما لأن كل عنصر يريد أن يحتفظ بالسلطة لنفسه، أما في ظل نظام الدولة فإن سائر العناصر تصبح قادرة على التعايش مع بعضها بعضا، ذلك أن نظام الدولة يسمح لهذه العناصر بالتعايش في إطار القانون، أما في ظل نظم السلطة فإن العناصر لا يمكنها أن تتعايش مع بعضها بعضا لأن كل عنصر يريد أن بطرد العنصر الآخر حتى تبقى السلطة في يده.
٭ كاتب من السودان