الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مخاطر التوجه التركي نحو روسيا والعبرة التاريخية

مخاطر التوجه التركي نحو روسيا والعبرة التاريخية

06.09.2016
داود عمر داود


الرأي الاردنية
الاثنين 5/9/2016
أي غيور على مصلحة العرب والمسلمين يحب ان يرى بلاده مستقرة على الدوام، ويعمها السلام. ومن بين هذه البلدان تركيا، التي تتطلع وتتلهف حكومتها الحالية الى بلوغ عام 2023 وهي في أحسن حال. إذ سيشهد ذلك العام الذكرى المئوية لمعاهدة لوزان، التي أُرغم الاتراك على توقيعها، عام 1923، بشروط وقيود، فرضتها عليهم القوى الاوروبية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، لمدة 100 عام، تنتهي في 2023. وترى الحكومة التركية أن البلاد ستشهد انطلاقة اقتصادية عملاقة بمجرد رفع قيود معاهدة لوزان، وستنطلق نحو آفاق جديدة، وهذا حلم يراود حكامها الحاليين، بأن يجعلوها دولة كبرى اقتصاديا. وهم سائرون في هذا الاتجاه، بمعرفة عدوهم وصديقهم.
ولما وقعت المحاولة الانقلابية الفاشلة، شعر الاتراك بالخطر الشديد، بأن بلادهم وأحلامهم أصبحت في مهب الريح. ومن هنا توجهوا نحو روسيا، في حركة وصفها مراقبون بأنها تعكس "عبقرية" أردوغان السياسية. هذا التوجه التركي الجديد تجاه الشرق، بدلا من الغرب، يأخذ شكل الاستدارة بمقدار 360 درجة، وهو تغيير جذري في الدور "الوظيفي" المرسوم لتركيا خلال المائة عام الماضية، وجاء كرد فعل على الموقف الغربي عموما من طموحات تركيا، لما بعد عام 2023.
معروفة علاقات تركيا المتينة مع الغرب، ومعروف انها عضو في حلف شمال الاطلسي، ومعروف انها تشكل خط الدفاع الأول عن اوروبا وعن الشرق الاوسط وعن المياه الدافئة، في وجه الأحلام التوسعية للاتحاد السوفياتي من قبل، ولروسيا من بعد. ومعروف أيضا أن وصفها "الوظيفي"، من ناحية استراتيجية، لا يتعدى الحراسة، وهذا ما جاءت به معاهدة لوزان. ودور الحراسة مارسته تركيا، بكفاءة، اثناء أزمة تدفق اللاجئين على اوروبا، وقبضت ثمن ذلك.
ولأن حكام تركيا الحاليين يريدون أن تلعب بلادهم دورا غير ذلك المرسوم لها، فقد رسموا خطا جديدا ساروا عليه، وأخذوا يتفلتون من القيود المفروضة عليها، قبل الاوان، وقبل حلول الأجل المتفق عليه. فمن هنا جاء الصدام بين تركيا والغرب عموما. وسارعت أنقرة إلى التوجه نحو الشرق فور المحاولة الانقلابية الفاشلة. واتضح هذا من خلال التفاهمات التركية الروسية مؤخرا، والانفتاح الروسي الفوري نحو تركيا. مما أثار القلق في الغرب، فجاء جو بايدن ليعتذر علانية لاردوغان، في محاولة يائسة لثني تركيا عن التوجه نحو روسيا. طبعا، أن يخسر الغرب حليفا مثل تركيا يُعد كارثة. فهي "حجر الزاوية" في سياستهم الدفاعية، في هذه المنطقة، في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. فكيف سيكون رد فعل الغرب أمام تحول جذري كهذا؟ هنا تدخل العبرة التاريخية. فمن المعروف أن الحروب العالمية قامت نتيجة التنافس بين الدول الاستعمارية والدول الطامحة للاستعمار. ومعروف تاريخيا أيضا أن الدول الغربية تطلعت، وسعت طويلا، الى انهيار الدولة العثمانية من أجل أن ترث أملاكها، فيما عُرف بـ "المسألة الشرقية". ولما حاولت المانيا القيصرية، بعد توحيدها على يد بسمارك، ان تتوسع في الشرق، بتحالفها مع السلطان عبد الحميد، جاء قيصرها ويليام الثاني، عام 1898، زائرا اسطنبول والقدس ودمشق. واعلن من القدس رفضه لمشروع الدولة اليهودية في فلسطين، واعلن من دمشق حبه لـ 300 مليون مسلم في العالم، وزار قبر صلاح الدين ومدحه، ووضع اكليللا من الذهب عليه، واعلن معارضته للحروب الصليبية، وقال "هم دخلوها بالحرب ونحن دخلناها بالصداقة والسلم". فجُن جنون الدول الغربية الاخرى، واعتبروا اقوال القيصر تدخلا في شئونهم الداخلية، كون معظم مسلمي العالم رعايا في مستعمراتهم! وبدأ الغرب يعمل. وكانت النتيجة أنه خلال 10 سنوات تم خلع السلطان عبد الحميد، في انقلاب 1908، ثم اندلعت الحرب العالمية الأولى، بعد سنوات، نظرا لإشتداد التنافس بين الدول المستعمرة وتلك الطامحة للاستعمار، وتحالفت الدولة العثمانية مع المانيا، وهُزمتا معا. قرار اردوغان اليوم بالتوجه نحو روسيا والتحالف معها، والتخلي عن الغرب، إن تم ذلك، يشبه قرار السلطان عبد الحميد بالتحالف مع المانيا القيصرية. فهل يشهد العالم نشوب حرب عالمية ثالثة كبرى نتيجة خسارة الغرب لتركيا؟ تساؤل تجيب عليه الأيام والسنين القادمة.