الرئيسة \  واحة اللقاء  \  محنة اللاجئين السوريين والمسؤولية الدولية

محنة اللاجئين السوريين والمسؤولية الدولية

23.09.2013
مورتون أبراموفيتز


الاتحاد
الاحد 23 /9/2013
يمثل تقدير عدد السوريين الفارين من وطنهم أحجية رياضية. ذلك لأن الأرقام المتعلقة بهم لا تتوقف عن الارتفاع. وغالباً ما تتولى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة القيام بهذه المهمة المعقدة بشكل دوري. والآن، وبعد مرور سنتين على بداية الحرب، قدرت المفوضية أن يكون أكثر من 7 ملايين سوري أو ما يعادل ثلث العدد الإجمالي للسكان، قد نزحوا عن بيوتهم أو أصبحوا لاجئين في بلدان أخرى. وتمثل حركة النزوح هذه أضخم عملية هجرة منذ الهروب الجماعي للأفغان من وطنهم عقب الغزو السوفييتي عام 1979.
وقالت مصادر الأمم المتحدة إن أكثر من مليوني لاجئ سوري نزحوا إلى الدول المجاورة. إلا أن الأرقام الحقيقية لأعدادهم أكبر من ذلك بكثير لأن الكثير منهم فرّوا إلى دول أخرى دون أن يسجلوا أنفسهم ضمن قوائم الأمم المتحدة. كما بقي الكثير من اللاجئين خارج المخيمات. وبقي عدد كبير منهم عالقين على الحدود التركية الأردنية بانتظار السماح لهم بدخول المخيمات. والأسوأ من كل ذلك أن أحداً لا يمكنه أن يعرف إلى متى سيبقى هؤلاء في بلدان الشتات. ويحدث هذا بينما تتزايد وتيرة النزوح وتكاليف إيواء اللاجئين.
وعلى المرء أن يفكّر في التكاليف الباهظة للجهود التي تبذلها الوكالات التابعة للأمم المتحدة والعديد من المنظمات غير الحكومية لإبقاء السوريين على قيد الحياة وحمايتهم في هذه الظروف الخطيرة التي يتعرضون لها. وتبقى هناك حاجة لبذل المزيد من الجهود من طرف الولايات المتحدة وحلفائها، مع ضرورة إسقاط دور روسيا والصين من هذه المهمة بعد سعيها لتأييد الأسد وبقائها في موقع المتفرج على الكارثة الإنسانية.
وليس من المفاجئ أن تكون مأساة اللجوء هذه قد وقعت في أربع دول حدودية هي العراق والأردن ولبنان وتركيا. وأثبتت تركيا قدرتها على استيعاب عدد أكبر من اللاجئين مما تستطيع الدول المضيفة الأخرى، رغم أن الزيادة المتواصلة في عدد اللاجئين من شأنها إحداث توترات داخلية. إلا أن الأبواب المفتوحة أمام هؤلاء النازحين الذين تسمح لهم الحكومة التركية بالدخول عبر الحدود بدأت تضيق أكثر فأكثر. وتكمن المعاناة الكبرى لهؤلاء اللاجئين في لبنان الذي يعاني من ضعف كبير وحيث سببت الحرب السورية شرخاً داخلياً خطيراً. ولو سقطت دمشق، فمن غير المتوقع أن يغادر اللاجئون السوريون لبنان. ويتحمل الأردن أقل من المعاناة التي يتحملها لبنان، لكنه يحتاج أيضاً إلى معونة اقتصادية هائلة لمواجهة هذا العبء الكبير الذي يقع على كاهله. واستقبلت العراق- وخاصة إقليم كردستان الذي يعاني بذاته مشكلة نزوح محلية أعقبت حرب الخليج الأولى- أعداداً مهمة من اللاجئين.
وبالنظر لأن الحرب الأهلية لا توحي باقتراب نهايتها، فإن مساعدة اللاجئين والنازحين المحليين الذين يقدر عددهم بمليوني شخص، تتطلب من دول الجوار تحمل مسؤولياتها والإبقاء على حدودها مفتوحة أمام المزيد من النازحين، وأن تقدّم الدول المانحة المزيد من الدعم المادي والمعنوي لهم. كما يتطلب الأمر تقديم الدعم الاقتصادي طويل المدى للدول المضيفة. وحتى نساعد على وقف نزوح المزيد من السوريين فمن الضروري تأسيس صناديق إعانة لتأمين الأغذية وبقية المواد الأساسية لكل من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة والخاضعة لسيطرة المعارضة. ولا شك أنها مهمة صعبة ومحفوفة بالمخاطر. فهل يمكن لدول الجوار استيعاب مليون لاجئ جديد أو أكثر؟
يمكن لتركيا استقبال المزيد من اللاجئين، ربما نصف مليون، لكن هذا التوجّه لا يلقى القبول الشعبي والسياسي. ويُعتبر أردوجان من أكبر دعاة إطاحة الأسد ومساعدة اللاجئين، لكن دعمه بصناديق خارجية سيكون مفيداً من الناحيتين السياسية والمادية.
ويمكن لإقليم كردستان العراق استيعاب أكثر من مائتي لاجىء الذين يستضيفهم الآن لو حصل على المساعدات اللازمة من بغداد. أما الأردن ولبنان فبلغا قمة معاناتهما، ما أدى إلى لجوء عدد كبير من السوريين إلى مصر وليبيا وبعض دول أوروبا الشرقية. ويعاني مئة ألف لاجئ سوري في مصر من مضايقات متزايدة، حتى إن بعضهم أصبح يعاني الأمرّين كي يواصل حياته. ويمكن لدول إسلامية أوروبية، مثل البوسنة وكوسوفو وألبانيا، استقبال عدد محدد من اللاجئين السوريين. لكن هل يمكن للحكومات الغربية فتح أبوابها أمام اللاجئين السوريين؟ بالتأكيد لا يمكنها ذلك، إذ ستجد من العسير أن تحظى مبادراتها لاستضافة اللاجئين المسلمين بالقبول لدى الرأي العام المحلي. ومهما يكن، فمن واجب الغرب الإعراب عن رغبته في تحمل جزء من هذا العبء. وخلال السنة المالية الجارية، سمحت الولايات المتحدة باستضافة 33 لاجئاً سورياً. وستسمح لأوباما في السنة المالية الجديدة باستقبال 70 ألف لاجئ سوري جديد سينضمون إلى برنامج اللجوء الذي تشرف عليه وزارة الخارجية. كما أن إعلان الولايات المتحدة عن رغبتها في استضافة اللاجئين قد يساعد في تعزيز جهود إعادة توطينهم في بلدان أوروبا الغربية. ووفقاً للإجراءات المعمول بها في الولايات المتحدة، يمكن لعملية إعادة توطين اللاجئين السوريين أن تستغرق بضع سنوات.
فمن سيدفع التكاليف الباهظة لهذه العملية الإنسانية؟
وصل نقص التمويل مرحلته الحرجة. ونجحت المؤتمرات الأممية لتدارك هذا الأمر في الحصول على وعود مهمة بالتمويل، لكنها لم تُنفّذ، وخاصة تلك التي تقدمت بها الدول العربية التي سجلت سرعة أكبر في تسليح المعارضة. واقتصرت الأموال التي قدمتها كل من روسيا والصين على 17.8 مليون دولار من الأولى و1.2 مليون دولار من الثانية. ووعدت الولايات المتحدة برصد مليار دولار إلا أن هذا المبلغ ليس كافياً بالمقارنة مع حجم المشكلة. وأعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين عن حاجتها لمبلغ 3.1 مليار دولار قبل نهاية العام الجاري، لكن 40 بالمئة فقط من المبلغ تم تأمينها.
------
سفير أميركي سابق في تايلاند وتركيا
====================