الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مخاوف متحققة أصلاً!

مخاوف متحققة أصلاً!

22.06.2013
منار الرشواني

الغد الاردنية
السبت 22 /6/2013
يفترض أن يبدو غريباً اليوم السؤال عن مآلات الأزمة السورية، أو بعبارة أخرى المنتصر فيها على جانبي الصراع؛ نظام بشار الأسد أم المعارضة. ووجه الغرابة في حال وجود سياق منطقي، هو حجم الدمار الإنساني الذي حل بالشعب السوري حتى بات نصفه على الأقل بحاجة إلى مساعدات، بحسب المنظمات الدولية، فضلا عن الضحايا القتلى والجرحى، كما الدمار المادي الهائل الذي قد يحتاج عقوداً لإعادة بنائه وترميمه؛ فأي نصر يتحقق بعد هذا لأي سوري، أياً كان حاكم هذا الدمار؟
مع ذلك، يمكن إيجاد مسوغ للسؤال فلا يغدو غريباً، من جهة، في أن بقاء النظام، وكما تثبت عقود ماضية، سيعني إضافة مائة ألف آخرين من القتلى على الأقل، ضمن عملية الانتقام اللاحقة من الشعب، وبغية إخضاعه لعقود مقبلة. كما يمكن إيجاد "مبرر"، من جهة أخرى، في منظور البعض إلى سورية كلها باعتبارها ليست إلا نظاماً في مقابل معارضة. وبالتالي، فليس مهماً أي ثمن يدفعه الشعب السوري، ولأجيال عديدة، سواء لقاء بقاء الأسد أو لقاء الإطاحة به؛ فهذه هي القضية الوحيدة، والتي تبيح استخدام الشعب وقوداً لتحقيقها!
لكن الغرابة الأكبر التي لا تجد تبريراً، هي مواصلة الحديث عن المخاوف من امتداد تداعيات الأزمة السورية إلى دول الجوار. فمن قال إن هذه التداعيات لم تضرب كل العالم العربي ربما، وأبعد منه؛ حين أطاحت الأزمة أو تكاد بما يسمى "رأس المال الاجتماعي"، والذي يمكن تعريفه بكلمة واحدة هي "الثقة" بين مكونات المجتمع الواحد؟ وهذه الثقة، هي ما يسمح للمجتمعات بالبقاء أساساً وحدة واحدة، وضمن ذلك، وكشرط أساسي، إمكانية العمل معاً لتحقيق التنمية بأشكالها كافة؛ اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية.
طبعاً، يبدو التجلي الأكبر لتدمير "رأس المال الاجتماعي" في استحضار الصراعات المذهبية والطائفية التاريخية بين مسلمين "تكفيريين" ومسلمين "باطنيين وشعوبيين"! لكن ما لا يقل خطورة هو حملات الاغتيال المعنوي التي يخوضها الجميع ضد الجميع، خصوصاً من المحسوبين "نخباً!"، على مستوى أقل حتى من طائفي؛ عبر التخوين المتبادل، والاتهام بالعمالة. وللإنصاف، فإن هذه صناعة عربية "نخبوية" عريقة تضرب بجذورها عميقاً قبل الربيع العربي بكثير جداً، وتكاد تفسر رسوخ استبدادنا وتعمق تخلفنا على كل صعيد؛ فلا تكاد تجد رجل دين أو سياسيا أو جماعة؛ منذ ما سمي تفاؤلاً "عصر النهضة العربية" وحتى اليوم، لم تلحق بهم تهم الماسونية، والخيانة، والعمالة لأميركا وبريطانيا والصهاينة، وغير ذلك الكثير مما تعرفه كل الأجيال العربية.
وطبعاً لأنه لا يمكن للمجتمعات أن تنهض وهي ترى نفسها تجمع أعداء، على اختلاف خطوط المواجهة؛ دينية كانت أم علمانية، يكون شرط "النهضة!" الأول والأساس هو القتال حتى آخر شيعي ودرزي وإسماعيلي وعلوي.. كما القتال حتى آخر سُنّي من وجهة نظر مقابلة؛ تماماً كما حتمية القتال حتى آخر سلفي أو عضو في الإخوان المسلمين، أو إلى حين استئصال آخر علماني وإفناء جبهة الأعداء!
إذن، الوصفة واضحة وبسيطة، لكن ليس للنهضة أو حتى ممارسة الحياة بالحد الأدنى من المعاناة والبؤس، بل للانتحار، والذي هو نحر على أيدي ما تسمى "نخباً عربية"، تتحدث باسم الشعوب لكنها بالتأكيد لا تعمل لأجلها، سواء كان ذلك عن جهالة وحسن نية أم عن سوئها!
manar.rachwani@alghad.jo