الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مستقبل المؤسسة العسكرية السورية

مستقبل المؤسسة العسكرية السورية

05.11.2017
الحسين الزاوي


الخليج
السبت 4/11/2017
مع شروع الأطراف السورية المتحاربة في مفاوضاتها المكوكية من جنيف إلى أستانة، بدأت تطفو على السطح أسئلة كثيرة تتعلق بمستقبل المؤسسة العسكرية السورية في مرحلة ما بعد إقرار التسوية السياسية وبداية عودة النازحين وانطلاق مرحلة إعادة بناء ما دمرته المعارك الشرسة التي كانت الحواضر السورية الكبرى مسرحاً لها. يتعلق الأمر إذن بتساؤلات جدية وفي غاية الأهمية والخطورة بالنسبة لمستقبل الدولة السورية، لأن الجيش السوري بوضعيته وتركيبته الحالية، وبصرف النظر عن التسميات التي تطلق على ما بقي من وحداته القتالية في إعلام الموالاة والمعارضة (قوات النظام، جيش الأسد، الميليشيات الأسدية، حماة الديار، الجيش العربي السوري، رجال الله على الأرض...)، فإن الأطراف الدولية الكبرى مازالت مقتنعة بأهمية المحافظة على بنيته المؤسسية وضرورة إعادة تشكيله وإصلاحه من الداخل من أجل تجنب تكرار ما حدث من فوضى عارمة في بلاد الرافدين بعد قيام بول بريمر بحل الجيش العراقي.
لقد عرفت المؤسسة العسكرية السورية تحولات كبرى منذ بداية ما يسمى "الربيع العربي"، وأدت تطورات الأوضاع خلال سنوات الأزمة إلى حدوث انشقاقات داخل هذه المؤسسة، خاصة في صفوف القوات البرية التي أسهم القسم الأكبر منها في تأسيس ما أصبح يعرف بالجيش السوري الحر، وكانت القوات النظامية قاب قوسين أو أدنى من الانهيار لولا الدعم المباشر لحزب الله وإيران والتدخل القوي للطيران الروسي المدعوم من عناصر من القوات الخاصة الذي حدث مع نهاية شهر سبتمبر/ أيلول 2015. ومع ذلك فإن الكثير من الخبراء يؤكدون أن القوات الجوية السورية التي أعاد تشكيلها الرئيس السوري السابق حافظ الأسد مع بداية السبعينات من القرن الماضي، لعبت دوراً رئيساً وبارزا في قلب الأوضاع في مسرح العمليات القتالية.
ويؤكد هؤلاء الخبراء في السياق نفسه، أن هذا الدور المحوري الذي ينسب للقوات الجوية، يعود إلى توفرها على بنية عسكرية متكاملة، فهي تضم على سبيل المثال، عناصر خاصة تعمل بشكل سري في مناطق المواجهة، وتكمن مهمتها الأساسية القيام بجمع المعطيات الاستخباراتية التي تساعد قادة القوات الجوية على تحديد الأهداف العسكرية بفعالية أكبر، وتسمح لها من ثمة بتجاوز حالة الضعف التقني للأسطول الجوي السوري الذي يمتلك طائرات قديمة نسبياً تعود في معظمها إلى المرحلة السوفييتية؛ ويخلص تقرير الخبراء في الأخير، إلى أنه ما كان بإمكان القوات النظامية أن تحافظ على مناطق متفرقة ومتقطعة الأوصال من التراب السوري لولا القوة النارية التي يمتلكها سلاح الجو.
ويمكن القول، إن هذه الإمكانيات العسكرية "الاستثنائية" التي تنسب إلى القوات الجوية السورية، وعلى الرغم من كونها قد ساهمت بشكل فعلي في مساعدة الجيش النظامي على استعادة مناطق شاسعة كانت تحت سيطرة الجماعات الإرهابية وقوات المعارضة، إلا أن التكلفة البشرية والمادية كانت باهظة الثمن، فقدت أدى الاستعمال المكثف للبراميل المتفجرة إلى دمار واسع داخل النسيج العمراني وإلى نزوح وتشريد الآلاف من العائلات السورية التي يوجد معظمها الآن في مخيمات اللاجئين بدول الجوار. كما أن تدويل الصراع في سوريا والحرب الدولية ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، أدى إلى تحوّل الأجواء السورية إلى مسرح واسع للاستعراض العسكري الجوي لمختلف أنواع الطائرات التابعة لقوات التحالف الدولي والقوات الروسية المتواجدة في قاعدة حميميم بمحافظة اللاذقية، إضافة إلى القوات الجوية السورية، الأمر الذي ضاعف من معاناة المدنيين عبر مختلف مناطق الجغرافيا السورية.
من الواضح في كل الأحوال أنه وبالرغم من النجاحات العسكرية التي حققها النظام بفضل قواته الجوية المدعومة من قبل الترسانة العسكرية الروسية، إلا أن كل ذلك لن يسهم في حل المشكلة السورية، نتيجة لوجود قناعة واسعة لدى أطراف المعارضة بشقيها السياسي والعسكري بحتمية إعادة تشكيل المؤسسة العسكرية السورية لكي تكون أكثر انفتاحاً على مختلف أطياف ومكونات الشعب السوري، وحتى تكون أكثر وفاء للدولة الوطنية السورية وأقل ارتباطاً بالأشخاص أو بمؤسسة الرئاسة، بصرف النظر عن الشخصية التي تشغل أعلى منصب في هرم الدولة. إذ لا يمكن للانتصارات الميدانية التي ما زال يحققها الجيش النظامي، والتي سمحت له حتى الآن باستعادة مناطق واسعة من التراب السوري، أن تضمن له الفوز في معركة استمالة قلوب الثكلى والمشردين وفي إعادة الطمأنينة للسكان الفارين وفي تحقيق السلم الأهلي المفقود، إلا إذا عمل على إنجاز مصالحة حقيقية قائمة على مشروع سياسي ومجتمعي مقبول من قبل كل الأطراف التي تدافع عن خيار الدولة المدنية في سوريا.
ونستطيع أن نزعم في هذه العجالة أن مستقبل المصالحة والوئام الشامل في سوريا، يمر بداية عبر مناقشة مستقبل المؤسسة العسكرية السورية، التي فشلت في البقاء على الحياد ، كما حدث في تونس ومصر، وهي مطالبة الآن بأن تلعب الدور الأبرز في دفع النخبة السياسية الحاكمة في دمشق، من أجل تبني حل سياسي غير إقصائي أو استئصالي، يضمن حقوق الأقليات دون أن يفرِّط في الحقوق المشروعة للأغلبية، اعتماداً على مشروع وطني تشاركي يأخذ بعين الاعتبار مصالح القوى الإقليمية والدولية دون أن يتبنى أجنداتها السياسية التي لا تخدم المصالح العليا للشعب السوري؛ وبالتالي فإنه إذا كان الرهان على تفكيك المؤسسة العسكرية قد فشل، فإن عدم قبول قيادتها الحالية بخيار الإصلاح السياسي لن يسهم في تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة بين كل أبناء الشعب السوري.