الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مزامير نتنياهو وأهازيج الممانعة

مزامير نتنياهو وأهازيج الممانعة

25.04.2016
بول شاوول


المستقبل
الاحد 24-4-2016
يبدو أن نتنياهو استلهم لازمة النظام السوري التي "عُزفت" في عهدي "الأسدين": "حافظ الأسد من الأبد إلى الأبد" فاستطربها وانتشى بثمالتها وموسيقاها وجِناسها. وها هو على قمة هضبة الجولان المحتل يصرح بعد اجتماع حكومته هناك للمرة الأولى منذ خمسة عقود "الجولان اسرائيلي من الأبد إلى الأبد". وللإنصاف نقول إن هذه الجملة المرنانة سبق أن استخدمها الاستعمار الفرنسي ابان احتلاله البلد العربي: "جزائر فرنسية"... (من الأبد إلى الأبد).
لكن يبدو أن "الأبد" كان الفرنسي قصير العمر، هشاً سريع العطب، قد لا يتجاوز أمَدُه عقوداً أو سنوات. هذا "القاموس" الطغياني تمحى احرفه في صحائف الواقع... فلا يبقى منها حتى حبرها. وها هي الجزائر "جزائرية" "إلى الأبد" وها هم آل الأسد اقصد "النيو أسد" (بشار وماهر) بلا وقت، ولا مكان، ولا ألقاب، ولا مستقبل سوى ماضٍ محمل بالقتل والدم والقمع والتواطؤ...
السؤال: ما الذي دفع نتنياهو في هذه اللحظة الملتبسة إلى النطق بهذا الاعلان. وكأنه اعلان حرب بلا حروب. واستنفار بلا استنفار. صحيح انه استوحى من ابداع الأسدين "الأبد" لكن الجولان، حتى اشعار آخر، لا يبدو انه مهدد. فقد سبق أن هَوَّد الاسرائيليون هذه الهضبة السورية، بيُسر وامان وسلام، وتواطؤ وجُبن. التزم حافظ الأسد "الحكمة" (أي الاستسلام الاستراتيجي، وامتلأ الجولان بالمستوطنات والمشاريع العمرانية والانمائية والزراعية حتى بات من أهدأ المناطق في العالم وأكثرها أمناً وأماناً.
فالنظام السوري تولى حماية الاحتلال في "جُولانه" من كل "اعتداء" واسرائيل جعلته مستوطنة "معسكرة" مضبوطة، مصفحة، لا يخترقها عصفور إلا ليغرد، أو هِرّ إلا ليموء "سعادة" ورغداً.
وعندما اندلعت الثورة السورية المدنية ضد نظام آل الأسد وتدخلت إيران بفيلقها وسليمانها وحزبها "الإلهي" دفاعاً عن النظام لم يبدُ ان اسرائيل كانت "قلقة" من وجود إيران على حدود الجولان. فالنظام وفى "بعهوده" وايران بأحسن منه، ونتذكر تصريح السيد نصرالله المقاوم في أرض الشام "اسرائيل ليست الآن من اولوياتنا". هذا التصريح لم يفاجئ الاسرائيليين ولا نتنياهو، لأنهم كانوا على علم به، ولأن التنسيق بدأ بين إيران واسرائيل منذ اعطتها الأخيرة الضوء الأخضر للدفاع عن حليفها الأسد، الذي كان يعتبر سقوطه بالنسبة للكيان الصهيوني "كارثة على اسرائيل". وعلى هذا الأساس، اشتركت الحكومة العبرية وأوباما وإيران وبعدها روسيا، في اجهاض الثورة وتدمير سوريا، وتهجير الملايين وقتل مئات الألوف: اسرائيل تحارب الثورة السورية بأذرع "حزب الله" وبأسلحة سليماني ومن ثم بطائرات سوخوي. رائع! والمطلعون على مجريات الميدان وهم شهود أيضاً، رأوا ان حزب إيران كان يمر قرب الجولان... المحتل مرور الكرام، سوى من تحايا أو رفع علامات السلام، أو حتى النصر المبين. فالفرس يعرفون جيداً ان النظام سلّم الجولان تسليماً إلى الجيش الاسرائيلي في عام 1967 ساحباً قواته إلى المدن السورية تخوفاً من أي انقلاب ضده، أو لأسباب تتعلق بطموحات وزير الدفاع آنئذ أي حافظ الأسد... وبعد اتفاق وقف الاشتباك بين اسرائيل وسوريا عام 1974 طوّب الأسد الجولان مدينة محتلة، ومن ثم يهودية. وكان للطرفين ان نقلا بالتنسيق والتعاضد المعركة إلى أمكنة أخرى وجهات أخرى: لبنان والمقاومة الفلسطينية.... عهد جديد "غير معلن" وشراكة جديدة غير معلنة، وبنود سرية تصب في اتجاه الاعتراف بإسرائيل... بحدودها، وبجولانها!
[1975
وفي 1975 أي (سنة بعد اتفاق وقف الاشتباك)، فُجِّرت بوسطة عين الرمانة لتكون فاتحة حرب على منظمة التحرير الموجودة بقوة في لبنان ولتكون في الوقت ذاته بداية حرب "الآخرين على كل لبنان"... فالبديل من الجولان مساعدة اسرائيل النظام السوري على تصفية المقاومة الفلسطينية وانتزاعها من حدودها الشمالية. وكان هذا هدف الغزوة الشارونية للبنان عام 1982 وصولاً إلى بيروت... والردود الأسدية على العدوان الاسرائيلي كان لبنانياً، وان ترافق بزجليات معروفة "لن تستدرجنا اسرائيل إلى حرب تقررها. فنحن نحتفظ بحق الرد في الزمان والمكان"!.. الخ الخ....
هذه الزجلية البعثية دامت خمسين عاماً. وما زالت. وهنا بالذات نعود إلى السؤال السابق: ما الذي حمل نتنياهو على "شحن" حكومته إلى الجولان لتعقد اجتماعها الوزاري هناك اليوم. أي في الوقت الذي تتعرض الأمة العربية لأكبر عدوان من قبل إيران، وتخوض حروباً ضد الإرهاب، والدواعش والتطرف الديني؟
فهل "أحسّ" نتنياهو ان ثمة نية "عالمية" بإعادة فتح ملف الجولان... المحتل؟ هل أوحته عوارضه ومخيلاته ان ايران مثلاً(حليفه الاستراتيجي) قد ترتد عليه وحاول استرجاع الجولان السليب؟ هل تملكته وساوس أن الاتفاقات العربية اليوم للدفاع عن الأمة قد تمتد إلى المطالبة بالجولان (بعد رحيل الأسد)؟ هل يخشى بعد سقوط الأسد حامي الاحتلال الصهيوني في الجولان، ان تتوجه الحروب على الكيان العبري؟ هل شكك بمؤتمر اسطنبول، أو بتأليف جيش عربي مشترك أو في التقارب بين العرب وأطراف عالمية قد يُسفر عن "نية" بالمطالبة بالجولان؟ هل "توجس" من احتمال ان تستفيق "كرامة" الأسد ووطنيته وسيادته فيشن حرباً خاطفة على اسرائيل؟ (فعل المعجزات لا يزول)؟ أو هل رأى في المحاولة الفرنسية لفتح الملف الفلسطيني اشارة مقلقة ومزعجة؟
[لماذا؟
ان مختلف هذه الاحتمالات قد تكون مجرد ارهاصات نظراً إلى الوضع العربي، الراهن المحكوم بشروطه وظروفه الراهنة. إذاً، اترى استفاق نتنياهو على هذا "الشعار" الجولان اسرائيلي من الأبد إلى الأبد". ليموه تدخله الموارب في سوريا وتنسيقه مع ايران وروسيا! حتى هذا الاحتمال بعيد، لأن هذا المجرم الصهيوني لا يحتاج إلى "حُجج" في اتخاذ موافقه.
كل هذه التساؤلات لم يوضحها رئيس الحكومة الاسرائيلية ولا أي طرف عربي، أو دولي، سوى مقالات قليلة تدور في فلك تفاسير لفظية لا أكثر ولا أقل، او التماعات في بعض الأخبار غير المبرزة.
لكن. إذا كان اعلان نتنياهو لم "يثر" السجال المطلوب ولا المواقف الضرورية فإن عباقرة نظام الأسد. و"المنار" ومرتزقة الحزب، كانت لهم "ردودهم" "القاسية" والشرسة والحاسمة والسياسية. "فالمنار" الفارسية ردت تصريحات نتنياهو إلى أسباب "نفسانية" (ومعلقوها فرويديون لامعون!) وإلى أوضاعه "الحرجة" وإلى أزماته... الداخلية والخارجية. ولم تنسَ "المنار" ولا "ظلامها" ترداد لازمتها "الأبدية" انها ارعبت نتنياهو انتصارات المقاومة في سوريا (!) والعراق (!) واليمن (!) وفلسطين (!) وخلاياها التجسسية في الكويت والامارات فضلاً عن "عزها" في لبنان. قد يكون كل ذلك جعل نتنياهو يعبر عن اعلانه الجولاني (فالحزب الذي عقد اتفاقاً (إيرانياً) مع العدو في الجنوب يشبه اتفاق فض الاشتباك الأسدي عام 1974) بتخوفه من ارتداد الحزب عليه. فتصريح نتنياهو تعبير عن "رعب" من عودة أبطال "الممانعة" لمواجهة اسرائيل.. بمعنى آخر ردت "منار فارس" على نتنياهو (وإن من باب رفع العتب)، بلكنة انتصارية" لتذكر الناس والأهالي المفجوعين بأبنائهم الذين ساقهم الحزب ليموتوا كرمى لخامنئي بأن المقاومة ما زالت ترهب العدو!
اما اعلان "ممانعة" الأسد فقد شرفنا بنضاله وأتحفنا بأهازيجه المسبوقة والمعروفة "لا يستدرجنا نتنياهو إلى حرب يقررها، بل نحن نحتفظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين". رائع! هذا ما سمعناه في 1967 وفي 1973 وعلى امتداد أكثر من نصف قرن. لا بأس. فالتكرار أحياناً تأكيد على المواقف المبدئية والثوابت الوطنية وعلى الايمان بها، حتى الشهادة "بالروح بالدم نفديك يا حافظ ويا بشار"!
[رُعب نتنياهو
ونظن أيضاً ان نتنياهو ذُهل بالخبرة الميدانية التي اكتسبها حزب الله في قتله السوريين والعراقيين واللبنانيين واليمنيين، فدب الرعب في عوارضه وعواضده وضرب كفاً بكف وقال: "راحت علينا". انه الحزب المتمرس بحروب العصابات الطويلة والقصيرة فما سيكون مصيرنا إذا عاد من بلاد العرب وقصدنا ليُحرر الجولان وحتى كل فلسطين! إذاً فلنرعبه و"نتعشاه قبل ان يتغدانا". ونقول له لا! لا! اسرائيل ابدية في فلسطين وفي الجولان ومزارع شبعا.. له له!
والتصاريح التي بثها التلفزيون السوري كانت عالية النبرة ايضاً قال فيها بعضهم "نحن نتهيأ اليوم للعدو وعندما ننتصر على الشعب السوري ونهجر ما تبقى منه، وندمر المدن التي لم تدمر بعد ونهزم المعارضة والارهابيين والخونة ستكون فلسطين كلها محجنا وليس الجولان فقط. لكن نحن سنقرر زمان ومكان الحرب. رائع! اذا عادت فلسطين إلى الاعلام السوري و"حزب الله" بعدما طويت صفحتها وغابت عن وسائلهم ووسائطهم الاعلامية حتى "ذكر" اسرائيل على الرغم من كل ما ترتكبه من مجازر بحق الفلسطينيين وما تبنيه من مستوطنات. فلسطين عادت إلى قلوب "الخامنئيين" من الأرض السورية لا اللبنانية هذه المرة. (فمزارع شبعا هادئة هدوء جبهة الجولان!) لكن حتى الاهتمام اللفظي والمحدود بمسألة فلسطين واسرائيل لم يُغيِّب طغيان ألسِنة الممانعة ضد العرب والخليج ولا سيما السعودية. بل ان الحملات المنظمة التي يشنها عملاء الفرس على المملكة لا تقاس باهتمامهم المفاجئ بإسرائيل. فهذه الأخيرة صارت خارج "استراتيجيتهم" إلا لماماً في المناسبات لتغطية عدوانهم على البلدان العربية. العرب اليوم هم اسرائيليو زمن "المقاومة" السابقة. بل صار التطرق حتى إلى اسرائيل استثنائياً من باب تذكير "جمهورهم" أو من باب رفع العتب والتصويب على السعودية والعرب بات خبز اعلامهم اليومي والهاجس الذي يتملكهم!
فإسرائيل "الارهابية" لم تعد "ارهابية" ولم يعد رموز كيانها ارهابيين. انتقل الارهاب إلى أكثرية المسلمين السنة والعرب. فهناك الوباء. هذا ما يبرهنه باستمرار الاعلام الفارسي في لبنان وفي منابره. والعدو الأساسي لم يعد محتل فلسطين بل العرب كأرومة والمسلمون كأكثرية. فهنا الخطر المُحدق. وهنا مرمى "المقاومين" الذين ينتمون إلى أكبر نظام ارهابي في العالم وأكبر بؤرة ارهابية عرفتها المنطقة.
[شعارات الماضي
إذاً، ربما قد يكون هؤلاء فوجئوا بتصريحات نتنياهو أو أُحرجوا ان انجرحت عزتهم: "ما بال هذا الرجل يؤكد ما سبق أن اكدناه نحن منذ قيام الثورة الخمينية ومنذ اتفاق وقف الاشتباك بين الداهية حافظ الأسد... وبني صهيون. وليس علينا ان نرد عليه سوى بشعارات الماضي التي ظاهرها "مقاوم" وباطنها "استسلام وقبول". بل كأنهم عرفوا ان خطاب نتنياهو غير موجه إليهم اصلاً ولا إلى نظام الأسد بل إلى العالم العربي بإطلالته الوحدوية الجديدة وإلى كل الذين ما زالوا يحلمون بتحرير فلسطين والجولان. وهؤلاء الحالمون لا ينتمون لا إلى "حزب الله" ولا إلى بعث آل الأسد... انهم الأكثرية التي يعبر قليلها عن مواقفه ويلتزم كثيرها الصمت.
هؤلاء هم الخمائر. ولا أقصد ان هؤلاء يخيفون نتنياهو. لا! بل اتساءل: لماذا ذكَّر نتنياهو النظام السوري وإيران ثم روسيا بأن "الجولان اسرائيلي"! والغريب ان يكون نتنياهو من القلائل الذين "ذكروا" الهضبة السورية المحتلة. فقد غابت عن شعارات حزب سليماني وبشار وشقيقه ماهر سنوات.... كما عن والدهما. والغريب ان نتنياهو كرر لازمته امام بوتين بلغة "حزب الله" في نهر البارد "الجولان خط أحمر" هل يعني أصلاً ان كلام رئيس حكومة العدو موجه إلى روسيا دون سواها؟ ام انه وجه الرسالة إلى روسيا لتصل أبعد منه؟ أو إلى أوروبا؟
لكن إلى أين؟ أوباما "انتفض مرة على بوتين" وندم ولزم الصمت الذهبي ازاء كل انتهاكات اسرائيل. إلى العرب المشغولين برد العدوان الإيراني؟ إلى أوروبا العاجزة؟ إلى المرشحين للرئاسة الأميركية، والذين لم نسمع منهم في حملاتهم سوى دعم اسرائيل ومستوطناتها واعتبار المقاومين الفلسطينيين ارهابيين؟ فعلى من تتلو مزاميرك يا نتنياهو!