الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مدينة القامشلي؟

مدينة القامشلي؟

27.04.2014
د. خالص جلبي


الشرق السعودية
السبت 26/4/2014
(القامشلي) مدينة وادعة تقع في أقصى الزاوية الشمالية الشرقية لسوريا. مستندة بخاصرتها إلى الحدود التركية في مواجهة مدينة نصيبين التركية التاريخية. وأهلها من عائلة واحدة بالأصل ولكن حيل بينهم بحبل من السياسة غليظ. والبلدة تشبه بابل القديمة. فيها ستة أديان وثماني لغات، بمن فيهم من يعبد الشيطان في جبل سنجار الممتد بين العراق وسوريا. وهم يسمونه طاووس الذي يحكم الأرض لمدة عشرة آلاف سنة. ويتحاشون ذكر أي كلمة فيها حروف كلمة الشيطان مثل شاط وخاط وطشت. وكان في المدينة حي كامل لليهود، وقد هربت غالبيتهم العظمى إلى إسرائيل كما روت يهودية كندية اشتغلت على الموضوع أكثر من عشرين سنة. ونشرت ذلك في جريدة مونتريال الكندية.
وإذا مررت بهذه المدينة الصغيرة تناهى إلى سمعك الناس وهم يرطنون بلغات شتى في عشرات اللهجات بين أرمينية وسريانية وآشورية وكلدانية وعربية وتركية وكردية. وفيها فرق مسيحية منقرضة. ولم أكن أعلم أن (الكلدان) هم الطائفة النسطورية التي تقول بالطبيعة الواحدة للمسيح حتى قرأت ذلك عند المؤرخ البريطاني (توينبي).
وهذه التعددية جيدة إذا خلقت فضول التعرف على الغريب والجديد في جو التسامح. ولكن معظمها شرانق مغلقة على نفسها تتعامل مع القواقع الإثنية الأخرى ببضاعة من الريبة والحذر. ولكل طائفة كنيسة ومدرسة وفرقة موسيقية. ومن ولد فيها التصق بسلاسل فلا يستطيع أن ينقل قيد نفوسه إلى أي مكان آخر.
والمنطقة فيها البترول وخيرات حسان ولكن آخر من ينتفع بالبترول هم أهلها، ومن تكلم في الموضوع ضاع وهلك. وعندما زرتها بعد غياب 17 سنة تراجعت البنية التحتية أكثر، وخيل لي أنه لا يوجد فيها بلدية. أما مكان الطفولة الذي كنت أدرس فيه وأتجول فقد تحول إلى مدينة مخابرات أمنية كاملة. فلم يكن أمامي إلا أن ألم حسراتي وزفراتي في جو من ضباب الذكريات. ومن سافر من حلب شرقا باتجاه القامشلي خيل إليه أنه خرج من سوريا، حيث يمر على قرى كثيرة دون شجرة. ويتعجب المرء حينما يتذكر أن (هارون الرشيد) كان مصيفه مدينة الرقة. والطريق بين بغداد والرقة الآن حر قاتل وغبار خانق. والمشكلة الكردية فيها هي واحدة من عشرات المشكلات. وعندما ينحط الجسم باتجاه الشيخوخة فتضعف المناعة وتنهار الحضارة تبرز المشكلات تترى يأخذ بعضها برقاب بعض. ويشبه الجسم العربي اليوم مريض العناية المركزة الذي تعرض للنزف فدخل مرحلة القصور الكلوي وفشل عديد من الأعضاء النبيلة. والمشكلات أكبر من كل عقل وأعظم من كل تطويق أمني.
ويجب ألا يستخف السياسيون بسكوت الجماهير الطويل وتحمل الظلم. ويعتبر الوردي أن وعي الثورة هو الذي يفجر الثورة أكثر من الظلم، ولكن حينما يتشكل الوعي لا يتفطن له الطغاة ويمضون سادرين في غيهم حتى يفاجئهم الزلزال، فيقولون هل إلى مرد من سبيل. والشرارة التي أحرقت عرش تشاوسسكو جاءت من قس مغمور في مدينة (تيمي شوارا). ومعظم النار من مستصغر الشرر. والبعوضة تدمي مقلة الأسد. والفيروس ضعيف جدا ولكن فيروس الأنفلونزا الإسبانية قضى عام 1918 م على 25 مليون نسمة. ورصاصة من متعصب هندوسي أنهت حياة داعية السلام غاندي.