الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مستقبل التحالف الدولي في سورية

مستقبل التحالف الدولي في سورية

30.09.2014
حمزة المصطفى



العربي الجديد
الاثنين 29-9-2014
بمشاركة دول عربيّة، بدأت الولايات المتحدة غاراتها الجويّة في سوريّة، مستهدفة مقرات تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وجماعات إسلامية تضم مقاتلين أجانب.
ومنذ بدئها، انشغلت وسائل الإعلام العربيّة والعالمية بالإجابة عن تساؤلاتٍ، أثيرت عن مستقبل تنظيم الدولة، والمدى الزمني اللازم لإعلان التحالف "انتصاره" النهائي. لكن التساؤلات الأهم، وتفرضها الوقائع والظروف الراهنة، هي؛ ما مستقبل التحالف الدولي في سورية؟ هل هو تحالف دولي صلب؟ ما هي التباينات والتقاطعات بين دوله؟ وهل هو قابل للاستمرار، أم أنه تحالف آني؟
لا يعد التحالف الدولي لمواجهة تنظيم الدولة في سورية صلباً، فقد أعلنت الإدارة الأميركية أن التحالف يضمها مع خمس دول عربيّة هي؛ السعودية والإمارات والبحرين والأردن وقطر.
وبخلاف الإعلان والرمزيات الشكليّة، فإنه يضم عمليّاً ثلاث دول، الولايات المتحدة والإمارات والسعوديّة، وهي دول تلتقي على هدف مواجهة تنظيم الدولة، كونه يشكل تهديداً لأمنها القومي ومصالحها، من دون وجود استراتيجية واضحة، تحدد بالضبط الخطوات العملياتية المقررة وإطارها الزمني، وتعالج الظروف الموضوعية التي ساهمت في نشوء هذا التنظيم وانتشاره.
وفي الوقت نفسه، تعد الدول الثلاث قادرة، وتمتلك العدة والعتاد اللازم للمشاركة الفاعلة، بخلاف دول التحالف الأخرى.
في مرحلة الضربات الجويّة، لا يعتبر عدد الدول المشاركة في التحالف مؤشراً دالاً على قوته، أو ضعفه، إذ يكفي سلاح الجو الأميركي منفرداً لإنجازها، كما أن دولاً، مثل بريطانيا وفرنسا وتركيا، تستعد للمشاركة والانخراط في هذه الضربات.
لكن المهمة، وكما أعلن البنتاغون، لا تنجز بضربات جويّة تؤلم التنظيم، بل تتطلب تدخلاً بريّاً خارجيّاً، أو شريكاً وطنيّاً قادراً على الدخول في مواجهة مباشرة وملء الفراغ في المناطق التي يندحر منها.
تحضر، هنا، التباينات والتقاطعات بين الدول المشتركة في الحلف. فكما هو معروف، يرفض أوباما إرسال جنوده إلى الميدان، أكان في سورية أم العراق، وهو موقف تشترك فيه الدول الأوروبية الموجودة أو الراغبة في الانضمام الى التحالف.
في حين ترى تركيا، وهي دولة أساسية ومحوريّة، أن مواجهة التنظيم تقتضي فرض حظر جوي وإقامة منطقة عازلة في حدود 30 كم داخل الأراضي السوريّة، لاستيعاب تدفق اللاجئين.
وتشارك قطر تركيا الموقف الداعي إلى ضرب نظام الأسد وإضعافه، بالتوازي مع ضرب تنظيم الدولة، كونه المسؤول الرئيس عن استفحال ظاهرة التطرف ونشوء التنظيمات الإرهابية في سورية.
الموقف المتقدم لتركيا وقطر، وفرنسا (سياسيّاً فقط) يقابله موقف أميركي (موقف أوباما) متحفظ، تسير في فلكه دول عربية خليجية، مثل السعودية والإمارات، ويقر بأن المواجهة طويلة، وقد تستغرق سنوات، وأن البديل للتدخل العسكري البري هو تدريب دفعات من قوات المعارضة "المعتدلة" في السعوديّة، لتكون شريكاً وبديلاً يخلف تنظيم الدولة في المناطق التي يسيطر عليها حالياً.
وبحسب هذه الرؤيّة، والتي تستبعد النظام السوري، أو إيران، شريكاً في التحالف، يمكن، في حالات اضطرارية، الاستعانة بقوات تدخل مصريّة أو أردنية.
تبدو المقاربة الأميركية السابقة هزيلة وغير فعالة، على المدى المنظور أو المتوسط، ويمكن أن تقدم فرصة للنظام السوري، الخبير في اللعب على التناقضات والمراهنة على الوقت، ليجني ثمار التحالف الدولي وحده.
فإضعاف تنظيم الدولة أضحى، حاليّاً، ضرورة عاجلة، ليس للتحالف فحسب، بل للنظام الذي غضَّ الطرف عنه في السنة الماضية، بعد سلسلة هزائم عسكرية في الرقة خلال الشهرين الأخيرين (الفرقة 17، واللواء 93، ومطار الطبقة)، وفقدانه مئات الجنود، الأمر الذي أثار حالة من السخط والاستياء في صفوف مؤيديه، وخصوصاً في أوساط الطائفة العلوية. كما أن استهداف جبهة النصرة وقصف مقراتها يصب في مصلحته، كونها تعد، مع فصائل أخرى، رأس حربة في مواجهة قواته على جبهات عدة، لاسيما وأن تدريب وتجهيز الدفعة الأولى من قوات المعارضة المعتدلة يستغرق عاماً، وفق الاستراتيجية الأميركية.
في ظل هذا الواقع، يخشى أن تبادر الإدارة الأميركيّة المتلهفة لتحجيم خطر التنظيم، بأقل خسائر ممكنة، إلى إعادة تأهيل النظام، إذا ما نضجت صفقات جديدة، أو توفرت ظروف مغايرة، وهو ما قد يضع التحالف الدولي في مهب الريح.
من جهة أخرى، لا تزال إمكانيّة مشاركة إيران في التحالف تمثل إشكاليةً لأميركا وحلفائها، لأن سياسات إيران الطائفية ودعمها أنظمة ديكتاتورية (بشار الأسد ونوري المالكي) كانت سبباً رئيسيّاً في المشكلة الراهنة، ولا يمكن أن تكون جزءاً من الحل.
لذلك، ترى أميركا أن الدول والقوى "السنية" هي الأقدر على مواجهة تنظيم الدولة، وأن الاستعانة بإيران، أو مليشيات عراقية شيعية، سوف يمنح التنظيم حاضنة شعبية في بيئات اجتماعية معادية لإيران والمليشيات المرتبطة بها.
لكن إيران، ولمواجهة محاولات عزلها، بدأت في وضع العراقيل أمام التحالف الناشئ. ومثالاً، طلبت من حلفائها في العراق انتقاد التدخل الأميركي، والتحفظ على مشاركة الدول العربية في قصف مقرات تنظيم الدولة في العراق. كما أن تطورات اليمن، وسيطرة الحوثيين على صنعاء عسكريّاً فهمت أميركا منه أنه رسالة إيرانيّة بإشعال الإقليم، إذا لم يقر لها بدور.
لذلك، غيرت أميركا موقفها، وأعلن جون كيري على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة "أن لكل دول العالم دوراً في التحالف بما فيها إيران"، من دون أن يحدد ماهية هذا الدور وطبيعته. ولا شك أن إدماج إيران في معالجة أمراضٍ ساهمت في انتشارها، ووفرت لها بسياساتها الطائفية، سبل الانتشار، سيؤثر على نتائج العلاج.
في المحصلة، التحالف القائم، قائم على تناقضات وتباينات دوله، لكنها تناقضات لن تظهر في المرحلة الراهنة، وستبقى جمراً تحت رماد لا يعرف متى تنفخ الرياح فيه. وهنا، لابد من التوقف مليّاً عند تصريحات أمير دولة قطر، الدولة المشاركة في التحالف، وتحذيراته من فشل التحالف ضد تنظيم الدولة، إذا لم تعالج الأسباب الجوهرية للصراعات القائمة.