الرئيسة \  تقارير  \  مستشرق يهودي: كيف أزال الاحتلال مصر من معادلة الشرق الأوسط؟

مستشرق يهودي: كيف أزال الاحتلال مصر من معادلة الشرق الأوسط؟

10.11.2021
عدنان أبو عامر


عربي21
عدنان أبو عامر
الثلاثاء 9/11/2021
رغم مرور قرابة خمسة عقود على حرب 1973، ما يزال الإسرائيليون يبحثون نتائجها، ويناقشون عواقبها، على اعتبار أن هناك منظورا حاسما مفقودا يضع هذه الحرب في سياقها التاريخي الواسع.
لكن، يسمح ذلك بإعادة النظر في معنى النصر، الذي أصبح معقدا للغاية في العصر الحديث، عندما لم تعد الحروب تنتهي في ملجأ في برلين، أو على متن سفينة حربية في خليج طوكيو، مع العلم أنه في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، واجهت إسرائيل أخطر تحد لوجودها منذ حرب 1948.
وحام التهديد الوجودي حول المشروع الصهيوني منذ بدايته، وتركز أساسا في تعبئة الموارد من قبل الدول العربية، نحو نضال منسق ومتكامل، يهدف لمنع قيام الدولة اليهودية، وبعد ولادتها، العمل على تقويضها، بل والقضاء عليها.
حرب وجودية
لكن المستشرق اليهودي دان شيفتان ذكر في مقاله الذي نشرته صحيفة "هآرتس"، وترجمته "عربي21"، أنه "خلال حرب 1948، نجح دافيد بن غوريون، أول رئيس حكومة إسرائيلية، وبدعم من القيادة الصهيونية، في تقويض التضامن العربي من خلال شراكة إستراتيجية مع العاهل الأردني الأول الملك عبد الله، حين أدرك بن غوريون أن قيام دولة يهودية بأغلبية عربية لن يكون مستداما، ولذلك اعتبر أن تقسيم الأرض بين البحر والنهر هدفا صهيونيا".
وأضاف شيفتان، رئيس برنامج الدراسات العليا الدولية بمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة حيفا، ومحاضر في برنامج الماجستير في الدراسات الأمنية في جامعة تل أبيب، أن "بن غوريون كان يعلم أن الفلسطينيين بقيادة مفتي القدس الحاج أمين الحسيني، ليسوا شركاء في أي تقسيم مرغوب، مما أدى إلى تداخل المصالح بين إسرائيل وملك الأردن المؤسس عبد الله، الذي سعى لبناء المملكة عبر ضفتي النهر على أنقاض الحركة الوطنية الفلسطينية".
وأشار كاتب المقال إلى أن "الأردن امتنع عن استخدام جيشه المدرب تدريبا جيدا لتوجيه ضربة حاسمة لمراكز الجاذبية الإسرائيلية، بحكم شراكة عبد الله مع الدولة اليهودية، إذ ركز بدلا من ذلك على الاستيلاء على الأراضي التي ستصبح فيما بعد "الضفة الغربية" للمملكة"، على حد زعمه.
وأفاد شيفتان بأن "إسرائيل والأردن تعاملتا حينها مع بعضهما البعض بشكل أساسي كحلفاء في النضال ضد الفلسطينيين ومصر، حيث كان من المشكوك فيه أن إسرائيل كانت ستنجو في المراحل الأولى من حرب 1948 دون هذه الشراكة"، وفق قوله.
صفقة ومقايضة
وعلى المستوى الاستراتيجي، يقول شيفتان: "هدف إسرائيل تمثل بفرض صفقة منفصلة على مصر، تتمثل بمقايضة إنجازاتها الإقليمية في حرب 1967 في سيناء، بإضفاء الشرعية المصرية على إنجازاتها في حرب 1948، رغم أنه منذ 1949، تمثل الهدف الاستراتيجي الأساسي لإسرائيل في إضفاء الطابع المؤسسي على النتائج السيادية والديموغرافية والإقليمية لحرب التأسيس".
وبحسب الكاتب، لا يخفي الإسرائيليون أن وسيلتهم الأهم في تحقيق هدفهم تمثلت بفرض تخلي مصر عن كفاحها النشط ضد إسرائيل من خلال صفقة منفصلة، فمصر عنصر حاسم، كونها الدولة العربية الأقوى والأكثر استقرارا، والوحيدة القادرة على حشد كل موارد تلك الدول تحت قيادتها، ومع إزالة التهديد المصري، يمكن لإسرائيل أن توجه كل مواردها ضد أعدائها الأكثر انقساما وضعفا، وردعهم عن المواجهة أو هزيمتهم، إذا اختاروا شن حرب.
ويشرح شيفتان الفرضية الإسرائيلية بقوله إن "جوهر الصراع بين إسرائيل وأعدائها في فترة ما بعد 1967 على المستوى الاستراتيجي تمثل بفرض صفقة منفصلة على مصر بأن تتخلى عن الحرب ضد إسرائيل، وتحتفظ بمنطقة منزوعة السلاح داخل أراضيها السيادية في شبه جزيرة سيناء، مما يجعل من الصعب بشكل مفاجئ الانضمام لأي مواجهة عسكرية مستقبلية، بغض النظر عن مطالب وأفعال الدول العربية الأخرى والفلسطينيين، ويمكن لمصر أن تعبر عن تضامنها مع المطالب العربية، وتنتقد بشدة إسرائيل، شرط ألا تنضم فعليًا لكفاحهم العنيف النشط ضد الدولة اليهودية بأي شكل من الأشكال".
نتائج حرب 1973
حتى قبل حرب 1973، تخلى الرئيس المصري اللاحق أنور السادات عن عنصر رئيسي في الاستراتيجية الناصرية، ووصل إلى قناعة مفادها أن مصر والعرب لا يستطيعون الحفاظ على موقف التحدي تجاه الولايات المتحدة لفترة طويلة، كما فعل عبد الناصر، بل أمل السادات بحشد الضغط الأمريكي لإجبار إسرائيل على الانسحاب من سيناء، على الأقل، لكنه أدرك أن هذا الإنجاز يتطلب تحولا كبيرا في توجهات مصر الإقليمية والعالمية، خاصة التحالف مع الاتحاد السوفيتي.
يقول شيفتان إن "يوميات حرب 1973، ورغم تفوقها الاستراتيجي، فقد عانت إسرائيل من خسارة كبيرة في الثقة بالنفس، وظهرت محبطة، وخيبة أمل من أدائها، وتضرر وضعها الاقتصادي ومكانتها الدولية، وتدهورت قدرتها على الردع والمساومة، وازداد اعتمادها على الولايات المتحدة، وتآكلت ثقة الجمهور في قيادتها، ورغم كل هذا، تمكنت حكومتا غولدا مائير واسحق رابين من استعادة رباطة جأشهما، وإجبار السادات على القدوم تدريجيا باتجاههما".
ويضيف أن "معاهدة السلام مع مصر في كامب ديفيد 1979 منحت لإسرائيل مئة بالمئة، لا أقل، من هدفها الاستراتيجي الكبير المتمثل بمعاهدة سلام منفصلة، صمدت أمام اختبارات لأكثر من 40 عاما، ولم تضع حدا لحالة الحرب مع مصر فحسب، بل أيضا لاحتمال نشوب حرب إقليمية كبرى، حتى العمليات العسكرية الواسعة نسبيا للجيش الإسرائيلي، والتي يطلق عليها أحيانا "الحروب"، تختلف تماما عن واقع ما قبل عام 1973 من حيث تهديدها لإسرائيل، أو أهميتها الدولية".
تغير التحالفات
وأشار إلى أن "معاهدة السلام المنفصلة مع مصر دفعتها للتخلي عن الفلسطينيين، ومنعت سوريا من خوض حرب ضد إسرائيل، ونجحت باحتلال بيروت، وتدمير مفاعلات نووية في العراق وسوريا، وضربات جوية على دول عربية من العراق إلى السودان، وسحق المقاومة الفلسطينية في الانتفاضة الثانية، ونجاح شراكة مصر وإسرائيل بمكافحة العنف بسيناء، واستبدال الصراع العربي الإسرائيلي بتحالف فعلي بين إسرائيل ومعظم الدول العربية ضد إيران وتركيا والإخوان المسلمين".
ويختم بالقول إنه "بعد 50 عاما من حرب 1973، التي نجمت عن اتفاقية كامب ديفيد، أصبحت إسرائيل قوة إقليمية قوية، وسوريا محطمة، ومصر وصلت لطريق مسدود من حيث قدرتها على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، وتفهم تمامًا توازن القوى تجاه إسرائيل".
يشار إلى أن المادة مترجمة من العبرية عن "هآرتس" ولا تعبر عن رأي الصحيفة.