الرئيسة \  مشاركات  \  محورا الإعتدال والممانعة ينخرطون في محورٍ واحد!

محورا الإعتدال والممانعة ينخرطون في محورٍ واحد!

16.08.2014
علي أبو ياسين



شهدت منطقة الشرق الأوسط  قبل الربيع العربي انقساماً الى محورين, المحور الأول سمى نفسه محور الاعتدال العربي ومن أبرز دوله مصر والسعودية, والمحور الثاني سمى نفسه محور الممانعة والمقاومة ومن أبرز دوله إيران وسوريا ,وكان  المحور الثاني يتهم المحور الأول بأنه صديق " عميل " للأمريكي, وكانت العلاقة بين هذين المحورين قائمة على التنافس الظاهري في العديد من الملفات , ولكن تقاطعت مصالحهم في ملفات أخرى  .
 بعد الربيع العربي, وبعد صعود التيار الإسلامي المعتدل " الاخوان " ,الذي أثبت نفسه كقوة سياسية وفكرية وثقافية, وحصد أصوات غالبية الشعوب العربية في أول انتخابات نزيهة تجرى في هذا العالم, واستطاع أن يقدم هذا التيار نموذجاً ومشروعاً لنهوض الأوطان, على كل المستويات الاقتصادية ,الاجتماعية و السياسية ,حيث انبعث الأمل مجدداً بتحرير فلسطين من الاحتلال, وبالتالي تحرير كل الوطن العربي والاسلامي من كل أشكال السيطرة والهيمنة, نعم لقد انبعث الأمل مجدداً  عند هذه الشعوب , وتبين  أنها قادرة أن تفرز قيادات حقيقية وقوية لأول مرة في تاريخها دون إملاءات خارجية .
لقد أحدث الربيع العربي صدمة وحالة من الرعب والهلع  للكثيرين.
- لقد خافت أمريكا المستعمر الأكبر للمنطقة, وهي التي تتحكم بمنابع النفط والغاز  وإنتاجه وتسويقه,  ولها مصالح استراتجية في المنطقة على أساس أنها منطقة متقدمة بوجه الروس والصينيين.
- لقد خاف الكيان الصهيوني, ليس على أمنه فحسب, بل على وجوده وبقائه , لأن  على رأس سلم أولويات حركة الإخوان تحرير فلسطين, ولأنها  المدخل الأساس لتحريركل العالم العربي والاسلامي, ومن أهم مؤشرات الخوف عند الصهاينة ,  الصمود الأسطوري لحركة حماس في بقعة جغرافية صغيرة جداً, حيث هاجمت العدو الصهيوني في كل مدنه المهمة ومرافقه الحيوية, وخرجت حماس من هذه الحروب منتصرةً , وهذا يحدث للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الصهيوني .
- وخافت إيران لأنها تعمل لتكون هي الدولة العظمي في المنطقة, ورسمت استراتجيتها على هذا الأساس منذ عام 1979, وعملت على تطوير قدراتها العسكرية , عديدا ً وعتاداً , وعملت على إنشاء أذرع عسكرية وسياسية موالية لها في المنطقة, كذلك اجتهدت لاستمالة أنظمة وحكومات الى جانبها, وقامت بالتبشير بمشروعها عبر سفاراتها المنتشرة في العديد من الدول العربية والاسلامية .
- لقد خاف من تبقى من أنظمة عربية على قيد الحياة من هذا المد النهضوي,  لأنها أنظمة متهالكة, استنزفت ثرواتها وشعوبها, وبقيت في مؤخرة ركب التطور والحضارة, وظلمت وقمعت واستسلمت للغرب لمجرد أنه غرب.
- لقد خاف بعض أصحاب الكراسي والمال, والعلاقات والمصالح الضيقة ,وخاف كل من لاقيمة له الا في ظل احتلال واستعمار وهيمنة.
لقد استنفر الجميع لتحويل هذا الربيع الى خريف لا شتاء بعده, وقامت الولايات المتحدة الأمريكية, باستحضار كل الدراسات والمشاريع التي عملت على إنضاجها استعدادا لمرحلة الربيع العربي, وخاصة ما قاله صموئيل هنتنغتون حول صراع الحضارات حيث طلب من الغرب أن "يقوي نفسه داخلياً ويتخلى عن عالمية الديمقراطية ", ويرى هنتنجتون أن السياسة الكونية المعاصرة تتمثل الآن في عصر حروب المسلمين، فالمسلمون يحاربون بعضهم البعض كما أنهم يحاربون غير المسلمين وذلك بمعدل أكثر بكثير مما تقوم به شعوب الحضارات الأخرى. وأن حروب المسلمين قد احتلت مكانة الحرب الباردة كشكل أساسي للصراع الدولي، ويضيف المشكلة المهمة بالنسبة للغرب ليست الأصولية الإسلامية بل الإسلام، فهو حضارة مختلفة، وشعبها مقتنع بتفوق ثقافته .
أما برنارد لويس فيقول: الإسلام هو الحضارة الوحيدة التي جعلت بقاء الغرب موضع شك,  وهو الذي صاغ للمحافظين الجدد في إدارة الرئيس بوش الابن استراتيجيتهم في العداء الشديد للاسلام والمسلمين, وقد شارك لويس في وضع استراتيجية الغزو الأمريكي للعراق, حيث ذكرت الصحيفة الأمريكية ” وول ستريت جورنال “أن ” لويس “ كان مع الرئيس بوش الابن ونائبه تشيني خلال اختفاء الاثنين, على أثر حادثة ارتطام الطائرة بالمركز الاقتصادي العالمي, وخلال هذه الاجتماعات ابتدع لويس للغزو مبرراته وأهدافه التي ضمنها في مقولات ,” صراع الحضارات ” و ” الارهاب الاسلامي “, لذلك يقول لويس إن الحل السليم للتعامل مع المسلمين  هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية, ويقول  إنه  من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والاسلامية الى وحدات عشائرية وطائفية, ولا داعي لمراعاة خواطرهم او التأثر بانفعالاتهم وردود أفعالهم.
 في عام 1983 وافق الكونجرس الأمريكي بالاجماع في جلسة سرية على مشروع الدكتور”برنارد لويس“, وبذلك تم تقنين هذا المشروع واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الامريكية الاستراتيجية لسنوات مقبلة .
إذاً قبل محاولات إجهاض الربيع العربي لم يكن هناك داعش ولا جبهة نصرة, وقبل احتلال الأمريكي للعراق لم يكن هناك وجود لتنظيم القاعدة في العراق,  وقبل أحداث الحادي عشر من أيلول لم يكن أحد  يسمع بتنظيم القاعدة الا من الساسة والإعلام الأمريكي , نعم من حقنا أن نتساءل لو استمر الربيع العربي ثورات شعبية  وتم  التغيير بالطرق السلمية المعهودة,  وحققت هذه الشعوب نهضتها وتحررها,وأفرزت قياداتها, هل كنا رأينا هذه التنظيمات التي تسمى ارهابية ؟  من حقنا أن نتساءل من أمن مناخاً لنمو وتفشي مثل هذه التنظيمات؟ ومن مهد لها الطريق ليشتد عودها ؟ من حقنا أن نتساءل من يؤمن لها المال والإعلام؟ من حقنا أن نتساءل قتل المسلمين لبعضهم البعض في مصلحة من يصب؟  ومن حقنا أن نتساءل تحويل البوصلة عن اسرائيل وإيجاد أعداء آخرين لمصلحة من ؟
- هل من قبيل الصدفة  أن يوضع أنصار الاخوان وكل الإسلام الوسطي في السجون ويطلق سراح مؤيدي التنظيمات الأخرى ؟
- من أغلق وسائل الإعلام التابعة للإخوان في ليلة واحدة وأطلق العديد من الفضائيات لتابعة  لهذه التنظيمات؟
-  من أغلق المؤسسات الاجتماعية والثقافية للإخوان وختمها  بالشمع الاحمر؟ وفي نفس الوقت مزاريب السفارات المالية تغدق على  هذه التنظيمات ؟  لماذا الأحزاب الرديفة للإخوان تحل وتحظر وتنشأ عشرات الأحزاب لهذه التنظيمات؟.
لقد أرادوا صناعة العدو  الذي سماه  " لويس" , الإرهاب الإسلامي !
هذا العدو هو صنيعتهم, وهو عدو لنفسه, وللشعوب وللنهضة وللحضارة, هو عدو للصحوة الاسلامية برمتها, وقد تشاركت أمريكا وإيران  وبعض من تبقى من أنظمة عربية وخاصة  بعض دول الخليج ومصر بصناعة هذا العدو,  ويشنون اليوم  مجتمعين حرباً على هذا العدو الذي أسموه ارهاباً .
لقد ذاب محورا  الاعتدال العربي والممانعة والمقاومة  ليصبحا بعد الربيع العربي محوراً واحداً سقفه الأمريكي واسمه الحرب على الإرهاب.
نحن نعلم تماماً أنهم يريدون من هذه الحرب إجهاض الربيع العربي, وذلك بنشر النزاعات والاقتتال السني الشيعي, والاسلامي المسيحي,  والعربي الكردي, والعربي البربري, والعربي الأمازيغي, والعربي الفارسي, لقد درسوا كل التناقضات وحتى العشائرية والمناطقية ويعملون على تأجيجها.
إنهم يريدون للمنطقة العربية الشرذمة والتقسيم, يريدون لها أن لا تخطو أي خطوة على طريق النهضة والتحرر.
في الخلاصة :
- على الجميع في عالمنا العربي والاسلامي,  أن يعرف أنه مستهدف وأنه عدوٌ للغرب, و يجب  على كل دولة أو حزب أو كيان  أن لا يستعمل أداة في هذه الحرب.
-  يجب توجيه كل السلاح باتجاه واحد هو العدو الصهيوني, لأن بداية الحل هو تحرير فلسطين, وعلى كل الشعوب العربية والاسلامية الالتفاف حول المقاومة الفلسطينية, وتأمين كل المستلزمات والمقومات لها .
- التأكيد على استراتجية السلمية في تغيير الأنظمة والتحول السياسي,  لأن الإحتراب الداخلي ونزف الدم العربي و المسلم خسارة استراتجية, واستهلاك الثروات والإمكانيات تأخير لمشروع النهضة من بلوغ أهدافه وخدمة كبرى للعدو.
- احتضان كل الأقليات العرقية والطائفية في كل العالم الاسلامي على أساس أنهم جميعاً جزء من الأمة وضمانة لوحدة الأوطان.