الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مذابح سوريا... ومسؤولية نظام الأسد

مذابح سوريا... ومسؤولية نظام الأسد

30.07.2013
ويليام هاريس

الاتحاد
الثلاثاء 30-7-2013
في أواخر يونيو الماضي، أثناء مراقبتي لعمليات توزيع المساعدات على اللاجئين، زرتُ مخيم عزاز للنازحين على الجانب السوري من الحدود السورية- التركية. كانت صفوف الخيام التي تلفحها أشعة الشمس مصطفة في العراء. وفي حرارة تصل إلى 40 درجة مئوية في الظل، أصبح الحظ والتوفيق في الحياة يُختزل في ما إن كانت خيمة المرء منصوبة في ظل مبنى مستودع قديم.
هنا، ينتظر الآلاف من السوريين بفارغ الصبر فرصة قد تأتي أو لا تأتي لدخول تركيا. حجم الموت والفرار والدمار في سوريا، التي يمثل فيها هؤلاء اللاجئون الجزءَ الأوفر حظاً من الضحايا، ليس كارثة طبيعية، حيث يظل إجرام الرئيس السوري بشار الأسد الذي طال كل شيء وإجرام الزمرة المحيطة به هو الواقع المركزي للتطور في سوريا منذ مارس 2011. غير أن هذه الحقيقة حُجبت للأسف، بل غيِّبت، من قبل النزعة «ما بعد الحداثية» في الغرب إلى المساواة بين أطراف النزاعات والسماح بأي رواية أو نظرية مؤامرة تصب في مصلحته الشخصية. وبذلك، يستطيع الغرب الانسحاب ونفض يديه مما أضحى جريمة القرن الحادي والعشرين.
والواقع أن لإجرام النظام السوري ومسؤوليته أبعاداً متعددة، ولكن ثلاثة منها بشكل خاص يمكن أن تفيد في التوضيح. فأولاً، هناك تصميم النظام في البداية على الرد على الاحتجاجات السلمية بالرعب والتعذيب والقتل الجماعي. وهذا الرئيس الروسي بوتين نفسه هو الذي قال في يونيو الماضي: «إن الذي يحدث حالياً ما كان له أن يحدث « لو أن الأسد لم يرفض إصلاحات حقيقية».
ثانياً، بعد أن لم يُترك للمعارضة أي خيار غير المقاومة المسلحة، صعّد النظام من عنفه من خلال استعماله لكل أنواع الأسلحة الثقيلة، وعلى مدى أشهر، ضد مدنيين عزل في الغالب الأعم، وسجل الاستعمال العشوائي لصواريخ باليستية طويلة المدى من قبل الحكومة ضد شعبها سابقةً في التاريخ. ونتيجة لذلك، تجمع المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان على ارتكاب النظام لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بشكل مستمر. وإذا كانت جرائم الجهاديين وآخرين – وهي فظيعة وشنيعة في كثير من الأحيان – لا يمكن تبريرها تحت أي عذر، فإن جرائم حرب المعارضة تُرتكب على نطاق أصغر بكثير.
ثالثاً، أجج النظام نيران الحركات السُنية المتطرفة. ومما لا شك فيه أن المشاعر الجهادية كانت موجودة منذ مدة، ونظام الأسد لعب دوره قبل عام 2011 في استغلالها والتلاعب بها ليكدر لبنان والعراق المجاورتين. غير أن تصاعدها يرتبط في المقام الأول بالهجمات العسكرية التي شنها النظام في عامي 2012 و2013 والتي لم تترك للسوريين السنة الذين يسكنون في الضواحي والأرياف غير خيار واحد.
ويعكس حكمُ الحركات الجهادية الذي تفشى وانتشر في شمال سوريا تعنيفَ الأسد للسوريين باستعمال كل وسيلة تعسف وعنف يمكن تخيلها، وهو مستمد من «العاصفة النارية» التي أطلقها، عاصفة جذبت المتطرفين والمتعصبين الأجانب من كل حدب وصوب. غير أنه من المؤسف حقاً أن البعض في الغرب باتوا يعطون وقتاً كبيراً لرواية النظام لسوري الكاذبة بأن الأمر يتعلق بمحاربة الحركات «الجهادية».
ولكن، ماذا عن المعارضة؟ من جهة، يمكن القول إن هذه أيام عصيبة بالفعل، فالائتلاف الرسمي الذي يوجد مقره في تركيا يوجد في ما يشبه حالة سبات، و«الجهاديون» أقاموا محاكم دينية في الرقة، وحلب، وأماكن أخرى؛ وحالات التمرد والعصيان أخذت تبرز وسط انهيار البنية التحتية في المناطق التي تم تحريرها من النظام.
غير أنه عبر أرجاء سوريا، تغذي عناصر تدعمها المعارضة بالسلاح وذات قوة نارية ضعيفة وإمدادات محدودة في المدن والضواحي والقرى المحطمة، على نحو ما، مقاومةً شرسة وقوة بشرية تتم تعبئتها تفوق 100 ألف رجل - وهو أمر كان سيصبح مستحيلاً لو أنهم لم يحظوا بتعاطف الجزء الأكبر من السكان. وفي مظاهرة نُظمت بإحدى قرى محافظة إدلب مؤخراً، رُفعت لافتة معبرة جاء فيها، نقلا عن صحيفة «الشرق الأوسط» في الثالث عشر من يوليو، «إننا سنبني الدولة السورية الحرة وفق إرادتنا ولن نستوردها من تورا بورا»، شعار يعبّر عن المشاعر الشعبية ضد الإسلاميين، الذين سيختفون بسرعة في المناخ العام المتغير بعد انهيار النظام. أما في ما يخص الأسد، فإن ملايين السوريين، بمن فيهم اللاجئون، لا يغيب عن بالهم سبب محنهم وبلواهم، وما سيعنيه التحرر من نيره بالنسبة لتطلعاتهم وكرامتهم الإنسانية.
ولكن ومع مرور الوقت، أضحت المسؤولية عن التدمير المتواصل لسوريا موزعة ومتفرقة نوعاً ما. ذلك أن بعض المموِّلين الإسلاميين في بعض البلدان العربية يقومون بدعم «الجهاديين». وإيران مصممة على إنقاذ الأسد كما لو كان حاكم ولاية فارسية. وفي هذه الأثناء، يقف الغرب موقف المتفرج تاركاً أصدقاءه يعانون.
ومع ذلك، لا شيء ينبغي أن يحجب أو يغطي على الإجرام الكبير الذي يرتكبه أولئك الذين خلقوا كل هذه الفوضى ويمثلون محركاً للفظاعات التي تُرتكب بالجملة في سوريا: الأسد وجهازه الأمني.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»