الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مسؤولية الحماية في سوريا

مسؤولية الحماية في سوريا

11.09.2013
مايكل أبراموفيتز



الاتحاد
10/9//2013
أصبحت أطروحات السياسة الخارجية الأميركية أشبه بإنسان روبوتي يخوض حرب النجوم. وهذا التشبيه الذي أطلقه القائد الأعلى السابق لحلف «الناتو» الأدميرال «جيمس ستافريديس» يمكن أن يقدم فكرة عن الأساس الذي ستُبنى عليه الضربة العسكرية ضد سوريا.
وتمثل «مسؤولية الحماية» Responsibility To Protect - المعروفة في أوساط المشتغلين بالعلاقات الدولية بالصيغة الإنجليزية المختصرة R2P- مفهوماً عسير التفسير غالباً ما ينطوي على الغموض، وهو ينص على ما يلي: «على الدول أن تحمي مواطنيها من أعمال الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي، ويتوجب عليها أن تقوم بالأفعال اللازمة لمساعدة الدول الأخرى التي لا تستطيع حكوماتها أو لا تريد حماية شعوبها».
ومن العسير أن نتصوّر كيف يمكن لمفهوم «مسؤولية الحماية» ألا ينطبق على الحالة السورية، حيث لقي أكثر من 100 ألف شخص حتفهم ونزح أكثر من 5 ملايين عن بيوتهم ولجأ أكثر من مليونين آخرين إلى دول الجوار، وتم ارتكاب العديد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية وفقاً لتقارير مستقلة صادرة عن مراقبي جمعيات حقوق الإنسان والأمم المتحدة. وقد أشارت دراسة صادرة عن مؤسسة أميركية متخصصة بقضايا التطهير العرقي رلى أن العنف المرافق للإبادة الجماعية ضد المسيحيين والسُّـنة والعلويين وبقية المجموعات الإثنية والدينية يمكن أن يقع لو تصاعد أكثر حدّة النزاع في سوريا.
وكان هناك إنسان لم يكن في وسعه التهرّب من مسؤولية حماية السوريين: إنه أوباما. وعندما شرع في الإعداد للضربات الجوية، أكد على ضرورة التقيد بمنع استخدام وإنتاج الأسلحة الكيماوية على المستوى العالمي. وقال في مؤتمر صحفي نظم على هامش قمة العشرين في سان بطرسبورغ: «عندما يكون هناك خرق فاضح للمعايير ويبقى المجتمع الدولي عاجزاً وممتنعاً عن القيام بأي عمل، فإن هذا الخرق يبدأ في الخروج عن السيطرة».
ولابد من التذكير بأن حظر الأسلحة الكيماوية لا يمثل المعيار الدولي الوحيد الذي تم خرقه في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا. وعلى رغم أن حكومة الولايات المتحدة تكفلت بتحمل مسؤولية الحماية -من خلال استراتيجية الأمن الوطني لعام 2010- إلا أن المسؤولين الأميركيين بدوا وكأنهم غير متحمسين للتعامل مع الممارسات الوحشية والقتل الجماعي. وفيما تصاعدت حدة الصراع في سوريا من حيث المدى الجغرافي والقوة، فإن أوباما ومساعديه تجنبوا اللجوء إلى مبدأ «مسؤولية الحماية» لحثّ المجتمع الدولي على مساعدة المدنيين.
ولا شك أن مبدأ «مسؤولية الحماية» لا يمثل الأداة الوحيدة لمعالجة التطهير العرقي وبقية جرائم الإبادة الوحشية. ذلك لأن المسؤولين يقولون إن سياستهم تتركز على العمل الهجومي الرادع من أجل وقف مثل هذه الجرائم حتى لو لم يقع هذا العمل تحت مظلة مبدأ «مسؤولية الحماية».
ويؤكد مبدأ «مسؤولية الحماية» الذي تم توقيعه عام 2005 من طرف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (ومن بينها سوريا) على هامش قمة رؤساء دول العالم التي نظمت في نيويورك، على تحميل مسؤولية حماية المدنيين للحكومات ذاتها. فإذا فشلت في حماية مواطنيها، أو إذا عمدت هي ذاتها إلى استهدافهم، فإن على المجتمع الدولي أن يتحرك. وحتى لو تحقق هذا الشرط، فإن من المفترض أن يمثل العمل العسكري الحل الأخير، وألا يتم هذا العمل إلا بموافقة مجلس الأمن.
وتتداول الشعوب والدول انتقادات منطقية لمبدأ «مسؤولية الحماية». فهو لا يكون فعالاً أمام العقبات التي تعترضه في مجلس الأمن، والتي تعيق اتخاذ الإجراءات الصارمة في حق الدول التي تمارس الاعتداءات الوحشية. ويشتكي العديد من الدول النامية من أن هذا المبدأ أصبح يشكل غطاء لتغيير الأنظمة السياسية تلجأ إليه الدول الغربية مثلما حدث في ليبيا.
وعلى رغم كل ذلك، فقد كان مبدأ «مسؤولية الحماية» يمثل الإطار الفعّال لتشجيع العمل السياسي وتفعيل جهود إحلال السلام في العديد من دول العالم التي كانت تمارس العنف الوحشي ضد المدنيين.
وقد لا يحظى مبدأ «مسؤولية الحماية» بالشعبية، وقد يكون غير معروف لدى عامة الناس، إلا أنه يمثل في منظور معظم دول العالم الطريقة المفضلة لتأمين الغطاء القانوني اللازم للتصدي لعمليات الإبادة الوحشية. وحتى الصين وروسيا أيدتاه في الحالة الليبية تحت مسمى «مسؤولية الحماية». وفي الحالات الأكثر انطواء على القسوة والتطرف، كالحالة السورية، وحيث يكون من المتأخر العمل بإجراءات التدخل أو السعي لوضع الحلول السياسية موضع التطبيق، يفشل مبدأ «مسؤولية الحماية» في منع الاستقطاب وتعارض الآراء فيما يتعلق بالتدخل العسكري.
وقد أطلقت حكومة الولايات المتحدة مبادرات تهدف إلى تطوير قدراتها الذاتية على تنفيذ مبدأ «مسؤولية الحماية». كما استكملت وكالات الاستخبارات مؤخراً ما يسمى «التصورات الاستخبارية الوطنية»، وهي الأولى من نوعها وتتعلق بتحديد مفهوم الأعمال الوحشية، وتتألف من مجموعة ملفات من المنتظر أن تحظَى باهتمام السياسيين في بلدان كثيرة معرضة لجرائم التطهير العرقي أو الجرائم ضد الإنسانية. وقد أعدّ «البنتاجون» شرحاً مفصلاً حول طريقة التصدي لأعمال الإبادة الوحشية، وهي تطبق الآن بشكل روتيني في القيادة العسكرية للولايات المتحدة في أفريقيا في إطار «مهمات التدخل لمنع المذابح»، إلا أنها بدت عقيمة في مجال وقف العنف في السودان والكونغو وبما يوحي بالحاجة إلى أدوات جديدة للتدخل غير العسكري مثل نظام جديد للعقوبات الدولية يستهدف مرتكبي الجرائم، ويمكنه أن يقلل الحاجة للعمل العسكري.
وعند التعمق في صلب مفهوم مبدأ «مسؤولية الحماية» يتبيّن لنا أن أفضل عمل لوقف المذابح الجماعية هو التدخل العسكري. ولو أن العالم نظر إلى سوريا قبل عامين باعتبارها مشكلة تندرج ضمن مبدأ «مسؤولية الحماية»، حيث كان عدد قليل فحسب من المتظاهرين قد قتلوا على أيدي زمرة نظام الأسد، لكنا حضّرنا لمساعدات مالية أكبر ولأدوات قانونية ودبلوماسية أكثر فعالية مما نملك الآن لوقف المذابح. وهذه المعارضة للتورط في المزيد من الحملات العسكرية الخارجية التي يبديها الأميركيون، التي يمكننا أن نتفهمها، تجعل من الضروري العمل على إخضاع مثل هذه الأدوات للمزيد من عمليات التطوير. ولعل أفضل فرصة يمكننا أن نقدمها للعالم في مجال التصدي لجرائم التطهير العرقي وبقية أشكال الإبادة الجماعية تكمن في محاولة العمل على منعها بحزم منذ لحظة البدء.
محلل متخصص بقضايا الإبادة الجماعية والتطهير العرقي
ينشر بترتيب مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»