الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مخاتلة (الطفل السوري وخيبة الإعلام(

مخاتلة (الطفل السوري وخيبة الإعلام(

17.11.2014
جاسر الجاسر



الحياة
الاحد 11-16-2014
نظام بشار الأسد هو الوحيد المستفيد من انكشاف فبركة مقطع الطفل السوري الذي ينقذ أخته بشجاعة، لأنه يكسر حدة التعاطف مع الصور والمقاطع الفعلية التي توثق جرائمه البشعة ويزيد نسبة الشك في أي وثائق مشابهة، ما يمنحه فرصة التنفس والمزيد من التوغل بطمأنينة.
قصة الطفل الشجاع تقترب كثيراً من الحبكة التي ظهرت عن الفتاة الكردية ريحانة المسماة "ملاك كوباني" وبطولاتها الخارقة، بينما هي مجرد فتاة متدربة لا يعرفها أحد سوى مصور التقط لها صورة استعراضية. اللافت أن "بي. بي. سي." هي التي كشفت حقيقة الحكايتين، وصدمت جمهور المتحمسين لكليهما.
سبب انتشار شريط الطفل هو موقع "شام" الإخباري، وهو مرجع معتمد لكثير من وسائل الإعلام لنقل ما يجري في سورية هرباً من التعتيم الإعلامي الطاغي وعدم قدرة المراسلين على الوصول إلى المناطق الميدانية، ما جعل المقاطع الفردية هي الأصل مع أنها لا تتجاوز كونها شهادات شخصية في أحسن الأحوال، لاستحالة التحقق من صدقيتها.
هذا المقطع المفبرك سيضر كثيراً بسمعة "شام" التي تنامت منذ بدء الثورة في سورية، وسيقضم جزءاً كبيراً من قيمتها لدى وسائل الإعلام ويخفضها من درجة الاعتماد الكامل إلى حال التشكيك والتمحيص. هذا أمر سيئ في المواجهة الإعلامية، لا يستفيد منه سوى نظام بشار، فهل ما حدث مجرد حماسة، أم أنه اختراق للشبكة من الداخل بغية تدمير حضورها وتقليص تأثيرها؟ هل سيبقى "المرصد الإعلامي" متماسكاً أم أنه سيكون السقوط التالي؟ لو حدث هذا، فإن المعارضة السورية ستفقد حنجرتها كما خسرت جانباً من سطوتها الميدانية وفعاليتها السياسية لمصلحة الجماعات الجهادية والنظام.
لم تنكشف حقيقة رواية "ريحانة" ومقطع الطفل الشجاع إلا بعد أن أصبحا من أيقونات الإعلام ورمزين للصمود، ما جعل الصدمة عنيفة، وأشعر المتحمسين أنهم كانوا ضحايا لعبة مراوغة، وأنهم انجرفوا خلف تمثيلية تحرق أسماءهم وتشكك في أي طروحات لهم. هنا لا يصبح النشر مجرد خطأ، بل فعلاً متعمداً ربما تتبعه خطوات أخرى حتى لا تعود لهذه المواقع أي صدقية وتصبح نشاطاتها نسياً منسياً.
لا ضير على وسائل الإعلام في تناقل مقطع شبكة "شام"، لأن سمعتها نقية ومعلوماتها صادقة طوال سنوات الثورة، مع أن مقطعها الأخير كان تضليلاً مباشراً ومقصوداً، ما يثير السؤال حول تماسكها مؤسساتياً وصرامة معاييرها. إن "شام" علامة فارقة ومهمة في الدفاع عن السوريين، فإن اختل توازنها لم يعد ثمة مصدر سوى "الدنيا" و "المنار" وهي محصلة خطرة.
هذه "الفبركة" وقبلها حوادث أخرى ستؤدي إلى إغلاق الباب أمام كل المحاولات الفردية لنقل الحدث، وحينها سيقتل الأطفال والنساء والرجال بصمت وبعيداً من كل عين، لأن جميع المشاهد أصبحت تمثيلية لا يمكن تمييزها عن الحقيقة، وهذا هو هدف كل من يريد تشويه مقاطع القتل والتعذيب في سورية، وخلط الحق بالوهم، فلا يفصل بينهما خط ولا يُستبان الليل من النهار.