الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مسارات النظام قبيل جنيف ـ2ـ

مسارات النظام قبيل جنيف ـ2ـ

27.11.2013
فايز سارة


المستقبل
الثلاثاء 26-11-2013
ما يقوم به نظام الأسد في سوريا اليوم له دلالات، خصوصاً إذا نظرنا له من زاوية العلاقة بمؤتمر جنيف2 الذي تسعى القوى الدولية من أجل انعقاده بهدف المضي على طريق الحل السياسي للقضية السورية، وتبذل من أجله جهوداً كثيرة، وإن كانت متفاوتة طبقاً لهذا الطرف الدولي أو ذاك، فإنها من أكثر وأكبر الجهود السياسية التي بذلت في التعامل مع القضية منذ انطلاق ثورة السوريين في آذار من العام 2011.
ورغم أن انعقاد جنيف2، ليس مؤكداً، فإن النظام يتعامل معه باعتباره احتمالاً ممكناً في واحد من سيناريوات محتملة، الأهم فيها أن يحوله مع داعميه الروس مؤتمراً ينتج حلاً لصالحه، أو يعطيه مزيداً من الفرصة والوقت للمضي الى الأبعد في حله العسكري- الأمني الذي اختاره منذ البداية، وما زال مصراً عليه على نحو ما تعامل مع كل مبادرات المعالجة السياسية للقضية السورية، أو فرصة لتحميل المعارضة فرصة فشل الحل سياسي، وإثبات نظريته عن بؤس المعارضة، وفشلها في التصدي لمسائل مصيرية في القضية السورية.
وأياً يكن الاحتمال في عقد جنيف2، فإن نظام الأسد، رسم مسارات أساسية في التعامل معه، لعل الأبرز فيها ثلاثة، أولها مسار سياسي، والثاني مسار عسكري، والثالث مسار أمني، تتناغم جميعها في إطار خطة، تتوافق مع استراتيجية النظام القائمة أصلاً على إفشال الثورة واستعادة السيطرة على سوريا والسوريين، ثم القيام بخطوات هدفها إعادة تأهيل وتسويق النظام في المستويين الداخلي والخارجي، وهو هدف يسعى النظام لتأكيده وتسويقه في المستويين السياسي والإعلامي لتأكيده.
إن الأهم في المسار السياسي من خطوات النظام، هو تأكيده المضي في الحرب ضد "المتطرفين" و"الإرهابيين" وتأكيد قيامه بمهمة تتوافق مع الخطة الدولية في الحرب على الإرهاب، وهو منحى لا يعارضه أحد في العالم، بل هو أمر مطلوب من المجتمع الدولي. ورغم أن من المعروف، أن التشكيلات المسلحة في سوريا، لا تنتمي الى بنية أيديولوجية وسياسية واحدة، وأن غالبها يعود الى تشكيلات تتبع الجيش الحر الذي تأسس على قاعدة رفض النظام وردعه عن قتل المدنيين وتدمير مدنهم وقراهم والسعي الى إسقاط النظام، والانتقال الى نظام ديموقراطي، يوفر الحرية والعدالة والمساواة للسوريين، مقابل قلة من تشكيلات مسلحة متطرفة أبرز جماعات الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" وجبهة النصرة المرتبطتين بالقاعدة الساعية الى إقامة "دولة إسلامية" متشددة، لكن النظام يصر على جمعهما في إطار واحد باعتبارهما "متطرفين" و"إرهابيين"، ويطبق سياستين مختلفتين بالتعامل معهما. إذ يسعى الى تدمير قوات الجيش الحر، ويسكت عن وجود ومقرات قوات المتطرفين، ويوفر لها فرص نمو، ويقدم لها دعماً عسكرياً على نحو ما تشير تقارير كثيرة بشأن تفاصيل علاقات "داعش" وقيادات مع جهات وشخصيات سورية ومن دول الإقليم، ترتبط مع نظام الأسد، ليقوم هؤلاء بدور النظام في الحرب ضد تشكيلات الجيش الحر، وهذا ما يحصل بالفعل.
والخط الثاني في المسار السياسي للنظام، يجسده شكل التعامل مع الجهود الدولية الهادفة الى عقد جنيف2 لمعالجة القضية السورية، حيث أعلن في هذا المجال استعداده الذهاب الى جنيف2 من دون شروط، بهدف تحقيق كسب سياسي في مسايرة المجتمع الدولي كذباً، والاستفادة من عامل الوقت لتحسين شروط النظام، وخلق وقائع على الأرض تخدم استراتيجيته في إفشال الثورة، واستعادة السيطرة على الواقع مجدداً وإعادة تاهيل نفسه مستفيداً من ضعف المعارضة ومن التراخي والتخاذل الدوليين الواضحين.
وخطوات النظام في المسار العسكري، تكمل مساره السياسي. إذ هو يشدد حصاره الدموي على المناطق المحاصرة في ريف دمشق وأحيائها الجنوبية وأحياء حمص القديمة وريفها ومناطق أخرى، مشيعاً القتل والدمار، بالتزامن مع عمليات عسكرية واسعة في أنحاء سوريا أخرى ولا سيما في القلمون، وسط تهديدات ببدء عمليات مماثلة في درعا والمنطقة الجنوبية فور إنهاء معارك القلمون، يساعده في ذلك دعم عسكري مباشر من خبرات وقدرات وقوات إيرانية إضافة الى ميليشيات حزب الله وأخرى عراقية ويمنية طائفية، من دون أن يتوقف عن شن هجمات بالمدفعية والطائرات على المناطق البعيدة والخارجية عن سيطرته.
وإذا كان الهدف الأساسي للعمليات العسكرية في سياق استراتيجية النظام هو إعادة السيطرة على الأرض، فإن الاهداف الأخرى للعمليات، لا تقل أهمية عن سابقتها، ومنها تدمير الحواضن الاجتماعية للثورة والمعارضة نتيجة القتل والتدمير والتهجير في المستويين الداخلي والخارجي، الأمر الذي يرفع عدد المهجرين من مناطقهم الى أرقام خيالية، وقد ظهرت تقديرات دولية، تؤكد أن أكثر من أربعة ملايين ونصف مليون سوري، سوف يلجأون الى دول الجوار في خلال العام 2014، إن لم تتوقف حرب النظام ضد الشعب، واستمر الصراع في سوريا.
وتبدو خطوات النظام في المسار الأمني متناغمة مع مجريات وأهداف المسارين السياسي والعسكري. فالضغوط الأمنية مستمرة في كل المناطق السورية ولا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، والأبرز فيها استمرار ملاحقة وتصفية المعارضين من الجماعات والأفراد بمن فيها ذوي النشاطات السلمية، وبهذا يزداد عدد القتلى والمعتقلين والمهجرين من تلك المناطق، وشملت الحملات شخصيات قيادية في هيئة التنسيق الوطني التي تظهر كثير من المرونة السياسية في التعامل مع النظام وأطروحاته في مواجهة ما يسمونه "العنف".
ويتضمن المسار الأمني للنظام، تصعيداً في النشاط الدعوي ضد قوى وشخصيات المعارضة في داخل البلاد وفي الخارج، وكذلك أوساط الرأي العام الدولي، وقد أعاد النظام بناء وتنظيم آلة أمنية وإعلامية كبيرة بالاستعانة بالخبرات الروسية والإيرانية خصوصاً، وبالتنسيق معهما، ونشرها في داخل البلاد وفي الخارج وبخاصة في التشكيلات العسكرية وفي أوساط اللاجئين السوريين في بلدان الجوار، وقد كشفت التشكيلات العسكرية في الداخل، والأجهزة الأمنية في كل من تركيا والأردن عشرات حالات الخرق والنشاط الأمني لأجهزة النظام في البلدين، ونُشرت عشرات التقارير حول ذلك في وسائل الإعلام.
خلاصة القول، إن النظام يسعى وفي احتمال انعقاد جنيف2 الى استفادة قصوى من الجهد الدولي لفتح بوابة حل سياسي للقضية السورية وتحويله الى صالحه بكل الوسائل والأساليب، الأمر الذي يفرض على المعارضة بالدرجة الأولى وعلى المجتمع الدولي الراغب في معالجة القضية السورية وايجاد حل سياسي لها، ليس فقط محاصرة سياسات النظام وإفشالها فقط، إنما وضع خطط مضادة والعمل عليها بصورة جدية من أجل جعل جنيف2 بوابة لحل سياسي، يضع السوريين على سكة تغيير النظام بصورة جوهرية وانتقال السلطة في سوريا نحو نظام ديموقراطي من خلال مرحلة انتقالية في جدول زمني وبالاستناد الى ضمانات تنفيذ دولية جادة وحازمة.