الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مرحى يا جو

مرحى يا جو

05.12.2020
بيير لوي ريمون


  
القدس العربي 
الخميس 3/12/2020 
كنت على وشك كتابة أن الرئيس المنتخب جو بايدن بدأ عقدا جديدا مع الشعب الأمريكي، ثم استدركت فارتأيت أن أكتب مع العالم، ثم تملكني بعض التحفظ مرة أخرى على أساس أن تشبيه الرئيس الأمريكي بـ"سيد العالم" صورة نمطية، تكذبها طبيعة المؤسسات الأمريكية، وتكبد الخسائر في قراءة تحليلية دقيقة. 
لكن، مهما كانت العقبات وستكون كثيرة، لا يختلف اثنان على أن نسيم الارتياح هبّ على الكثير منا، وإن كنا دخلنا عالما فريدا، لا يتسم بمجرد تكاثر علامات الاستفهام العالقة بالأزمة الصحية، وإنما أيضا بتعزز نجاح الحقائق المغلوطة، أو أنصاف الحقائق أو الحقائق البديلة. 
الحقائق البديلة، تلك التي بنى عليها ترامب ومعه إدارته، حسابات تحولت إلى ضمانات أصبح تحدي بايدن الأكبر تفكيكها. وما تماطل كبيرة موظفي القضاء الانتخابي المكلفة بإعطاء ورقة المرور للإدارة الجديدة، إيميلي مورفي، سوى غيض من فيض العراقيل التي تنتظر بايدن وفريقه. أكبر هذه العراقيل، صمود الشعبوية التي لم تلغها الانتخابات الجديدة، خلافا لمعتقد شائع. فينبغي أن لا ننسى، كما أشار مراقبون هنا في فرنسا وكانوا على حق، أن ترامب كان "مرشح الصناديق" فيما كان بايدن "مرشح التصويت بالمراسلة". لقد فتح ترامب الباب أمام سوسيولوجيا انتخابية جديدة، ستستمر في صبغ التوجهات الأيديولوجية بقوة في أمريكا، بقطع النظر عن انتماء الرئيس الى الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي. إنه المد الشعبوي، وكان زاحفا، ومن دلائله البارزة انقسام الطبقة العاملة الأمريكية في التصويت، شأنها شأن المهاجرين السود المقيمين في أمريكا منذ أمد طويل، فئتان انتخابيتان وجدتا في إدارة ترامب وصفة علاجية لضائقة اقتصادية تراكمت آثارها على مرّ السنين فعثرت هذه الفئات في سياسة خلق وظائف شغل ورصد اعتمادات للعاطلين عن العمل، مبررا لخرق ميل اعتيادي إلى حزب الديمقراطيين، مبررا تعزز بالتناغم مع مقولة "القانون والنظام" الذي سوقها ترامب في مقاربته للملف الأمني، وكذلك موجات الهجرة القادمة من المكسيك. 
لانتخاب بايدن أكثر من دلالة، لكن أولاها تخالف الصورة النمطية، أو بالأحرى التأويل النمطي، فلن يغير انتخاب بايدن وجه العالم، نعم، قد يغير أسلوب ممارسة السياسة في أمريكا لكن بشروط، أولها قدرته على إعادة هيكلة التشكيلة السياسية الديمقراطية، أو ما اصطلح المراقبون الغربيون على تسميته باليسار الأمريكي. فإلى أي حد يمكن لبايدن إلغاء الانطباع داخليا، بأن فوزه فوز الولايات المرفهة أصلا، خاصة ولايات الساحل الغربي، وأن الاختراق، إن حققه، لا يعدو كونه اختراق مخزون انتخابي تقليدي، تقوى بفعل الظروف التي تقاطعت فيها طبيعة الناخب الديمقراطي البورجوازية، مع خلفية كورونا، وتصويت مكثف بالمراسلة. 
وهنا يكمن التحدي الأساسي: كيف سيقود بايدن يسارا امريكيا لم يعطه جناحه الأقصى الممثل بشخصيات أمثال بيرني ساندرز أو إليزابيث وارن، أو حديثا وحاليا ألكسندرا اوكازيو كورتس، صكا على بياض؟ وكيف ستوازن الإدارة الأمريكية الجديدة بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، ونحن نعلم أن لبايدن باعا طويلا في الشان الدولي، هو الذي أدار لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ. أكيد، نتوقع من هذه الإدارة تحولات استراتيجية تخفف من التقارب مع اليمين الإسرائيلي ناهيك من مسلسل "التطبيع" وقد تعيد ترتيب الأوراق مع دول عربية بعينها، كما نتوقع تراجع الإدارة الجديدة عن سحب قواتها من أفغانستان ومن سوريا، تلك الثوابت المنتظرة من فريق بايدن، ونعرفها. لكن ما لا نعرفه على وجه التحديد، هو مدى قدرة بايدن على إعادة ترتيب الأوراق على المستوى المحلي، فكسب ثقة الأمريكيين بخطاب شعبوي، صحبته سياسة اجتماعية، أغرت أوسع طيف، هذا كان نهج ترامب الذي نجح إلى درجة، لولا جائحة كورونا لأمكن التساؤل هل كان بإمكان الإدارة الديمقراطية أن تستلم زمام القيادة، ولكن استلمتها ورحب العالم بالخبر ورحبنا نحن أيضا.. فمرحى يا جو وثق بنا، فنحن نثق بك. 

باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي