الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مختارات من الصحافة العربية

مختارات من الصحافة العربية

13.09.2014
Admin


نعم للتحالف ضد داعش ولا للحرب على سنة العراق
د.حمد عبد الله اللحيدان
الرياض
الجمعة 12-9-2014
تسلسل الأحداث يشير إلى أن نظرية الهلال الشيعي الذي يمتد من إيران إلى لبنان عبر العراق وسورية تتبلور وتتحول إلى حقيقة وذلك وفق الأحداث التي كل منها تخلق أرضية لما بعدها والتي يمكن أن نشير إلى تدرجها في العجالة التالية:
قيام الثورة الإيرانية ووصول الملالي إلى سدة الحكم هناك ومن ثم تبني سياسة تصدير الثورة والتدخل في شؤون الآخرين وخلق مناطق نفوذ واستقصاد العالم العربي بصورة عامة ودول الخليج والعراق والشام ولبنان واليمن بصورة خاصة.
نشوب الحرب العراقية الإيرانية كانت بمثابة الفتيل الذي أوغر الصدور بين الشعب الإيراني والعربي وقد تم الضرب على التناقضات الطائفية بين السنة والشيعة لإضرام نار الخلاف وإحيائها ولتعميق الفجوة بينهما.
إن الذي يحدث في الشرق الأوسط بصورة عامة وفي العراق وسورية بصورة خاصة هو حرب تصفيات بين أطراف عديدة يغلب عليها حتى الآن انها حرب بين تنظيمات شيعية وتنظيمات سنية تخوض الحرب بالوكالة ولا زالت الكفة ترجح نحو خلق هلال شيعي يمتد من إيران إلى لبنان عبر العراق وسورية
إنشاء حزب الله في لبنان بأيدٍ إيرانية وبتغاضٍ من أطراف أخرى كان الغرض منه تحويل لبنان إلى قاعدة إيرانية واعتمد ذلك على التحالف مع النظام السوري الذي سهل المهمة واستفاد من النتيجة.
توريط العراق في غزو الكويت ومن ثم تبرير احتلال العراق والقضاء على مقوماته كدولة من خلال حل الجيش وقوى الأمن وإشعال الطائفية هناك وتحويل العراق إلى أرض فلت حيث أصبح كل يبني مليشياته وكان لأهل السنة موقف معادٍ من الاحتلال الأمريكي وحلفائه حيث إنهم أقضوا مضجع تلك القوات وأرغموها على الرحيل كما انهم تصدوا للمد الصفوي وعرقلوا تمدده وهذا أوغر صدور كل من الطرفين الأمريكي والإيراني عليهم.
تسليم العراق بعد إرهاقه وتدمير مؤسساته إلى إيران على طبق من ذهب وهذه سعت بكل ما أوتيت من قوة لتحييد خصومها هناك من أهل السنة والشيعة العرب بكل الوسائل والسبل.
أُوصل المالكي إلى سدة الحكم لتنفيذ أجندة معدة مسبقاً تتمثل في الحكم الطائفي المطلق الذي تبرأ منه الشيعة العرب والسنة على حد سواء إلا ان ذلك لم يمنعه من الإجحاف بأهل السنة واستقصادهم ودفعهم إلى الثورة والتي تم ويتم تشويهها بإدخال داعش على الخط بكل ممارساتها الفجة والقبيحة لتشويه ثورة أهل السنة وضمان بناء التحالف ضدهم.
بعد الثورة السورية تم تعمد عدم مؤازرة الجيش الحر والقوى المعتدلة الأخرى على الرغم من تعدد انتماءاتها وانفتاحها وانها الممثل الشرعي للشعب السوري ليس هذا وحسب بل وتم إشغالها من خلال إدخال منظمة داعش وجبهة النصرة على الخط من جهة ودخول حزب الله وإيران إلى جانب النظام من جهة أخرى مما جعل الحرب تصبح أهلية من ناحية وحرباً بالوكالة من ناحية أخرى الغرض منها تدمير سورية التي يشكل أهل السنة فيها الغالبية مما يعني أن هذه الحرب سوف تظل سجالاً حتى يتم إنهاك أهل السنة هناك والى التصفية على المدى البعيد القريب.
ظهور داعش في العراق بصورة مفاجئة من حيث القوة والعدد والعدة والذي مهد له بتمثيلية هروب أكثر من (1000) سجين من سجون العراق ليصبحوا نواة لداعش ثم مصاحبة ذلك بتمثيلية انهيار الجيش العراقي أمامها من أجل تسليحها من جهة ومن أجل تبرير دخول أطراف أخرى في الصراع من أجل تصفية أهل السنة في العراق باسم محاربة داعش.
نعم نحن ضد داعش وممارساتها اللاأخلاقية واللاإنسانية والمغرقة في التخلف والجهل والعنصرية التي كل منها يناقض أخلاق الإسلام وتعاليمه ولا شك أن تنظيم داعش لا يعدو كونه فقاعة استخباراتية الغرض منها إيجاد وسيلة لتحويل نظرية الهلال الشيعي إلى حقيقة وواقع ملموس عماده إيران ونظام الأسد وحزب الله والعراق. ولعل ممارسات داعش التي تتمثل في:
*القتل الجماعي والإكراه والاغتصاب والاختطاف والتعامل مع عالم اليوم بصورة مغرقة في الجهل حيث يتم نشر تلك الممارسات وكأنها أفلام رعب من إنتاج هوليوود مما جعل الصغير والكبير ينفر منها وكل هذه الممارسات تدعو إلى أن يتم بناء تحالف ضدها كل حسب قدرته.
*ادعاء إقامة دولة الخلافة يعني إلغاء الحدود وإسقاط الأنظمة وهذا بالطبع يؤدي إلى تداعي الدول والأنظمة وتحالفها ضدها لأن إقامة دولة الخلافة معناه إسقاط الأنظمة وإلغاء الحدود وهذا حسب زعمهم سوف يتم باستخدام السكاكين وسيارات الداتسون وسيارات التويوتا والحفاة العراة الذين يقودونها من المغرر بهم والمرتزقة وعملاء المخابرات وغيرهم.
*تعمد التعامل مع الأقلية المسيحية واليزيدية وغيرهم بصورة لا يقرها الإسلام الحقيقي ولا تقرها المبادئ الإنسانية وهذا فيه تحريض ضد الإسلام وأهله ودعوة لإقامة تحالف يوقف تلك الممارسات.
*إعدام الصحفيين سواء كان حقيقة أو خيالاً لا يعدو أن يكون عملاً بربرياً وهمجياً القصد منه الإثارة الإعلامية وتعميق الكراهية ضد الإسلام وأهله وضمان دخول امريكا وحلف الناتو كطرف في الحرب.
*تعمد نشر تلك الممارسات عبر وسائل الإعلام المختلفة يشير إلى أن وراء الأكمة ما وراءها نعم إن الحرب على داعش وأخوانها مثل النصرة وحزب الله والقاعدة وجيش أبي الفضل وغيرها من المنظمات الإرهابية والطائفية أصبحت بمنزلة الجهاد الذي يمكن أن يعتبر فرض عين من خلال أن يحصن كل إنسان نفسه ويحصن أبناءه ويصبح لبنة صالحة في بناء الوطن والذود عنه من خلال التبليغ والسهر على المصلحة العليا للأمة وطناً وشعباً ومنجزات كما ان التحالف الدولي عليه أن يحارب كل المنظمات الإرهابية دون تمييز.
نعم للحرب على داعش على أن يتم التفريق بين داعش وأهل السنة في العراق وسورية من العشائر والصحوات الذين تضرروا من داعش أكثر من غيرهم وأن لا يصبحوا ضحية للحرب على داعش. فداعش لا تعدو تنظيماً إرهابياً تسلح بالتطرف والمرتزقة وعملاء المخابرات واندس وسط الأخيار وشوه سمعتهم.
إذاً نعم للتحالف الدولي الذي يتم تشكيله من أجل القضاء على داعش وأخواتها على أن يتم تسليح أهل السنة في العراق والشام وجعلهم في مقدمة من يحارب داعش وليس استقصادهم وتلبيسهم تهمة داعش وهم المتضرر الأكبر من ممارساتها من جهة وهم الخاسر الأكبر من الحرب عليها لأن داعش تختبئ وتحتل مدنهم وقراهم فهل يفرّق التحالف الدولي بين داعش وأهل العراق من السنة وأن لا تتحول الحرب على داعش إلى حرب تصفية ضد السنة؟
إن الذي يحدث في الشرق الأوسط بصورة عامة وفي العراق وسورية بصورة خاصة هو حرب تصفيات بين أطراف عديدة يغلب عليها حتى الآن انها حرب بين تنظيمات شيعية وتنظيمات سنية تخوض الحرب بالوكالة ولا زالت الكفة ترجح نحو خلق هلال شيعي يمتد من إيران إلى لبنان عبر العراق وسورية وذلك تمهيداً للتصفيات النهائية بين قطبين أحدهما شيعي والآخر سني يتم العمل حالياً على تقوية كل من الطرفين بأحدث الأسلحة وأعتاها وأقدرها على التدمير حتى إذا حصلت المعركة الفاصلة من الاقتتال بين السنة والشيعة على كأس المتآمرين تمكن كل منهما من تدمير الآخر وذلك كله لمصلحة إسرائيل ومن يقف خلفها.
نعم الحبل على الجرار والسيناريو يسير حتى الآن حسب ما يريده المخرج وسوف نصل إلى النهاية المحتومة ما لم تتدخل العقول النيرة وتنتصر الحكمة والبصيرة على الجهل والظلام. وما تحذيرات الملك عبدالله وتحديده لمرتكزات الحرب على الإرهاب بأنها قوة وعقل وسرعة إلا خير دليل على حكمته وبعد نظره. نعم هذه الأمور تحتاج إلى مبادرات وتنازلات من النوع الثقيل حتى يتم نزع الفتيل وإحباط المخطط والحيلولة دون استكماله، والله المستعان.
============================
الولايات المتحدة وسياقات التدخل الجديد
رضوان السيد
الشرق الاوسط
الجمعة 12-9-2014
 قال لي برنارد لويس عام 2006، عندما كنتُ أُناقشه في بدايات فشل الولايات المتحدة بالعراق، إن الأميركيين ينجحون أخيرا، لكن بعد أن يكونوا قد جرَّبوا كل شيء! لقد كان تقديره أن الولايات المتحدة ستخرج من العراق بعد هذا الفشل المغطَّى بعناية، لكنها سوف تعود إليه في الأمد المنظور. وقد قاس ذلك على ما حدث بأفغانستان. فقد خرجت الولايات المتحدة من قضيتها بعد خروج السوفيات أواخر الثمانينات، وعهدت بها إلى المخابرات الباكستانية التي أنتجت طالبان للتمكن من السيطرة بواسطتها. ثم عادت إليها بعد هجوم "القاعدة" عليها من هناك. وستستخلف أميركا إيران بالعراق، وستحاول إيران السيطرة على العراق بواسطة ميليشياتها والتابعين لها من رجال السلطة الجديدة. وسيُسيءُ هؤلاء إلى العرب السنة؛ لكنّ الولايات المتحدة لا تأبه لغير الأكراد وتركيا. فإذا جرى المساسُ بالأكراد فإن أميركا عائدةٌ حتى لو كان الذين يحكمون فيها عند ذلك الديمقراطيين الذين يطالبون بوش الآن بالخروج من العراق!
عادت أميركا إلى العراق في خريف عام 2014، كما تنبأ برنارد لويس. وللسبب ذاته الذي استظهر أنه سيكونُ عِلّة العودة. لكنّ إدارة أوباما تحاول إقناع شعبها وإقناع العالم بأن عودتها كانت بسبب أهوال "داعش"، كما كانت عودتها إلى أفغانستان بسبب أهوال "القاعدة"! ولذلك سببان: أنها تريد إقناع الأميركيين والأوروبيين بضرورات التدخل، بعد أن أنفق أوباما والأوروبيون ست أو سبع سنوات في إقناع الجمهور الغربي بمساوئ التدخل! والسبب الثاني مزدوج العلة والنتيجة: تجنيد العرب معهم واستجلاب مشاركتهم باعتبار أن "داعش" خطرها الأكبر عليهم قبل الأميركيين والأوروبيين - والأمر الآخر عدم إثارة إيران وإزعاج العلاقات المتطورة معها، بالقول دائما إن الأَولوية لخطر "داعش" وليس خطر إيران. وهذا المسلك يبرِّر التعاوُن معها في "مكافحة الإرهاب".
المهمّ أن أوباما أعلن الحرب على "داعش"، وانتظمت معه أربعون دولة، وأتى وزيراه للخارجية والدفاع إلى المنطقة للتشاور مع العرب في طرائق المشاركة. ولهذا "التحالف" المستجد جانباه العسكري والسياسي. وينفي أوباما أن يكون مثل التحالف الذي بناه بوش لغزوي أفغانستان والعراق من عدة جوانب. ومن تلك الجوانب أنه استعان في حالة أفغانستان بالميليشيات المعارضة لطالبان وصدام، والتي رافقت القوات الأميركية في الغزو في حالتي أفغانستان والعراق، وحكمت في البلدين بعد الغزو، ومن تلك الجوانب المختلفة أن إيران كانت أبرز بلدان المنطقة في مساعدة الغزوين، وبخاصة في حالة العراق، وأن إيران امتلكت نفوذا قويا بأفغانستان، وسادت تماما في العراق، واستطرادا في سوريا ولبنان.
لكنْ من حق إدارة أوباما بالفعل أن تقول إن العودة الغربية إلى المنطقة مختلفةٌ عن غزو بوش الابن للعراق. فالحقيقة أن الكثرة الساحقة من الناس تريد إيقافا للقتل والرعب الذي يُمارسهُ "داعش"، وإيقافا أيضا لانهيار البلدان والعمران في المنطقة العربية. والأمر الآخَرُ المختلف أن الأميركيين كانوا غاضبين يومها على العرب بسبب "القاعدة"، فما تشاوروا معهم، ولا قبلوا ترددهم في دعم الغزو للعراق، لكنهم هذه المرة يؤكّدون هم وحلفاؤهم (البريطانيون والفرنسيون) أنه لا تدخل ولا مكافحة ل"داعش" إلا بالتعاون مع "الدول السنية"، وهم يقصدون العربية، لأن إردوغان سني، وقد كان مُغامرا إلى جانب الأصوليات السنية والشيعية في العراق وسوريا ولبنان! وهكذا فهناك حتى الآن اختلافٌ مع سياسة بوش وغزواته في الجوانب العسكرية والسياسية.
لكنّ مبعوثي أوباما، رغم هذه التوافقات بينهم وبين العرب هذه المرة، سيجدون أن محادثيهم وحلفاءهم العرب لديهم تحفظاتٌ وآراء مختلفة في ما يتعلق بمصائر العراق وسوريا ولبنان.
قال أوباما إن دور العشائر السنية بالعراق وسوريا مطلوب. لكنّ الواقع حتى الآن أن العشائر السنية بدأت القتال ضد "داعش" في المحافظات السنية وعند سد حديثة. أما ما يأتي من جانب بغداد إلى تكريت "لتحريرها" فنصفه من الميليشيات الشيعية مثل قوات بدر، وعصائب أهل الحق، وكتائب أبي الفضل العباس. وقد ارتكبوا مذبحةً في قرية الشيخ أُويس بديالى ضد مصلّين. وكان ذلك نذيرا بما ينتظر أهل الأنبار والفلوجة وصلاح الدين، بعد أن يكون الأميركيون قد طردوا "داعش" من هذه المدينة أو تلك. ومع أن الجيش العراقي مخترقٌ من القمة للقاعدة؛ فالمطلوب أن ينفرد بالدخول إلى المحافظات السنية إلى جانب قوات العشائر على أن تسود الشرطة المحلية بعد ذلك. وهذا الانضباط في العملية العسكرية لا يمكن أن يتم إن لم يكن هناك انضباطٌ في العملية السياسية. والأمر صعبٌ ما دام الإيرانيون وحلفاؤهم لا يزالون موجودين في كل مفاصل السلطة: نوابا لرئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ووزراء في الحكومة. وتصوروا الإصرار على أن يكون هادي العامري وزيرا للداخلية أو الدفاع، وعنده ميليشيا عددُها مائتا ألف من تدريب سليماني وتنظيمه منذ ما قبل سقوط صدام! وبذلك فإنّ مشكلة السياسة العراقية أفظع من مشكلة الدولة اللبنانية مع "حزب الله". ففي العراق تزيد أعداد الميليشيات الشيعية على المليون، وقد أرهقت النواحي الشيعية، فكيف إذا صارت لها كلمةٌ ومواقع في المناطق السنية؟!
ولكي لا نسقط في تفاصيل العراق، لنمضِ إلى سوريا. وقد أعلنت الأطراف الغربية الكبرى أنها لن تتعاون مع حكومة الأسد. وأن المناطق التي تُزالُ منها "داعش" - وصولا إلى حلب - يحلُّ محلَّها فيها الجيش الحر والإدارات المحلية. والمفروض أن يتقدم الجيش الحر في نواحي درعا والقنيطرة. والمأمول أن يفرض ذلك على الأسد وحلفائه القبول بالحلّ السياسي أو "جنيف 1"، والذي يعني دخولا في مرحلة انتقالية تكون فيها السلطة التنفيذية بيد الحكومة الائتلافية. وإذا كان الروس والإيرانيون لا يستطيعون منع الحلف الأطلسي من ضرب "داعش"، بل وفرض منطقة حظر جوي فوق سوريا الشمالية، فما هي الصفقة التي تُقنع الأسد وروسيا وإيران بالدخول في مرحلة انتقالية تنتهي بزوال الأسد؟!
لدى العرب (والأميركيين) تحديات كبيرة مع إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن. فنحن العرب إيرانُ هي داعشنا قبل ظهور "داعش". وهكذا فقد اجتمع علينا داعشان، إضافة لطغيان الأسد والمالكي ومذابحهما. والحضور الأميركي إيجابي رغم كل شيء، لأنه يزيل "داعش" واحدا من الدواعش الثلاثة: الطغيان وإيران وأبو بكر البغدادي! وقبل الأميركيين وبعدهم تبقى لدينا مشكلاتٌ سياسيةٌ واستراتيجيةٌ مع إيران إن لم يحصل تغييرٌ جذري في سياساتها تجاه العرب.
كان هنري كيسنجر الشهير قد أصدر قبل شهرين كتابا ضخما بعنوان "نظام العالم". وفي مقابلة أجراها أخيرا دعايةً لكتابه الجديد، علّق على قول أوباما إنّ الأَولوية لخطر "داعش" وليس إيران؛ قال كيسنجر: "الدواعش أعراض، وإيران عندها مشروع إمبراطوري"! فالله المستعان.
============================
مصداقية أوباما على المحك.. ونهاية "داعش" ليست قريبة!
صالح القلاب
الشرق الاوسط
الجمعة 12-9-2014
 عندما يقول باراك أوباما، ويكرر القول، مسبقا إنه لن يرسل قوات برية لمقاتلة تنظيم "داعش" في سوريا والعراق فإنه بالإمكان التذكير بعجز بيت الشعر العربي القائل: "أبشر بطول سلامة يا مربع" وإنه يجب أن يتساءل أصدقاء الولايات المتحدة وغير أصدقاء الولايات المتحدة عن دوافع انعقاد قمة "ويلز" الدولية الأخيرة ما دام أن الرئيس الأميركي لا يزال مترددا ومرتبكا ويظن أنه بالإمكان القضاء على هذا التنظيم الإرهابي بمجرد التهديد والوعيد وبالاستعراضات العسكرية وببعض الغارات الجوية التي من غير الممكن أن تحسم مواجهة معقدة كهذه المواجهة.
المفترض أن أوباما يعرف أن سلفه جورج بوش (الابن) قد لجأ، ردا على جريمة 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، إلى إنشاء تحالف دولي أهم من هذا التحالف الذي يحاول إنشاءه الآن للقضاء على "داعش" وأنه، أي جورج بوش (الابن)، قد احتل أفغانستان كلها وأرسل خيرة القوات الأميركية إليها ومع ذلك فإن "القاعدة" لم تنته وأن حركة "طالبان" أصبحت أقوى مما كانت عليه وأن أيمن الظواهري قد أعلن في اليوم الذي انعقد فيه اجتماع "ويلز" عن إنشاء فرع ل"قاعدته" في شبه القارة الهندية.
والمؤكد أن باراك أوباما يعرف أيضا أن جورج بوش (الابن) قد غزا العراق واحتله عام 2003 بتحالف دولي شكل البريطانيون قوة رئيسية فيه وأنه أبقى في بلاد الرافدين قبل انسحابه عام 2011 أكثر من 150 ألفا من الجنود الأميركيين لكنه لم يستطع القضاء على "القاعدة" بل إن هذا التنظيم الإرهابي قد تعززت قوته وأصبح أكثر انتشارا في ظل وجود كل هذه الأعداد من القوات الأميركية.
إنه ضروري أن يكون هناك كل هذا التحشيد الكوني لمواجهة "داعش" وإنه يجب التحرك، وإنْ في وقت متأخر، لمواجهة هذه الآفة التي غدت لا تهدد هذه المنطقة فقط وإنما العالم كله لكن وفي كل الأحوال فإنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار ومنذ الآن أنه بالقوة العسكرية وحدها، وبخاصة هذه القوة التي يتحدث عنها باراك أوباما، ربما بالإمكان إضعاف هذا التنظيم لكن المؤكد أنه لا يمكن اجتثاثه نهائيا.. وها هي تجربة "القاعدة" لا تزال حية وماثلة للعيان.
كان خطأ الولايات المتحدة الفادح أنها بادرت إلى الانسحاب من أفغانستان بمجرد انسحاب القوات السوفياتية الغازية منه وذلك مع أن المفترض أن يطيل الأميركيون بقاءهم في هذا البلد إلى أن يرتبوا الأوضاع الداخلية فيه وبصورة نهائية وإلى أن يقضوا على الصراع الذي كان احتدم بين التنظيمات الأفغانية المتعددة المشارب والاتجاهات والأعراق حتى قبل الانسحاب السوفياتي، لكن هذا لم يحصل على الإطلاق مما جعل حركة "طالبان" تسيطر على كل شيء وجعل "القاعدة" تنمو بسرعة وتنشئ خلايا سرية في الكثير من دول العالم وتقوم بتلك العملية الإرهابية التي أوجعت قلب الولايات المتحدة واستهدفت في 11 من سبتمبر عام 2001 أهدافا استراتيجية في نيويورك وواشنطن من بينها برج التجارة العالمي الشهير والمعروف.
ثم وكان خطأ باراك أوباما الفادح أنه تعجل الأمور، بعد تسلم الرئاسة، عندما بادر عام 2011 إلى سحب القوات الأميركية من العراق سحبا كيفيا وترك هذا البلد، الذي تقع مسؤولية كل ما جرى فيه لاحقا وما يجري فيه الآن على الولايات المتحدة، إلى التدخل الإيراني السافر في شؤونه الداخلية وأيضا إلى تنظيم "القاعدة" الذي استغل أوضاع العرب السنة، التي غدت مأساوية خلال حكم بول بريمر وحكم "ورثة" بريمر، فأصبح بكل هذه القوة وبكل هذا الحجم والذي ليس مستبعدا أن يتمدد أكثر وأكثر في هذه المنطقة ما لم يبادر تحالف "ويلز" إلى معالجات جدية غير المعالجات المقترحة التي كشف النقاب عن بعضها يوم أمس (الأربعاء)!! وما لم تشمل هذه المعالجات جميع التنظيمات الإرهابية الأخرى وليس "داعش" وحده.
ما كان من الممكن أن يصل "داعش" إلى ما وصل إليه من قوة وأن يتمدد كل هذا التمدد لو لم تنسحب القوات الأميركية من العراق ولو أنها بقيت إلى أن تمت معالجة معادلة: "المنتصر والمهزوم"، التي وضعها بريمر، واستعاد العرب السنة حقوقهم وكراماتهم المهدورة وإلى أن جرى الحد من التدخل الإيراني واقتلاع "القاعدة" من جذورها وحرمانها من البيئة الحاضنة التي توفرت لها خلال حكم نوري المالكي وقبل ذلك.
إن المفترض أن باراك أوباما يعرف أن "داعش" ليس واحدا وأنه "دواعش" وأن المخابرات السورية والمخابرات الإيرانية قد اخترقته مبكرا لضرب الثورة السورية من داخلها ولترويج كذبة أن هذا النظام، نظام بشار الأسد، لا يواجه الشعب السوري الذي يسعى للتغيير والتحرر والانعتاق وإنما إرهاب منظم تقف خلفه دول قريبة وبعيدة، وحقيقة أن كل هذا قد اتضح وضوحا كاملا عندما بادر وزير الخارجية السوري وليد المعلم وبسرعة إلى عرض خدمات النظام الذي ينتمي إليه لمواجهة هذا التنظيم وعندما بادرت إيران إلى تقديم مساعدات عسكرية لقوات ال"بيشمركة" الكردية، التي كانت دخلت في مواجهة مع تنظيم "داعش"، لتفرض، أي دولة الولي الفقيه، نفسها على معادلة القضاء على هذا التنظيم الإرهابي.
وهنا تجب الإشادة بالموقف الذي اتخذته الولايات المتحدة ومعها معظم دول الاتحاد الأوروبي برفض مشاركة إيران ومشاركة نظام بشار الأسد في التصدي ل"داعش" ومواجهته، ف"حراميها لا يجوز أن يكون حاميها" وأميركا تعرف والأوروبيون يعرفون أن هذا النظام السوري ومعه دولة الولي الفقيه هما من وفر لهذا التنظيم البيئة الحاضنة وبالتالي فإنه لا يمكن القضاء على "داعش" لا في المدى المنظور ولا على المدى البعيد ما لم يتم تحجيم التدخل الإيراني السافر في شؤون العراق الداخلية وما لم يتم توفير الدعم الفعلي والحقيقي الذي تحتاجه المعارضة السورية المعتدلة للقضاء على هذا النظام الاستبدادي والطائفي الذي شتت العباد ودمر البلاد والذي سيوصل سوريا إلى التشظي والانقسام ما لم يتخلَ باراك أوباما عن تردده ويتخذ الموقف المطلوب لحسم الأمور في هذا البلد الرئيسي والمفصلي وبسرعة.
ستكون الأيام المقبلة حاسمة ومفصلية إنْ في العراق وإنْ في سوريا وإنْ في هذه المنطقة وإنْ في العالم بأسره، ولقد أصبحت مصداقية باراك أوباما بعد كل هذا التحشيد الدولي على المحك في ضوء انضواء أكثر من أربعين دولة في التحالف الذي قررت قمة "ويلز" إقامته للقضاء على "داعش"، وهنا فإن ما يجب أن يقال لرئيس الولايات المتحدة الذي من المفترض أن يغادر البيت الأبيض بعد عامين ونيف ولرؤساء الدول التي انضمت إلى هذا التحالف إنه لا يمكن حسم هذه المعركة وأي معركة بالغارات الجوية وحدها وإنه لا انتصار ولا حسم من دون القوات البرية.. وإنه لا قضاء على الإرهاب بالقضاء على "داعش"، فهناك "القاعدة" وهناك تنظيمات أخرى بأسماء مختلفة وهناك الأزمات المتفجرة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي إنْ لم تحل الحل العادل والمنشود فإن مبررات ظهور التنظيمات الإرهابية ستبقى متوفرة إنْ في هذه المنطقة وإنْ في العالم بأسره!!
============================
 لغة أوباما ال "البوشية" والحل السوري "إلى الأبد"
وليد شقير
الحياة
الجمعة 12-9-2014
مع الجديد الذي تضمنه خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما ليل أول من أمس، والذي أعلن فيه النقاط الأربع لاستراتيجيته للقضاء على "داعش" والإرهاب، لا بد من تسجيل بعض الملاحظات.
فالرئيس الأميركي لم يأت على ذكر الأمم المتحدة في سعيه إلى "التحالف العريض لرد هذا التهديد الإرهابي على أعقابه"، على رغم إعلانه أنها "استراتيجية مستدامة"، سوى مرة واحدة حين أشار إلى أنه سيترأس خلال أسبوعين اجتماعاً لمجلس الأمن لحشد المجتمع الدولي بدرجة أكبر في شأن هذه المهمة.
عوضاً عن ذلك ركّز أوباما على "التعاون مع أصدقائنا وحلفائنا"، لتبرير استبعاد روسيا وإيران من هذه الاستراتيجية، واستخدم تعابير، هي أقرب إلى "البوشية" نسبة إلى لغة سلفه الجمهوري الذي نهل من لغة المحافظين الجدد اليمينيين، حين شدد على زعامة أميركا العالمية تارة بالحديث عن "القوة الأميركية التي تحدث فارقاً مفصلياً"، وأخرى بالإشارة إلى أن "أميركا "ستقود" تحالفاً عريضاً لرد التهديد الإرهابي، وإلى أن أميركا في وضع أفضل حالياً، أكثر من أي بلد على الكرة الأرضية"، ناهيك بقوله إن "زعامة أميركا هي العامل الثابت الوحيد في عالم يتسم بعدم اليقين"، وترحيبه ب "مسؤوليتنا عن القيادة" وبأن الزعامة الأميركية "في أفضل صورها...".
وهو وضع الحرب على "داعش"، في إطار تصدر بلاده مهمات تبدأ من "حشد العالم ضد العدوان الروسي" في أوكرانيا، انتهاء بمساعدتها "في احتواء فيروس إيبولا وعلاجه...".
خاطب أوباما في كلمته الداخل بقدر الخارج، حين اختار الذكرى ال13 لهجمات "القاعدة" على بلاده في 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001، مستفيداً هذه المرة من تغيير طفيف في مزاج الرأي العام، إذا صحت استطلاعات الرأي بأن ثمة ميلاً عند أكثرية شعبية أميركية إلى تأييد قيام واشنطن بضربات ل "داعش"، بعد ذبحه الصحافيين الأميركيين جيمس فولي وستيفن سوتلوف، مع تطمين الأميركيين إلى أنه لن ينزل قواته على الأرض ليكرر حربي أفغانستان والعراق. وخاطبهم بهذه الطريقة أيضاً لمحاولة استعادة شعبيته، إزاء الانتقادات التي وجهت إليه بالتراخي في تأكيد زعامة أميركا، إن في ما يخص الأزمة السورية أو في ما يتعلق بأزمات عدة في العالم.
هل تخلى أوباما عن اشتراطه الإجماع الدولي للتدخل العسكري، حتى لو كان من الجو، في سورية، والذي ألح عليه من أجل توجيه ضربة للنظام عندما استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه في آب (أغسطس) 2013؟ ترك أوباما الأمر معلّقاً هذه المرة. فهو قد يلجأ إلى هذا الشرط، أو يتخلى عنه ويواصل حربه على "داعش" من دون تغطية تشترك فيها روسيا والصين. وهو لهذا يسرّع في بناء التحالف العريض الذي شكل اجتماع جدة أمس في حضور وزير خارجيته جون كيري، ركيزة أساسية فيه لأنه يضم الدول العربية الأساسية مع تركيا، تحت عنوان "استقطاب شركاء أكثر إلى هذه المعركة"، كما جاء في خطاب أوباما.
حققت الشراكة في العراق تغييراً نوعياً لعلاقات واشنطن وحلفائها مع روسيا وإيران، حيث أدى تأييد الأولى الضمني قيامَ حكومة تشترك فيها أطياف المجتمع العراقي، ومساهمة إيران بنفوذها المباشر في الوصول إليها، إلى تعديل ولو طفيفاً في العلاقات الإقليمية، يمهد لتقارب عراقي - سعودي، ترجمته الأولى كانت ترحيب الرياض بحكومة حيدر عبادي، ثم دعوة وزير الخارجية العراقي إلى حضور اجتماع جدة.
يحتاج الأمر إلى شيء مشابه كي تكتمل معالم إجماع المجتمع الدولي على الحرب ضد "داعش"، وبالتالي اشتراك روسيا والصين وإيران فيها. لذلك، تبدو سورية ميدان امتحان لإمكانية ترميم الإجماع الدولي الذي قوضته موسكو وبكين بثلاثة فيتوات في مجلس الأمن، ثم بإفشال محادثات جنيف - 2، فضلاً عن خوض طهران القتال بلا هوادة إلى جانب نظام بشار الأسد.
ومع أن تضمين أوباما استراتيجيته دعم المعارضة السورية المعتدلة معرّض للتشكيك لأنه سبق أن كرر هذا الوعد أكثر من 20 مرة ولم يلتزم به، فإنه عندما قرنه بالتشديد على أنه "لا يعوّل على نظام الأسد الذي يرهب شعبه ولن يستعيد بتاتاً الشرعية التي فقدها"، وبالسعي إلى حل سياسي "لإنهاء الأزمة السورية إلى الأبد"، يؤشر إلى أن استعادة التعاون الدولي ممكنة بحكومة جديدة في دمشق شبيهة بالتي نشأت في بغداد.
إذا تعذّر ذلك، هل يلجأ أوباما وحلفاؤه إلى خطوات تحت عنوان محاربة "داعش" من النوع الذي طرح في بداية الأزمة السورية مثل حظر الطيران فوق منطقة ما من سورية (الشمال أو الجنوب) أو إقامة ممرات إنسانية محمية في وجه إرهاب النظام و "داعش"؟
============================
 فرصة أوباما الأخيرة لاستعادة الصدقية
راغدة درغام
الحياة
الجمعة 12-9-2014
أمام الرئيس باراك أوباما فرصة ثمينة تمكّنه من نحت تِركته وسيرته التاريخية بيديه والانقلاب بنفسه على سمعة الضعف والتنصّل والتراجع التي تلاحقه وتلازمه. استدعاء تنظيم "داعش" الرئيسَ الأميركي لخوض حرب عليه فتح أمام أوباما نافذة لصنع مصيره بنفسه بدلاً من ترك إرثه السياسي التاريخي في أيدي الآخرين. فإذا أحسن الإقدام، وتصرّف بحزم من منطلق امتلاكه القوة والأوراق المهمة، يمكن الرئيس أوباما أن يغادر البيت الأبيض ممتطياً حصاناً أبيض بدلاً من مغادرته الرئاسة مُطارَداً بصيت الفشل السياسي والمساهمة في تقوية الإرهاب – بل ربما في عودة الإرهاب إلى عقر الدار الأميركية.
الاكتفاء بالغارات الجوية والعمليات العسكرية السرية ضد "داعش" وأمثاله لن يحصد للرئيس أوباما النجاح، ولن ينتشله من خيبة الأمل به، أميركياً وعالمياً. على باراك أوباما أن يتخذ قرارات سياسية جديدة نوعيّاً، وأن يحيك شراكات استراتيجية واعية وثابتة إذا كان له أن ينعم بتركة Legacy الرئيس الذي التقط الفرصة وغيّر مسار نظرة التاريخ له.
بالأمس القريب، بدا باراك أوباما يسعى وراء الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتكون العنوان الأساسي في تركته التاريخية ليقال عنه إنه الرئيس الذي صنع السلم مع طهران وحيّد الولايات المتحدة عن المواجهة معها. بدا مستقتلاً على التهادن مع إيران بأي ثمن، وغامر بعلاقات الولايات المتحدة التقليدية مع حلفائها في الشرق الأوسط لإرضاء طهران. غض النظر عن تجاوزات نظام الملالي داخل إيران وتعهّد بعدم دعم أية معارضة إيرانية معلناً احترامه نظام الملالي واعترافه بشرعيته. تظاهر أنه لا يرى الانتهاكات الصارخة لقرارات مجلس الأمن الدولي بتدخل "الحرس الثوري" الإيراني المباشر في سورية ودعمه انخراط "حزب الله" علناً في الحرب السورية لمصلحة الرئيس بشار الأسد الذي دعا الرئيس الأميركي إلى تنحيه قائلاً إنه افتقد الشرعية. التفت يساراً ويميناً ليتجنب رؤية التحكم الإيراني في العراق بإقصاء السُنِّة واستمر بشراكة الأمر الواقع مع طهران في دعم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي أسفرت سياساته عن بروز ظاهرة "داعش" بدعم من انتفاضة سُنّية طفح الكيل معها. حارب "القاعدة" في اليمن عبر الطائرات بلا طيّار، لكنّه التزم الصمت إزاء التدخل الإيراني المباشر لمصلحة الحوثيين في اليمن – وها هم الآن يتوغلون في صنعاء ويسعون وراء إسقاط الحكومة، وبعث الفوضى في البلاد. فباراك أوباما كان عقد العزم على إعفاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية من المحاسبة، لأنها كانت عنوان سيرته وتركته التاريخية.
"داعش" غيّر المعادلة. فما حدث في العراق عندما تقهقر الجيش العراقي أمام "داعش" شكَّل هزيمة كبيرة لإيران لم تعد إيران تتمتع بتلك السمعة الباهرة بأنها منتصرة في العراق وفي سورية وفي اليمن وفي لبنان. فجأة، انهار الوهم. فجأة، بدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية قابلة للانكسار – أقله لجهة أحد أهم مطالبها الثلاثة، وهو إجبار الولايات المتحدة وبقية العالم على مباركة طموحاتها الإقليمية التوسعية في الدول العربية بذريعة أنها دولة إقليمية مهمة ولها ذلك "الحق".
إيران الاعتدال المتمثلة بالرئيس حسن روحاني لم تقضِ بعد على إيران التطرف المتمثلة ب "الحرس الثوري". إيران الاعتدال تريد استعادة مكانة إيران الطبيعية وليس التوسعية. تريد إنقاذ الاقتصاد واحترام الحقوق داخلياً. لا تريد الهيمنة الإقليمية. لا تريد دخول الحرب السورية طرفاً مباشراً في الحرب الأهلية. ولا تريد خوض حروب الإرهاب كطرف فيها.
الرئيس أوباما قادر اليوم على مساعدة إيران في صنع توجهات إيجابية مفيدة لإيران ولمنطقة الشرق الأوسط وللولايات المتحدة.
أولى الرسائل الضرورية التي عليه أن يوجهها إلى طهران هي أن الحرب على "داعش" تتطلب بالضرورة وحتماً من طهران أن تعيد النظر في سياساتها نحو العراق وسورية بالدرجة الأولى، وكذلك نحو اليمن ولبنان. هكذا، فقط يمكن بناء التحالفات الضرورية لإلحاق الهزيمة ب "داعش". وهذه التحالفات والشراكات تشمل بالتأكيد الاعتدال السنّي على مستوى الحكومات وعلى المستوى الشعبي المحلي الذي يحتاج إلى الذخيرة السياسية كي ينبذ "داعش" كما سبق وفعل بنبذه "القاعدة" عبر "الصحوات".
قد يعتقد البعض في إيرن أن الرئيس باراك أوباما سيحارب التنظيمات السنّية المتطرفة ك "داعش" نيابة عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فتربح طهران مرتين: ترتاح من حربٍ تقوم بها مباشرة للدفاع عن نفسها وتستفيد من الحرب الأميركية على "داعش" لتعزيز فرص انتصاراتها في سورية ببقاء النظام، وفي اليمن بإسقاط الحكومة. فلقد سبق لرئيس أميركي آخر أن خاض حرباً بالنيابة لمصلحة إيران عندما خاض الرئيس جورج دبليو بوش حربي أفغانستان والعراق فتخلص من أهم عدوين لملالي طهران هما طالبان وصدام حسين.
ويجدر بالرئيس أوباما أن يبلّغ طهران أنه ليس في وارد خوض حرب بالنيابة عنها حتى وهو يقاتل "داعش" أين ما كان، كما تعهد. مهم له أن يقنع طهران الاعتدال بأن الوقت حان لاتخاذ مواقف واضحة وعلنية حتى وإن تطلب ذلك تحدّي الوضع الراهن داخل إيران.
بكلام آخر، في وسع الرئيس الأميركي تذكير إيران بأنها في أشد الحاجة لرفع العقوبات عنها وأن هذا وارد إذا صدقت في مفاوضاتها النووية وتخلّت عن عزمها الاحتفاظ بقدرات صنع القنبلة النووية على "بعد برغي" كما يقال. إلا أن العلاقة الأميركية – الإيرانية تتطلب الآن أكثر من الاتفاق النووي، لا سيما أن "داعش" يشكل تهديداً للمصالح القومية الأميركية. بالتالي، حان الوقت للرئيس أوباما ليقول لطهران إن عليها التوقف عن تدخلها في سورية والكف عن مغامراتها في اليمن.
لماذا قد تستمع إيران. لأن "داعش" يهددها كما يهدد غيرها، أولاً وثانياً، لأن تأجيل الحسم ضد "داعش" في سورية سيؤدي إلى توسّعه ليس فقط لدرجة إضعاف النظام السوري جذرياً، إنما أيضاً لدرجة تحوّل سورية أكثر فأكثر إلى "فيتنام" لإيران.
الرسالة ذاتها يمكن الرئيس الأميركي توجيهها إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي بات اليوم في واجهة الانتقام الذي يعتزم "داعش" القيام به نظراً إلى سياسات بوتين في سورية وتقديم نفسه قائد الحرب على "داعش" وأمثاله في الحرب السورية. "داعش" يتعهد بالانتقام في عقر الدار الروسية وبوتين يدرك أن انتصاراته السورية ليست حقيقية ولا هي دائمة، لكنه يكابر. في وسع باراك أوباما أن يقدم إلى فلاديمير بوتين وسيلة الخروج من المأزق، إلا أن ذلك يتطلب من بوتين سياسات جديدة نوعياً في ملف سورية.
لماذا قد يرضخ بوتين في ملف سورية، وهو الذي يتعالى ويتحدى في أوكرانيا؟ لأنه قد يكون في أشد الحاجة إلى الإنقاذ إذا أثبت باراك أوباما حقاً الجدية والعزم ونفض عن نفسه سمعة الضعف والتراجع.
لعل في ذهن أوباما التمهل في ضرب "داعش" في سورية تماماً من أجل إقناع طهران وموسكو بضرورة إحداث تحوّل سياسي جذري لحل "عقدة الأسد" كما تم حل "عقدة المالكي". فلو لم تُحَّل "عقدة المالكي" لما كان في الإمكان حشد الشراكة والتحالف من دول مجلس التعاون الخليجي الست، وفي مقدمها السعودية، لشن الحرب على "داعش".
أما إذا تلكأت موسكو وطهران وراهنتا على وهن باراك أوباما، فإن سورية ستكون في نهاية المطاف "مقبرة" الجميع في حرب الاستنزاف والإنهاك المتبادل. وقد يكون في وسع أوباما أن يزعم أنه تصرف منذ البداية ببعد نظر، وأن ذلك إنجاز له لأنه ترفّع عن الحرب السورية وتركها ساحة للقضاء على المقاتلين الأجانب بكل أنواعهم وخلفياتهم ورعاتهم وكذلك القضاء على النظام.
حتى الآن، بدا باراك أوباما خاسراً مرتين: عندما احتضن "الإخوان المسلمين" في مصر ثم هُزِموا، فاستدرك. وعندما احتضن إيران بلا محاسبة، ثم هُزِمت في العراق، فاستدرك.
الآن، يصيغ الرئيس الأميركي علاقات إقليمية جديدة وبالغة الأهمية، لا سيما بعدما انطلق من مواقف وسياسات أوحت بتخليه عن العلاقات التحالفية التقليدية للولايات المتحدة. اليوم، يعتمد الرئيس الأميركي جذرياً على المملكة العربية السعودية وهو يدرك الآن أن دولة الإمارات العربية تلعب دوراً فائق الأهمية في احتواء التيارات الإسلامية المتطرفة في أكثر من مكان ومحاربتها.
أمامه فرصة الشراكة في تنظيف الإسلام من التطرف الدموي بشراكة مع قيادات وشعوب مسلمة. أمامه فرصة صوغ تعاون غير مسبوق بين دول الخليج، بشقها العربي وبشقها الإيراني، إذا أحسن لعب الأوراق المتاحة أمامه.
في حديثه مع تركيا وقطر، مثلاً، على الرئيس الأميركي أن يكون مُقنِعاً بأنه اتخذ القرار بفوات الأوان على إحياء مشروع "الإخوان المسلمين" في الشرق الأوسط.
في حديثه مع إيران، على الرئيس الأميركي أن يكون مقنعاً عندما يبلّغ طهران أنه تحرر من وضع كامل مستقبل تركته وسيرته التاريخية في يديها. عليه أن يكون مقنعاً عندما يقول لقادة إيران أن الولايات المتحدة لن تبارك طموحاتهم الإقليمية لأن الدول العربية – الشريك الذي لا غنى عنه في الحرب على "داعش" وأمثاله – لن تبقى في الشراكة أو في التحالف إذا كان في ذهن الرئيس الأميركي تقديم هذه الحرب هدية لطهران لتتوسّع في الدول العربية. بكلام آخر، على الرئيس الأميركي أن يكون موضع ثقة الآن، لا سيما أنه خسر تلك الثقة في مرحلة ما. ولُب تلك الثقة يكمن في امتحان مدى فهمه وتقبله للرفض السنّي العربي المعتدل لخوض حرب خطيرة ضد التطرف السنّي من دون ضمانات سياسية أميركية تدخل في معادلة العلاقات الأميركية – العربية – الإيرانية.
فالرئيس أوباما أعلن أنه يقود حرباً بجنود غير أميركيين. هؤلاء "الجنود" هم الاعتدال السنّي العربي الحكومي وغير الحكومي. هذه حرب جديدة من نوعها لأن ما سبقها كان حروباً بمشاركة جنود أميركيين. باراك أوباما يخوض حرباً بجنود الآخرين. لن يتمكن الرئيس الأميركي من الانتصار في هذه الحرب بمجرد شن الغارات الجوية، وهو أخطأ في المقارنة مع "نجاحات" له في الحرب الجوية التي يشنها في اليمن والصومال، فلا انتصار دائم يُذكر لنوعية الحرب الأميركية الجوية لا في الصومال ولا في اليمن.
التحديات الآتية أكبر وأخطر. ساحة العراق أسهل وأبسط. ساحة سورية مليئة بالمطبّات. "داعش" يدب الذعر في كل دور الشرق الأوسط ويقرع ناقوس الخطر في الولايات المتحدة وروسيا ودول أوروبية. الوعد الذي قطعه الرئيس أوباما ب "تدمير" تنظيم "داعش" ليس مستحيلاً تحقيقه إنما ذلك يتطلب بالتأكيد تبني باراك أوباما سياسات أميركية جديدة ونقلة جدية في استعادة الثقة بالرئيس الأميركي.
============================
كيف يحارب الإرهاب مَنْ شارك في صنعه؟
عبدالعزيز التويجري
الحياة
الجمعة 12-9-2014
يحاول النظام الطائفي الوالغ في دماء الشعب السوري، تقديم أوراق اعتماده الى المجتمع الدولي، ليقوم بدور يزعم أنه مؤهل له، في دعم الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، في محاولة منه للالتفاف حول القرار الذي أصدره مجلس الأمن بخصوص محاربة التنظيم الإرهابي "داعش"، وسعياً وراء إيجاد مخرج له من العزلة التي وجد نفسه محاصراً فيها بعد مضي أكثر من ثلاثة أعوام على اندلاع الانتفاضة الشعبية من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
فقد ظهر وليد المعلم، وزير خارجية هذا النظام الدموي، في مؤتمر صحافي قرر رئيسه أن يكون البداية للخروج من الأزمة الطاحنة التي تعاني منها سورية، وهي محاولة فاشلة ومناورة باطلة لن يكون لها أي أثر في تغيير ميزان القوى، وفي خداع الرأي العام الدولي، وفي تضليل الشعب السوري.
كيف يحق لنظام قام على الإرهاب، ويمارس إرهاب الدولة، ومتخصص في صناعة الإرهاب، ومتورط في تصدير الإرهاب، أن يساهم مع المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب؟ وكيف يجوز أن نقتنع بأن هذا النظام، الذي شارك في صنعِ "داعش"، في إمكانه أن يتصدى لمحاربته في إطار جهود المجتمع الدولي وتحت غطاء قرار مجلس الأمن؟ أليس هذا استخفافاً بالعقول، واستغلالاً للوضع الإقليمي المتفجر في كل من العراق وسورية ولبنان؟
لقد أراد النظام القاتل في دمشق أن يدخل الموسم السياسي الجديد على الصعيد الدولي، بهذه المسرحية الهزيلة، لصرف الأنظار عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها ضد الشعب السوري، وللظهور أمام العالم في صورة النظام الملتزم بالقوانين الدولية، والمستعد لدعم أي مبادرة دولية لمكافحة الإرهاب. بينما هو نظام إرهابي ضالع في الإرهاب الذي يشتعل في المنطقة من سورية والعراق إلى لبنان واليمن، سجله ملطخ بالجرائم الإرهابية التي ارتكبها ولا يزال يرتكبها في الداخل والخارج.
لم يعد نظام دمشق قادراً على خداع المجتمع الدولي، كما كان يفعل ًمنذ أكثر من أربعة عقود، بتقديم نفسه باعتباره النظام الأقدر على ضمان استقرار المنطقة، وبحسبانه الرقم الصعب في معادلة الأمن والسلم في الإقليم. وهي السياسة التي اتبعها هذا النظام في عهد حافظ الأسد، واستطاع بها أن يخدع الولايات المتحدة الأميركية لسنوات طويلة. وجاء بشار الأسد ليواصل ممارسة تلك السياسة، ولينال ثقة واشنطن في قدرة نظامه على الضبط والتحكم في مسائل الأمن الإقليمي الذي يشمل بالدرجة الأولى، أمن إسرائيل. وفي إطار تلك السياسة كان الاجتياح السوري للبنان في منتصف السبعينات من القرن الماضي، الذي تحول إلى احتلال كامل الأركان للدولة اللبنانية، كانت الدول الكبرى راضية عنه. وقد سار بشار الأسد على هذا الدرب واثقاً بنفسه، مطمئناً إلى رضا القوى الكبرى، وإسرائيل من بينها، على السياسة التي ينهجها. وهو ما يجعلنا نقول إن هذا النظام الطائفي الاستبدادي صنعته القوى العظمى، وفي المقدمة منها الولايات المتحدة، وحافظت عليه إسرائيل حتى يكون ظهيراً لها والقلعة الحامية لأمنها. وهي صورة طبق الأصل لما وقع في العراق في عهد المستبد صدام حسين، الذي كان يضطهد شعبه ويشعل نيران الحروب في المنطقة، تحت مرأى ومسمع من الولايات المتحدة ومن الدول الغربية الأخرى.
ويبدو أن عمى البصيرة لدى بشار الأسد حال بينه وبين فهم ما يجري في العالم، وإدراك التحولات التي حدثت في الإقليم. فتوهم أنه في استطاعته أن يعود إلى سياسته القديمة، وأن يجدد تقديم نفسه باعتباره "الفارس المغوار الذي لا يُشق له غبار" في مكافحة الإرهاب، وأظهر له هذا التوهم أن العالم لن يستغني عن خدماته، وأن واشنطن بوجه خاص، لن تفرط به. وتلك أضغاث أحلام ومحض أوهام. لأن العالم قد تغيَّر، وما كان معمولاً به في الأمس، لم يعد يعمل به اليوم، بعد أن توضحت الحقائق، وعرف القاصي والداني أن النظام الإجرامي في دمشق هو اليد اليمنى للنظام الإيراني الطائفي، وأحد الأسباب الرئيسة لكل الحروب والأزمات والاضطرابات والصراعات المشتعلة في العراق وسورية ولبنان واليمن.
إن النظام الطائفي الحاكم في دمشق بمناوراته هذه يبحث عن دور له في المرحلة الحالية، ينتقل به إلى مسرح الأحداث، وكأنه من دونه لن تحل مشكلة الارهاب، وكأنَّ "داعش" إن لم يتصد له هذا النظام فلن يُهزم. والمعنى من ذلك التدليس كله واضح تماماً، وهو أن الانتفاضة السورية التي تكاد تكمل عامها الرابع، كانت "انتفاضة إرهابية لا أقل ولا أكثر". هكذا يريد أن يقول النظام الإجرامي في دمشق للعالم أجمع، وهكذا يحاول أن ينصّب نفسه كأحد اهم عناصر المرحلة الحالية والمرحلة المقبلة، فأمر وزيرَ خارجيته، أن يخرج في مؤتمر صحافي، ليعلن أمام الملأ عن استعداده لدعم جهود المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب.
ولسنا ندري بأي وسيلة سيكافح هذا النظام الإرهاب، هل بالضغط على "داعش" حتى تلقي السلاح وتولي الإدبار، وهو يعرف كيف يتصرف معها، لأنه أحد صنّاعها، ام بفتح سماء سورية للطائرات الأميركية من دون طيار لتقتل السوريين بطريقة مشابهة لما فعلته تلك الطائرات في أفغانستان واليمن؟
الواقع أن من شارك في صنع "داعش" لن يقوى على كبح جماح الإرهاب، وليس في مقدوره مكافحة الإرهاب، لأنه ببساطة إرهابيٌّ. والمنطق السليم يقضي بمكافحة النظام الطائفي الإرهابي في دمشق والإطاحة به، لأن تلك هي البداية الصحيحة لمكافحة الإرهاب.
 
 
============================
محاولة لحلّ لغز مقتل قادة حركة "أحرار الشام"
رأي القدس
القدس العربي
الجمعة 12-9-2014
تعددت الروايات حول كيفية وأسباب مقتل 47 من قادة الصف الأول والثاني من حركة "أحرار الشام" التي جرت يوم الثلاثاء الماضي في بلدة رام حمدان بريف محافظة إدلب السورية.
"أحرار الشام" هي الحركة الأكبر ضمن فصائل المعارضة وأكثرها انتشاراً في كافة محافظات سوريا، عكس فصائل أخرى مثل "لواء التوحيد" المنتشر في حلب، و"جيش الإسلام" المتمركز في ريف دمشق، ولا ينافسها في الانتشار العام سوى "جبهة النصرة"، لكن الأخيرة تملك خلايا ولا تملك قوى وجيوشاً كما "الأحرار".
اتجاه الحركة العامّ سلفيّ، ويميّزها أن الكثير من قادتها شاركوا في القتال في العراق بعد الاحتلال الأمريكي له عام 2003، في لقاء موضوعيّ وقتها مع أجندة النظام السوري لإيقاف شره إدارة جورج بوش لتغيير المنطقة، ثم، حين آن قطافهم، اعتقلهم النظام وجمعهم في سجن صيدنايا، وبعد ذلك أطلق سراحهم مع انطلاق شرارة الثورة السورية، ولا يخفى من ذلك قصده وهو إعطاء الثورة السورية طابعاً سلفياً إسلامياً بدل طابعها المدنيّ العام العابر للطوائف، وما لبث الخارجون من السجن أن انضموا، متأخرين بعض الشيء، الى ركب القتال ضد النظام، فالحركة عموماً كانت سلفيّة ولم تكن جهادية، برغم لحظة القتال الطارئة في العراق.
كانت فترة سجن قادة "أحرار الشام" لحظة مؤسسة في وعيهم، ولذلك سمّوها في أدبياتهم وأقوالهم "جامعة سيّدنا يوسف"، في إشارة الى الظلم الذي حاق بالنبي يوسف وسُجن بسببه، وصار الانتماء الى تلك اللحظة، لاحقاً، مقياس اختيار الأشخاص لقيادة الألوية والكتائب المنضوية تحت راية "الأحرار".
إضافة الى عداوتها المعلنة للنظام ما لبث انتماء الحركة الى خطّ سلفيّ أن جعلها منافساً لتنظيم "الدولة الإسلامية"، ولكنّ تجربة السجن التي جمعت قادتها بتيّارات سياسية مختلفة أثّرت في هؤلاء فرغم إسلاميتها أيديولوجيا فقد كانت، في بعض تصريحات قائدها القتيل، تطرح طروحات سياسية معتدلة، وكان الاتجاه العامّ للحركة متعقّلا وحكيماً ومدروس الحركات.
وكما تعدّدت الفرضيات حول الكيفية التي قتل فيها قادة الجماعة، والطريقة التي تم اختراق المكان الحصين وعدد القوات الكبير الذي يحرس المكان، فكذلك تعددت فرضيات عن الطرف المنفّذ، الذي لم يعلن عن نفسه حتى الآن.
وجّهت بعض القوى الإتهام الى النظام السوري، وهو خصم شديد للحركة، كما وجّهت اتهامات أخرى الى تنظيم "الدولة الإسلامية"، وهو خصم لا يقل ضراوة عن النظام، لكن حجم العملية والطريقة التي نفّذت فيها لا يمكن إحالتها ببساطة ومن دون تدقيق الى الطرفين، رغم الاحتفالات التي حصلت في مناطق مؤيدي النظام السوري وكذلك أنصار "حزب الله" اللبناني، والتهاني التي تبادلها الموالون ل "الدولة الإسلامية" في وسائل التواصل الاجتماعي.
المختصون بالساحة السورية وجّهوا أيضاً أصابع الإتهام الى "لواء داود" وهو لواء كان يرتبط بروابط سياسية وتنظيمية مع "الجبهة الإسلامية" التي تنتمي إليها حركة "أحرار الشام" ولكنه انشق عنها وانضم الى تنظيم "الدولة الإسلامية"، وأميره (المكنّى، على إسم بلدته، السرميني) يحمل اسم قائد "الأحرار" القتيل نفسه: حسان عبود (المكنّى أبو عبد الله الحموي)، لكنهم اعتبروا أن حجم العملية الكبير أكبر من قدرة "لواء داود"، ومن "الدولة الإسلامية"، معتبرين العملية إنجازاً استخباراتياً لإحدى الدول الكثيرة التي تخترق تنظيم "داعش" وتستخدمه في عملياتها، خصوصاً حين يفترض تنظيم "الدولة الإسلامية" أن العملية المنفذة لصالحه.
كما أن البعض يوسع بيكار العمل الاستخباراتي رابطاً بين المحاكمة التي أعلن عنها في دولة الإمارات العربية المتحدة قبل يوم واحد من الإنفجار، واتهم فيها القضاء الإماراتي عناصر من "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" بالإسم، معتبراً الأخيرة تنظيماً إرهابياً، والعملية التي جرت في ريف إدلب وأودت ب 47 قائداً عسكريا وسياسياً من الحركة.
أما الرأي الأخير، الذي يسخر من كل هذه التحليلات، فيعزو الأمر كله الى القضاء والقدر، وسوء الحسابات الأمنية، لأن مكان الاجتماع جرى في مكان قريب من مستودعات للذخيرة، وحين حصل انفجار كبير فيها قُتل المجتمعون تحت الأرض بسبب إساءة التقدير أولا، ولانعدام المنافذ وأسباب النجاة، ثانياً.
ولكن السؤال الذي لا تجيب عليه فرضية المصادفة: هو لماذا تواقت الإنفجار مع موعد الاجتماع؟
============================
أوباما والحرب على الإرهاب: الحلقة المفرغة
صبحي حديدي
القدس العربي
الجمعة 12-9-2014
حين شاء الردّ على نقّاده الكثر، حول إقراره السابق بأنّ إدارته لا تملك، بعد، ستراتيجية لمواجهة "داعش"، فقرّر أخيراً الإفراج عن الركائز الأربع التي سينهض عليها معمار تلك الستراتيجية الوليدة؛ طاب للرئيس الأمريكي باراك أوباما أن يضع المشروع ضمن سياقين، ومناسبتين: الذكرى الثالثة عشرة للهجمات الإرهابية الأشهر في تاريخ أمريكا، يوم 11/9/2001، في نيويورك أساساً؛ والذكرى السادسة لأسوأ "انتكاسة" اقتصادية شهدتها الولايات المتحدة منذ "الركود الكبير"، أواخر عشرينيات القرن الماضي.
اقتصاد وأمن إذاً، وأمثولة أوباما من وراء السياقين، مجتمعين أو منفردين، هي أنّ القوّة الكونية العظمى سوف تنتهي إلى الظفر، طال الزمان أم قصر: كما نجحنا في قتل أسامة بن لادن، ثمّ تفكيك قواعده وقياداته في أفغانستان والباكستان، وكذلك في اليمن والصومال، يقول أوباما؛ فإنّ أمريكا سوف تنجح في "الحطّ" من قوّة "داعش"، ثم الانتقال إلى تدميرها. ذلك لأنّ "أمريكا هي التي تمتلك القدرة والإرادة لتعبئة العالم ضدّ الإرهابيين. وأمريكا هي التي حشدت العالم ضدّ العدوان الروسي، وفي دعم حقّ الشعب الأوكراني في تقرير مصيره بنفسه. وأمريكا  بفضل علمائنا، وأطبائنا، وخبرتنا  هي التي تستطيع احتواء وعلاج انتشار مرض إيبولا. وأمريكا هي التي ساعدت في إزالة وتدمير أسلحة سوريا الكيماوية المعلنة بحيث لا تشكّل مجدداً مصدر خطر على الشعب السوري والعالم".
.. هكذا تكلم أوباما!
لا عتب على امرىء إذا خال أنه لا يصغي إلى الرئيس الأمريكي الرابع والأربعين، بل إلى الرئيس الأمريكي الأوّل، أو بالأحرى كلّ وأيّ رئيس أمريكي حين ينجرف إلى غنائيات امتداح الولايات المتحدة، خصوصاً في هذا الجانب الأثير تحديداً: قيادة العالم. أم لعله ذلك المحلل السياسي الأمريكي الظريف، أرنولد ستيل، الذي لم يتوانَ ذات يوم عن الشكوى من "عبء مقدّس"، حملته أمريكا حين صارت "إمبراطورية بالصدفة العمياء"، حسب تعبيره: "على النقيض من روما، إمبراطوريتنا لم تلجأ إلى استغلال أطرافها وشعوبها. على العكس تماماً… نحن الذين استغلتنا الشعوب واستنزفت مواردنا وطاقاتنا وخبراتنا"!
أو فلنعدْ إلى سلف أوباما، جورج بوش الابن، حين جرّد الحملة تلو الحملة ضدّ أنماط من الإرهاب كانت "القاعدة" اختزالها "الهمجي" و"البربري" الأقصى؛ قبل أن تتأسس "داعش"، وتكبر وتستفحل وتستشري، تحت سمع وبصر القوّة الكونية العظمى، فتضع "القاعدة" خلفها، وتستأثر بالصفات البغيضة جمعاء. ولنعدْ إليه في واحد من سياقَيْ أوباما، أي 11/9 وعواقبها، أسوة بجذورها؛ وكذلك، غنيّ عن القول، تنظيراتها التي راجت، ثمّ سادت، ثمّ بادت بفعل اشتراطات الحياة ذاتها: حين انتقل الجهاد من مفهوم غائم، منفكّ عن الواقع أصلاً، قريب أكثر من الخُلُق وجهاد النفس؛ إلى "صناعة" على يد الاستخبارات الأمريكية، في غمرة تهليل زبغنيو برجنسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي في رئاسة جيمي كارتر؛ فإلى سحر منقلب على الساحر، في أفغانستان والعراق والصومال واليمن وكينيا ونيجيريا؛ وأخيراً… إلى "خلافة" و"دولة إسلامية" و"داعش"، تتنادى للقضاء عليها قوى عظمى، وأمم، وأحلاف أطلسية!
بوش، قبل عقد من الزمان، كان يتمسح بتلك النظرية، الثابتة واليقينية والراسخة التي لا تتزحزح قيد أنملة عن معادلتها البسيطة، والتبسيطية بالأحرى: 11/9 كانت جولة للشرّ؛ ضدّ الخير (الذي ينبغي أن يبدأ من هاهنا: من واشنطن، والقِيَم الأمريكية، وطرائقنا في العيش، وديمقراطيتنا، وفلسفات سياستنا واجتماعنا واقتصادنا…)؛ ولا وسيلة لانتصار الخير على الشرّ إلا بما فعلنا ونفعل في أفغانستان والعراق (ثمّ في فلسطين ولبنان بالإنابة، أو بالتفويض، ضمن الشراكة مع إسرائيل، بوصفها الحليف والشريك)؛ وهذه الحرب على الإرهاب، بقيادة أمريكية دائماً، هي سمة القرن الحادي والعشرين.
الأرجح أنّ ذلك الترحيل نحو الإيديولوجيا لم يكن يستهدف التغطية على سوءات الإدارة الأمريكية وما يستشري سلباً ويتفاقم كابوسياً في جبهات حرب القرن هذه؛ إذْ كيف يمكن حجب الشمس بغربال: في العراق الذي كان يقف كلّ يوم على شفير التفكك الوطني والحرب الأهلية المذهبية، وفي أفغانستان حيث كان الطالبان يعودون صحبة والخشخاش وأمراء الحرب؛ ثمّ اليوم، في سوريا المعاصرة، والعراق المعاصر، وليبيا، واليمن، والصومال…؟ كان غرض بوش آنذاك، على غرار غرض أوباما اليوم، هو ردّ نقاش الإرهاب إلى المربّع البدئي الأوّل في المعادلة العتيقة إياها، عن الخير والشرّ، والأسود والأبيض، والذي ضدّنا لأنه ليس معنا. ذلك غرض لا يغطّي على إرهاب حلفاء الولايات المتحدة، وإسرائيل في المقام الأوّل، فحسب؛ بل يكفل تسعير المزيد من النيران التي تشدّد رهاب الأمريكي في الداخل، وتعصب عينيه عن حقائق ما جرى ويجري.
متغيّرات 11/9، التي طالت الحياة اليومية الأمريكية، أتاحت سنّ قوانين الحدّ من الحريات، واستيلاد مكارثية جديدة، وتجميل الغزو العسكري، وتسويغ أخلاقيات غوانتانامو وأبو غريب، وتطبيع المعتقلات الطائرة، واعتماد السجون السرّية، وشَرْعَنة التنويع في أفانين التعذيب، والتعاقد مع أنظمة الاستبداد والفساد لإنجاز مهامّ التحقيق القذرة… أمّا المظهر الأبرز لهذا الانجراف، فقد كان مصطلح "محور الشرّ" الشهير، الذي اجترحه بوش في أعقاب 11/9، ولم يتوقف عن إعادة إنتاج تجلياته حتى الساعة: "ما نزال نواجه تهديداً إرهابياً. ولا نستطيع اجتثاث كلّ أثر للشرّ في العالم، كانت هذه هي الحال قبل 11/9، وهي تظلّ صحيحة اليوم"، قال أوباما في خطبته الأخيرة.
المظهر الثاني، الذي يكمل الاشتغال المتغاير على مصطلح "محور الشرّ" ويتناغم مع مفرداته العملياتية إذا جاز القول، هو تصنيف الإرهاب الكوني. البيت الأبيض، بالأمس كما اليوم، سواء أكان الرئيس جمهورياً أم ديمقراطياً؛ ما فتئ يعيد الأمريكي، ومعه العالم بأسره في الواقع، إلى ذلك المربع البدئي الذي يصنّف أنساق الإرهاب، وأنساق الخير والشرّ استطراداً، من خلال التقرير السنوي الشهير الذي اعتادت وزارة الخارجية الأمريكية إصداره. والحال أنّ هذه التقارير، وما بعد 11/9 تحديداً، صارت لا تصف موصوفاً قائماً، بقدر ما تخترع وحشاً متخيَلاً؛ فبات من نافل القول إنّ الأخصائيين الأمريكيين في شؤون الإرهاب والإرهابيين لم يتعلّموا شيئاً من الدروس الدامية لهزّة 11/9، سواء على نطاق الولايات المتحدة نفسها، أم في مختلف بقاع العالم.
رؤساء أمريكا لا يطرحون سؤال الإرهاب بوصفه  غالباً، وليس بين حين وآخر  مخلوق الفقر والفاقة والبؤس والمهانة، والعداء لسياسات الولايات المتحدة هنا وهناك في العالم، خاصة النزاع الإسرائيلي  الفلسطيني، أو ردّ الفعل على حرب أمريكا ضدّ الإرهاب… لهذا سوف تظلّ العناصر العليا، التي تتشكّل منها فلسفة الولايات المتحدة في "الحملة ضدّ الإرهاب"، قائمة على هذا الميزان: أغلقوا هنا ثغراً (أي: حاضنة!) للتشدد الإسلامي، الذي يهيىء المناخات ويصنع ويصنّع موضوعياً ظواهر التطرّف والإرهاب؛ ولكن لا بأس أن تفتحوا هناك ثغراً جديداً لتشدّد مماثل، أو أدهى، بهوية مختلفة وأجندات ملتهبة. وفي صياغة عملية، وأمثلة من التاريخ المعاصر: أغلقوا ثغور الطالبان في أفغانستان، وافتحوا ثغور "المحاكم الشرعية" في الصومال؛ وأغلقوها هنا، ومهدوا الأرض لانطلاقها في العراق؛ ثمّ بعد العراق، هنالك الزرقاوي و"الدولة" الأولى؛ و"الدولة" الثانية في العراق، التي ستصبح "داعش" في العراق وسوريا، معاً؛ ثمّ "الخلافة"، والISIL كما يفضّل أوباما، للإشارة إلى المشرق برمّته!
أيّ عجب، إذاً، أن تفشل الحملات، فرادى وجماعات؟ وأنّ يواصل الأبرياء، عن فطرة او عمد، طرح السؤال الساذج: كيف، ومن أيّ سماء سوداء مدلهمة، يهبط الإرهاب، إذاً؟
 
٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
============================
هل يرتكب العرب الخطأ نفسه بعد 3 سنوات؟
سركيس نعوم
النهار
الجمعة 12-9-2014
التطورات المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط بتعقيداتها الكثيرة والصعبة سوف تغيّرها على نحو لم يحصل قبلاً، في رأي باحثين ومتابعين أميركيين لأوضاعها ولسياسة بلادهم حيالها. وأبرزها الاضطهاد الفظيع للأقليات وللمخالفين من الأكثريات. وهي أجبرت الإدارة الأميركية على تغيير سياستها أو إستراتيجيتها الاقليمية عملياً وخصوصاً حيال العراق حتى قبل إعلان الرئيس باراك أوباما أمس عناوين هاتين الإستراتيجيا والسياسة. فإدارته لم تكن تريد أن تسلِّح بكثافة الجيش الكردي (العراقي) المسمى "بشمركه" خوفاً من استعماله لتحويل الحكم الذاتي في كردستان دولة مستقلة وسيدة. لكن ما حصل في الأشهر القليلة الماضية جعلها تتخلى عن كل تحفظاتها السابقة عن هذا الأمر، ودفعها إلى اعتبار الأكراد حلفاءها وإلى الاعتماد عليهم لحماية الأقليات "المهجَّرة" والمستباحة من تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروف ب"داعش". ودفعها في الوقت عينه، وبسبب رفضها المطلق التورط في أي عمل عسكري مباشر وتحديداً بري في العراق أو في سوريا أو في أي مكان آخر من المنطقة، إلى العمل للقضاء على إنجازات "داعش" في العراق وربما لاحقاً في سوريا، وفي الوقت نفسه لاستئصال "فكره" البالغ التطرُّف عقيدة وتصرفاً من المنطقة ولكن بواسطة تحالف دولي – اقليمي واسع، تتولى بموجبه الدول الكبرى المشاركة فيه عمليات التسليح والتدريب وتوفير الغطاء العسكري الجوي والأعمال اللوجيستية، في حين يقوم أعضاؤه الاقليميون بالعمل العسكري حيث تدعو الحاجة في الشرق الأوسط العربي. ودفعها أخيراً (أي أميركا) إلى الإصرار على وجوب أن يقوم العراقيون بدورهم في مواجهة "داعش" في بلادهم وذلك من خلال تأليف حكومة تضم مكوِّنات الشعب العراقي كلها (ويفترض أن ذلك حصل) ووضعها خطة وطنية من شقين. الأول عسكري ويقضي بتحرير الأراضي التي يحتلها التنظيم المذكور بعد إعادة تأهيل الجيش الذي انهار في سرعة في الموصل ونينوى وصلاح الدين. والثاني سياسي ويقضي بإزالة الأسباب التي جعلت من غالبية السنّة العراقيين بيئة حاضنة ل"داعش" ومشاركة معها في العمل العسكري بعدما كانت هي العامل الأبرز في القضاء على "قاعدة" بن لادن ثم الزرقاوي في مناطقها وبلادها أيام الاحتلال الأميركي. ويفترض أن يُنفَّذ شقّا الخطة الوطنية المشار إليها بالتزامن أي في وقت واحد.
ما مدى سهولة السياسة الأميركية المذكورة أعلاه لمواجهة "داعش" ومثيلاته؟
إن تنفيذ هذه السياسة من الصعوبة بمكان يجيب الباحثون والمتابعون الأميركيون أنفسهم، فداخلياً يبدو العراق مقسَّماً فعلياً بين الشيعة والسنّة والأكراد رغم وحدته الرسمية النظرية، وما قام به "داعش" كان في رأي كثيرين من العراقيين والعرب السنّة إقامة توازن بين المكوّنات الثلاثة هذه بعدما أزاح سيطرة الشيعة عن المنطقة السنّية. وهذا يعني، وفي ظل عدم استعداد أميركا لتحرير المنطقة التي سيطر عليها "داعش" بقواتها العسكرية، أن على حكومة الوحدة الوطنية في العراق إذا كانت جدية أن تتعاون مع أبنائها لإدارة شؤونهم وخصوصاً الأمنية بأنفسهم من جراء غياب الثقة في قوات الجيش والأمن المركزية. وما فعلته ميليشيات النظام في مناطق بعد تحريرها من "داعش" لم يكن مطمئناً لهم. وإقليمياً، يلفت هؤلاء، يبدو أن الدول العربية الإسلامية المهمة لم تقف في وجه "داعش" والمتطرفين من أمثاله لأنها اعتبرتهم وربما لا تزال السلاح الذي به يستطيعون أن يواجهوا طموحات إيران الفارسية – الشيعية وتوسعيتها ورغبتها في الهيمنة على المنطقة. ويفسر ذلك التمويل والتسليح الذي قام به عرب رسميون وغير رسميين، والتدريب الذي قام به مسلمون غير عرب والتسهيلات التي قدمها لهم الجميع. وإقليمياً أيضاً قد تكرّر الدول العربية اليوم الخطأ الذي ارتكبته بعد اندلاع الثورة السورية، إذ لم تقم في حينه بالعمل معاً لتنظيم الثورة بجانبيها السياسي والعسكري بعدما بدأ النظام قمعها بقسوة، واختلفت في ما بينها على الإدارة، وطلبت من اميركا القيام بمهماتها هي وكأنها تعمل عندها. وما يتناهى إلى الأسماع في بعض الدوائر أن الدول نفسها ومعها تركيا تحاول أو ستحاول في أثناء البحث في إقامة التحالف الدولي - الاقليمي لمواجهة الإرهاب الابتعاد عن العمل العسكري. وإذا صح ذلك، فإنها ستدفع بالمنطقة إلى مزيد من الحروب وستضعها على شفير التقسيم. كما أنها ستفقد دورها كقوى إقليمية عظمى.
 
sarkis.naoum@annahar.com.lb
============================
محاربة "داعش" على الأراضي السورية هل غطاء التحالف ضد الإرهاب كافٍ؟
روزانا بومنصف
النهار
الجمعة 12-9-2014
كانت نقطة الثقل والاستقطاب في الاستراتيجية التي اعلنها الرئيس الاميركي باراك اوباما في اطار اعلان قيادة الولايات المتحدة تحالفا دوليا ضد تنظيم الدولة الاسلامية ( داعش) في كل من العراق وسوريا تشديد اوباما على ان الضربات العسكرية ستشمل سوريا وان هناك قرارا عملانيا بدعم المعارضة المعتدلة فيها. ذلك ان الانخراط في ضرب "داعش" في العراق بدأته الولايات المتحدة منذ الاسبوع الاول من آب الماضي بصمت ومواكبة من دول يفترض ان تكون معترضة على تدخل الولايات المتحدة في اي دولة في المنطقة، بذرائع مختلفة. وهذا الصمت طاول في الدرجة الاولى ايران التي تركت تكهنات مختلفة حول موقفها الحقيقي نتيجة تناقض مواقف مسؤوليها حول التعاون مع الولايات المتحدة ضد "داعش" في العراق او حول عدم نية التعاون، اقله علنا. كما طاول هذا الصمت كلا من الصين وروسيا اللتين ترفعان لواء الاعتراض في محطات مماثلة تحت ذريعة احترام سيادة الدول. واذ رفعت بالنسبة الى التدخل في العراق اسباب وتبريرات تتصل بطلب الحكومة العراقية نفسها تدخلا اميركيا ودوليا من اجل وقف تقدم "داعش"، وهو الامر الذي وفر لهذه الدول سببا للصمت وعدم الاعتراض الى جانب كون المستهدف تنظيما ارهابيا زاحفا في كل الاتجاهات، فان السؤال الذي يثار هو هل توجيه ضربات للتنظيم في سوريا، في ظل عدم اعتراض في الوقت نفسه على بالونات اختبار اعتبرت ان مواجهة التنظيم في العراق وحده لن تكون كافية ما دام له قواعد توسعية في سوريا، سيحظى بردود فعل مختلفة؟ فالتنظيم الارهابي هو نفسه، وتاليا الحرب ضده في العراق يفترض ان تنسحب عليه ايضا في سوريا التي رغب نظامها في ان يشمله التحالف الدولي ويكون جزءا منه، وفق ما اعلن وزير خارجيته وليد المعلم قبل اسابيع، وهو ما رفضته الولايات المتحدة والدول الغربية والعربية على حد سواء، في ضوء اعتبارها ان النظام فقد شرعيته وهذه الدول لن تتعاون معه.
 
وفي حديث ادلى به الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الى الزميلة راغدة درغام في " الحياة"، اعتبر ان مواجهة "داعش" من خلال تحالف دولي لا يحتاج الى قرار آني في مجلس الامن، موضحا انه اذا كان هناك قرار من مجلس الامن، والمجلس متحد حول ذلك، فان الامر سيكون طريقة ممتازة ومناسبة. ومع ان الامين العام للأمم المتحدة لا يعبر رأيه تماما عن الامم المتحدة او عن اجهزتها، ففي الساعات التي تلت اعلان الرئيس الاميركي عن استراتيجيته لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية، برزت جملة مواقف اثارت تفسيرات متناقضة وعلامات استفهام مقلقة حيال المرحلة المقبلة. اذ اعتبر النظام السوري ان اي عمل عسكري اميركي على سوريا من دون موافقته هو بمثابة اعتداء، وهو امر يختلف تقديره بين من يرى ان الامر من دون اهمية ما دام لا اقرار من التحالف الدولي بشرعية النظام الحاكم والاعتراف بشرعية المعارضة المعتدلة في المقابل، والتي وافقت على ان تكون شريكة في هذا التحالف، وما دامت الولايات المتحدة كشفت عن عملية عسكرية قامت بها في داخل سوريا لانقاذ مخطوفيها من دون ان يصدر اي اعتراض من النظام على خرق سيادة سوريا، اضافة الى ان سوريا باتت ساحة جهاد عالمي ودولة فاشلة وليست متماسكة ومن يحذر من ردود الفعل التي ترى العكس. وروسيا وفق ما هو متوقع، اعتبرت" ان شن هجمات جوية على اسلاميين في سوريا والعراق من دون تفويض من مجلس الامن الدولي سيكون عملا عدوانيا"، فيما اعلنت الصين " ان على العالم مكافحة الارهاب لكن سيادة الدول يجب ان تحترم ". وانتقدت ايران التحالف لغموضه الكبير وعدم اتضاح اهدافه، في حين ان العراق، بحكومته الجديدة التي هللت لاستراتيجة اوباما لانقاذ العراق رحب بهذه الاستراتيجية " في ما خص الوقوف معه في حربه ضد داعش.
وترى مصادرسياسية ان هذا الانقسام او هذه التحذيرات بديهية لخشية الدول المعنية على النظام السوري وعدم وجود حل يتم التفاوض معها فيه حول سوريا، او لعدم كونها جزءا من هذا التحالف، في حين لا تستطيع الوقوف ضد ضرب تنظيم الدولة الاسلامية فعلا، وخصوصا ان الجميع يدرك انه لا يمكن عمل اي شيء في المنطقة من دون رضى الدول الاقليمية والعربية ذات الغالبية السنية التي ستطالب حتما بأثمان في المقابل، ليس اقله عدم الافساح في المجال امام تقديم انتصارات لايران في سوريا والمنطقة، او لاعتبارات اخرى. وتاليا فان انتقاداتها لن تمنع توجيه ضربات عسكرية ل"داعش" في سوريا. في حين ترى مصادر اخرى ان ما قد يثقل على التحالف الدولي في ما يتصل بسوريا اعلان دول غربية عدم استعدادها للمشاركة في توجيه ضربات عسكرية في سوريا. وقد اعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ان فرنسا ستشارك اذا اقتضت الضرورة في عمل عسكري جوي في العراق مضيفا ان تحرك باريس لن يخضع للمعايير نفسها في سوريا. كما اعلنت الخارجية البريطانية ان بريطانيا لن تشارك في شن ضربات عسكرية على سوريا، فيما تعتقد مصادر ديبلوماسية ان ما يمنع الدولتين من المشاركة على هذا الصعيد هو عدم وجود شرعية دولية لهذا التدخل، مما يعطي اوراق قوة للدول الممانعة لضرب "داعش" من دون موافقة النظام السوري او بالشراكة معه.
 
rosana.boumonsef@annahar.com.lb
============================
حرب أوباما وحرب "داعش"!
الياس الديري
النهار
الجمعة 12-9-2014
عبثاً تقصدون هذه العاصمة العربيّة أو تلك، عبثاً تتوقّعون ترياقاً من هذا الموفد العربي أو الإيراني أو الأوروبي أو الأميركي، إذا كان "الخارج" لم يتّخذ قراره بعد. فمطرحك يا واقف إلى أن يحين الموعد مع غودو. ومطرحك يا لبنان الذي لا يختلف حاله عن حال الصبي مع خالته.
 
منذ كان الاستقلال الناجز التام، الدائم الاختراق من لدُن الشقيقة سوريا، والأحباء اللبنانيّون يختلفون دائماً وأبداً ويوميّاً على كل شيء، ويحتاجون دائماً وأبداً إلى من يجمعهم ويصالحهم ويشوف خاطرهم.
من قصة الناطور والمختار صعوداً إلى الانتخابات البلدية، فالنيابيّة، فالرئاسيّة بلوغاً لتأليف الحكومات وتوزيع حقائب الوزارات التي تبيض ذهباً. عند كل استحقاق محطة اختلاف، وتهديد البلد بالانقسام والانفصام.
المهم، أيّاً كان الخلاف، لا بدّ من تدخّل أخوي دولي عالمي...
ما في اليد حيلة، شعب عنيد يحبّ بلده الذي لم يُصبح وطناً بعد حتى الموت.
من العهد الاستقلالي الأوّل الذي أسقطه الفساد بكل أسمائه وأنواعه في منتصف الولاية الثانية، إلى زمن الفراغ الذي نعيشه، لم يتغيّر حرف في "المعادلة اللبنانيّة" بامتياز:
حروب آخرين قذرة، على حروب متخلّفين بين أهل البيت الواحد، فحروب توحيد البندقية التي دمّرت وأحرقت وقتلت ضعفي ما سبّبته الحروب التي سبقتها. إلى أن دخل لبنان حرب "أنا أو لا أحد" المستمرّة بشراسة حتى الساعة.
ملّ اللبنانيون هذه المسرحيّات، وهذه المماحكات، وهذه الأنانيّات، وهذه الشخصانيّات.
اشتاقوا إلى الحياة الطبيعيّة، كسائر شعوب الأرض. إلى الاستقرار والأمان... بعيداً من "داعش" و"النصرة" والذبح والقتل والوحشية التي لم تذكر التواريخ ورود مثيل لها.
اوقفوا كل هذا التنظير التافه، وكل هذه الأكاذيب والأحابيل، وكل هذه المسرحيّات البدائيّة الممجوجة. وليتقدّم واحد منكم فيصارح الناس بالحقيقة...
كل مرحلة لها طائفة معيّنة تقود هذا اللبنان اليتيم، خلالها، إلى حافة الهاوية. وكم زُلّت القَدَم وانزلق اليتيم.
أما خلافات اللبنانيين التي تشلّ البلد بلا هوادة، فنادراً ما تغيّرت في الأسلوب عن مصالحاتهم التي تتم عادة في هذه العاصمة العربية أو تلك. فلا الخلافات متوقّفة، ولا المصالحات دائمة. ولا المُصالِح هو نفسه في كل معركة.
حالياً، وفي ظلّ فراغ رئاسي، وغياب تام للدولة، حضور مخيف للإرهاب بكل تنظيماته، ينتظر بعض اللبنانيين الفرج من قطبَي المنطقة؛ السعودية وإيران.
لكنّ باراك أوباما ارتدى درع النِزال؛ داعياً إلى حرب لا عودة منها إلا وحرب "داعش" قد لحقت بحرب داحِس والغبراء.
============================
تقسيم السنة العرب ودفعهم للاقتتال
طلعت رميح
الشرق القطرية
الجمعة 12-9-2014
 
ليس تحالفا دوليا للحرب على الإرهاب، فالعرب والمسلمون يتعرضون منذ سنوات لأشنع أنواع الإرهاب على يد ذات الدولة الداعية لتشكيل هذا التحالف.. بل هي إستراتيجية أمريكية وغربية هدفها الضغط لتحقيق السيطرة الكاملة على قرار الدول والقوى العربية والإسلامية وتحقيق مزيد من اختراقها وتقسيمها أكثر وأكثر، ودفعها للاقتتال مع بعضها البعض، لتكون الحرب سنية – سنية، بعدما فشلت إيران –رغم الدفع والدعم الأمريكي – في إحداث الفتنة الشاملة وتحقيق الخضوع الكامل للإقليم، إذ كانت الثورة العراقية وانتهاء الجيش الطائفي للمالكي إعلانا باندحار الطائفية وإبرازا لقوة المجتمعات على المواجهة وإلحاق الهزيمة بلعبة وفتنة إيران..
هدف الخطة: الحرب على المقاومة.. لا الإرهاب.
وإذ يجري الحشد الدولي ضد داعش في صورة حرب دولية أو كونية، فمن يتابع ما يجري يجد العالم في أجواء وأوضاع تشبه ما كان عليه خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية من إعادة رسم خرائط الدول وعوامل ومرتكزات القوة، مع فارق وحيد هو أن الكل محتشد ومنخرط في حرب عسكرية واستخبارية ودبلوماسية وإعلامية ضد طرف واحد ليس لديه كيان دولة، ولا قوات مسلحة حقيقية، أو هو بالكاد لا يملك إلا سيارات رباعية الدفع.. تلك حرب وتحالفات مريبة من أولها إلى آخرها، إذ أمتنا هي من تعانى من إرهاب من جاء يحدثها عن الإرهاب.
وإذ تتولى الولايات المتحدة وأوروبا عملية الحشد وقيادة هذا التحالف الدولي للحرب، فذلك يعيدنا إلى أجواء وأعمال الحشد التي قام بها جورج بوش تحت زعم مكافحة الإرهاب أو محاربة تنظيم القاعدة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وهو حشد انتهى وتلك حرب انتهت، إلى احتلال أمريكا لأفغانستان ثم العراق دون مواجهة ولا قضاء على تلك القوة التي جرى الحشد ضدها (القاعدة).. الحشد والحرب الحالية بمثابة إعلان بفشل الأولى، إذ القوى التي استهدفتها حرب جورج بوش، توسع دورها ونشاطها ومناطق انتشارها، والفشل وإعادة نفس الأسطوانة هو تأكيد على وجود أهداف أخرى وراء الحرب السابقة والحالية.
في كلتا الحربين "بوش أو أوباما"، لا يصدق أحد ما يعلن من أهداف، ليس فقط لأن حشد بوش أدى إلى ارتكاب جرائم إرهابية هي الأخطر والأشد دموية في التاريخ الإنساني ضد الأمة الإسلامية، وإلى احتلال أفغانستان والعراق وباكستان والصومال –على الأقل- ولكن أيضاً لأن هناك إرهابيين واضحين لا لبس في إرهابهم، لا يقترب منهم أحد لا بالتوصيف ولا بالملاحقة.. ففي العراق الآن أكثر من 30 ميلشيا إرهابية تمارس القتل والإعدامات علنا منذ سنوات في العراق وسوريا دون أن يقترب منها أحد، وفي فلسطين جيش إسرائيلي يقتل الآلاف ويعتقل أكثر منهم، دون تحرك دولي ولو حتى بالإدانة الخجولة لذر الرماد في العيون... إلخ.
وفي الحشد الغربي على شماعة داعش، عاد أوباما إلى نفس إطار وخطة وإستراتيجية سلفه جورج بوش.. عاد إلى مقولة من ليس معنا فهو ضدنا، لكن بلغة ناعمة تناسب عدم تكرار نفس الألفاظ، فها هو يعلن ويشدد على ضرورة اتخاذ جميع دول العالم موقفا ضد داعش، والأهم أنه يتحرك لأجل حشد عربي وإسلامي بالدرجة الأولى في عمليات القتال الجارية والتي يجري الإعداد والاستعداد للقادم منها.
وتلك هي النقطة الأهم والمحور الذي تدور حوله تلك الإستراتيجية.. لسنا أمام حرب عالمية على الإرهاب، بل الغرب يستهدف تعميق اختراق صفوف وأرض العرب ودفع الجميع لقتال الجميع.. أوباما يسعى لحرب سنية – سنية، بعد أن تمكن السنة من إنجاز خطوات كبيرة نحو حسم حالة الصراع مع المكونات الميليشياوية الشيعية على أراضيهم من العراق إلى سوريا إلى اليمن حاليا.. تهزم الفتنة الشيعية – أو تكاد- فيعود أوباما إلى إستراتيجية الحرب السنية-السنية، التي اعتمدها بوش في العراق من خلال "الصحوات في المناطق السنية".
لقد هزم العراقيون تلك الإستراتيجية التي اعتمدها جورج بوش في العراق وفي سوريا وفي الإقليم، ولاح أن الدور الذي صنعته أمريكا لإيران بكسر العراق وحل جيشه قد قارب النهاية، وأن المقاومة الحقيقية العاقلة صاحبة المشروع الإنساني صارت تتقدم في فلسطين وسوريا والعراق، فعاد أوباما ليحدث تطويرا لإستراتيجية تشكيل الصحوات العراقية من جديد ولكن على صعيد الإقليم والصحوات ليست في العراق وحده، بل في كثير من دول المنطقة بل هي في معظم دول المنطقة.. ما يجري في فكرة التحالف الدولي والإقليمي ليس إلا إمدادا بالسلاح وتحريرا للمال من جهات باتجاه أخرى في داخل الإقليم، لصناعة التقسيم والحرب داخل السنة العرب.. الهدف هو إنهاء كل عوامل قوة المقاومة السنية في كل مكان.. ولذلك قال وزير الخارجية الأمريكي إن التحالف ضد داعش قد يستمر أعواما.. انتظروا النتائج، وعلى رأسها دخول إسرائيل ضمن إطار التحالف مع الصحوات.. ألم تسمعوا تعبير نتنياهو عن دهشته من هذا الدعم العربي الذي لاقته حملته ضد المقاومة في غزة.. هي حرب صناعة منطقة جديدة!
التعليقات
============================
حرب الأربعين لتدمير المنطقة
سمير الحجاوي
الشرق القطرية
الجمعة 12-9-2014
مع إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما "خطته الإستراتيجية" للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية وتكوين حلف من 40 دولة لتدميره، تعيد الولايات المتحدة صياغة دورها كقائد عسكري ومهندس الحركة وضابط الإيقاع في المنطقة العربية.
أمريكا تعود إلى العالم العربي هذه المرة تحت لافتة محاربة "تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي"، بعد أن دخلت المرة الأولى عسكريا بحجة محاربة تنظيم "القاعدة الإرهابي"، واحتلت أفغانستان والعراق وعاثت فسادا في الصومال واليمن، ومنذ عام 2011، بعد هجمات سبتمبر، وهي في حالة حرب فعلية، ولم تتوقف منذ 13 عاما عن شن حروب متواصلة قتلت خلالها ما يقرب من مليوني إنسان في العراق وأفغانستان والصومال واليمن، وأحالت هذه الدول إلى خراب، لكن أمريكا بدورها دفعت ثمنا باهظا جدا، فهي ترزح الآن تحت مديونية وصلت إلى 18 تريليون دولار، أي أكثر من الناتج الإجمالي المحلي لأمريكا.
الحرب الجديدة هذه المرة في العالم العربي ليست حربا أمريكية خالصة، لأنها معقدة ومتشابكة ومتداخلة، وهي مطلوبة إقليميا ودوليا ومن قبل أنظمة عربية تخشى على وجودها، وبالتالي فإنها تشكل أضلاعا فاعلة بها لمواجهة هذا التنظيم المرعب الذي يسيطر على ثلث العراق وسوريا على الأقل، فهذا التنظيم يثير الرعب في عواصم كثيرة، إلى درجة أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قال: إننا إذا لم نذهب لمقاتلته في العراق وسوريا فإنه سيأتي لمقاتلتنا في شوارع لندن، وهي عبارة لها دلالاتها العميقة والقلقة في نفس الوقت، على الرغم من الغموض الذي يكتنف هذا التنظيم الدموي الذي انتقده منظر التيار الجهادي أبو محمد المقدسي وزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وهاجمه بشدة قيادي القاعدة الذي يحاكم في الأردن، أبو قتادة، والذي لم يتورع عن وصفه بأنه مجرد "فقاعة" ستزول وأن أتباعه "خوارج من كلاب أهل النار"، وهي آراء لها وزنها على صعيد التيار الجهادي في العالم كله.
لكن ورغم هذا الغموض والإبهام فإن الآلة الإعلامية والدبلوماسية صعدت من "شيطنة" هذا التنظيم، وحولته إلى "غول" لإرعاب الرأي العام لحشد ما يكفي من القوة العسكرية والمالية لاستئصاله، وتخليص العالم من هذا "الشر" بتمويل من أنظمة عربية ليس لديها أكثر من "دفاتر الشيكات" لدفع تكاليف الحرب.
إلا أن الحرب هذه المرة على تنظيم الدولة الإسلامية تختلف في بعض التفاصيل عن الحروب على القاعدة والعراق، وهي تتميز بالتالي:
1- كثير من الأنظمة العربية تريد هذه الحرب وتحرض عليها ومستعدة لتمويلها.
2- واشنطن ستقود العمليات القتالية في العراق وسوريا لكنها لن ترسل جنودا.
3- ستطبق أمريكا عقيدتها العسكرية الجديدة وهي الحرب بواسطة "الجيوش المحلية".
4- ستكتفي أمريكا بتوجيه ضربات جوية وتقديم الدعم العسكري مدفوع الثمن.
5- لاشيء مجانا كل رصاصة تطلقها أمريكا يجب أن تدفع الأنظمة ثمنها.
6- الاعتماد على العمل الاستخباراتي المحلي وخاصة لدى الدول المجاورة للعراق وسوريا.
7- عدم ممانعة اشتراك إيران وإسرائيل في هذه الحرب دون إعلان رسمي.
8- هذه الحرب موجهة ضد "التنظيمات المتطرفة" وليس الدولة الإسلامية فقط.
وقد عبر رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو عن ذلك بقوله أن "حماس والقاعدة وداعش فروع من ذات "الشجرة السامة".. وهذا يعني أن حرب الأربعين تشمل الجميع وهناك قبول بل تحريض من بعض الأنظمة العربية لاعتبار "حماس" مشكلة يجب التخلص منها، مما يعني أن الحرب يمكن أن تكون على نطاق أوسع، وقد تتسع لتمتد من ليبيا إلى العراق ومن اليمن إلى سوريا، أي أننا في مواجهة حرب تشمل معظم العالم العربي، أو دعنا نسيمها "الحرب العالمية العربية الأولى"، في حركة مضادة للثورات العربية وإعادة إنتاج نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية وفرضه على العرب بالقوة المسلحة.
ولكن هل يمكن أن يحدث ذلك؟ وهل يمكن لهذا التحالف الأربعيني أن يحقق أهدافه؟ الأكيد أن هذا التحالف سيفشل فشلا ذريعا، فالحروب التي لا تزال مستمرة في العراق وأفغانستان والصومال واليمن ويضاف لها ليبيا وفلسطين والحرب ضد حماس في قطاع غزة فشلت كلها، مع اختلاف الأسباب والظروف، وهذا يعني أن الحرب الشاملة الجديدة ستكون فاشلة بدورها، ولن تنجح إلا في شيء واحد ألا وهو تدمير ما تبقى من العالم العربي واستنزاف أمواله، ودفع الأمة العربية لحرب طويلة قد تستمر 40 عاما تدفع الأمة إلى أتون الفقر والبطالة والموت.
============================
وحشية النظام السوري وخفة المعارضة
ميشيل كيلو
العربي الجديد
الخميس 11-9-2014
ليس هناك، اليوم، أي شيء عادي لدى السوريين، نظامهم متوحشٌ إلى حد يجعله يقاس بمعايير، لا علاقة لها بالنوع الإنساني وقيّمه. ومعارضتهم منقسمة، متناقضة ومتصارعة، وعاجزة إلى درجةٍ تخرجها من عالم السياسة، وتحتم إدراج ممارساتها في عوالم الفوضى المنظمة، أو العشوائية التي تجعل انقساماتها هدفاً قائماً بذاته، ومن الحرص على خلافاتها شكل التوافق الوحيد الموجه لعملها العام. أما جيشهم الرسمي، فقد أثبت أنه أشد فتكاً وبطشاً من أي جيش احتلال مر على أي بلد: منذ أيام الفرس والرومان، مروراً بأيام التتار والغزاة الأوروبيين، وصولا إلى يومنا، في حين يغرق جيشهم الحر في حالٍ يبدو معها وكأنه يتفرج على الأحداث، فهو لا يقوم بأيّ أفعال تستبق ما لا يناسبه منها، كأنما قرر العزوف عن بذل أي جهد منظم ومدروس، لإحباط خطط النظام وتحضيراته الحربية، بما فيها التي يعلن عنها بصراحة ووضوح. ومع أن بعض وحدات هذا الجيش تستفيق من سباتها بين حين وآخر، لا تلبث استفاقتها أن تتراجع بعد فترة، لتكون وقتية من الصعب اعتبارها تدابير تمليها ضرورات الصراع مع نظامٍ همجي ومتوحش.
لا عجب أن يشعر مقاتلو هذا الجيش بغضب دائم، ويتهموا قياداته بتجاهل الحقائق الميدانية، والاكتفاء بأحاديث جوفاء عن القرار الوطني المستقل، بينما يقبلون توزيع ما يردهم من أسلحة وذخائر حسب "توصيات" يتلقونها من الخارج، ويسكتون عن تجاوزاتٍ خطيرةٍ ومتزايدةٍ يمارسها أشخاصٌ، يفترض أن لديهم حداً أدنى من الشعور بالمسؤولية، لكنهم قبلوا أن يتحولوا إلى أمناء مستودعات، يمنعهم سلوكهم من أن يصيروا قادة جيش وطني ثوري ومقاتل، ينافسون في الخفة والاستهتار بمصالح الثورة والشعب المعارضة السياسية داخل "الائتلاف" وخارجه، والتي تحولت إلى عبء على الثورة والسياسة، ومنعت مؤسسة تمثيلية من بلورة استراتيجيات وخطط عمل وطني، ولعب دور قيادي في أحداث تتخذ ميلاً انحدارياً بسبب ممارساتها التي لعبت أخطر الأدوار في تدهور أحوالها وتراجع أوضاعها.
بدوره، يحار شعب سورية في فهم ما يجعل ثورةً أطلقها من أجل حريته ووحدة مجتمعه ودولته تنقلب إلى فوضى خلاقة، وسعار طائفي مجنون، ومذهبية تأكل الأخضر واليابس، يدفع المواطن ثمنها من دمائه ودموعه. ويزيد من حيرة الشعب كيف تقاطع عنف النظام مع سياسات وممارسات أطراف معارضةٍ، طالما ادعت الثورية، لكنها باغتت الأسد بأعمال لاقته في منتصف الطريق، وساعدته من دون قصد على حرف الثورة عن أهدافها، وأخذها إلى حيث أراد.
يمثل التناقض بين وحشية النظام، في تعامله مع الثورة، وخفة المعارضة، في تعاطيها مع هذه الوحشية، هوة كانت ستبتلع البلاد والعباد، لولا تضحيات شعب تجل عن أي وصف. هل الثورة هي التي فتحت أعيننا على هذا التناقض الذي كان جلياً قبلها، وخشي السوريون ان يعرضهم في حال ثاروا على النظام، لهمجية قمع سلطوي على قدر مرعب من الاستفحال والشطط؟ مهما كان الجواب، فإن للتناقض بين وحشية النظام وخفة المعارضة نتائج وخيمة، تتجسد، اليوم، في حقائق واضحة كتلك الإعلانات المتكررة التي عبر المعارضون، فيها، عن نيتهم التخلص من عشوائية سياساتهم، من دون أن يبادروا إلى اتخاذ خطوات عملية، تخرجهم منها، مع أنه لا يوجد بين أحزابهم وقادتهم وتجمعاتهم حزب أو قائد أو تجمع، لا يدّعي امتلاك حلول جاهزة لكل ما يواجه الثورة والشعب من مشكلات ومصاعب؟
"يزيد من حيرة الشعب السوري كيف تقاطع عنف النظام مع سياسات وممارسات أطراف معارضةٍ، طالما ادعت الثورية!
"
يبدو أننا سنتأرجح فترة غير قصيرة على حبال التناقض بين وحشية النظام، في تصديه للثورة وخفة المعارضة في تصديها له ولمشكلاتها. هذا التناقض ليس اليوم، ولم يكن بالأمس، أمراً عارضاً أو قليل الأهمية، بل هو نتاج نظام كتم أنفاس الشعب طوال خمسين عاماً، وسحق أي حراك يقوم به من أجل حقوقه، ومعارضة هشة قوض القمع المستمر عافيتها وقدراتها، الجسمية والعقلية، وأفقدها الرغبة في المبادرة وحسن التدبير والتفكير، تقف، اليوم، في مواجهة عجزها عن فعل ما يمكن أن يخرجها من أزمتها، ويجعلها قادرة على الإفادة من تضحيات شعبها، وتجنب ما زرعه النظام في طريقها من أفخاخ، ورسم سياسات تقلص، ثم تحذف، هوامش المناورة التي تتيحها له، وتعينه على البقاء، تعزز، أخيراً، تفوق حرية الإنسان والمواطن على ذل وقمع نظام همجي، لم يعرف العرب له مثيلاً اليوم وبالأمس، وفي أي تاريخ .
هل هناك ما هو أخطر على الثورة من تناقض يقر الجميع بوجوده، ويعاني الجميع منه، ويظهرون الخوف من نتائجه، لكنهم لا يبادرون إلى ردم ما يتركه في واقعهم السياسي والعسكري من فوارق عملية بين نظام مجرم، لكنه يخطط ويشتغل بمنهجية، ومعارضة على حق فيما تنشده، لكن خفتها تسوقها إلى التمسك بعجزها، وما يترتب عليه من إخفاق وفشل قاتلين؟
============================
وتسألون عن فائض القوة الإيراني
فاطمة الصمادي
العربي الجديد
الخميس 11-9-2014
ما عادت هناك حاجة إلى اللجوء لمقولات من قبيل "خصوصية" هذا النموذج أو "تفرده"، لفهم السلوك السياسي الإيراني، بل باتت الجمهورية الإسلامية، اليوم، خاضعةً، في سلوكها، لنظرية الواقعية الكلاسيكية، خصوصاً فيما يتعلق بالأهداف، فالبحث عن القوة والأمن هدف كل الدول، والبحث عن القوة، خصوصاً، هو المحرك الأساسي لسلوك الدولة الإيرانية هذه الأيام، وما تقوم به طهران، لا سيّما في العقد الأخير، هو زيادة قوتها بالتزامن مع إيجاد آليات لإضعاف الخصوم.
لذلك، يأتي مجمل الأداء السياسي الإيراني في إطار جمع عناصر القوة ومضاعفتها، ومن منظار القوة نفسه، يجري النظر إلى الدول المنافسة. ويمكن أن نضيف الواقعية الجديدة لفهم السلوك السياسي الإيراني، فسبب كل الصراعات يعود إلى القوة، حيث تمثل الفوضى في النظام الدولي الضوء الأخضر للدول الطامحة في الحصول على زيادة في القوة، ما يخلق جواً من التهديد. ويلتقي ذلك، أيضاً، مع ما يمكن أن نسميه المصلحة الذاتية للدولة الإيرانية التي قد تصاغ بخطابةٍ عالية، وتستثمر المخزون الديني الشيعي، وإن كانت خاضعةً أحياناً ل"القانون الطبيعي"، وأحياناً كثيرة أخرى، للمقولات العلمانية المحضة. ويأتي سؤال، هنا، ما إذا كانت السياسة الإيرانية، في سعيها إلى القوة، ومزيد من القوة، تتحرك من فراغ؟ الجواب هو النفي، فالمسار السياسي الإيراني، اليوم، يأتي مدعوما بمعطياتٍ كثيرة، تدعم سعي الجارة الطموحة وترسخه. ومن الناحية الديموغرافية والثقافية، لدى إيران كثير مما تتفوق فيه على جيرانها العرب.
يبلغ تعدد سكان المنطقة التي تقع فيها إيران، بالنظر إلى الطرف الشمالي والجيران في الشرق والغرب والجنوب، 500 مليون، وتمتد المنطقة التي يسكنون فيها من الناحية الجغرافية على منطقة الخليج وآسيا الوسطى وجنوب غرب آسيا. وسيصل عدد سكان العالم في العام 2020 إلى ثمانية مليارات، يتركز معظمهم في هذه المنطقة، وهي، علاوة على أنها مركز ثقل إنساني، تعد مهداً للحضارات التي شهدتها الإنسانية. ومازال هذا الموقع يوفر لها فرصة كبيرة للتأثير، خصوصاً وأنها تعد جسراً للتواصل بين بحر الخزر والخليج وبحر عمان، ولديها إمكانية المساهمة في تنمية المواصلات بين شبه القارة الهندية وباكستان وأفغانستان عن طريق إيران- العراق- وتركيا. وهذه الميزات لإيران نصيب كبير منها.
 
ويعزز من مكانة هذه المنطقة موقعها في العالم الإسلامي، حيث من المتوقع أن يصل تعداد سكانه في العام 2020 إلى 650 مليون إنسان. أما إيران، فالمتوقع أن يصل تعداد سكانها عام 2020 إلى 100 مليون إنسان.
"
المحيط العربي، وللأسف الشديد، لا يملك خطاباً سياسياً صلباً، وقد قدمت الحالة اليمنية نموذجاً لحالة غياب الأفق الاستراتيجي في التخطيط السياسي.
"
وهناك عوامل اجتماعية تؤثر في قدرة المجتمع الإيراني على أن يكون رافعةً مهمة في السعي الإيراني إلى دور أكثر تأثيراً في المنطقة، ففي بداية الثورة عام 1980، كان هناك 175.000 طالب فقط و15.000 أستاذ محاضر ينتشرون في حوالي 20 مدينة في إيران، وفي عام 2012 كان هناك أربعة ملايين من طلبة التعليم العالي، وأكثر من 110.000 محاضر في 120 مدينة، وفي عام 2010 جاءت إيران في مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة في مرتبة أعلى من البرازيل وتركيا، وفقا لأبحاث محكّمة ورصينة. وطبقًا للجمعية الملكية البريطانية، زاد عدد المنشورات العلمية في إيران من 736 في عام 1996 إلى 13،238 في 2008، وهو أسرع نمو مماثل في العالم. وارتفع عدد مستخدمي الإنترنت بمقدار 13.000٪، وقد جعلتني هذه النسبة تحديداً غير مصدقة، لأراجعها في أكثر من مصدر، وأجدها صحيحة. وفي عام 2012، أعلنت إيران أنها ستنشئ مركز تكنولوجيا النانو، وتخصص 4٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبحث والتطوير، جزءاً من خطة علمية شاملة، وهو من أعلى مخصصات البحوث في العالم. وفي إيران أيضا، وعلى الرغم من كل ما يقال عن التضييق على النساء، وتبعات مصادرة الحريات الشخصية، فإن النساء هن الأكثر تعليماً، حيث تصل النسبة إلى نحو 70% من مقاعد الجامعات. خاضت إيران والعراق حرباً مدمرة، خرجت كل دولة منهما بعدد كبير من القتلى والمعاقين.
لكن، لنقف برهةً، ونقارن ما وصل إليه الحال في كل دولة؟ وهل كان العرب مساهمين في تسليم العراق لقمة سائغة لإيران؟ الجواب نعم. وعلى المقياس نفسه، هل سيكون الدور العربي في اليمن مماثلا، لتصب النتيجة، في النهاية، في سلة المصالح الإيرانية؟
في كتابه الجديد، "الأمن القومي والنظام الاقتصادي الإيراني"، ينظر الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بكفاءة عالية لا تجدها عند أي زعيم عربي، إلى مستقبل بلاده اقتصادياً، وترى في الكتاب خططاً طموحةً لتكون إيران معبراً مهماً لخطوط المواصلات الدولية، بين آسيا وأوروبا، وهناك طرح للاستغناء عن قناة السويس، مع تفصيلٍ في المنافع المتحققة.
وفي السنوات الأخيرة، بذلت إيران جهوداً كبيرة، لتحديث شبكة مواصلاتها الداخلية التي تربط شمالها بجنوبها وشرقها بغربها. في هذا المحيط، وعلى الرغم من مشكلات المجتمع الإيراني الكثيرة، لنا أن نتخيل مستقبل القوة والهيمنة الإيرانية في المنطقة، مقارنة بجيرانها. فهذا المحيط العربي، وللأسف الشديد، لا يملك خطاباً سياسياً صلباً، وقد قدمت الحالة اليمنية نموذجاً لحالة غياب الأفق الاستراتيجي في التخطيط السياسي. وعلى الصعيد الاجتماعي، تقف مجتمعاته، اليوم، مترددة وخائفة، على عتبات العلم والتغيير والتعليم، ويرى بعضها في قيادة المرأة السيارة منبعا للفساد. ومازلتم تسألون عن فائض القوة الإيراني.
============================
جدة.. هل تشهد بناء تحالف أمني عالمي؟!
يوسف الكويليت
الرياض
الخميس 11-9-2014
  مؤتمر جدة المنعقد هذا اليوم ليس تحالف أضداد لمصالح خاصة، وإنما هو تنسيق بين أمريكا وعدة دول عربية وإسلامية لمحاربة تنظيم داعش، وقد باشرت أمريكا ضرباتها الجوية على مفاصل هذا التنظيم، لكن ما كان يعيب التحرك المتأخر، هو التهوين من قضايا المنطقة، واعتبارها إرهاصات لما بعد الربيع العربي، سرعان ما تطفو ثم تموت، ودون تحليل للواقع المتنامي على أرضيْ العراق وسورية، وكيف نشأت داعش في ظل التهاون الدولي، ثم استشعار الخطر بعد أن أصبح مجندو التنظيم يأتون من قلب أمريكا وحلفائها الأوروبيين..
الاجتماع لن يغرق في التفصيلات وفيما يبدو أنه أعد خططاً واستراتيجيات تساهم فيها كل دولة حسب قدراتها المادية والعسكرية، وتوفير إطار قانوني لا يذهب إلى تفسيرات مضادة بأن مكافحة داعش غطاء لتدخل دولي ضد سيادة العراق أو سورية، لكن في ظل تمركز قوات التنظيم وتداخله في صلب مدن وقرى العراق وسورية، هل يمكن القضاء عليه بدون مساندة عسكرية برية، وكيف سيكون عليه تشكيلها، ومن سيساهم بها، أم تكون قوة تحت مظلة الأمم المتحدة حتى تكون لها شرعيتها؟
على الأرض لا يوجد إلاّ جيش البشمركة الكردي والمدعوم دولياً في الحرب على داعش باعتباره الأفضل تنظيماً واستعداداً لهذه المهمة، ويبقى جيش العراق عاجزاً عن تحمل المسؤولية لنقص كفاءته وضعف بنائه بعد حل جيش صدام، وقطعاً لن يتم الانتصار على الجماعات الإرهابية إلاّ بقوة كهذه، والدول التي ستساهم في التحالف لن تدفع بجيوشها لمثل هذه الحرب لأسباب سياسية وقانونية، وتبقى الإمكانات الداخلية في العراق، والتي ظلت بعيدة عن أي دور حين جمد أي نشاط لها المالكي، وحالياً الظروف اختلفت والحاجة إلى العشائر وضباط وجنود الجيش السابقين من السنة أو غيرهم يمكن الاستعانة بهم لخبرتهم في مثل هذه الحروب، وتجربة الصحوات التي ساعدت أمريكا أثناء احتلالها العراق بطرد القاعدة يمكن إعادتها، وهذه المرة لابد من عقد مصالحة مع الحكومة العراقية وبضمانات أمريكية لهذا التشكيل بأن يولد ويُحمى، ولا يُتخذ وسيلة لظرف طارئ كما حدث في السابق ليصبح عرضة للتصفيات بذرائع الروح السائدة للدولة الطائفية..
فتشكيل قوة عسكرية عراقية لا تقوم على المذهب أو المنطقة والعشيرة، ودون تدخل من قوى إقليمية أو عربية، سوف يؤمن وحدة العراق بجيش وطني لا مليشيات طائفية تتقاتل باسم الماضي وتنسى المستقبل والتي تسببت بأزمات العراق وارتهانه إلى الضياع..
إذن هل سيكون لقاء جدة هذا اليوم مفصلاً جديداً ليس للقضاء على داعش وحدها وإنما لنزع أسنان الإرهاب من كل التنظيمات القديمة والمستحدثة، وهل ستعود أمريكا وتنهي أوهام تخليها عن المنطقة على إثر فشل سياسات (بوش) الابن، وتذهب بعيداً إلى آسيا كهم جديد وفضاء مفتوح لسباق آخر من القوى الناهضة، أم أدركت أن أمن المنطقة متشابك مع النظام العالمي، ويستحيل ترك الفوضى تتنامى وتسود، والذي فُسر من قبل منظّرين سياسيين أمريكيين بأن بلدهم فقد هيبته الدولية، لكن ثبت أن العالم يحتاج أمريكا كقائد، والدليل أنها حشدت هذه التحالفات بقوة نفوذها القائم حتى الآن؟
ننتظر ما سيتقرر من المؤتمر لأن عوائد الفائدة ستكون للجميع وخاصة في مواجهة مخاطر قد تهدد السلم والأمن العالميين..
============================
عليكم بالداعشي الأكبر ؟!
محمد أحمد الحساني
عكاظ
الخميس 11-9-2014
لم يحرك العالم الغربي حوالى أربعة أعوام من المذابح المروعة التي جرت في سوريا على يد الجزار بشار المدعوم من قوى عالمية وإقليمية ومن أحزاب شيطانية على الرغم من استخدام ذلك الوغد لكل ما تحت يديه من أسلحة فتاكة بما في ذلك الأسلحة الكيماوية والقنابل العنقودية والبراميل المتفجرة وسلاح التجويع حتى الموت، وغيرها من وسائل الخسة والقتل التي برع فيها جزار الشام وأعوانه ومن يدعمه من دول وأحزاب نتنة، ولكنه تحرك وأرغى وأزبد لأن فصيلا مسلحا تربى وترعرع تحت سمع وبصر طاغية الشام بتشجيع وتسهيلات من قوى عالمية وإقليمية اجتمعت على مجموعة من الأهداف القذرة، لأن ذلك الفصيل المسمى "داعش" اقترب من مصالح العالم الغربي في العراق وتهور فأهان واشنطن عندما مارس ضدها هوايته في قطع الرؤوس ونحرها بالسكاكين فنفذ وحشيته في مواطن أمريكي جاء إلى المنطقة لتغطية جرائم بشار الجزار فقبض عليه وسلم "لداعش" لتذبحه أمام الكاميرات، مما جعل الدم يغلي في عروق قادة أمريكا، مع أنهم يعلمون علم اليقين أن وحشية النظام السوري وما نتج عن سياساته وجرائمه هي التي كانت وراء ظهور فصائل متطرفة أخذت تمارس قطع الرؤوس والإعدامات الفورية في الشوارع والحارات وتصوير كل تلك الإعدامات وإظهار الفخر بها والتكبير عند تنفيذها، ليضاف أولئك الضحايا إلى نحو مائتي ألف سوري لقوا حتفهم على يد زبانية بشار وداعميه ومثلهم من المفقودين وعشرة ملايين من اللاجئين والمشردين!.
لقد تم التحذير من ترك النظام السوري يمارس جرائمه ضد شعبه بلا حسيب ولا رقيب وأن رائحة الدم سوف تجلب مقاتلين من جميع أنحاء العالم يمكن لقوى الشر تسخيرهم لتنفيذ أجندة خفية واستغلال حماسهم وحرقتهم على ما جرى ضد الشعب السوري من جرائم مروعة وأن على العالم المحب للسلام القيام بواجبه لوضع حد لجرائم النظام السوري وكف أيدي مقاتلي الأحزاب الفاجرة الداعمة له عن استباحة الدم السوري ووقف الدول الإقليمية المناصرة له عند حدها لما يمثله عملها من عدوان وجرائم ضد البشرية، ولكن كل ما صدر من تحذيرات لم يجد من يهتم به فكان أن تجمع مقاتلون قادمون من عشرات الدول لتلاقيهم وتتلقفهم جماعات وفصائل متشددة وأجهزة مخابرات ماكرة وتوجههم نحو أهداف أشد خبثا ومكرا وإساءة للإسلام والمسلمين، وليجد الداعشي الأكبر بشار وأزلامه ما يساندون به مزاعمهم التي طالما رددوها وسوقوها عبر إعلامهم من أنهم يحاربون التطرف والإرهاب نيابة عن العالم وأن ما هو حاصل في سوريا لا علاقة له بالثورة أو الثوار، فأصبح النظام السوري أول المستفيدين من وجود داعش وما انبثق عنها من فصائل أو انتهج نهجها من عصابات قتل وترويع، ولذلك لا سبيل للقضاء على صغار داعش إلا بالقضاء على الداعشي الأكبر الكامن في قلب جبل قاسيون المطل على دمشق تحت حراسة الأوغاد المستفيدين من وجوده على رأس النظام الفاشي في سوريا وإلا فلا !.
============================
إزالة أسباب الإرهاب أولاً
هاشم عبده هاشم
عكاظ
الخميس 11-9-2014
•• من الصعب القضاء على الإرهاب الموجود في المنطقة الآن.. دون أن نزيل أسبابه.. ومبررات وجوده..
•• هذه حقيقة أولى يدركها وزراء الخارجية المجتمعون في جدة اليوم ويؤمنون بها ويتفقون عليها بكل تأكيد..
•• أما الحقيقة الثانية التي لا يجب الاختلاف حولها أبدا فإنها تتمثل في ضرورة خروج الدول والأطراف والأحزاب القادمة إلى سوريا من خارجها وتسببت في تصاعد وتيرة الإرهاب فيها..
•• وتأتي الحقيقة الثالثة بمثابة تأكيد للمؤكد.. وهي أن هناك فرقا كبيرا بين من يعملون على تحرير بلادهم من الظلم والاستبداد وطغيان الحاكم الجائر وبين من أتوا لمساعدة النظام واستثمروا الحالة وأشاعوا الخوف والرعب في كل مكان..
•• هذه الحقائق الثلاث الموجودة على طاولة الوزراء في جدة اليوم تقول.. إن نجاح المهمة يتوقف على:
1 - إنهاء نظام الأسد ضمانا لزوال الأسباب التي صنعت الإرهاب وهيأت الأرضية لاستمراره.
2 - خروج كل من إيران وحزب الله من سوريا فورا.. والتوصل مع روسيا إلى تفاهم أو اتفاق برفع يدها عن دعم النظام الظالم والدخول في ترتيبات المرحلة الانتقالية وفقا لمقررات جنيف 2 الأخيرة..
3 - تمكين الشعب السوري من تنفيذ إرادته وإدارة شؤونه بنفسه بالوقوف إلى جانب المعارضة المعتدلة والأمينة على مصالحه لإعادة الأمور إلى نصابها وعودة الشعب السوري المشرد إلى أراضيه وبدء مرحلة جديدة من العمل على بناء سوريا جديدة بتعاون الجميع معها..
•• عندها نستطيع أن نقول إن "مصيبة" الإرهاب لن تقوم لها بعد اليوم قائمة لا في سوريا.. ولا في العراق ولا في لبنان ولا في غيرها.. ونكون بذلك قد أوقفنا خطره الذي نبه خادم الحرمين الشريفين إلى امتداده إلى أوروبا وأمريكا خلال أشهر قليلة إن ترك له الحبل على الغارب..
•• وسوف نرى الآن ما يحدث..
• فالأمر بحاجة إلى ضربة واحدة قوية وفي كل اتجاه وليس فقط مجرد ضربات "سينمائية" هنا وهناك لا تغني ولا تسمن من جوع..
***
ضمير مستتر:
• [عزم المجتمع الدولي وإصراره كفيل بإنهاء كل مظاهر الفوضى المدمرة في المنطقة والعالم.]
============================
مواجهة داعش.. تبدأ بمواجهات ميلشيات إيران
كلمة اليوم
اليوم السعودية
الخميس 11-9-2014
يعقد اليوم في جدة الاجتماع الإقليمي بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية والأردن وتركيا ومصر، للإعداد لمواجهة حركات الإرهاب في المنطقة العربية.
وفي الحقيقة فإن لنشوء الإرهاب ومنظماته علاقات متشعبة، فمثلاً لا يمكن تخيل القضاء على منظمة "داعش" دون القضاء على الأسباب والدوافع، فهذه المنظمة المتطرفة المغالية في سفك الدم والقتل والتكفير، هي نتيجة طبيعية للسياسة الطائفية العنيفة التي انتهجها رئيس وزراء العراق السابق نوري المالكي بتوجيه من طهران وتحت إدارتها. وداعش وجبهة النصرة هي نتيجة طبيعية للسياسات الطائفية لنظام بشار الأسد، خاصة في سنواته الأخيرة، وأيضاً برزت المنظمات المتطرفة نتيجة لحشد الميليشيات الطائفية التي جمعتها طهران في سوريا.
وإذا لم تناقش الأسباب المتطرفة والموغلة بالعنف التي ترعاها طهران في العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين، فإن القضاء على داعش والتغلب عليها وهزيمتها ليس علاجاً ناجعاً جداً في ظل الممارسات الطائفية والتدخلات الإيرانية التي سوف تنشئ منظمات أخرى لا تقل فتكاً وإجراماً من منظمة داعش والقاعدة وأمثالهما، ويصبح العالم مجدداً بحاجة لتكوين جبهات عسكرية عالمية لمواجهة متطرفة.
يمكن بكل بساطة تكوين جبهة عسكرية عالمية ومهاجمة داعش وهزيمتها، ولكن أيضاً يجب تكوين تحالف عالمي ضد السياسات الإيرانية التي تؤسس ميلشيات عسكرية تكفيرية طائفية في العراق وسوريا ولبنان واليمن لا تقل بشاعة وإجراماً عن منظمة داعش، وتوكل إليها طهران مهاجمة منازل الناس وتصفية حسابات طائفية معهم، وتمارس أبشع صنوف القتل والإذلال والخطف وحتى الاغتصاب، فتستفز الناس وتتكون ميلشيات عنيفة مضادة.
وإذا ما جرى إنهاء الممارسات الإيرانية عندها يمكن منع الأسباب التي انتجت المنظمات الإرهابية التكفيرية.
حتى قبل سنوات لا توجد أية بذور للحركات الطائفية المتطرفة في العراق وسوريا، ولكن بفضل السياسات الإيرانية الطائفية نشأت فجأة عشرات الخلايا العنيفة في العراق وسوريا. ومع الأسف لا تزال الحكومة العراقية مستمرة في نهجها الطائفي، فحتى قبل أسبوع شنت ميلشيات عراقية حكومية هجوماً على قرى عربية وارتكبت جرائم القتل والتعذيب والخطف بحق أبرياء بحجة محاربة داعش. بل إن حكومة نوري المالكي وظفت محاربة الإرهاب ذريعة للتطهير الطائفي، وشنت حرباً طائفية صريحة ووقحة، وشنت مئات المداهمات لمنازل أبرياء ووضعت عشرات الآلاف في سجون سرية وعلنية بتهم ملفقة. بل ان قانون الإرهاب في العراق كان يستخدم ضد كل من لا يوالي إيران أو يقف عقبة أمام المشروع الإيراني لتأسيس الاضطرابات في العراق، بما فيهم وزراء ونواب. وكانت حجة المالكي جاهزة هي "دعم الإرهاب"، وجرى أيضاً تسييس القضاء العراقي الذي أخذ يلاحق كل من يعارض السياسات الطائفية للحكومة، بل إن نوري المالكي لم يشن حرباً طائفية فقط، وإنما كان ايضاً يشن حروباً عنصرية لحساب شعوبية إيران، وكان يلاحق شيعة عربا وطنيين ومخلصين للعراق لمجرد أنهم يعارضون التوغل الإيراني في العراق ومصادرة طهران للإرادة الوطنية العراقية ويسعون لاستقلال بلادهم عن أي قوة نفوذ خارجية.
============================
 حصة العرب في الحرب على "داعش"
زهير قصيباتي
الحياة
الخميس 11-9-2014
شكوى الروس من "لا شمولية" اللقاء الوزاري الأميركي- العربي في جدة، المتعلق بوضع الحجر الأساس للتعاون في الحرب على "داعش"، بذريعة أن اللقاء لا تحضره "كل الأطراف التي تكافح الإرهاب"، هي صدى لقلقهم من عزلة إزاء التحالف الدولي- الإقليمي الذي أقرت جامعة الدول العربية التنسيق والتعاون معه في الحرب على "الدولة الإسلامية" في العراق وسورية. والشكوى عملياً هي لسان حال الإيرانيين الذين حرِصوا مرات خلال أيام قليلة، على التشكيك في جدية إدارة الرئيس باراك أوباما في خوض تلك الحرب، كأنهم يتمنون أن يؤدي أوباما قسطه في ما عجزوا عنه، ولمصلحتهم.
تريد إيران دوراً أميركياً "لتنظيف" العراق من التكفيريين، وتسليمه مجدداً إلى طهران على طبق من "جوائز". كما تسعى في آن إلى تشديد الضغط الحوثي على صنعاء، لمقايضة هذا النفوذ بتأهيل الرئيس بشار الأسد للبقاء في السلطة، على رأس مرحلة انتقالية. وإن لم يعد كل ذلك مجرد اجتهادات وتحليلات، فالمفارقة التي ترسخ شكوك الخليجيين في النيات الإيرانية حيال مرحلة الحرب على "داعش"، هي تلهّف طهران على التنسيق مع الأميركيين والإيحاء بأنها تقدّم تنازلاً، لتكافئها واشنطن بجائزة ترضية في الملف النووي.
اختراق آخر تحرص إسرائيل على الإيحاء به، هو ادعاء تسهيل الحرب الاستخباراتية على "داعش"، بالتالي تسهيل مهمة التحالف الدولي- العربي. وفي الحالين، ومع النيات الإيرانية والأهداف الإسرائيلية، تكبر مخاوف المعارضة السورية من بيعها مجدداً، خصوصاً إذا اعتبر النظام السوري أن الوقت بات مواتياً لحملة كاسحة على فصائل المعارضة المسلحة، تتزامن مع بدء الضربات الجوية الأميركية- الأوروبية على مواقع "داعش" في الأراضي السورية، المتاخمة للحدود مع العراق.
تدرك إدارة أوباما مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية للكونغرس، ان القضاء على "الدولة الإسلامية" في العراق وتركها في سورية، سيضعفان ما تبقى من تماسك الائتلاف الوطني السوري والمعارضة المسلحة المعتدلة. وإن كان أوباما تجاهل مرات كل صوت في الكونغرس انتقد تخليه عن وعوده وتركه هذه المعارضة "في العراء" فهو بات الآن أمام استحقاق الانتخابات التي لا يمكنه جرّ الديموقراطيين فيها إلى هزيمة محتملة.
مخاوف المعارضة السورية المعتدلة تترسخ إزاء احتمال تعويم الأميركيين شرعيةً ما لنظام الرئيس الأسد، إذا صحّت معلومات عن سيناريو متجدد لمقايضة قبوله وقف النار بترك الأسد على رأس مرحلة انتقالية، ونشر قوات عربية لحفظ السلام بعد حظر جوي جزئي فوق حلب والمناطق المجاورة، انطلاقاً من عمليات جوية تستخدم الحدود التركية- السورية. وتتردد معلومات في سياق السيناريو ذاته عن تسهيل الأردن عبور عناصر مقاتلة حدوده مع سورية تحت غطاء جوي أميركي.
وإن لم تجد موسكو حرجاً في إعلان قلقها من احتمال تطوير مهمة أي قصف جوي لمواقع "داعش" في سورية، لتنتقل واشنطن إلى الهدف الثاني، أي تسليم "الجيش الحر" مواقع استراتيجية للنظام تدمرها، فلتركيا والأردن مخاوف أخرى. الأولى المتهمة بتسهيل عبور مئات من المقاتلين المتشددين إلى سورية، ستبدأ إحصاء خساراتها إذا قويت شوكة حزب العمال الكردستاني الذي ساهم في قتال "داعش".
أما الأردن الذي يشارك في لقاء جدة، فرغم نأيه بنفسه عن الحرب في سورية واستنفاره قواته على طول الحدود المشتركة معها ومع العراق، فلا يستطيع ترك تحالف انضم باكراً إلى نواته، من خلال نشر وحدات أميركية على تلك الحدود. وواضح حرص عمّان على عدم إعلان حجم الدعم الاستخباراتي واللوجستي الذي ستقدمه للتحالف الموسّع، في حين تنتقل إلى البرلمان الأردني مخاوف من تحوّل الحرب المقبلة إلى أهداف تخدم المصالح الأميركية أولاً.
ظاهراً، لن يكون مبرراً أن تمتنع أي دولة عربية عن دعم التحالف، بعدما تضخّم خطر "داعش" وبات يزعزع أمن لبنان ويثير ذعراً لدى الأردنيين، فيما لا يُعرف بعد حجم الضرر الذي تلحقه الغارات الأميركية بمواقع التنظيم في العراق.
استقطب التنظيم بعد كل ارتكاباته، إجماعاً على أولوية محاربته. وإذ تدرك حكومات المنطقة أن لا مفر من مواجهة عاجلة، لا يُسقط بعضها الاحتمالات السيئة وكلفتها:
- أن يجيّر النظام السوري الضربات الجوية الغربية لحسابه عسكرياً.
- أن توقع الغارات خسائر بشرية كثيرة في صفوف المدنيين في العراق وسورية.
- أن تحصد إيران الجائزة الكبرى بدحر "داعش" في العراق، أو على الأقل توزيع أدوار مع الأميركيين: لهم فضاء بلاد الرافدين، ولها الأرض ومكاسب النفوذ.
تطلب طهران بلهفة تنسيقاً مع الأميركيين، وتتردد في طي صفحة الفتور والشكوك مع السعودية. تبقى إيران موعودة بجائزة التطبيع مع واشنطن التي لا تستبعد سنوات من الحرب على "داعش" وإخوانه وأخواته. ولأن العرب بعد فظائع هذه "الدولة" لم يعودوا مخيّرين، ستنقلب أدوار، وتساهم دول في تمويل الحرب، ودفع أثمان أخرى... بدماء عربية.
============================
 طهران ودمشق هل تبتزّان التحالف الدولي أم تلعبان اللعبة؟
عبدالوهاب بدرخان
الحياة
الخميس 11-9-2014
اذا كان القضاء على الارهاب سيعتمد على تنسيق مع النظامين الايراني والسوري، ومع ميليشيا "حزب الله" (اللبناني/ الايراني)، ومع حكومة عراقية تعوّل على جيش تلاعب الايرانيون بعقيدته القتالية ورفدوه بميليشيات شيعية، فهذا يقترح في المقابل ضرورة التنسيق مع الارهابيين أنفسهم، مع "القاعدة" و "داعش"، لأن النواة الصلبة لمقاتليهم كان ضباطها وأفرادها في سجون تلك الأنظمة وخرجوا أو تخرّجوا، هربوا أو هُرِّبوا، ليشكّلوا التنظيم الأكثر تطرّفاً ووحشية. طبعاً، لا أحد يعتقد بإمكان حصول تنسيق مع هؤلاء، إلا أن وجود الأنظمة الثلاثة في مؤازرة أي "تحالف" دولي - اقليمي "ضد الارهاب" يرسم الكثير من علامات الشك والاستفهام فوق الهدف المتوخّى من أي حرب يشنّها هذا التحالف. فظاهرها المعلن والمعبّر عنه ب "إنهاء داعش" يمنح تغطية لأجندات كثيرة غير معلنة تتعلّق بمستقبل دول الاقليم، تحديداً بمستقبل سورية والعراق على نحو أوليّ.
كان الاعتماد على قوات "البيشمركة" الكردية اجراءً طبيعياً فرضته ضرورتان، تعويض انكفاء الجيش الحكومي ووقف التوسع "الداعشي"، لكن برّرته أيضاً الحاجة الى قوة عسكرية منظّمة غير مصابة بالهوس المذهبي المؤدلج الذي يحرّك الطرفين الآخرين، السنّي والشيعي، أي الى قوة يمكن التفاهم معها على التزامات محدّدة لا تتطلّب موافقة "المرشد" أو "الخليفة". في أي حال لم يكن هذا الإجراء بلا مقابل، اذ إن سقوط المحافظات السنّية غطّى على "استعادة" كركوك من جانب الكرد، وهي خطوة يرى كثيرون أنها أعطت مؤشراً باكراً الى ترتيبات ما بعد الحرب على "داعش"، فكركوك كانت من المناطق "المتنازع عليها" وما إن فقدت الحكومة المركزية السيطرة عليها حتى استغنت عن "حقّها" فيها. في المقابل، أيضاً، وعلى سبيل تبادل الخدمات، كان على القيادة الكردية أن تنفتح لتعاون عسكري عرضه الايرانيون، وما لبث أن ظهر في معركة آمرلي. بديهي أن الحصار "الداعشي" لهذه البلدة الشيعية قطعها عن العالم وأدّى الى تجويعها، ما أوجب التحرك لإنقاذها وتجنيبها مجزرة محققة، وكان من الطبيعي أن يتشارك "الجيش العراقي" و "البيشمركة" في فك الحصار عنها، أما أن تكون ميليشيات ما يسمّى "الحشد الشعبي" الى جانبهما، بل أن تكون هناك أيضاً قوة ايرانية على رأسها الجنرال قاسم سليماني وأن يظهر راقصاً محتفلاً ب "النصر"، فقد عنى ذلك أن طهران و "بغدادها" لم تتعلما شيئاً مما حصل في العراق بل تصرّان على ترسيخ نتائج أخطائهما سواء في وقائعها أو في رمزياتها.
لكن الأهم أن هذه المعركة قدّمت عينةً مما قد يكون، أو بالأحرى مما تراه ايران وتريده من الحرب المقبلة. فهي مطمئنة الى أن الولايات المتحدة (والدول الحليفة المفتَرَضة) كررت وتكرر أنها معنية فقط بسماء المعركة وبتوفير الأسلحة والدعم اللوجستي والاستخباري من دون المشاركة في الجانب القتالي. لكن المسار الفعلي لهذه الحرب يتوقف على التحرك البرّي الذي لا يزال حلقةً غامضة إنْ لم تكن مفقودة. فمصير "داعش" يتقرر على أرض المعركة وليس في أجوائها، وإيران هي القوة الوحيدة الموجودة على الأرض، سياسياً من خلال "حزب الدعوة" أي في داخل عقل حيدر العبّادي، وعسكرياً من وراء الجيش العراقي وفي غرفة عملياته وأجهزته الاستخبارية ومن خلال الميليشيات الشيعية التي تضيف الى هذا الجيش بُعد "حرب العصابات" الذي يفتقده. بل إن ايران موجودة على الأرض في المقلب الآخر من الحرب، في سورية، حيث تقود قوات نظام بشار الأسد وتخطط لتحركاته وتشرف على أجهزته وعملياته وعلى تدريب ميليشياته. وقد بنت ايران وجودها هذا في البلدين من دون أن ترسل أعداداً كبيرة من عسكرييها اليهما وانما بالتجييش المذهبي.
لكن التطوّرات أظهرت لطهران أن كل ما وفّرته من وسائل قوة للنظامين التابعين لها لم يرسِ واقعاً سياسياً قابلاً للاستمرار ومؤهلاً لإنتاج الاستقرار. فالتجربة الكارثية لنوري المالكي حكمت مسبقاً على حكومة العبادي باتّباع نهج مختلف تماماً، ليس فقط في السعي الجدّي الى "مصالحة وطنية" بل خصوصاً لأن هذا المصالحة تشكّل أحد أهمّ شروط نجاح "الحرب على داعش". لا يختلف الأمر كثيراً في سورية حيث استطاع الايرانيون وأتباعهم انقاذ النظام، ليكتشفوا أنهم أنقذوا عملياً جثة حيّة لكن عليلة ونازفة، وأنهم بالتالي غير قادرين على تسويقه لا عند السوريين الذين وقفوا بين النظام والثورة ولا عند المعارضين "المعتدلين" ولا حتى عند الانتهازيين من أشباه المعارضين، بل بات تسويقه يصعب داخل طائفته التي أملت في أن تكون اعادة انتخابه تمهيداً لمبادرة داخلية لإعادة شيئ من الوئام والتسالم بين فئات الشعب. وكما اخترق "داعش" المشروع الايراني في العراق وفرض اعادة نظر في تركيبة الحكومة وعملها، من دون أن يكون هذا هدفه، فإن التنظيم الذي أمضى ما يقارب العامين في خدمة النظام السوري تحوّل في غضون أسابيع قليلة الى أداة تهديد وتدمير ل "انتصارات" هذا النظام وحليفه الايراني، لكنهما يأملان الآن في أن تساعدهما "الحرب على داعش" في الحفاظ على الأمر الواقع الذي فرضاه، بل في تحسين أوضاعهما وتطوير سيطرتهما على كامل المناطق السورية، وصولاً الى هدفهما الأساسي وهو القضاء على أي حراك شعبي سوري، اضافة الى ادامة الوضع الشاذ في لبنان حيث صارت الدولة وجيشهما رهينةً في قبضة ايران و "حزب الله".
قد يحقق "التحالف الدولي" لطهران ودمشق أمنيتهما هذه، لأنه للتعامل مع الواقع على الأرض، تحديداً مع واقع ساهمت الولايات المتحدة مباشرةً في صنعه اذ خذلت الشعب السوري ولم تؤيد يوماً اسقاط نظام لا تزال تقول إنه فقد شرعيته وتعتبره والغاً في جرائم وجرائم ضد الانسانية. فالفارق مع العراق، على هشاشته، يفيد بأن هناك دولة وجيشاً يمكن الضغط عليهما لترشيد أدائهما صوناً لمصلحة الجميع، ثم أن قوى عشائرية أو ميليشوية في المحافظات السنّية لديها مصلحة في التخلّص من "داعش" اذا توافر البديل المقترح لنوري المالكي وسياساته. أما في سورية فلا أثر لعملية سياسية، والمعارضة تحارب النظام و "داعش" في آن، فإذا كان الأول هو "البديل" المُفتَرض من الثاني، فإن المعارضة ستُدفع دفعاً وبفظاظة الى نوع آخر من التطرف الأعمى، بما فيها أيضاً "المعارضة المعتدلة" التي لا يمنعها اعتدالها من مقاتلة النظام ورفض الهيمنة الايرانية. لا شك في أن "التحالف" سيعتمد على هذه المعارضة في محاربة "داعش" في المناطق التي انتزعها منها أصلاً، أما كيف سيُواءَم ذلك مع التعاون مع النظام، فهذا يتطلّب انضباطاً لن يتوافر إلا بتفاهمات (دولية – اقليمية) تحدّد قواعد الاشتباك. ذاك أن أي انحياز أو تمييز ضد منطقة، وأي "تمكين" لنظامي دمشق أو بغداد ضد مناوئيهما، سيعني المجازفة ب "القضية" التي تُخاض الحرب لأجلها، بل سيؤدي الى جنون في التطرف على طريقة "ألا لا يجهلنّ أحدٌ علينا/ فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا"!
في كل الأحوال، لا بد لإيران من أن تلعب لعبة الحرب المقبلة بحدٍّ أدنى من "القذارة"، اذا كانت تعني فعلاً ما تقوله بأنها مستعدة للمساهمة في محاربة الارهاب كأولوية دولية. وهي تعلم أن تنظيم "داعش"، مثل "القاعدة" قبله، غير مبني على مشروع مستقبلي ولا يعوّل عليه المستفيدون منه، ومنهم ايران، بأكثر من وظيفته التخريبية الحالية، لكنه مضى بعيداً وعميقاً في تقويض الدول ومؤسساتها وفي تمزيق المجتمعات، ناهيك بترويع الأقليات. ولعل أخطر ما يهدّد هذه الحرب وأهدافها أن تعمد ايران الى لعب "أوراقها" لابتزاز "التحالف" اذا شعرت بأن الحرب لن تحمي مشاريع النفوذ والهيمنة التي تديرها.
 
============================
هل يتحرك أوباما في سورية؟
جويس كرم
الحياة
الخميس 11-9-2014
خطة أوباما الثلاثية لضرب "تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسورية" (داعش) بدأت بأكثر من ١٥٠ غارة جوية على غرب العراق، وفصلها الثاني انطلق فعليا مع تشكيل حكومة عراقية جديدة قد تطوي، في رأي الأميركيين، صفحة حكومات نوري المالكي. غير ان الشق الأصعب في تحرك أوباما هو في التعاطي مع الوجود "الداعشي" في سورية، وتأكيد مسؤول أميركي لصحيفة "نيويورك تايمز" ان "الجميع في الخط نفسه عندما يتعلق الامر بالعراق إنما هناك قلق اكبر حول سورية وأين قد تؤدي الضربات... إنما لا بديل عنه".
أوباما الذي يعلن عن خطته اليوم حسم أمره حول ضرورة التحرك في سورية، إنما الشكل والوتيرة والاستراتيجية هي موضع الجدل داخل الادارة، في الكونغرس، ومع الحلفاء الإقليميين. اذ تدرس واشنطن اليوم خيارات عدة معظمها عسكري، للتعاطي مع الأزمة السورية، وهي تتداخل في توقيتها وشكل تطبيقها مع ملفات إقليمية بينها المفاوضات حول الملف النووي مع ايران، البنية الإقليمية للتحالف ضد "داعش"، وآلية المرحلة الانتقالية لتغيير الحسابات، وخروج الرئيس السوري بشار الاسد من السلطة والذي ما زالت تسعى واشنطن الوصول اليه في سورية.
بداية، هناك تلاق أميركي رئاسي – استخباراتي - نيابي وشعبي حول توسيع الضربات الجوية ضد "داعش" الى سورية، التي يراها المسؤولون الأميركيون أصل المشكلة والسبب المحوري لامتداد التنظيم من الرقة الى الموصل شرقا وعرسال غربا. وهناك أيضاً قناعة أميركية بان النظام السوري هو في صميم المشكلة في سورية وليس جزءا من الحل. وكان اوباما واضحا في مؤتمره خلال قمة حلف شمال الأطلسي وفي مقابلته مع شبكة "أن.بي.سي" الأحد الفائت بأن التعاون على الارض سيكون مع الثوار المعتدلين وبناء تحالف إقليمي أوسع يشمل تركيا والأردن والسعودية التي يزورها وزير الخارجية الأميركي جون كيري هذا الأسبوع.
الا ان هذا الإطار السياسي يصطدم بتعقيدات جمة، لان هذه ليست الخطة الاولى لأوباما في سورية التي قد تفشل من حيث التطبيق، وبسبب الظروف على الارض في سورية التي قد تبطئ التحرك. فحتى اليوم ليس هناك في نظر الادارة قوة عسكرية للثوار المعتدلين يمكن الاعتماد عليها بشكل محوري لمواجهة "داعش"، بالشكل الذي تساعد قوات البيشمركة الكردية والجيش العراقي والقبائل في الأنبار على دحر "داعش" في غرب العراق. وليس هناك ثقة كاملة بالجيش الحر وبعض الكتائب على الارض التي أجرت تعاملات مع "داعش" في السابق. وسيقتضي تأهيل هكذا قوة او تحالف في سورية فترة أشهر على الأقل وتعاونا إقليميا مركزا واستراتيجيا يتخطى الخلافات والتحركات الفردية اليوم وضمان فعاليتها. ويعني هذا الامر تأجيل اي ضربات جوية في سورية الى حين نضوج هكذا تحالف، والتركيز على ضرب "داعش" في العراق ولو ان ذلك قد يعني هروب قوات التنظيم باتجاه سورية.
ومن هنا، هناك خيارات عدة تدرسها واشنطن، احدها إقامة منطقة حظر جوي جزئي وبدعم من تركيا لتدريب الثوار وتجهيزهم. كما تضع الادارة على الطاولة خيار الضربات "الجراحية" والطائرات من دون طيار وقوات خاصة لتنفيذ عمليات داخل سورية، برغم الصعوبات الاستخباراتية والميدانية التي تعيق ذلك. ومن ناحية التوقيت لا تريد الادارة ان يعيق أي تحرك في سورية المفاوضات النووية الإيرانية التي يفترض ان تختتم نهاية تشرين الاول (أكتوبر) المقبل.
هذه العوامل الداخلية والإقليمية تحيط اي تحرك أميركي في سورية، تراه الادارة ضروريا لشل "داعش"، وتربطه بمسار داخلي يساعد المرحلة الانتقالية وخروج بشار الاسد من السلطة "المغنطيس" الأكبر للتنظيم برأي واشنطن في سورية. أما نجاحه فيكون في التطبيق وهو ما تلكأت فيه إدارة اوباما في السنوات الثلاث الفائتة، فهل تغير "داعش" التجربة الاميركية في سورية؟
============================
"استراتيجية أوباما" ضد داعش… تحديات ومخاطر
رأي القدس
القدس العربي
الخميس 11-9-2014
حبس العالم أنفاسه مساء امس بتوقيت واشنطن، إذ استمع إلى الرئيس الأمريكي باراك اوباما وهو يعلن استراتيجيته ل "إضعاف وتدمير داعش". وحسب التسريبات التي سبقت الخطاب فان اوباما سيشدد على أهمية استهداف هزيمة داعش بالنسبة للأمن القومي الأمريكي، عبر بناء تحالف دولي وإقليمي، وشن حملة جوية مكثفة ضد التنظيم في العراق.
الواقع ان ثمة تحديات ومخاطر عديدة تنذر بان الأمر لن يكون بهذه البساطة على الأرض، ومنها:
أولا : ان اوباما يحاول ان يبيع للأمريكيين فكرة إشعال حرب جديدة في العراق ليس لها إطار زمني محدد، أو أدوات قياسية واضحة للنجاح، ناهيك عن انه كان حصل على منصبه أساسا بسبب تعهده بإخراج الولايات المتحدة من مستنقعي العراق وافغانستان. وعلى الرغم من وجود دعم من الرأي العام في الولايات المتحدة حاليا لمواجهة داعش، فالأمريكيون لا يريدون ان "يجرجروا" مرة أخرى إلى حرب طويلة، وليس مستغربا ان يتلاشى هذا الدعم سريعا خاصة في حال عدم تحقيق نجاح سريع أو وقوع ضحايا أمريكيين، أو مدنيين عراقيين.
ثانيا: بينما سعى اوباما في خطابه إلى شرح مدى خطورة داعش بالنسبة للأمن القومي الأمريكي، فانه مطالب بتقديم تفسير لعدم استهداف التنظيم في سوريا، خاصة مع إجماع الخبراء العسكريين على ان قصر الحملة الجوية على العراق سيدفع التنظيم إلى عبور الحدود المشطوبة عمليا مع سوريا، حيث توجد "عاصمة خلافته" في محافظة الرقة، وحيث يستطيع ان يواصل "فتوحاته".
كما ان عدم شن غارات في سوريا يتناقض مع تعهد اوباما العلني ب "بمعاقبة من يلحقون الأذى بالأمريكيين أينما كانوا". ولا تنقص اوباما المبررات لضرب داعش في سوريا، إذ أكد خبراء قانونيون ان "حق الدفاع عن النفس" الذي يكفله القانون الدولي، قد يمثل غطاء شرعيا للغارات.
ثالثا: على الرغم من ان اوباما لا يحتاج إلى تفويض من الكونغرس ولا من الأمم المتحدة للتدخل العسكري في العراق هذه المرة، حيث انه "يتصرف استنادا إلى طلب رسمي من حكومة شرعية"، إلا ان بناء تحالف دولي وإقليمي لن يكون سهلا، حتى من بعض أقرب حلفاء الولايات المتحدة. وحسب إحدى الصحف التركية امس فان استخدام الولايات المتحدة لقاعدة انجيرليك سيقتصر على المهام الإنسانية، وان المساعدات التركية ستكون في المجال الاستخباراتي أساسا، إلى جانب ضبط الحدود مع العراق وسوريا لمنع داعش من الحصول على تعزيزات.
أما بالنسبة إلى مصر فيبدو من غير الوارد إرسال اي قوات إلى العراق في الوقت الحالي، وان كانت ستقدم إلى الولايات المتحدة التسهيلات اللوجستية المهمة لشن الحملة الجوية، لكن دون مشاركة مباشرة. ومن غير الواقعي التصديق بأنه لن يكون هناك تعاون عسكري أمريكي إيراني في هذه الحرب. بل لا يجب استبعاد ان يجري تفاهم سري أمريكي مع النظام السوري نفسه يسمح بتدمير داعش دون ان يبدو وكأنه انتصار سياسي لبشار الأسد، الذي سيكون المستفيد الأول من تصفية التنظيم.
رابعا: من الصعب توقع رد فعل "داعش" على الحملة الجديدة للقضاء عليها بقيادة الولايات المتحدة، خاصة مع الأنباء عن امتلاك التنظيم صواريخ بالستية، بل وأسلحة كيميائية، في منطقة مزدحمة بمصالح حيوية للولايات المتحدة وحلفائها. وهو ما يجعل بلدا كبريطانيا يتردد في المشاركة بشن الغارات. كما انه لا يوجد ضمان بألا يكرر التاريخ نفسه، فقد كانت الحرب التي أعلنها جورج دبليو بوش على الإرهاب السبب الأهم لانتشار الإرهاب منذ هجمات سبتمبر/ايلول 2011.
ومن هنا يجب ألا تنفرد الولايات المتحدة سواء بوضع الاستراتيجية أو توزيع الأدوار في شن الحرب الجديدة، بل يجب ان تكون مواجهة خطر داعش جهدا دوليا جماعيا يتمتع بالصلاحية الكاملة في بدء الحرب وانهائها، والتأكد من ألا تتحول إلى مجازر للمدنيين تحت اسم "مكافحة الإرهاب" وان يجرب كل هذا بغطاء من شرعية الأمم المتحدة، وليس بإرادة منفردة لواشنطن.
ومن المفارقة ان تتزامن جولة وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري في المنطقة مع اجتماع عربي في جدة لبحث مكافحة الإرهاب، ما يعني عمليا مناقشة توزيع الأدوار في الحرب الأمريكية الجديدة بالمنطقة. وهي مهمة تبدو "ذات أهمية استثنائية" إذ استطاعت ان تجمع بين أطراف عربية تسود علاقاتها حالة من التوتر الذي يصل أحيانا إلى القطيعة.
لكن كيري على أي حال لن يجد الأرض مفروشة بالورود كما اعتادت الولايات المتحدة في هكذا مناسبات. فقد تعلم العرب بثمن باهظ ان واشنطن لا تكمل الطريق إلى نهايته، ولا تتردد لحظة في التخلي عن أقرب حلفائها وأقدمهم ان اقتضت مصالحها ذلك. فهل نحصل على الضمانات المناسبة هذه المرة، أم اننا سنبقى ضحايا تاريخ لا يمل من تكرار نفسه؟
 
رأي القدس
============================
في ذكرى 11 أيلول: حلقة ثانية من الحرب على الإرهاب
بكر صدقي
القدس العربي
الخميس 11-9-2014
نجح تنظيم "الدولة الإسلامية" في إعادة الولايات المتحدة إلى الانخراط في شؤون المنطقة، بعد سنوات من انكفاء أسس له تقرير بيكر – هاملتون في أواخر عهد جورج دبليو بوش، ونفذت إدارة الرئيس أوباما توجيهاته بأمانة خلال السنوات الماضية. من منظور اليوم، يبدو وكأننا نستأنف ما انقطع من حقبة ما بعد 11 أيلول/سبتمبر، وكأن ما سمي بثورات الربيع العربي ما كانت. أو بالأحرى يراد لنا أن نطوي صفحة ربيع الشعوب العربية التي بدأت من تونس بإحراق محمد بوعزيزي نفسه، وتتابعت فصولاً بإسقاط طغم عائلية فاسدة في تونس ومصر وليبيا واليمن خلال أشهر معدودات. وحين اصطدمت موجة ثورات الحرية هذه بجدار نظام الأسد السلالي الطائفي، تمت استعادة مناخ 11 أيلول 2001 من جديد لوأد فكرة الثورة على الطغيان مرةً وإلى الأبد.
في مصر عاد الجيش إلى استلام زمام المبادرة من جديد، ويمضي النظام الانقلابي حثيثاً نحو تجريم ثورة 25 يناير وتبرئة عائلة حسني مبارك من الجرائم المنسوبة لها. وفي ليبيا حرب أهلية وتنازع أطراف عدة على الشرعية وتدخلات خارجية هدفها دفع الليبيين إلى الترحم على حكم العقيد القذافي. وفي اليمن حرب أهلية وشيكة بتحريض من إيران من شأنها أن تقضي على نتائج الثورة المنقوصة أصلاً.
لكن كل هذه التطورات ما كانت ممكنة لولا الحرب المفتوحة التي شنها نظام الأسد على سوريا والشعب السوري منذ أول صرخة طالبت بالحرية في آذار 2011. حرب متعددة المستويات فاضت عن الجغرافيا السورية على الدول المجاورة قد تستمر سنوات إضافية ما دام جذر المشكلة، نظام الأسد الكيماوي، باقياً حيث هو مستمراً في تصدير العنف والإرهاب على مساحة واسعة تمتد من العراق إلى سوريا ولبنان وتركيا وربما إلى مناطق أبعد.
لا يتطلب الأمر حسابات معقدة ليتعرف المرء على الحصائل المحتملة للحرب المقدسة الجديدة على الإرهاب ممثلاً حصراً في تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". فالحرب الأولى التي أطلقها جورج بوش وأركانه من المحافظين الجدد انتهت إلى انفلاش ما سمي بإرهاب منظمة القاعدة وتمدده وتكاثره بدلاً من القضاء عليه. ولا تختلف عناصر الحرب الجديدة عن نسختها القديمة كثيراً، إلا بتفصيل تقني يتعلق بزج القوات البرية في الحرب الذي ترفضه إدارة أوباما إلى اليوم. وربما يعود هذا الامتناع إلى إدراك هذه الإدارة أنها تخوض حرباً خاسرة جديدة، وتريد لهذا السبب تجنب الخسائر البشرية في الجيش الأمريكي.
ففي الحرب الأولى تعاونت إدارة بوش مع إيران في حربيها على أفغانستان والعراق (الأمر الذي سيتكرر موضوعياً اليوم حتى لو أعلنت إدارة أوباما رفضها المبدئي لهذا التعاون)، وكانت النتيجة أن العراق قدم لقمة سائغة للأطماع الامبراطورية الإيرانية، ومعه لبنان وسوريا "على البيعة". وعلى رغم الأهمية الاستراتيجية لطرد جيش نظام الأسد من لبنان، في نيسان/ابريل 2005 في أعقاب اغتيال رفيق الحريري، فقد ابتلع حزب الله الإيراني الدولة اللبنانية منذ ذلك الوقت. وتحول نظام الأسد من حليف لإيران إلى تابع يدور في فلك ولاية الفقيه.
وفي غضون ذلك انتعشت فروع منظمة القاعدة في وسط إفريقيا وشرقها، من مالي إلى نيجيريا فالصومال، بعد الضربات الكبيرة التي تعرض لها في أفغانستان والعراق، لتصل إلى ذروة قوتها وتمددها في بيئة الخراب التي خلفها نظام الأسد في مختلف المناطق السورية، كما في بيئة التهميش والقمع التي تعرض لها سُنَّة العراق على يد نظام نوري المالكي.
لقد أوجد كل من الأسد والمالكي البيئة المثالية لاستقطاب الجهاديين من مختلف بقاع العالم، لتولد من رحم هذا الخراب "الدولة الإسلامية" بقيادة الخليفة أبي بكر البغدادي. وها هو ما يسمى بالمجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة ينجح في تحويل أجندة العالم من "حل سياسي" للمشكلة السورية (فشل في جنيف2) إلى حرب على "داعش". ولعب هذا الأخير دوره على أتم وجه في هذا التحول، بقطع رأس الصحافي الأمريكي جيمس فولي أمام كاميرة فيديو. هذا المشهد الدموي الذي أنسى العالم استخدام نظام بشار للسلاح الكيماوي في غوطة دمشق، وكانت نتيجته نحو 1500 قتيل من المدنيين بينهم الكثير من الأطفال. كما أنساه صور موثقة ل 11 ألف قتيل تحت التعذيب في أقبية مخابرات الأسد، فضلاً عن عشرة ملايين من السوريين الهائمين على وجوههم داخل سوريا وخارجها.
تقتضي الأمانة التذكير بأن الغارات الجوية الأمريكية على مواقع تنظيم داعش بدأت قبل إعدام جيمس فولي بتلك الطريقة البشعة على نهج أبي مصعب الزرقاوي. بل كان الإعدام رداً من التنظيم على الحرب الأمريكية عليه وتهديداً بقتل ضحيته التالية "سوتلوف" ما لم توقف الولايات المتحدة غاراتها عليه.
تتفوق استراتيجية إدارة أوباما، سوءً، في حربها على "الدولة الإسلامية" على حرب سلفها إدارة بوش على منظمة القاعدة، في أنها تسعى إلى دفع جميع القوى المحلية إلى أتون حرب طويلة تنهكها جميعاً وتقضي، أول ما تقضي، على فكرة الحرية التي التمعت حيناً في ثورات الربيع العربي.
 
٭ كاتب سوري
============================
التدخل الغربي لن يحل المشكلة
المصدر: صحيفة "إندبندنت" البريطانية
البيان
الخميس 11-9-2014 
شكل قطع رأس الصحافي الأميركي ستيفن سوتلوف، العرض الأخير في الإدانة الداعشية للغرب، ورسالة الجلاد المباشرة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، التي تعبر عن اشمئزاز المجموعة من السياسة الخارجية الأميركية والتدخلات المتواصلة في الشرق الأوسط. أما الشخص التالي الذي سيذبح فهو مواطن من الجنسية البريطانية، وهذا يطرح السؤال: هل ستغير الحكومة البريطانية موقفها حيال هذه المجموعة؟ ويدعو كثيرون إلى التدخل الغربي، لكن هذا لن يغير إلا القليل في تكتيكات داعش الهمجية. فبالنسبة لداعش، فهي في حرب مع الأيديولوجية والنفوذ والسياسة الغربية، التي ينبغي القضاء عليها بالكامل في ما يطلق عليه "دولة الخلافة".
 
خلال السنة الماضية، كان هناك تنافس بين المجموعات المتطرفة في المنطقة، حول من بإمكانه التفوق على الآخر في هجماته على الغرب، وكانت داعش دائما في المقدمة. ويوجد احتمال كبير أن تتشدد تلك المجموعة في مواقفها، كوسيلة لترهيب منافسيها واستفزازهم، والحفاظ على موقعها. ولن يكون التدخل حلا لمشكلة داعش على الإطلاق، وعلى المدى الطويل سيجعل المصالحة السياسية شبه مستحيلة. ووصول القوات البريطانية والأميركية إلى المنطقة سيصب في صالح خطاب المتطرفين، وسيشكل حلا يتسم بقصر النظر، ويتخلى عن فهم أساسي لداعش.
 
وأكثر من ذلك، سيضع الغرب وسط حقل ألغام شديد التعقيد لا يمكن تجنبه. وأي تدخل بريطاني قد يساعد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، مما يشكل إشكالية هائلة، ناهيك عن خطورة الأمر. وما نحن بحاجة ماسة إليه، هو رد إقليمي حازم. وفي سبيل صياغة استراتيجية تكون لها فرصة لوقف تقدم "داعش"، من المهم للقوى الغربية أن تعمل جنباً إلى جنب مع دول المنطقة. والتوصل إلى حل يتصف بمزيد من العملية والاستدامة، يعد أمراً ضرورياً.
 
وأن تكون هناك إعادة هيكلة سياسية عميقة في سوريا والعراق. والمطلوب مبادرة منظمة لحل الانقسامات الطائفية التي تم استغلالها، نتيجة لسنوات من الصراع. وتنظر داعش إلى العالم باللونين الأسود والأبيض، وخطاب "نحن أم هم" الذي هو في صميم دعاية داعش المتطرفة، سينتفع من التدخل لا غير. وعلى هذا الأساس، لا بد أن يأتي التصدي لداعش من الحكومات والمجتمعات. وبالعمل معاً، والتصدي لداعش لوجستياً وسياسياً، يمكننا البدء في تقويض زخمها.
============================
الطريق إلى دمشق… يمرُ من هوليوود
عمار تباب
القدس العربي
الخميس 11-9-2014
 
لم تنته قصة الذئب المظلوم بقميص يوسف الذي رُمِي على وجه يعقوب فارتد بصيراً.. فالقصة تُعيدُ ذاتها بأشخاص جدد لم يبلغوا طهارة يوسف ولا مكر الأسباط ولا حكمة يعقوب، التي لا زالت تدوي حين قال "بل سولت لكم أنفسكم أمراً، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون".
لقد تداولت صفحات الانترنت وتناقلت المحطات التلفزيونية خبر قتل الصحافيين الأمريكيين ولا زالت تترقب قتل البريطاني الموعود به، وتلقفت الشاشات المتعطشة لأخبار الدم، الصور التي تظهر كلاً من الأمريكيين وكأنه بطلٌ هوليوودي وقف شامخاً صلداً بين يدي قاتله، آمراً وناهياً وكأنه ملك فوق عرش، إلا أن اللقطات سرعان ما أحالت هذا العرش نعشاً، وصيرت رأس المتحدث بين كفيه المقيدتين. ببرود من خبر سفك الدماء وبراعة من تمرَّس التأثير بالكلمات وقف القاتل المفترض ليتحدى العالم بلغته التي أتقن، إلا أن الشك والريبة سرعان ما تسللت إلى هذا الخبر بعد أن قضى الجميع منه وطراً، ساسةً وعسكريين، مؤيدين ومعارضين.
وأمام هذه النشوة التي وصل إليها الجميع كان لابدَّ من التحليل والتحرّي حول هذا الخبر وحول توقيته، وبما أن للمحدد الزماني بالغ الأهمية في أي لعبة من الألعاب فلا بدَّ لنا من الوقوف عند المحددات الزمانية المهمة في ما يتعلق بلعبة السياسة، وفي القضية موضوع المقال أودُّ الوقوف عند محددين زمانيين… الأول وهو تاريخ اختفاء كل من جيمس فولي وستيفن سوتلوف في سوريا، والثاني وهو تاريخ الفيديوهات التي تشير إلى تصفيتهما.
بالرجوع إلى قضية اختفاء جيمس في سوريا، نجد أن كل المؤشرات تدلُ على أن تاريخ هذا الاختفاء ينحصر بين نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر ومنتصف كانون الأول/ديسمبر 2012 ، أي أن فترة اختفائه لحين خروجه في مشهد إعدامه استمر ما يقارب العامين، في ظل سكوت لم يعكره إلا صوت الصرخة الأولى، أما بالنسبة لاختفاء ستيفن فقد استمر ما يقارب العام، الأمر الذي يجعلك بطول الفترة وتعدد أيامها تقف على بعض مشاهد الأسى والمرارة التي ذاقها ذووهما، حالهم في ذلك حال مئات الآلاف من السوريين، الأسى الذي تلمسناه بكلام الأم التي تجاهلت الساسة والسياسيين لتخاطب البغدادي كخليفة للمسلمين وتطلب رحمته وعفوه. إلا أن مدار الحديث حول هذا المحدد الزماني، ومقاطعته مع الجاني الذي اقتحم الصورة في قتل الصحافيين معلناً انتماءه للدولة الاسلامية، ليضع المدققين أمام تساؤل مهم: هل كانت "الدولة الاسلامية" وما يشار إليه ب"داعش" موجودةً أصلاً في تواريخ اختفائهما .
ليس هناك ما يدع مجالاً للشك بالوجود الفعلي لتنظيم الدولة على الأرض السورية في تاريخ اختفاء ستيفن  مع أن الوجود لا يؤكد نسبة الجرم إليها  إلا أنه وبالمقابل فمن المؤكد أن وجود التنظيم لم يكن قائماً وقت اختفاء سابقه جيمس فولي، الذي اختفى أثناء تغطيته لمشاهد الدمار في مدينة حلب، وذلك في مناطق كانت تشير التقارير إلى خضوعها لقوات نظام الاسد.
وباعتبار أنه في عالم الاحتمالات لا يمكن البناء على اليقين، فلا بدَّ من التساؤل حول كيفية وصول هذ الشخص إلى أيدي "الدولة الإسلامية"، فإما أن تكون يد الدولة ممتدة ليدٍ في دمشق، أو تكون يد دمشق ممتدة لأخرى وراء البحار، إلا أن شغفها لا يزال منعقداً لهذه الأرض.
وبالعودة إلى المحدد الزماني الثاني والمتمثل بتاريخ قتل الصحافيين، فإن ما يهم بهذا الصدد هو تقاطعه مع تاريخ قرار مجلس الأمن ضد الدولة الاسلامية وجبهة النصرة، بموجب الفصل السابع، فبالرجوع إلى القرار نجد أنه يُلزِم الأطراف انتهاج كافة الأساليب غير العسكرية قبل البدء بأي عمل عسكري، وقد صرَّحت روسيا على لسان سفيرها بيتر ايليشيف بأن هذا القرار "لا يمكن اعتباره موافقة على عمل عسكري"، فلماذا أمام هذا العقم السياسي، يظهر هذا المحرض الحيوي في الشهر التاسع وما له من مدلول في البعد الذهني الأمريكي، المتمثل بقتل الصحافيين الأمريكيين.
وبين الاندفاع الأمريكي والتحفظ الروسي والتطاول من قبل النظام والمعارضة على حدًّ سواء للمشاركة في حملة القضاء على ما اتفقوا على تسميته بالإرهاب، نقف أمام تساؤل حول صاحب المصلحة من الفيديوهات المنشورة، في ظل غياب المصلحة الحقيقية للدولة الاسلامية بهما، وفي ظل غياب أي آليةٍ مستقلة لتأكيد أو نفي هذه التسجيلات.على ميزان مصلحة الادارة الأمريكية نجد أن لهذه التسجيلات بالغ الأهمية والأثر، حيث أنها ستساعد الادارة الأمريكية في تسويق حربها أمام الرأي العام المتأثر بمرارة كلمات أبنائه وذويهم، والمتخوف من تكرار معاناته في سبتمبر/أيلول الأسود في 2001، الذي شاء القدر أو رتب المدبَّر أن يرخي ستائره ذاتها في 2014، وبيد العدو ذاته المتمثل بالإرهاب الاسلامي المفترض.. ولهذا القول ما يؤيده من حيثيات، فليس صدفةً أن موقع "سايت" الأمريكي – الذي يعمل بتفويض من الحكومة الأمريكية ويقدم الاستشارة لمكتب المخابرات الأمريكية بواشنطن – أن يكون الناشر لهذه الفيديوهات والدَّال اليها. وإن المتتبع لهذا الموقع يلحظ نشاطه قبل الحملات العسكرية التي تخوضها الولايات المتحدة، فقد نشط بعد تأسيسه عام 2002 وإبان الحرب على العراق، وها هو يعود للعمل مع العودة لها، ولكن بهدف توسيع النطاق إلى الداخل السوري الذي التزم الأطراف ولو مداهنة بعدم دخولها، وهو ما أكده أوباما برسم خطته التي تستبعد سوريا إلى ما بعد عامين، إلا أن اللافت للانتباه أن موقع "سايت" الذي يعد استشارياً للإدارة الأمريكية، هو الذي نشر التسجيل ومع ذلك تتريث الإدارة ذاتها في التأكد من التسجيل.
أما في موازين النظام والمعارضة، فليس ما يمنع الأسد من استهلاك الفيديوهات لجرِّ التدخل إلى الأراضي الخارجة عن سلطته تطهيراً لها من الأغيار، وإعادة تطويعها لصالح نظامه الذي لازال يحتفظ باعتراف العالم به. وأما في ما يتعلق بالمعارضة فلن تدَّخر جهداً للمشاركة في هذه الحملة وهذا التحالف سياسياً وعسكرياً، فالمشاركة السياسية ربما تجلب اعترافاً أكبر بها، والمشاركة العسكرية ربما تحافظ على الكتائب المتخوفة من استغلال الحملة للقضاء عليها، وهذا ما يدفع الجميع لزيادة تسليط الضوء الاعلامي على الجبهات المشتعلة بينهم وبين الدولة الاسلامية، وكأن البوصلة انحرفت ليقف الجميع في خطٍّ اختار النظام الوقوف به.
ويبقى الميزان الغائب هو ميزان شعب على أرض غُيِّب وراء حدود دولة أطلقت على نفسها الدولة الاسلامية وآثرت الصمت في ظلِّ هذا الصخب، إلا أنَّ المعادلة بطرفيها المتمثلين بتأخر التدخل الدولي أمام كلِّ جرائم النظام خلال الفترة السابقة، وتهافته لهذا التدخل أمام الجرائم المعلنة لمارد "الدولة الإسلامية"، تفرض نتيجة حتميةً مؤداها التحام القاعدة الشعبية مع القيادة في "الدولة الإسلامية" أمام تدخل أعمى لم يضع معاناة الشعب في موازينه يوماً من الأيام.. وفي ميزان السينما يبقى الاخراج الهوليوودي حاضراً للعبور به إلى دمشق.
 
٭ كاتب من سوريا
============================
وحش" الخارج و"وحش" الداخل
علي حماده
النهار
الخميس 11-9-2014
تفترض مواجهة تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش) فاعلية عملية من خلال الاستناد في لبنان الى توافقات وطنية، ليس بشأن الموقف من "داعش" بل بشأن النظرة الى لبنان ومفهوم العيش المشترك.
نعم، لا يمكن الاكتفاء بمواقف معلنة داعمة للجيش اللبناني، ورافضة لتنظيم "داعش" بما يمثل من وحشية وتوحش وتخلف في حين تعيش البلاد حرباً اهلية غير معلنة، لكنها تسكن البيوت والطرق والمناطق من اقصى لبنان الى اقصاه. هذه حقيقة لا يمكن التغاضي عنها. ولا يمكن الاكتفاء بكيل سيل من الادانات بحق "داعش" ونسيان "وحش" آخر يعشّش في قلب لبنان.
"داعش" كائن خارجي اما ذلك الوحش فكائن خارجي متمدد في رحم الوطن. وما دام هذا الكائن في مساره المعروف فلا أمل للبنان في ان يواجه "وحوشاً" خارجية لا امتدادات داخلية لها، ولا امل في بناء حياة لبنانية مشتركة سليمة: ليس "داعش" وحده الوحش هنا. وما لم يقتنع اهل الحل والربط بذلك سنظل نتعامى عن الواقع المر في لبنان، وبعد "داعش" سيولد اكثر من "داعش".
حان الوقت للكف عن التكاذب في موضوع "داعش" الذي ولد من رحم سجون النظام في سوريا، وتلك التي كان يديرها نوري المالكي في العراق. نعم ان ابوة "داعش" يُسأل عنها بشار الاسد ونوري المالكي ومخابرات ايران و"حزب الله"، ولا يُسأل عنها المظلومون في سوريا والعراق ولبنان. فكفى تكاذباً، وكفى نفاقاً على منابر يتبارى عليها القتلة في التبرؤ من بحور الدماء التي اغرقوا فيها اللبنانيين والسوريين والعراقيين على مدى أعوام طويلة.
تستحيل محاربة "داعش" من دون اسقاط نظام بشار الاسد المتوحش. ويستحيل التغلب على التنظيم في العراق من دون احقاق الحق والتوقف عن ممارسة الظلم في حق شرائح واسعة من العراقيين. ويستحيل ان يحمي لبنان ارضه من الوحش القادم اليه ما لم يعد الوحش الداخلي الى قمقمه نهائياً. هذا هو واقع الحال، والخيار الحقيقي المطروح ليس بين تطرف سني واعتدال سني، بل بين الظلم و العدالة. ولا عدالة في لبنان ما دام لدينا "وحش" منفلت ومتفلت من الضوابط الوطنية.
الخطط الامنية جيدة. ودعم الجيش ممتاز. لكن ازمة لبنان ليست امنية بقدر ما هي سياسية، ومحورها خلاف كبير على الخيارات الكبرى في البلد. وليس ادل على ذلك من الخلاف الكبير على تورط "حزب الله" في سوريا الذي يؤمن معظم اللبنانيين بأنه كان السبب الاول والاساسي لاستحضار الحرب السورية الى لبنان. فقبل ان يتورط "حزب الله" في قتل السوريين على ارضهم كان لبنان في منأى عن النار السورية، وكانت الاحقاد المذهبية اقل حدة على رغم كل ارتكابات الحزب المشار اليه في حق قادة الاستقلاليين. اما الآن فإن الأمور تغيرت وما عادت تعالج كما يروجون بالالتحاق بركب "وحش" الداخل في مواجهة "وحش" الخارج.
لا بدّ من قول الحقيقة مهما بدت صعبة.
============================
من لبنان إلى العراق وسوريا... حوّل دول فاشلة على وقع امتداد النزاعات الإقليمية
روزانا بومنصف
النهار
الخميس 11-9-2014
انهالت التهانئ من الحكومات الغربية والاقليمية على رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي لاعلانه حكومته التي ضغطت هذه الحكومات من أجل تأليفها، ورحبت بنيلها الثقة في مجلس النواب ولو كانت تشكيلتها ناقصة بلا وزيري الدفاع والداخلية لعدم التوافق عليهما على رغم اهمية هذين المنصبين في هذه المرحلة بالذات، فيما ارتقى العراق وفق مصادر ديبلوماسية من دولة على شفير التقسيم الى دولة فاشلة مكتملة المواصفات. وهذه الدولة الجديدة، اذا صمدت، مرشحة لسلسلة لا تنتهي من العراقيل التي لن تسمح لها بان تحكم لكن سيكفي الافرقاء نعمة المشاركة في السلطة.
من لبنان الى العراق... حوّل.
لم يخرج نوري المالكي من السلطة كليا بل انتقل من الصورة الاولى الى الصورة الثانية، من رئاسة مجلس الوزراء الى نيابة رئاسة الجمهورية. فهناك اعادة تدوير سياسية توفّر الحصانة للذين قادوا بلادهم الى شفير التقسيم والى حرب اهلية بدلا من المحاسبة او على الاقل الإحالة على التقاعد. تحكمت ايران في العراق كما تحكمت سوريا في لبنان قبل ان تتركه لإيران، ولا تزال تترك تداعياتها عليه بحيث يعجز عن انجاز اي تفاهم حقيقي. فإزاء الانتقادات التي ساقها ويسوقها كثر لعدم تسليح الجيش حتى الآن ولتأخر تسييل الهبات السعودية، لا تتفاهم القوى السياسية على توفير الحماية اللازمة التي يحتاج اليها الجيش في المواجهات التي يخوضها. وثمة توظيف ومحاولات توظيف للجيش لغايات ومصالح خاصة، بأبعاد اقليمية، علما ان القاعدة الاساسية في بلد متعدد تتجاذبه رياح المحاور الاقليمية انه لا يمكن تعزيز قدرات الجيش بالسلاح فقط، بل ايضا بالتفاهم الداخلي الذي لا يبدو الافرقاء السياسيون مستعدين لتوفيره. وقد تردد ان شخصيات لبنانية تلقت نصائح من هذا النوع من مسؤولين في المنطقة يشعرون بخطورة كبيرة يواجهها لبنان والاردن في شكل خاص في ضوء ما يحصل في العراق وسوريا، الى درجة اثارة مخاوف حقيقية على الوضع في البلدين المذكورين. الخطورة ليست في وجود بيئة حاضنة ل"داعش" ام لا، بل في انتشار مفاهيم دينية في بيئات لديها مشاكل جمة. فنموذج القتل الذي يتبعه التنظيم جرى تطبيقه في صحراء سيناء اخيرا، وهناك النموذج نفسه للسيطرة ونشر حكم الخلافة في نيجيريا حيث يتحرك تنظيم "بوكو حرام" على نحو مماثل لتحرك "داعش" في العراق وسوريا. وما بدا من فوضى في الايام القليلة الماضية التي أعقبت قتل العسكري في الجيش عباس مدلج في ظل عمليات خطف وخطف مضاد، أثار مخاوف كبيرة وحقيقية بانحدار متسارع للبنان الى قعر الهاوية. كما كان بمثابة جرعة تذكيرية بكيفية بدء الحرب في لبنان عام 1975. ومع اقرار هذه المصادر بان الافرقاء السياسيين الاساسيين لا مصلحة لديهم من حيث المبدأ في جر لبنان الى فتنة داخلية، فان الشارع قد يجر احيانا الى حروب غير متوقعة.
وما هو مثار انتقاد لا يقل شدة عن غياب التفاهم الداخلي الحامي للجيش اللبناني، يتصل بترك موقع الرئاسة الاولى شاغرا بين اختلافات مسيحية لا تهتم بترتيب البيت الداخلي المسيحي على رغم التهديدات التي يستشعرها المسيحيون من الخط البياني لتطور الامور في المنطقة على نحو صارخ، في ظل عدم الشعور بالمسؤولية مما يجعل موضوع رئاسة الجمهورية يراوح مكانه من دون اي تقدم حتى الآن. وبين عدم القدرة على التفاهم الداخلي وترك المسألة معلقة على تفاهم سعودي - ايراني قد يحصل او لا يحصل في المدى المنظور، تفيد معلومات تم استقاؤها من خارج استنادا الى تطورات اخيرة على جملة ملفات، ان الاهتمامات الايرانية في مكان والاهتمامات السعودية والخليجية في مكان آخر، وتتوزع من العراق الى اليمن فسوريا ومواضيع حساسة اكثر اهمية بكثير من لبنان. يضاف الى ذلك استمرار "النقزة" السعودية من ايران وعدم الثقة بتحركها وطموحها واستمرار هذه "النقزة" حيال الاميركيين ايضا في علاقتهم مع ايران. والمؤشر لذلك ان الآمال التي عقدت على تحول في العلاقات الايرانية - السعودية بعد زيارة ديبلوماسي ايراني للمملكة السعودية في الآونة الاخيرة، سرعان ما خبت.
وثمة استغراب لمراقبة المسؤولين في لبنان العراق يتحول، من حيث اضطرار افرقائه السياسيين الى التوافق تحت وطأة الضغوط الخارجية من اجل منع تقسيم العراق او من اللجوء الى صيغة توفيقية في الحكم، الى ما يشبه لبنان من حيث تقاسم السلطة والحصص وتوزيع الصلاحيات، فضلا عن الصراعات التي لم تسمح بعد تسمية وزيري الداخلية والدفاع، او المخاوف من تحول الوزراء في الحكومة الى تمتعهم بحصانة طائفية تمنع محاسبتهم، ولا يدرك الافرقاء السياسيون ان لا بديل من تفاهمهم في نهاية الامر في انتظار التفاهم الخارجي.
ولعل سوريا ستترك تتخبط حتى اقتناع الافرقاء الاقليميين والدوليين، فضلا عن الافرقاء الداخليين بان لا حل محتملا سوى بالتحول الى ما يشبه العراق ولبنان في نهاية المطاف. دول فاشلة تلحق احداها بالاخرى على وقع امتدادات النزاعات الاقليمية.
============================
العراق "بوّابة" العودة الأميركية القوية؟
سركيس نعوم
النهار
الخميس 11-9-2014
تستطيع الولايات المتحدة أن تنهي ظاهرة "داعش" في العراق في وقت قصير نسبياً مثلما أنهت ظاهرة "الزرقاوي" قبل انسحابها منه، أي بالاستعانة بالبيئة التي يفترض أن تحضنه. وهذا أمر يجري التحضير له الآن رغم أن التعقيدات التي تواجهه هذه المرة أكثر من التي واجهته في السابق. هذا ما يؤكده المتابعون الأميركيون من واشنطن لسياسة بلادهم أنفسهم. لكنهم يلفتون إلى أنها لن تفعل ذلك في سرعة لأن ما يجري في العراق أفاد أميركا. ذلك أنه أفسح أمامها في المجال للعودة إلى العمل والنشاط في هذه المنطقة وبطلب ملحّ من دولها رغم العداء المعلن والسافر بينها. ففي العراق عادت لاعباً أساسياً أو ربما الأساسي بين الآخرين المهمين وفي مقدمهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولاقت هذه العودة ترحيباً من الجميع بل حصلت بطلب مباشر من بعضهم، وغير مباشر من بعضهم الآخر بسبب الحاجة إليها. ويذكِّر المتابعون أنفسهم هنا بأن إدارة الرئيس باراك أوباما التي سحبت القوات الأميركية من العراق، سعت عبر مفاوضات جدية وطويلة مع المسؤولين العراقيين إلى الحصول على موافقتهم لإبقاء وجود عسكري في بلادهم يحمي سفارتها في بغداد وقنصلياتها خارجها، ويساعد في تدريب القوات المسلّحة والقوى الأمنية والأجهزة الاستخبارية. ولم تستعمل الإدارة المذكورة يوماً تعبير إقامة قاعدة عسكرية في العراق لأنها تعرف حساسية شعبه أو شعوبه حيال ذلك، علماً أن جوهر مطلبها كان قاعدة في العراق لأهداف محدَّدة ولكن قابلة للتطوير والتكبير. وقيل يومها أن سبب اللااتفاق كان رفض حكومة بغداد منح العسكريين الأميركيين الباقين في البلاد حصانة تجعلهم غير مسؤولين أمام القضاء العراقي. وهذا القول صحيح.
لكن الصحيح أيضاً في هذا الموضوع أن الحاج قاسم سليماني "الممثل" الإيراني الأهم في العراق رفض ذلك تنفيذاً لتعليمات دولته. ولم يكن في استطاعة رئيس الوزراء في حينه نوري المالكي الرفض، وربما لم يكن موافقاً هو أيضاً. علماً أن إيران التي كانت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلم السيطرة التامة على العراق لم يكن متوقعاً أن توافق على قواعد عسكرية أميركية على أراضيه لأن من شأن ذلك تهديد سيطرتها هذه على المدى البعيد. وأسباب خوفها كثيرة منها أن الولايات المتحدة قوة عظمى أو أعظم في العالم. ومنها أيضاً أن الشعب العراقي شعوب (مثل لبنان) واحد منها "معها للقتل" كما يقال بسبب الخوف من الآخرين ومن المحيط. وواحد "ضدها للقتل" لسبب مماثل. أما الثالث فعلاقته جيدة معها لكنها ليست علاقة "تحالف تبعي"، فضلاً عن أن علاقاته الأميركية والاقليمية جيدة.
طبعاً، يلفت المتابعون إياهم الى ان إيران ليست سعيدة بما يحصل في العراق اليوم. لكن الحاجة تدفعها إلى التعامل معه كأمر واقع. والبراغماتية والواقعية تدفعانها إلى محاولة الإفادة منه لحل مشكلاتها مع أميركا والمجتمع الدولي على نحو يحفظ مصالحها ودور إقليمي لها تقبله شعوب المنطقة ولا يخاف منه العالم، وليس على النحو الذي كانت تطمح هي إليه.
إنطلاقاً من ذلك يرى هؤلاء المتابعون أن أميركا تُظهِر الآن أنها لن تتخلى عن المنطقة، كما كان يظن، وبخوف، حلفاؤها، وكما كان يتمنى أعداؤها. ففي العراق ستكون لها قاعدة عسكرية مهمة وكبيرة في كردستان (إربيل) ولها أو ستكون لها قاعدة عسكرية في المملكة العربية السعودية. ولها قاعدة عسكرية في دولة قطر. أما أسباب عدم التخلّي فكثيرة أبرزها السيطرة على خزان النفط في العالم الذي هو الشرق الأوسط، واستعمال هذه المادة الحيوية في الصراع مع روسيا بوتين وبطريقة تضطره إلى مواجهة متاعب داخلية اقتصادية ومالية واستثمارية، وتالياً إجتماعية وربما سياسية مستقبلاً. وفي هذا المجال، يرجِّح هؤلاء أن لا ينجح بوتين، من خلال اتفاقه مع الصين على إنشاء خط أنابيب لنقل النفط والغاز الروسي إليها عبر سيبيريا، في تلافي آثار مساعدة أميركا لأوروبا كي تستغني عن الغاز الروسي. ذلك أن الصين ليست "حبتين"، فهي لن تستورد الغاز منه ب"أسعاره الأوروبية" بل بنصفها أي بحسم 50 في المئة، وذلك مع كلفة بناء الخط التي هي 65 مليار دولار سيضاعف المشكلات الروسية. وهذا ما أشارت إليه وسائل إعلام أميركية مهمة. إلا أن الصين تبقى في رأي المتابعين إياهم مصدر القلق الوحيد لأميركا في آسيا. وهي تعمل كثيراً لحماية حلفائها في المنطقة وفي مقدمهم اليابان والفيليبين وكوريا. لكن أحداً لا يستطيع التكهُّن منذ الآن بالنتائج.
============================
الجو لواشنطن والأرض للرياض؟
راجح الخوري
النهار
الخميس 11-9-2014
عشية وصوله الى العراق في طريقه لحضور المؤتمر الاقليمي الدولي الذي دعت اليه السعودية لبحث موضوع الإرهاب وسبل اجتثاثه ومكافحته، أعلن جون كيري ان اميركا تسعى لبناء تحالف واسع لمحاربة "داعش" والمنظمات الارهابية وان اربعين دولة ستنضم الى التحالف الذي سيعمل لسنوات.
واضح حتى الآن ان اميركا والدول الاطلسية ستعمل من الفضاء لدك مواقع "داعش" وإنهاكها في العراق اولاً، ثم في سوريا المركز الرئيسي وتقريباً بلد المنشأ الذي اطلق "داعش" على محورين، محور الارهابيين الذين أُخرِجوا من السجون لتشويه صورة المعارضة، ومحور الفظائع الدموية التي استجلبت الإرهابيين من اكثر من خمسين بلداً.
لكن القصف الجوي لا يستطيع ان يحسم المعركة ويهزم "الدولة الاسلامية" التي باتت تسيطر على جغرافيا معقدة تمتد على مساحة مئة ألف كيلومتر مربع، ولهذا تحتاج المعركة الى مقاتلين على الأرض يتولون تنظيف المدن والارياف لتعود سلطة الحكومة في العراق، اما في سوريا فالمسألة تتطلب الإمساك بالأرض بعد تنظيفها كي لا تعود سيطرة النظام الذي ساهم في خلق "داعش".
حتى الآن يبدو ان الادارة الاميركية استوعبت حقائق حساسة ومهمة تتصل بالتحالف الذي سيواجه الارهابيين على الأرض، عندما رفضت التعاون مع النظام السوري الذي يستميت للحصول على دور في التحالف بما يؤدي الى تعويمه، وكذلك عندما تغاضت عن رغبة جامحة عند الايرانيين للانضمام الى التحالف رغم انهم يقاتلون في الموصل مع البشمركة في مواجهة "داعش".
عملياً، لم يعد خافياً على اي من الدول التي تنضم الى التحالف الدولي، ان التعاون مع الأسد سيعطي ذخيرة تقوي "داعش" سنّياً، وان التعاون مع ايران التي شجعت سياسات نوري المالكي الاستبدادية والتي قاتلت وتقاتل مع الأسد، سيؤدي الى نتائج عكسية تماماً لأنه قد يشعل الصراع المذهبي بين السنّة والشيعة على غاربه وهذا ما تريده اسرائيل طبعاً.
على خلفية كل هذا يكتسب المؤتمر الاقليمي الدولي الذي سيعقد اليوم في جدة ويضم دول الخليج ولبنان والاردن ومصر وتركيا الى جانب اميركا، اهمية كبيرة وحساسة، فهو الذي سيوزّع الأدوار ويرتب مسار الحرب ميدانياً على "داعش" وأخواتها، لأنه من الضروري والملحّ ان تتصدر القتال في هذه الحرب دول ومنظمات سنيّة، بما يضمن:
اولاً، تأمين العنصر المذهبي الذي يستطيع خنق "داعش" ايديولوجياً ودعائياً، ليس في العراق وسوريا فحسب، بل في كل الأمكنة التي بدأت ترفع راياتها ملوّحة بحزّ الرقاب، وثانياً إنهاء عملية الاختطاف البشعة للإسلام على يد الارهابيين، وثالثاً تصحيح صورة الدول السنيّة، التي طالما حاربت الارهاب وانتصرت عليه كما حصل ويحصل في السعودية، لكن طالما انهالت عليها الاتهامات والافتراءات المغرضة.
============================
============================