الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مساعدات داريا بعد سنوات الحصار!

مساعدات داريا بعد سنوات الحصار!

06.06.2016
فايز سارة


الشرق الاوسط
الاحد 5-6-2016
يمتد حصار مدينة داريا في غوطة دمشق الغربية لنحو أربع سنوات مضت، وطوال تلك السنوات، لم يتح لأهل داريا والمقيمين فيها الحصول على ربطة خبز واحدة، أو علبة حليب لواحد من أطفالها، ولا حبة دواء لواحد من مرضاها. ومنع الحصار أهل المدينة الاستفادة من الخدمات العامة، التي كانت تصل إلى المدينة بصورة طبيعية قبل الحصار، فتم قطع إمدادات الكهرباء والماء والهاتف الأرضي، إضافة إلى شبكة الهاتف المحمول، وتركت المدينة لمصيرها بعد أن هاجر القسم الأكبر من سكانها، ولم يبقَ منهم سوى نحو عشرة آلاف نسمة، يعتمدون على الموارد المحدودة للمدينة، بما فيها من آبار شحيحة، وأراضٍ محدودة المساحة، لكن ببشر يتمتعون بقدرات عالية، حاولوا تنظيم حياتهم بطريقة منظمة ومضبوطة على وقع ظروف الحصار، وما يحيط به من حيثيات وتفاصيل.
كانت أوضاع داريا، يمكن أن تكون أقل مأساوية، لو أن القضية مجرد حصار. غير أن الأمر كان أكثر من ذلك بكثير. فالحصار كان خطوة أولى لإخضاع المدينة، والخطوة الثانية الأهم والأخطر كانت الحرب اليومية المتواصلة، التي تنوعت وتشاركت فيها كل أساليب القتل والدمار وأولها مراصد القناصات، التي تطلق رصاصها على كل ما يتحرك في المدينة المحاصرة، ثانيها هجمات من جنود النظام وميليشياته، والثالث هجمات بالمدفعية والدبابات، تتم وفق تقديرات قادة القوات التي تحاصر داريا، والأسلوب الرابع والأخطر، كان قصف المدينة بالبراميل الذي تحول إلى حدث شبه يومي، والهدف الرئيسي للحرب كان تدمير المدينة بمن فيها من أناس، وزعوا المياه والورود على جنود النظام في أول الثورة وسط إصرارهم على الاستمرار بها سلمية من أجل الحرية والكرامة والتغيير باتجاه نظام ديمقراطي، يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين.
لم يكن ذلك هو السبب الوحيد في غضبة النظام على داريا ومن تسلح من سكانها في إطار ظاهرة الجيش الحر للدفاع عن أنفسهم وأهلهم في وجه الحل الأمني - العسكري الذي أصر عليه نظام الأسد، وكانت مجزرة النظام في داريا التي تمت في أغسطس (آب) 2012، وقتل فيها 300 من سكانها أحد الأمثلة. بل إضافة لما سبق، فإن داريا تقع بالقرب من مطار المزة العسكري، حيث القاعدة الرئيسية لطيران النظام من مقاتلات السوخوي والميغ والحوامات، التي تشن هجمات البراميل والصواريخ في ريف دمشق والقنيطرة وصولاً إلى درعا، وفي مطار المزة العسكري، يوجد فرع التحقيق التابع لمخابرات القوى الجوية والموصوف بأحد أقذر فروع مخابرات النظام، كما أن موقع داريا بالقرب من معسكرات الفرقة الرابعة لقوات الأسد، وقربها من معضمية الشام المجاورة، التي تتحكم في الطريق إلى الجولان، كانت بين أسباب الحرب الشرسة على المدينة في السنوات الماضية.
وسط ظروف الحرب، عاشت المدينة سنواتها الأربع الماضية بإشراف ومتابعة مباشرة من مجلس محلي منتخب، يتابع كل تفاصيل حياة السكان واحتياجاتهم، قسم من سكانها يحملون السلاح للدفاع عنها في إطار جماعة مسلحة موحدة ومنظمة وتحت المساءلة، وقسم آخر يبذل أقصى جهوده من أجل توفير ما أمكن من غذاء ومياه، فيما يوفر آخرون من أبناء المدينة ما أمكن من خدمات الصحة وتعليم الأطفال والاتصالات والإعلام وسط ظروف بالغة القسوة، وحياة تقارب الأسطورة، تتم أكثر أوقاتها في ملاجئ، جرى بناؤها تحت القصف المتواصل.
داريا، التي أثبتت حضورها وصمودها في مواجهة حرب النظام، كانت في بداية الثورة - وقبلها أيضًا - نموذجًا مبكرًا للنضال السلمي وللأخوة السوريين وعيشهم المشترك. وغياث مطر المناضل السلمي الذي قتلته المخابرات الجوية تحت التعذيب مجرد مثال لمئات من شباب داريا السلميين الذين أكدوا وحدة المسلمين والمسيحيين فيها منذ هتافات الحرية الأولى، التي أطلقتها المدينة في مقدمة مدن الريف الدمشقي في الخامس والعشرين من مارس (آذار) 2011.
ولأن لداريا هذه الحالة، فقد كانت بين أول المناطق المحاصرة، التي تمت المطالبة بإدخال المساعدات الغذائية والطبية إليها، لكن النظام رفض بكل إصرار بدعوى أن كل الموجودين فيها من المسلحين، ومنع دخول القافلة الأولى التي وجهتها الأمم المتحدة قبل أشهر من دخول المدينة، وسكت المجتمع الدولي عن هذه الجريمة، التي تكرس جريمة حرب مستمرة أساسها حصار المدنيين في داريا، وسط آمال في أن تؤدي الضغوط الدولية من جانب الأمم المتحدة والدول الكبرى إلى إجبار النظام على تمرير المساعدات للمدينة في وقت لاحق، خاصة بعد أن زار وفد من الأمم المتحدة المدينة المحاصرة، واجتمع إلى سكانها ودقق في احتياجاتهم الغذائية والطبية على نحو خاص، ممهدًا بذلك لإدخال المساعدات للمدينة، طبقًا لوعود الأمم المتحدة.
قافلة مساعدات داريا، التي دخلت المدينة قبل أيام، كانت من خمس سيارات فقط، لكن أيًا منها لم تصل حمولتها إلى النصف، والأهم من ذلك، أن تلك الحمولة، لا تكاد تتصل بفكرة المساعدات الغذائية والطبية لمدينة محاصرة وسكان يعانون الحاجة إلى الغذاء والدواء، كما لاحظ الفريق الدولي الذي زار المدينة، ففي محتويات القافلة أدوية لمكافحة الحشرات مثل الناموس والقمل، وكمية قليلة من حليب الأطفال، التي لا تكفي لتوزيعها على الأطفال المحاصرين لمرة واحدة، بينما غابت الأغذية والأدوية والتجهيزات الطبية بصورة شبه كلية.
حالة داريا تعبير مكثف عن القضية السورية. سوريون يسعون إلى حياة أفضل ويدافعون عن أنفسهم وخياراتهم، ويدفعون فاتورة مكلفة، ونظام مصرّ على استمرار سياساته الدموية في القتل والتدمير والحصار، ومجتمع دولي مرتبك ومتخاذل عن فعل أبسط الأشياء وسط غياب المسؤولية الإنسانية والأخلاقية، قبل المسؤولية السياسية.