الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مخيم اليرموك.. لا ماء ولا أشقاء

مخيم اليرموك.. لا ماء ولا أشقاء

16.01.2014
رشاد أبو داود


البيان
الاربعاء 15/1/2014   
لكأن الخيمة في داخلهم، تلك التي انتصبت في نكبة 1948، ورحلت معهم إلى كل جهات الأرض. أقسمت أن تبقى معهم، تقيهم في كل موسم ريح السموم وفي الوحدة صقيع الغربة. وهم عاهدوها أن تظل فيهم، تظلل أجسادهم، تقي أرواحهم من حر النيران الملتهبة إلى أن يعودوا، وها هو مفتاح البيت معهم مهما ابتعد عنهم البيت. سيظل الجد يحكي للحفيد عن عكا التي لولا صمودها لما جاورت البحر، عن حيفا التي لا تنام إلا على هديره ويافا التي ظلت عروسه مهما جف وعطش. لن يكف الابن عن الرحيل من غربة إلى غربة وعن سؤال أبيه يا أبي "لماذا تركت الحصان وحيداً؟"
لكن، ماذا يفعل اللاجئ عندما يكون القاتل أخاه، والمحاصِر ابن ابيه، والمخيم في حضن دمشق يموت كل يوم ميتتين، إنه يقتل بسلاح ظنه لإعادته إلى فلسطين والثانية أنه يبتعد عن فلسطين عمرين.
مفارقة أن اسمه اليرموك وأهله عطاشى. الإحساس القومي جاف والطريق الى القدس لا بد ان تمر فوق جثة كل فلسطيني. السكين حافية والحفاة في المخيم يتضورون جوعاً، لنشحذ ما بقي من كرامة ولا نقتلهم. حاصرهم ودعهم يموتون جوعاً. هم معتادون على الحصارات ونحن على اصدار البيانات. انه الاحتفال بموت جزار صبرا وشاتيلا. لا يكفي ما قتل شارون منهم ليمت آخرون قرباناً لمجد المقاومة.
يا يرموك توقف عن الجريان، تلوثت بدمائهم ماؤك، والتاريخ الذي رتبك ارتبك. ماذا يقول النهر لأحفاده؟ هنا يرموك آخر من دم فلسطيني يراق في صراع داعش والزباء؟ أم هذه هي خيرات الربيع العربي الحمراء؟
ليس لأهل المخيم الذبيح ذنب في ما حصل سوى انه مخيم، مأوى اللاجئين واخوانهم الفقراء السوريين. هذا حال المخيم وكل المخيمات. ذهب لوثه طين اللجوء، مهن كان لها في فلسطين محلات وشوارع ودكاكين و.. بحر مفتوح على العالم الحديث والقديم. هنا شمالاً الجيران. الإغريق، ألمع الحضارات، هنا سوفوكليس أبو المسرح وافلاطون باني المدينة الفاضلة، الإسكندر العظيم وأهل بيزنطة وأهل الفكر والفلسفة والعلم. هناك الرومان ومجد الإمبراطورية واحلام نيرون المدمرة. هنا، في كل مكان المخيم. محطة المسافرين الى العدم. حلم العودة الى فلسطين صار كابوساً. انه زمن الإعدامات. ظهرت على حقيقتها عبثية اهرامات النكبة والنكسة وكذبة التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني.
المخيم الآن يرموك. قتل وجوع وحصار. لا طعام لا ماء لا أشقاء. لا شيء سوى الموت الذي أصبح أغلبه جوع. هنا يثمر الربيع العربي الموت. هنا المقاومون والممانعون يواجهون المتأسلمين والتكفيريين والقاعديين و"الدولة الإسلامية في الشام والعراق "! لا ذكر للقدس لا رائحة لفلسطين لا صلاح الدين لا صلاة في الأموي لا قداسة لصيدنايا ومعلولا، لا هلال لا صليب، هنا دين لا دين. وحشية ترتدي عمامة وسكاكين شحذتها الفتنة.
نار في سوريا، في مصر، في اليمن، في تونس، في العراق، ولا نار يشعلوها في فلسطين. في فلسطين "إسرائيل " وحلم بني صهيون. وكم كانت إسرائيل ستدفع لو استخدمت اسلحتها لتشعل كل هذه الحرائق في الوطن العربي؟! لكنها استخدمت أدواتها باسم الثورة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
لقد أدى خلط الدين بالسياسة الى احداث تناحر بين التنظيمات الإسلامية وبين الدول ما نتج هنه حالة من الفوضى مهدت أرضاً خصبة لأعمال الفتنة تطورت في زمن الربيع العربي الى اشتباكات مسلحة وتفجيرات وإراقة دماء. غير ان المرحلة هي الأخطر على الدين وعلى الدول وذلك باستغلال " القاعدة " لتنفيذ عمليات ارهاب تذكر بالجزأرة (احداث التسعينات في الجزائر) والأفغنة. فإثر تأسيس قاعدة "الجهاد"، كانت فكرة السلفية الجهادية، أو الجهادية دون طابع سلفي دائماً تقوم على نصرة المستضعفين من المسلمين، حيث كانوا دون التدخل تاليا في مسارهم السياسي، كما حصل في الفلبين والبوسنة والشيشان.
لكن المشهد القاعدي، أو السلفي الجهادي ما لبث أن أخذ يتدحرج بطريقة مختلفة بعد ذلك، إذ بدأ يظهر في أكثر من بلد عربي تاركاً العدو البعيد، ومنشغلاً بالعدو القريب، بمعنى العودة إلى فكرة الجهاد العسكري ضد أنظمة معينة، بهدف إسقاطها وإقامة دولة الشريعة بحسب ما يفهمها أهل هذا التيار.
مخيم اليرموك الآن يدفع الثمن من حساب سوريا ومن حساب فلسطين إن كانت فلسطين ما تزال في حساب أحد!!