الرئيسة \  واحة اللقاء  \  محرقة الجنرالات في حروب الشرق

محرقة الجنرالات في حروب الشرق

15.10.2015
داود البصري



الشرق القطرية
الاربعاء 14/10/2015
مع سقوط جنرال الحرس الثوري الإيراني (حسين همداني) في ريف حلب الشمالي تتعزز خسائر التحالف السوري الإيراني وتضاف أسماء وأرقام جديدة لسجلات الضحايا في الحرب الكونية المصغرة التي تعيشها سوريا، والتي تسير باتجاه توسيع أطر التورط الإقليمي وبما هو أبعد من المجال الحيوي السوري.
فخسائر الحرس الثوري من كبار المستشارين الحرسيين والقادة العسكريين الذين قادوا صفحات الحرب ضد العراق تشكل معضلة حقيقية لنظام حليف للنظام السوري منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي وتقاسم معه حروبه وتحالفاته وتشكيلاته الاستخبارية بل إن الملفات الجامعة لعمل نظامي دمشق وطهران تشكلان ملفا متضخما لأهم أحداث ومنعطفات وتطورات الشرق القديم طيلة العقود الثلاث المنصرمة من عمر المنطقة.
لقد شكلت الحرب السورية الشرسة تحديا حقيقيا لأنظمة عاشت وترعرعت على الشعارات المرفوعة، وهي شعارات متناقضة ولكنها تعبر عن مصلحية وانتهازية فظة مثلت حقيقة النظام السياسي الإقليمي!، فالنظام السوري مثلا ظل ولعقود طويلة بدأت منذ أوائل ستينيات القرن الماضي يتغنى بشعارات الوحدة العربية والاشتراكية العلمية والعمل القومي ثم تلظى لسنوات ومراحل طويلة أيضا خلف شعار الصمود والتصدي والتوازن الاستراتيجي!، ولكن تحالفاته وتصرفاته وعلاقاته وخططه السرية والعلنية لا علاقة لها أبداً بتلكم الشعارات الزاعقة بل إن هويته الفكرية الحقيقية ظهرت حقيقتها في وقوفه العلني والصريح مع النظام الإيراني خلال مرحلة الحرب مع العراق (1980/1988) وناوئ خصمه اللدود النظام البعثي العراقي السابق العداء رغم الهوية العقائدية المشتركة ظاهريا!! مما خلق تناقضا لم يفهمه أو يبرره الكثير من المراقبين، فالنظام الإيراني لم يكن أبداً يخفي عدائه للقوميين العرب ولفكرة الوحدة العربية ولكنه في الحالة السورية كان يتعايش وينسق مع النظام القومي السوري! وهي حالة لم تمنع أبداً من تواجد قطاعات الحرس الثوري الإيراني في العمق السوري وفي البقاع اللبنانية أيام الاحتلال السوري للبنان وهم الذين استطاعوا بناء اللبنات الأولى لتنظيم (حزب الله) اللبناني،وكذلك لعبوا أدوارا مباشرة وصميمية في إدارة عمليات الإرهاب في الشرق والخليج العربي وضرب المصالح الأمريكية والغربية في لبنان والعراق والكويت والخليج العربي في منتصف الثمانينيات والتي استمرت بشكل متصاعد حتى عشية الغزو العراقي للكويت عام 1990 وتغيير كل قواعد اللعب والتحالفات والمواقف!، مما جعل من أعداء الأمس حلفاء اليوم!!، ولكنها كانت حالة اضطرارية مؤقتة قامت بسبب فوضوية الغزو ومفاجأته الزلزالية والتي قلبت كل القواعد والتحالفات وأسست لمرحلة طويلة من الفوضى والتداخل في الشرق توجت بالغزو والاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وتدشين مرحلة (الفوضى الخلاقة) وحيث انهارت الدولة العراقية تحت مؤثرات الطائفية والاحتلال وتهشيم القواعد الأخلاقية والمجتمعية ودخول المتناقضات الإقليمية لمرحلة تصفية الحسابات،.. اليوم يبدو التحالف السوري/ الإيراني القديم أمام حقيقة التفكك والانهيار بسبب وصول النظام السوري لحالة الإفلاس التام بعد سقوط الستار بالكامل عن (شرعيته الثورية) التي تهاوت تحت ضربات الثورة الشعبية ولجوء النظام لحقيقته القمعية والإرهابية ثم الانضواء تحت العباءة الطائفية الرثة التي جعلت من أرض الشام الطاهرة محطة للعصابات والعشائر الطائفية القادمة من كهوف وسراديب العراق ولبنان وأفغانستان والتي دخلت البلد تحت عنوان الحفاظ والدفاع عن المواقع الدينية والمذهبية المقدسة!! لتتحول لاحتلال طائفي بغيض يمارس مهمة استئصال وتدمير الشعب السوري بعد أن أضحت الخارطة السورية بأسرها مجالا حيويا وملعبا لها، وهاهم جنرالات الحرس الثوري يسقطون في مختلف المواقع السورية دون تجاهل مئات التوابيت المغلفة بعلم حزب الله الأصفر وهي تعبر الحدود نحو ضاحية بيروت الجنوبية!! وأمام احتمالات التورط البري لقوات النخبة الروسية في العمليات القتالية فإن مصارع الجنرالات تظل إحدى أهم سمات تطور الصراع السوري المفتوحة احتمالاته المرعبة على مختلف النهايات... شرق يزحف بامتياز نحو دراما مرعبة للأسف...